والله يختص برحمته من يشاءُ(ابن القيم)
وجماع الأمر فى ذلك إنما هو بتكميل عبودية الله [عز وجل] فى الظاهر والباطن، فتكون حركات نفسه وجسمه كلها فى محبوبات الله، وكمال عبودية العبد موافقته لربه فى محبته ما أَحبه، وبذل الجهد فى فعله وموافقته فى كراهة ما كرهه وبذل الجهد فى تركه، وهذا إنما يكون للنفس المطمئنة، لا للأَمَّارة ولا للَّوامة.
فهذا كمال من جهة الإرادة والعمل، وأما من جهة العلم والمعرفة فأن تكون بصيرته منفتحة فى معرفة الأَسماءِ والصفات والأفعال، له شهود خاص فيها مطابق لما جاءَ به الرسول صلى الله عليه وسلم لا مخالف له، [فإنه] بحسب مخالفته له فى ذلك يقع الانحراف ويكون [مع] ذلك قائماً بأحكام العبودية الخاصة التى تقتضيها كل صفة بخصوصها، وهذا سلوك الأكياس الذين هم خلاصة العالم، والسالكون على هذا الدرب أفراد من العالم، طريق سهل قريب موصل، طريق آمن أَكثر السالكين فى غفلة عنه، ولكن يستدعى رسوخاً فى العلم ومعرفة تامة به وإِقداماً على رد الباطل المخالف له ولو قاله من قاله، وليس عند أكثر الناس سوى رسوم تلقوها عن قوم معظمين عندهم، ثم لإحسان ظنهم بهم قد وقفوا عند أقوالهم ولم يتجاوزوها [إلى غيرها] فصارت حجاباً لهم وأَى حجاب.
فمن فتح الله عليه بصيرة قلبه وإِيمانه حتى خرقها وجاوزها إلى مقتضى الوحى والفطرة والعقل، فقد أُوتى خيراً كثيراً ولا يخاف عليه إِلا من ضعف همته، فإِذا انضاف إلى ذلك الفتح همة عالية فذاك السابق حقاً، واحد الناس بزمانه، لا يلحق شأْوه ولا يشق غباره فشتان ما بين من يتلقى أَحواله ووارداته عن الأَسماء والصفات وبين من يتلقاها عن الأوضاع الاصطلاحية والرسوم أو عن مجرد ذوقه ووجده، إِذا استحسن شيئاً قال هذا هو الحق، فالسير إلى الله من طريق الأَسماءِ والصفات شأْنه عجب، وفتحه عجب صاحبه قد سيقت له السعادة وهو مستلق على فراشه غير تعب ولا مكدود ولا مشتت عن وطنه ولا مشرد عن سكنه: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِى تَمُرُّ مَرَّ السَّحَاب} [النمل:88]. وليس العجب من سائر فى ليله ونهاره وهو فى الثرى لم يبرح من مكانه، وإنما العجب من ساكن لا يرى عليه أَثر السفر وقد قطع المراحل والمفاوز، فسائر قد ركبته نفسه فهو حاملها سائر بها ملبوك يعاقبها وتعاقبه ويجرها وتهرب منه ويخطو بها خطوة إلى أَمامه فتجذبه خطوتين إلى ورائه، فهو معها فى جهد وهى معه كذلك، وسائر قد ركب نفسه وملك عنانها فهو يسوقها كيف شاءَ وأَين شاءَ لا تلتوى عليه ولا تنجذب ولا تهرب منه، بل هى معه كالأسير الضعيف فى يد مالكه وآسره وكالدابة الريضة المنقادة فى يد سائسها وراكبها، فهى منقادة معه حيث قادها، فإِذا رام التقدم جمزت به وأَسرعت، فإذا أَرسلها سارت به وجرت فى الحلبة إلى الغاية ولا يردها شيء فتسير به وهو ساكن على ظهرها، ليس كالذى نزل عنها فهو يجرها بلجامها ويشحطها ولا تنشحط، فشتان ما بين المسافرين فتأَمل هذا المثل فإِنه مطابق لحال السائرين المذكورين، والله يختص برحمته من يشاءُ.والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا جول ولا قوة الا بالله العلي الغظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
وجماع الأمر فى ذلك إنما هو بتكميل عبودية الله [عز وجل] فى الظاهر والباطن، فتكون حركات نفسه وجسمه كلها فى محبوبات الله، وكمال عبودية العبد موافقته لربه فى محبته ما أَحبه، وبذل الجهد فى فعله وموافقته فى كراهة ما كرهه وبذل الجهد فى تركه، وهذا إنما يكون للنفس المطمئنة، لا للأَمَّارة ولا للَّوامة.
