بسم الله ... الله المستعان
(1)
كَيفَ تَجدُكَ؟!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله r، وعلى آله وصحبه ومن والاه... أمَّا بعدُ..
فأخى المسلم.. كيف حالك مع الله، وكيف حال قلبكَ مع كتاب الله؟!.
هل غُفر لك ما تقدم من ذنبك؟، هل أُعتِقَت رقبتك من النار، أم مازلتَ تائهاً بين الحيارى، وقل لى ماذا قدَّمتَ لتنال هذا العتق؟!.
عبد الله.. قال رسول الله r: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))[متفق عليه]، وقد روى أبو هريرة t أن النبى r صعد المنبر فقال: ((آمين آمين آمين))، قيل: يا رسول الله إنك صعدت المنبر، فقلتَ: آمين آمين آمين!!، فقال: ((إن جبريل u أتانى فقال: "من أدرك شهر رمضان فلم يُغفَر له، فدخل النار، فأبعده الله، قل آمين"، فقلتُ: آمين))[صحيح الترغيب والترهيب]، فوالله الذى لا إله غيره قد خاب وخسِرَ خسراناً مبيناً من أدركَ أيامنا تلكَ، ثم خرج منها مع المردودين، ولم يُقبَل مع الفائزين، نسأل الله العفو والعافية.
إذن.. فالأمر جَدُّ خطير!!، فلا ينبغى لنا أن نستهين به، فلِمَ الأمن إلى هذه الدرجة؟!، ألا تخشى أن يأتى عليكَ ساعة تتمنى فيها التوبة فلا يؤذن لك؟!، ألا تخشى أن تُسلَب الإيمان قبل الموت؟، قال رسول الله r: ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسى كافراً، أو يمسى مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)) [مسلم]، أتظن بعدها أنكَ فى مأمن من هذا الوعيد؟!.
وكم من عبد توفاه الله -تعالى- قبل أن يدرك شهرنا هذا بيوم أو يومين، أو أكثر أو أقل!!، فتدبر –يا رعاك الله- فى حال هؤلاء.. فلربما كان الواحد منهم يؤَمِّلُ لتوبة مع قدوم رمضان، لم يبلغها، وفى ذلك عبرة لأولى الألباب!!.
عبد الله.. الخوف من الله أقَدَّ مضاجع عباد الله الصالحين، وأرَّق عيون القائمين، فترى الفاروق t يتمنى وهو على فراش الموت أن يكون له ملء الأرض ذهباً، لا ليتمتع به ويسعد نفسه كما نتمنى، لكن.. ليفتدى به من عذاب الله، ولله دَرُّه – سفيان الثورى رحمه الله-، يفنى حياته فى طاعة الله، وليله ونهاره فى الدعوة إلى رب الأرض والسماء، ثم.. بكاءٌ شديدٌ عند الموت، ما يبكى على دنياكم، وإنما خشية تحول القلب، وذهاب الإيمان ساعة الاحتضار... يا الله؟!.. يفنى هؤلاء أعمارهم فى أنواع العبادات، ثم لا يعجب أحدهم بعمله، ولا يقول: "يكفينى كذا.. أنا أفضل من غيرى!"، بل يتجه إلى الله بسلاحىّ الخوف والرجاء؛ الخوف من رد العمل، والرجاء فى فضل الله وكرمه ومنه ورحمته وإحسانه، فأين نحن من هؤلاء!!!.
* الله ينتظركَ !! *
ثم.. "فإذا عزمتَ فتوكل على الله".. فإن التوبة لابد لها من عمل، قال الله U: ﴿يَاأَيُّهَا اْلَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَعْمَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اْللهِ أَنْ تَقُولُواْ مَا لاَ تَعْمَلُونَ﴾، فشَمِّر –أخى- عن ساعد الجد، واتجه إلى ربكَ بأنواع العبادات والطاعات، ممتثلاً للأمر، مجتنبًا للنهى، واقفًا عند الحد.
* واحذر – عبد الله- من أداء العبادة فى غياب القلب *
لذا.. فأنصح نفسى وإياكَ بالاجتهاد فى إصلاح القلب، فإن مرض القلب والله أجدر بالاهتمام من سائر أمراض البدن، فمرض البدن إن صبرت عليه غفر الله لك ذنوبك، ورفع درجاتك، وأما مرض القلب فلا يورث إلا الغفلة فى الدنيا، والذل والصغار يوم القيامة، ولم تزدد به من الله إلا بعداً..
