ما هي السعادة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)).
* أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
* أيها المسلمون!
عنوان هذه الخطبة (ما هي السعادة؟
).
يبحث كل إنسان بكل ما أوتي من قوة عن السعادة فما هي السعادة؟
وأين توجد؟
هل السعادة مال وفير وقناطير مقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث؟
هل السعادة منصب يرفع العبد على الناس، فيصيحون له خدماً وخولاً؟
هل السعادة صحة الجسم، فلا يمرض، ولا يجوع، ولا ييأس؟
هل السعادة السلامة من الناس، والنجاة من غوائلهم ودواهيهم؟
لقد طلب السعادة أقوام من طرق منحرفة، فكانت هذه الطرق، سبباً لدمارهم وهلاكهم، وللعنة الله التي وقعت عليهم.
طلبها فرعون وتلاميذه في الملك، ولكنه ملك بلا إيمان، وتسلطن بلا طاعة، فتشدق في الجماهير ((وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)).
ونسي أن الذي ملكه هو الله، والذي أعطاه مصر هو الله، والذي جمع له الناس هو الله، والذي أطعمه وسقاه هو الله، ومع ذلك يجحد هذا المبدأ ويقول: ((مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)) فكان جزاء هذا العتو والتكبر والتمرد على الله أنه لم يتحصل على السعادة التي طلبها، بل كان نصيبه الشقاء والهلاك واللعنة بعينها ((فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى)).
ويقول الله عنه وعن ملئه: ((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)).
ويمنح الله قارون كنوزاً كالتلال ما جمعها بجهده، ولا بذكائه، ولا بعرقه، ولا بعبقريته، وظن أنه هو السعيد وحده، وكفر نعمة الله، وقد حذره ربه، وأنذره مولاه مغبة تصرفاته الوقحة، فأبى وأصر على تجريد المال من الشكر، والسعي في الأرض فساداً، فكان الجزاء المر ((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ))
وطلب السعادة الوليد بن المغيرة ، فآتاه الله عشرة من الأبناء، كان يحضر بهم المحافل، خمسة
عن يمينه، وخمسة عن يساره، ونسي أن الله خلقه فرداً بلا ولد (( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا* وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ* كَلَّا [المدثر:11-16].
فماذا فعل، كيف تصرف؟
أخذ عطاء الله من الأبناء، فجعلهم جنوداً يحاربون الله، إلا من رحم ربك، فقال الله فيه: ((سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)).
وهذا يلتمس السعادة في الشهرة فيقضي ساعاته في توجيه الناس إليه، ليصبح محط الأنظار بزعمه الفاسد، وحديث الركبان، وشاغل الدنيا، فيقتلعه ربك من جذوره، ويمحق سعيه ((فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)).
وذاك يظن أن السعادة في الفن، الفن المتهتك الخليع الماجن، فيدغدغ الغرائز، ويلعب بالمشاعر، ويفتن القلوب، ويسكب الغرام في النفوس، فيحمله الله ذنوب من أغواهم، دون أن ينقص من ذنوبهم شيئاً، ويحجب الله السعادة عن كل من لم يعترف بألوهيته، ويدين بربوبيته، فيقول: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)).
فأين السعادة؟
أين توجد لمن يبحث عنها؟
أين مكانها؟
من الذي أتى بالسعادة وأدخلها القلوب؟
إنه محمد صلى الله عليه وسلم.
السعادة: الإيمان والعمل الصالح، وجدها يونس بن متى، وهو في ظلمات ثلاث، في بطن الحوت، في ظلمة اليم، في ظلمة الليل، حين انقطعت به الحبال، إلا حبل الله، وتمزقت كل الأسباب، إلا سبب الله، فهتف من بطن الحوت، بلسان ضارع حزين: ((لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) (1)
فوجد السعادة.
ووجدها موسى عليه السلام وهو بين ركام الأمواج في البحر، وهو يستعذب العذاب في سبيل الواحد الأحد: ((قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)).
