إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يوم يَنســى العبــد نفســه !

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يوم يَنســى العبــد نفســه !

    من كتاب :(( الجواب الكافــي لمن سأل عن الدواء الشــافي ))

    ||لابن القيم الجوزيـــة ||

    {{المعصية تنسي العبد نفسه }}

    ومن عقوباتها : أنها تنسي العبد نفسه ، وإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها ، فإن قيل : كيف ينسى العبد نفسه ؟ وإذا نسي نفسه فأي شيء يذكر ؟ وما معنى نسيانه نفسه ؟

    قيل : نعم ينسى نفسه أعظم نسيان ، قال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ
    )[ سورة الحشر : 19 ] .

    فلما نسوا ربهم سبحانه نسيهم وأنساهم أنفسهم ، كما قال تعالى :(
    نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) [ سورة التوبة : 67 ] .

    فعاقب سبحانه من نسيه عقوبتين :

    إحداهما : أنه سبحانه نسيه .

    والثانية : أنه أنساه نفسه .


    *ونسيانه سبحانه للعبد : إهماله ، وتركه ، وتخليه عنه ، وإضاعته ، فالهلاك أدنى إليه من اليد للفم ، وأما إنساؤه نفسه ، فهو : إنساؤه لحظوظها العالية ، وأسباب سعادتها وفلاحها ، وإصلاحها ، وما تكمل به بنسيه ذلك كله جميعه فلا يخطر بباله ، ولا يجعله على ذكره ، ولا يصرف إليه همته فيرغب فيه ، فإنه لا يمر بباله حتى يقصده ويؤثره .

    وأيضا فينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها ، فلا يخطر بباله إزالتها .

    وأيضا فينسيه أمراض نفسه وقلبه وآلامها ، فلا يخطر بقلبه مداواتها ، ولا السعي في إزالة عللها وأمراضها التي تئول بها إلى الفساد والهلاك ، فهو مريض مثخن بالمرض ، ومرضه [ ص: 104 ] مترام به إلى التلف ، ولا يشعر بمرضه ، ولا يخطر بباله مداواته ، وهذا من أعظم العقوبة العامة والخاصة .

    فأي عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيعها ، ونسي مصالحها وداءها ودواءها ، وأسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها وحياتها الأبدية في النعيم المقيم ؟

    ومن تأمل هذا الموضع تبين له أن أكثر هذا الخلق قد نسوا حقيقة أنفسهم وضيعوها وأضاعوا حظها من الله ، وباعوها رخيصة بثمن بخس بيع الغبن ، وإنما يظهر لهم هذا عند الموت ، ويظهر هذا كل الظهور يوم التغابن ، يوم يظهر للعبد أنه غبن في العقد الذي عقده لنفسه في هذه الدار ، والتجارة التي اتجر فيها لمعاده ، فإن كل أحد يتجر في هذه الدنيا لآخرته .


    فالخاسرون الذين يعتقدون أنهم أهل الربح والكسب اشتروا الحياة الدنيا وحظهم فيها ولذاتهم ، بالآخرة وحظهم فيها ، فأذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ، واستمتعوا بها ، ورضوا بها ، واطمأنوا إليها ، وكان سعيهم لتحصيلها ، فباعوا واشتروا واتجروا وباعوا آجلا بعاجل ، ونسيئة بنقد ، وغائبا بناجز ، وقالوا : هذا هو الحزم ، ويقول أحدهم :


    خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به



    فكيف أبيع حاضرا نقدا مشاهدا في هذه الدار بغائب نسيئة في دار أخرى غير هذه ؟ وينضم إلى ذلك

    ضعف الإيمان وقوة داعي الشهوة ، ومحبة العاجلة والتشبه ببني الجنس ، فأكثر الخلق في هذه التجارة

    الخاسرة التي قال الله في أهلها : (أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
    ) [ سورة البقرة : 86 ] ، وقال فيهم (: فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ)[ سورة البقرة

    : 16 ] ، فإذا كان يوم التغابن ظهر لهم الغبن في هذه التجارة ، فتتقطع عليهم النفوس حسرات .