ومما يساعد على إصلاح القلوب:
أولاً: لابد وأن ترد للقلب روحه، فإنه كما أن الروح إذا خرجت من البدن مات الإنسان، فكذلك إذا خرجت روح القلب منه مات، وهذه الروح هى كلام الله U، قال ربى I: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا﴾، فاجتهد –وفقك الله- فى تلاوة كتاب الله، وتدبره، ولا تنس –أخى- أن تحدد لكَ عدداً من الختمات لكتاب الله تنجزها فى خلال هذا الشهر، وإياكَ وقول: "سأحاول.. إن شاء الله ربنا ييسر.."، دون أن تحدد هدفك، ولكن قل: سأختم "كذا" من المرات إن شاء الله، فإن لم توفق وتبلغه بعملك، بلغته بنيتكَ الصادقة.
وثم الوسائل الأخرى التى تعين على ترقيق القلوب، مثل: زيارة القبور للعبرة والعظة – مع التزام الآداب الشرعية الخاصة بها-، وكثرة الصدقات، والإحسان إلى اليتيم، وسماع المحاضرات التى تتحدث عن الدار الآخرة، والجنة والنار، والموت وساعة الاحتضار، ونعيم القبر وعذابه، والخشوع، والخوف والرجاء....إلخ.
وإياكَ أن تكون ممن يعبد الله على حرف، فإن وجدتَ خيراً ثبتَّ على الطاعة، وأما إن وجدت إبتلاءً وفتنة نكصت على عقبيك، فإن مثل هذا لا يُحصِّلُ إلا الخزى والخسران لدنياه وآخرته، لكن ينغى عليكَ أن تعلم أن سنة الله U هى ابتلاء عباده، لمعرفة الصادق من الكاذب، فإن اجتزت تلك المرحلة بسلام، وأثبت صدقك فى اللجوء إليه، انتقلت إلى مرحلة تكفير الذنوب والخطايا، بالصبر على البلاء، وثم رفع الدرجات فى الجنة، وهنيئاً لكَ حينئذ، قال ربى –سبحانه- : ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَنيَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنقَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّالْكَاذِبِينَ﴾.
فلابد وأن تجد نفسك تأبى عليكَ إلا ترك الطاعة، أو تأجيلها، وما ذلك إلا لأنها أمارة بالسوء، فاستعن عليها بالعليم القدير، ولا تدعها تهزمك فتُرْديك.
وإياكَ أن ترق لأنينها، أو أنين جوارحك، فإن كل ذلك مُتبرِّأ منك يوم العرض، شاهد على كل صغيرة وكبيرة، قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اْللهُ اْلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، فالحذر الحذر، لئن أسعدتهم فى هذه الدنيا وأرضيتهم، لتشهدن منهم يوم القيامة مالا تحب ولا ترضى.
* وقفة *
أخى المسلم.. إنها دعوة للعودة إلى رب العباد، فى أيام الخير والبركات، وإنى لك لمن الناصحين، ولا أريد لك إلا الخير، فبادر – عبد الله- قبل أن تُبادَر، واطرق الباب، عسى أن تكون من المقبولين، فتصير من الفائزين، ووالذى نفسى بيده إنه لمن الصعب على من انفلت منه شهر رمضان دون أن يحدث توبة، ويعود إلى ربه، فلم يعتق من النار، من الصعب عليه بعدها أن يعود فى أيام تسلط الشياطين، وتدنى الهمم، وذهاب الجو الإيمانى.
قال الحق Y، وهو –سبحانه- الغنى عنى وعنكَ وعن العالمين: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِاللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَالْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُالْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾.
اللهم إنى أسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، أن توفقنى وجميع المسلمين فى شهرنا هذا، وساعتنا هذه، إلى توبة ترضى بها عنا، وأن تصلح قلوبنا، وتزكى نفوسنا، وتجعلنا من عبادك المخلَصين، وألا تخرجنا من هذا الشهر المبارك إلا وقد غفرت ذنوبنا، وأعتقت رقابنا من النار.وصلى اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
"والحمد لله رب العالمين"
*قال تعالى:
﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّنرَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾
﴿ سَابِقُوا إِلَىمَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءوَالْأَرْضِ أُعِدَّتْلِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُاللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنيَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾
﴿ فَاْسْتَبِقُواْ اْلخَيْرَاتِ﴾