ووجدها محمد، عليه الصلاة والسلام، وهو يطوق في الغار بسيوف الكفر، ويرى الموت رأي العين، ثم يلتفت إلى أبي بكر ويقول مطمئناً ((لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا)).
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)).
* أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
* أيها المسلمون!
عنوان هذه الخطبة (ما هي السعادة؟
).
يبحث كل إنسان بكل ما أوتي من قوة عن السعادة فما هي السعادة؟
وأين توجد؟
هل السعادة مال وفير وقناطير مقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث؟
هل السعادة منصب يرفع العبد على الناس، فيصيحون له خدماً وخولاً؟
هل السعادة صحة الجسم، فلا يمرض، ولا يجوع، ولا ييأس؟
هل السعادة السلامة من الناس، والنجاة من غوائلهم ودواهيهم؟
لقد طلب السعادة أقوام من طرق منحرفة، فكانت هذه الطرق، سبباً لدمارهم وهلاكهم، وللعنة الله التي وقعت عليهم.
طلبها فرعون وتلاميذه في الملك، ولكنه ملك بلا إيمان، وتسلطن بلا طاعة، فتشدق في الجماهير ((وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)).
ونسي أن الذي ملكه هو الله، والذي أعطاه مصر هو الله، والذي جمع له الناس هو الله، والذي أطعمه وسقاه هو الله، ومع ذلك يجحد هذا المبدأ ويقول: ((مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)) فكان جزاء هذا العتو والتكبر والتمرد على الله أنه لم يتحصل على السعادة التي طلبها، بل كان نصيبه الشقاء والهلاك واللعنة بعينها ((فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى)).
ويقول الله عنه وعن ملئه: ((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)).
ويمنح الله قارون كنوزاً كالتلال ما جمعها بجهده، ولا بذكائه، ولا بعرقه، ولا بعبقريته، وظن أنه هو السعيد وحده، وكفر نعمة الله، وقد حذره ربه، وأنذره مولاه مغبة تصرفاته الوقحة، فأبى وأصر على تجريد المال من الشكر، والسعي في الأرض فساداً، فكان الجزاء المر ((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ))
وطلب السعادة الوليد بن المغيرة ، فآتاه الله عشرة من الأبناء، كان يحضر بهم المحافل، خمسة
عن يمينه، وخمسة عن يساره، ونسي أن الله خلقه فرداً بلا ولد (( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا* وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ* كَلَّا [المدثر:11-16].
فماذا فعل، كيف تصرف؟
أخذ عطاء الله من الأبناء، فجعلهم جنوداً يحاربون الله، إلا من رحم ربك، فقال الله فيه: ((سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)).
وهذا يلتمس السعادة في الشهرة فيقضي ساعاته في توجيه الناس إليه، ليصبح محط الأنظار بزعمه الفاسد، وحديث الركبان، وشاغل الدنيا، فيقتلعه ربك من جذوره، ويمحق سعيه ((فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)).
وذاك يظن أن السعادة في الفن، الفن المتهتك الخليع الماجن، فيدغدغ الغرائز، ويلعب بالمشاعر، ويفتن القلوب، ويسكب الغرام في النفوس، فيحمله الله ذنوب من أغواهم، دون أن ينقص من ذنوبهم شيئاً، ويحجب الله السعادة عن كل من لم يعترف بألوهيته، ويدين بربوبيته، فيقول: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)).
فأين السعادة؟
أين توجد لمن يبحث عنها؟
أين مكانها؟
من الذي أتى بالسعادة وأدخلها القلوب؟
إنه محمد صلى الله عليه وسلم.
السعادة: الإيمان والعمل الصالح، وجدها يونس بن متى، وهو في ظلمات ثلاث، في بطن الحوت، في ظلمة اليم، في ظلمة الليل، حين انقطعت به الحبال، إلا حبل الله، وتمزقت كل الأسباب، إلا سبب الله، فهتف من بطن الحوت، بلسان ضارع حزين: ((لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) (1)
فوجد السعادة.
