عظة الموت
الحمد لله فاطرِ السماوات والأرض، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.. فإن الله عز وجل جعل الموت حلقةً من حلقات الحياة يتم به الاختبار والابتلاء، فالموت ليس فناءً كما يعتقد الجاهلون، بل هو انتقال من دار إلى دار، وبرزخ يفصل بين حياتين، حياة الاختبار والابتلاء، وحياة الجزاء والبقاء، والحياة الحقيقية هي حياة الآخرة وإن آثر أكثر الناس الحياة الدنيا، قال تعالى: [بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى] {الأعلى:16- 17}، وقال: [إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ] {غافر:39}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" {رواه البخاري}.
والموت هو اليقين حقّا، وإن أعرض الناس عنه وحادوا، والحياة الدنيا دار البلاء والاختبار والعمل لما بعد الموت.
قال تعالى: [وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ] {ق:19}.
وقال: [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ] {الحجر:99} أي: الموت.
ولما مات عثمان بن مظعون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أما عثمان فقد جاءه اليقين".
فالموت حق لا يُعرض عن ذكره إلا غافل، ولا يفر منه إلا جاهل، قال تعالى: [قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {الجمعة:8}.
ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكره والاستعداد له فقال: "أكثروا ذكر هادم اللذات".
ففي ذكر الموت فوائد عظيمة؛ فهو أدعى لقصر الأمل في الدنيا والزهد في زخارفها، والحرص على العمل الصالح وإحسانه، ومحاسبة النفس على ما فعلت، والمبادرة للتوبة النصوح، وأداء الحقوق إلى أصحابها، ثم هو يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي، وذكر الموت في كل حال أدعى لصلاح الحال؛ ففي صلاتك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذكر الموت في صلاتك، فإن المرء إذا ذكر الموت في صلاته فحري أن يحسن صلاته، وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها" {صحيح الجامع}.
وفي صباحك ومسائك؛ "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك لمرضك، ومن فراغك لشغلك."
وعند نومك "اللهم إني أسلمت نفسي إليك". "باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين".
وعند يقظتك "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".
وفي سائر حياتك "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" {البخاري}.
والموت راحة للمؤمن من تعب الدنيا ونصبها، ونهاية سعيدة لهذا الابتلاء الذي عاناه فيها، أما الكافر فبالموت يبدأ شقاؤه وعناؤه والعياذ بالله.
مرت جنازة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مستريح أو مستراح منه؛ أما المؤمن فيستريح بالموت من تعب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله عز وجل، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب" {البخاري}.
وتبدو هذه الراحة في بشارة الملائكة للمؤمن عند الموت لا تخف ولا تحزن وأبشر بالجنة، قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ] {فصلت 30- 32}.
والبلاء الذي يتعرض له المؤمن قبل موته يكفر عنه ذنوبه ويرفع درجته؛ فإنه لا يصيب المؤمن همٌّ ولا غمٌّ ولا نَصَب ولا أذيً حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده، قال الله عز وجل لملائكته: اكتبوا له صالح عمله، فإن شفاه الله غسله وطهّره، وإن قبضه غفر له ورحمه" {صحيح الجامع}.
إن الموت مصيبة لابد منها، تراها وتبتلى بها فيمن تحب ثم تبتلى بها في نفسك.
إن عشت تفجع بالأحبة كلهم
ولفقد نفسك لا أبالك أفجع
اللهم ارزقنا حسن الخاتمة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصخبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
د.جمال المراكبي
الحمد لله فاطرِ السماوات والأرض، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.. فإن الله عز وجل جعل الموت حلقةً من حلقات الحياة يتم به الاختبار والابتلاء، فالموت ليس فناءً كما يعتقد الجاهلون، بل هو انتقال من دار إلى دار، وبرزخ يفصل بين حياتين، حياة الاختبار والابتلاء، وحياة الجزاء والبقاء، والحياة الحقيقية هي حياة الآخرة وإن آثر أكثر الناس الحياة الدنيا، قال تعالى: [بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى] {الأعلى:16- 17}، وقال: [إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ] {غافر:39}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" {رواه البخاري}.
والموت هو اليقين حقّا، وإن أعرض الناس عنه وحادوا، والحياة الدنيا دار البلاء والاختبار والعمل لما بعد الموت.
قال تعالى: [وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ] {ق:19}.
وقال: [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ] {الحجر:99} أي: الموت.
ولما مات عثمان بن مظعون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أما عثمان فقد جاءه اليقين".
فالموت حق لا يُعرض عن ذكره إلا غافل، ولا يفر منه إلا جاهل، قال تعالى: [قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {الجمعة:8}.
ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكره والاستعداد له فقال: "أكثروا ذكر هادم اللذات".
ففي ذكر الموت فوائد عظيمة؛ فهو أدعى لقصر الأمل في الدنيا والزهد في زخارفها، والحرص على العمل الصالح وإحسانه، ومحاسبة النفس على ما فعلت، والمبادرة للتوبة النصوح، وأداء الحقوق إلى أصحابها، ثم هو يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي، وذكر الموت في كل حال أدعى لصلاح الحال؛ ففي صلاتك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذكر الموت في صلاتك، فإن المرء إذا ذكر الموت في صلاته فحري أن يحسن صلاته، وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها" {صحيح الجامع}.
وفي صباحك ومسائك؛ "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك لمرضك، ومن فراغك لشغلك."
وعند نومك "اللهم إني أسلمت نفسي إليك". "باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين".
وعند يقظتك "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".
وفي سائر حياتك "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" {البخاري}.
والموت راحة للمؤمن من تعب الدنيا ونصبها، ونهاية سعيدة لهذا الابتلاء الذي عاناه فيها، أما الكافر فبالموت يبدأ شقاؤه وعناؤه والعياذ بالله.
مرت جنازة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مستريح أو مستراح منه؛ أما المؤمن فيستريح بالموت من تعب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله عز وجل، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب" {البخاري}.
وتبدو هذه الراحة في بشارة الملائكة للمؤمن عند الموت لا تخف ولا تحزن وأبشر بالجنة، قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ] {فصلت 30- 32}.
والبلاء الذي يتعرض له المؤمن قبل موته يكفر عنه ذنوبه ويرفع درجته؛ فإنه لا يصيب المؤمن همٌّ ولا غمٌّ ولا نَصَب ولا أذيً حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده، قال الله عز وجل لملائكته: اكتبوا له صالح عمله، فإن شفاه الله غسله وطهّره، وإن قبضه غفر له ورحمه" {صحيح الجامع}.
إن الموت مصيبة لابد منها، تراها وتبتلى بها فيمن تحب ثم تبتلى بها في نفسك.
إن عشت تفجع بالأحبة كلهم
ولفقد نفسك لا أبالك أفجع
اللهم ارزقنا حسن الخاتمة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصخبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
د.جمال المراكبي
تعليق