    وأما الرابحون فإنهم باعوا فانيا بباق ، وخسيسا بنفيس ، وحقيرا بعظيم ، وقالوا : ما مقدار هذه الدنيا من أولها إلى آخرها ، حتى نبيع حظنا من الله تعالى والدار الآخرة بها ؟ فكيف ينال العبد منها في هذا الزمن القصير الذي هو في الحقيقة كغفوة حلم ، لا نسبة له إلى [ ص: 105 ] دار القرار ألبتة : قال تعالى
    : (
    وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ) [ سورة يونس : 45 ] .

    وقال تعالى :(يسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا .
    ) [ سورة النازعات : 42 - 46 ] .

    وقال تعالى : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ
    ) [ سورة الأحقاف : 35 ] .

    وقال تعالى : (
    كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ سورة المؤمنين : 112 - 114 ] .

    وقال تعالى : (
    يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً * نّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ يَوْماً )[ سورة طه : 102 - 104 ] .

    فهذه حقيقة الدنيا عند موافاة يوم القيامة ، فلما علموا قلة لبثهم فيها ، وأن لهم دارا غير هذه الدار ، هي دار الحيوان ودار البقاء - رأوا من أعظم الغبن بيع دار البقاء بدار الفناء ، فاتجروا تجارة الأكياس ، ولم يغتروا بتجارة السفهاء من الناس ، فظهر لهم يوم التغابن ربح تجارتهم ومقدار ما اشتروه ، وكل أحد في هذه الدنيا بائع مشتر متجر ، و كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها .

    ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
    ))[ سورة التوبة : 111 ]

    فهذا أول نقد من ثمن هذه التجارة ، فتاجروا أيها المفلسون ، ويا من لا يقدر على هذا الثمن ، هنا ثمن آخر ، فإن كنت من أهل هذه التجارة فأعط هذا الثمن : (
    لتَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )[ سورة التوبة : 112 ] .

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
    ) [ سورة الصف : 10 - 11 ] .

    والمقصود أن الذنوب تنسي العبد حظه من هذه التجارة الرابحة ، وتشغله بالتجارة الخاسرة ، وكفى بذلك عقوبة ، والله المستعان .
    التعديل الأخير تم بواسطة محبة لقاء الله; الساعة 19-09-2012, 07:04 PM. سبب آخر: تشكيل الايات .... بارك الله فيكى
    قال سهل التستري: ليس بين العبد وبين ربه طريق أقرب إليه من الافتقار



  • #2
    رد: يوم يَنســى العبــد نفســه !

    والمقصود أن الذنوب تنسي العبد حظه من هذه التجارة الرابحة ، وتشغله بالتجارة الخاسرة ، وكفى بذلك عقوبة ، والله المستعان .
    فعلا .... وكفى بذلك عقوبة
    وايه اكتر من كده
    يارب ارحمنا برحمتك ولا تؤاخذنا بذنوبنا
    جزاكِ الله خيرالجزاء اختى الكريمة
    موضوع جميييل
    بوركتى غاليتى
    ------------------------------------
    استغفرك ربى واتوب اليك
    استغفرك ربى واتوب اليك

    تعليق


    • #3
      رد: يوم يَنســى العبــد نفســه !

      المشاركة الأصلية بواسطة محبة لقاء الله مشاهدة المشاركة
      فعلا .... وكفى بذلك عقوبة
      وايه اكتر من كده
      يارب ارحمنا برحمتك ولا تؤاخذنا بذنوبنا
      جزاكِ الله خيرالجزاء اختى الكريمة
      موضوع جميييل
      بوركتى غاليتى
      ------------------------------------
      استغفرك ربى واتوب اليك
      استغفرك ربى واتوب اليك
      وفيكِ بارك المولى غاليتي ..!!

      اللهم ذكرنا بك فلا ننســـاك !
      قال سهل التستري: ليس بين العبد وبين ربه طريق أقرب إليه من الافتقار


      تعليق


      • #4
        رد: يوم يَنســى العبــد نفســه !

        جزاكم الله كل خير
        وبارك فيكم
        لاتحرمينا جديد مشاركاتك

        قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صمت نجا"


        تعليق

        يعمل...
        X