ووجدها موسى عليه السلام وهو بين ركام الأمواج في البحر، وهو يستعذب العذاب في سبيل الواحد الأحد: ((قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)).
ووجدها محمد، عليه الصلاة والسلام، وهو يطوق في الغار بسيوف الكفر، ويرى الموت رأي العين، ثم يلتفت إلى أبي بكر ويقول مطمئناً ((لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا)).
سهدت أعين ونامت عيون في شؤون تكون أو لا تكون
فاطرح الهم ما استطعت فحملانك الهموم جنون
إن رباً كفاك ما كان بالأمس سيكفيك في غد ما يكون
ووجد السعادة يوسف عليه السلام، وهو يسجن سبع سنوات فيسألونه عن تفسير الرؤى، فيتركها، ثم يبدأ بالدعوة فيقول: ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ))،، فيعلن الوحدانية، فيجد السعادة.
ووجدها أحمد بن حنبل في الزنزانة، وهو يجلد جلداً، لو جلده الجمل لمات، كما قال جلاده، ومع ذلك يصر على مبدأ أهل السنة والجماعة ، فيجد ا لسعادة.
أما الذي جلده، وهو المعتصم، فلما حضرته سكرات الموت، رفع بساطه، ومرغ وجهه في التراب، وبكى وقال: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه. ثم يقول: لو علمت أني أموت شاباً ما فعلت الذي فعلت من الذنوب.
ووجدها ابن تيمية ، وهو يكبل بالحديد، ويغلق عليه السجان الباب، داخل غرفة ضيقة مظلمة، فيقول ابن تيمية : ((فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)), ويلتفت ابن تيمية إلى الذين هم خارج السجن، فيرسل لهم رسالة، وينشد لهم نشيداً، وينقل لهم نبأ وخبراً من السجن فيقول: ما يصنع أعدائي بي؟
أنا جنتي وبستاني في صدري، إن سرت فهي معي... أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة!!. ووجدها إبراهيم بن أدهم ، وهو ينام في طرف السكك في بغداد ، لا يجد كسرة خبز ويقول: والذي لا إله إلا هو، إنا في عيش، لو علم به الملوك لجالدونا عليه بالسيوف!. هذه هي السعادة، وهذه أحوال السعداء، ولا يكون ذلك إلا في الإيمان والعمل الصالح، الذي بعث به الرسول، عليه الصلاة والسلام، فمن سكن القصر بلا إيمان، كتب الله عليه ((فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)) ومن جمع المال بلا إيمان، ختم الله على قلبه ((فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا))، ومن جمع الدنيا، وتقلد المنصب بلا إيمان، جعل الله خاتمته ((فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)).
فيا طلاب السعادة! ويا عشاق السعادة! ويا أيها الباحثون عن الخلود في الآخرة! في جنات ونهر، لا يكون ذلك إلا من طريق محمد عليه الصلاة والسلام.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، والهادي إلى رضوان ربه، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
* أما بعد:
فيقول المتنبي الشاعر:
ووجد السعادة يوسف عليه السلام، وهو يسجن سبع سنوات فيسألونه عن تفسير الرؤى، فيتركها، ثم يبدأ بالدعوة فيقول: ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ))،، فيعلن الوحدانية، فيجد السعادة.
ووجدها أحمد بن حنبل في الزنزانة، وهو يجلد جلداً، لو جلده الجمل لمات، كما قال جلاده، ومع ذلك يصر على مبدأ أهل السنة والجماعة ، فيجد ا لسعادة.
أما الذي جلده، وهو المعتصم، فلما حضرته سكرات الموت، رفع بساطه، ومرغ وجهه في التراب، وبكى وقال: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه. ثم يقول: لو علمت أني أموت شاباً ما فعلت الذي فعلت من الذنوب.