فهذا كمال من جهة الإرادة والعمل، وأما من جهة العلم والمعرفة فأن تكون بصيرته منفتحة فى معرفة الأَسماءِ والصفات والأفعال، له شهود خاص فيها مطابق لما جاءَ به الرسول صلى الله عليه وسلم لا مخالف له، [فإنه] بحسب مخالفته له فى ذلك يقع الانحراف ويكون [مع] ذلك قائماً بأحكام العبودية الخاصة التى تقتضيها كل صفة بخصوصها، وهذا سلوك الأكياس الذين هم خلاصة العالم، والسالكون على هذا الدرب أفراد من العالم، طريق سهل قريب موصل، طريق آمن أَكثر السالكين فى غفلة عنه، ولكن يستدعى رسوخاً فى العلم ومعرفة تامة به وإِقداماً على رد الباطل المخالف له ولو قاله من قاله، وليس عند أكثر الناس سوى رسوم تلقوها عن قوم معظمين عندهم، ثم لإحسان ظنهم بهم قد وقفوا عند أقوالهم ولم يتجاوزوها [إلى غيرها] فصارت حجاباً لهم وأَى حجاب.
فمن فتح الله عليه بصيرة قلبه وإِيمانه حتى خرقها وجاوزها إلى مقتضى الوحى والفطرة والعقل، فقد أُوتى خيراً كثيراً ولا يخاف عليه إِلا من ضعف همته، فإِذا انضاف إلى ذلك الفتح همة عالية فذاك السابق حقاً، واحد الناس بزمانه، لا يلحق شأْوه ولا يشق غباره فشتان ما بين من يتلقى أَحواله ووارداته عن الأَسماء والصفات وبين من يتلقاها عن الأوضاع الاصطلاحية والرسوم أو عن مجرد ذوقه ووجده، إِذا استحسن شيئاً قال هذا هو الحق، فالسير إلى الله من طريق الأَسماءِ والصفات شأْنه عجب، وفتحه عجب صاحبه قد سيقت له السعادة وهو مستلق على فراشه غير تعب ولا مكدود ولا مشتت عن وطنه ولا مشرد عن سكنه: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِى تَمُرُّ مَرَّ السَّحَاب} [النمل:88]. وليس العجب من سائر فى ليله ونهاره وهو فى الثرى لم يبرح من مكانه، وإنما العجب من ساكن لا يرى عليه أَثر السفر وقد قطع المراحل والمفاوز، فسائر قد ركبته نفسه فهو حاملها سائر بها ملبوك يعاقبها وتعاقبه ويجرها وتهرب منه ويخطو بها خطوة إلى أَمامه فتجذبه خطوتين إلى ورائه، فهو معها فى جهد وهى معه كذلك، وسائر قد ركب نفسه وملك عنانها فهو يسوقها كيف شاءَ وأَين شاءَ لا تلتوى عليه ولا تنجذب ولا تهرب منه، بل هى معه كالأسير الضعيف فى يد مالكه وآسره وكالدابة الريضة المنقادة فى يد سائسها وراكبها، فهى منقادة معه حيث قادها، فإِذا رام التقدم جمزت به وأَسرعت، فإذا أَرسلها سارت به وجرت فى الحلبة إلى الغاية ولا يردها شيء فتسير به وهو ساكن على ظهرها، ليس كالذى نزل عنها فهو يجرها بلجامها ويشحطها ولا تنشحط، فشتان ما بين المسافرين فتأَمل هذا المثل فإِنه مطابق لحال السائرين المذكورين، والله يختص برحمته من يشاءُ.والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا جول ولا قوة الا بالله العلي الغظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
تعليق