بِسْمِ اْللهِ اْلْرَّحْمَنِ اْلْرَّحِيْمِ
2- مَرَاحِلُ تشْرِيعِ الصَّوْمِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه ومن استَنَّ بسُنته، واهتدى بهديه، وسار على نهجه إلى يوم الدين.... اللهم آمين.
ثم أما بعدُ...
فإخوتي فى الله.. هذا هو موضوعنا الثاني من موضوعات " فقه الصيام " ، أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، هو ولي ذلك والقادر عليه.
س3: ما هى مراحل تشريع الصوم؟!ـ
ج: ليُعلم ابتداءاً أن الصوم لم يفرض على المسلمين كما هو اليوم مرة واحدة ، وإنما مر بثلاثة مراحل ، فانظروا معي إلى صبر الصحابة على التكاليف الشرعية ، والتي لا يحتمل أقلها كثير منَّا –إلا من رحم ربى-، فهم قوم أوتوا الإيمان قبل القرآن ، فلما جاءتهم أوامر القرآن أذعنوا لها ولم يعترضوا ، وأما نحن فلا حول ولا قوة إلا بالله!! ، أسأل الله –تعالى- أن يرزقنا السير على خطاهم، ووفق نهجهم.
* المرحلة الأولى:
لم يكن الصوم واجباً على كل مكلف فرض عين ، وإنما كانت هناك رخصة ، فمن شاء صام ، ومن شاء أفطر ولو كان بغير عذر ، شريطة أن يُطعِم عن كل يوم يفطر فيه مسكيناً.
الدليل: قول المولى –عزوجل-: (( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)) [البقرة:184] ، أي: من كان مطيقاً للصوم ، قادراً عليه ، ولكن أراد أن يُفطر فليُفطِر ، ويُطعم مسكيناً عن كل يوم.
* المرحلة الثانية:
كان فيها الصوم على سبيل الإلزام، ونسخ حكم التخيير بالنسبة للقادر ، فيبدأ فيها الصوم بالنوم –[ومعنى يبدأ الصوم بالنوم: أي أنه إذا غربت الشمس فإن ذلك يكون موعد الإفطار ، فإذا نام المرء بعد آذان المغرب بدأ صوم اليوم التالي ، فعليه بذلك أن يمسك عن المفطرات إلى مغرب اليوم التالي ، وقد يذكر بعض العلماء أن الصوم كان يبدأ بعد العشاء ، وذلك لأن غالب نوم الصحابة كان بعد صلاة العشاء]- ، فكان الصحابة –رضوان الله عليهم- يصومون طِيلَة اليوم والليلة ، إلا ما بين المغرب والعشاء – غالبًا- ، أو حتى يصوم أحدهم من قبل آذان العشاء إلى مغرب اليوم التالي إن نام قبل العشاء.
الدليل: أولاً: على نسخ حكم التخيير للقادر: قول الله –تعالى- فى محكم التنـزيل: ((فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرٍ)) [البقرة:185].
ثانياً: بالنسبة لوقت الصيام: روى البخاري –رحمه الله- عن البراء بن عازب –رضي الله عنه- ، قال: " كان أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم- إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار ، فنام قبل أن يُفطر ، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وإن قَيْسَ بنَ صِرمَةَ الأنصاريّ كان صائمًا ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته ، فقال لها: أعِندَكِ طعام؟! ، قالت: لا ، ولكن أَنْطَلِقُ فأطلُبُ لكَ ، وكان يَوْمَه يعمل ، فغَلَبَته عيناه ، فجاءته امرأته ، فلما رأته قالت: خَيْـبَةً لك!!. فلما انتصف النهار غُشِيَ عليه ، فَذُكر ذلك للنبي –صلى الله عليه وسلم-، فنـزلت هذه الآية: ((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلى نِسَآئِكُمْ)) ، ففرحوا بها فرحًا شديدًا ، ونزلت: ((وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ))" [الحديث بطوله فى صحيح الإمام البخاري –يرحمه الله-].
قال العلماء: والمقصود أن الله – سبحانه وتعالى- استغنى بذكر الأشد (وهو الجماع) – يعني إباحته- ، عن الأدنى (يعني ما دونه من المفطرات ، وهي الأكل والشرب).
* المرحلة الثالثة:
هي ما نحن عليه الآن ، وهو ما ذُكر فى حديث البراء –رضي الله عنه- السابق بعد نزول الآية ، فيبدأ الصوم من طلوع الفجر الصادق ، وينتهي بغروب شمس اليوم التالي.
الدليل: قول المولى – عز وجل- : ((وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إلى الَّيْل)) [البقرة:187] ، وكما تبين فى حديث البراء –رضي الله عنه- ، ونُسِخ حكم التخيير بالنسبة للقادر على الصوم ، وكذا الصيام المتواصل من العشاء لمغرب اليوم التالي.
وأعتذر أيها الإخوة والأخوات عن الإطالة.
هذا وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى، وأن يرزقنا الإخلاص فى أقوالنا وأفعالنا.
موضوعنا القادم إن شاء الله تعالى: ((رؤية الهلال وما يتعلق بها))
كيف يثبت حضــور الشهـــــر؟؟!
إذا رأى بلدٍ ما الهلال ولم يره الآخر