وإن من شيء إلا يسبح بحمد الله
سبحان الله بحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته وسبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر اما بعد:إن الهدهد في عالم الطيور عرف ربه، وأذعن لمولاه، وأخبت لخالقه، يقول الله عز وجل عن سليمان :((وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ)).
وذهب الهدهد، وكانت تلك القصة الطويلة، وانتهت إلى تلك النتائج التاريخية، وكان سببها هذا الطائر الذي عرف ربه، حتى قال بعض العلماء: عجيب! الهدهد أذكى من فرعون ، فرعون كفر في الرخاء فما نفعه إيمانه في الشدة، والهدهد آمن بربه في الرخاء، فنفعه إيمانه في الشدة.
الهدهد قال: ((أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ..)).
وفرعون يقول:
((مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي..)).
إن الشقي من كان الهدهد أذكى منه، والنملة أفهم لمصيرها منه.
وإن البليد من أظلمت سبله، وتقطعت حباله، وتعطلت جوارحه عن النفع، ((هُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا)).
في عالم النحل لطف الله يسري، وخيره يجري، وعنايته تلاحق تلكم الحشرة الضئيلة المسكينة، تنطلق من خليتها بتسخير من الباري، تلتمس رزقها، لا تقع إلا على الطيب النقي الطاهر، تمص الرحيق، تهيم بالورود، تعشق الزهر، تعود محملة بشراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، تعود إلى خليتها لا إلى خلية أخرى، لا تضل طريقها، ولا تحار في سبلها، ((وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)).
إن سعادتَك من هذا القصص، ومن هذا الحديثِ، ومن هذه العِبَرِ: أن تعلمَ أن هناك لطفاً خفياً للهِ الواحدِ الأحدِ، فتدعوه وحده، وترجوه وحدَه، وتسألهُ وحدَه، وأنَّ عليك واجباً شرعياً نَزَلَ في الميثاقِ الربانيِّ، وفي النَّهج السماويِّ أن تسجدَ له، وأن تشكرَه، وأن تتولاَّه، وأن تتجهَ بقلبِك إليه.
إن عليك أن تعلَم أن هذا البَشَرَ الكثيرَ وهذا العالمَ الضخمَ، لا يُغنون عنك من اللهِ شيئًاً، إنهم مساكين، إنهم كلهم محتاجون إلى اللهِ، إنهم يطلبون رزقهم صباحَ مساءَ، ويطلبون سعادتَهم وصحَّتَهم وعافيتَهم وأشياءَهم وأموالَهم ومناصبَهم من اللهِ الذي يملكُ كلَّ شيء.
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)).
إن عليك أن تعلمَ علمَ اليقين أنه لا يهديك ولا ينصرُك، ولا يحميك ولا يتولاك، ولا يحفظُك، ولا يمنحُك إلا اللهُ، إن عليك أن توحِّدَ اتجاهَ القلبِ، وتفردَ الرب بالوحدانيةِ والألوهيةِ والسؤالِ والاستعانةِ والرجاءِ، وأن تعلمَ قدرَ البَشَرِ، وأن المخلوقَ يحتاجُ إلى الخالقِ، وأن الفاني يحتاجُ إلى الباقي، وأن الفقيرَ يحتاجُ إِلى الغني، وأن الضعيفَ يحتاجُ إلى القويِّ.
والقوُة والغنى والبقاءُ والعزّة المطلقةُ يملكُها الله وحدَهُ. إذا علمتَ ذلك، فاسعد بقربه وبعبادتِه والتبتلِ إليه، إنِ استغفرتَه غَفَرَ لك، وإن تبتَ إليه تابَ عليك، وإن سألتَه أعطاك، وإن طلبتَ منه الرزق رَزقَك، وإن استنصرتَه نصرَك، وإن شكرتَه زادَك.والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حولو الاقوة الا بالله
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
د.عائض القرني