ووجدها ابن تيمية ، وهو يكبل بالحديد، ويغلق عليه السجان الباب، داخل غرفة ضيقة مظلمة، فيقول ابن تيمية : ((فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)), ويلتفت ابن تيمية إلى الذين هم خارج السجن، فيرسل لهم رسالة، وينشد لهم نشيداً، وينقل لهم نبأ وخبراً من السجن فيقول: ما يصنع أعدائي بي؟
أنا جنتي وبستاني في صدري، إن سرت فهي معي... أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة!!. ووجدها إبراهيم بن أدهم ، وهو ينام في طرف السكك في بغداد ، لا يجد كسرة خبز ويقول: والذي لا إله إلا هو، إنا في عيش، لو علم به الملوك لجالدونا عليه بالسيوف!. هذه هي السعادة، وهذه أحوال السعداء، ولا يكون ذلك إلا في الإيمان والعمل الصالح، الذي بعث به الرسول، عليه الصلاة والسلام، فمن سكن القصر بلا إيمان، كتب الله عليه ((فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)) ومن جمع المال بلا إيمان، ختم الله على قلبه ((فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا))، ومن جمع الدنيا، وتقلد المنصب بلا إيمان، جعل الله خاتمته ((فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)).
فيا طلاب السعادة! ويا عشاق السعادة! ويا أيها الباحثون عن الخلود في الآخرة! في جنات ونهر، لا يكون ذلك إلا من طريق محمد عليه الصلاة والسلام.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، والهادي إلى رضوان ربه، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
* أما بعد:
فيقول المتنبي الشاعر:
أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق
نبقي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين أكاسرة الجبابرة الأولى كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيق
خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق
قال أهل السير وأهل التاريخ: لما استقر هارون الرشيد في الخلافة، وتولاها بعد أبيه، أنفق الكنوز والقناطير المقنطرة، في عمارة قصر على نهر دجلة ؟
يدخل النهر من شمال القصر ويخرج من جنوبه، وعمر الحدائق التي تطل وتتمايل على النهر، ثم رفع الستور، وجلس للناس، فدخل الناس يهنئونه بقصره وبحدائقه، وكان فيمن دخل أبو العتاهية ، فوقف أمام هارون الرشيد وقال له:
قال أهل السير وأهل التاريخ: لما استقر هارون الرشيد في الخلافة، وتولاها بعد أبيه، أنفق الكنوز والقناطير المقنطرة، في عمارة قصر على نهر دجلة ؟
يدخل النهر من شمال القصر ويخرج من جنوبه، وعمر الحدائق التي تطل وتتمايل على النهر، ثم رفع الستور، وجلس للناس، فدخل الناس يهنئونه بقصره وبحدائقه، وكان فيمن دخل أبو العتاهية ، فوقف أمام هارون الرشيد وقال له:
عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور
يقول: ليهنك العيش والسعادة، ودوام الصحة والعافية، في ظل هذا القصر، فارتاح هارون لهذا الكلام وقال: هيه، يعني زد، وقال:
يقول: ليهنك العيش والسعادة، ودوام الصحة والعافية، في ظل هذا القصر، فارتاح هارون لهذا الكلام وقال: هيه، يعني زد، وقال:
يجري عليك بما أردت من الغدو مع البكور
يقول: يأتيك الخدم والجواري بالأطعمة والأشربة، وكل ما أردت صباحاً ومساء قال: هيه.
قال:
يقول: يأتيك الخدم والجواري بالأطعمة والأشربة، وكل ما أردت صباحاً ومساء قال: هيه.
قال:
فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور!!
قال: أعد. أعد. قال: فإذا النفوس تغرغرت، يعني إذا حضرت سكرات الموت، وحان الأجل، وساعة الصفر، وبلغت الروح التراقي ((وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ)).
والتمس الطبيب، وذلك الذي يحيد منه العبد.
قال: أعد. أعد. قال: فإذا النفوس تغرغرت، يعني إذا حضرت سكرات الموت، وحان الأجل، وساعة الصفر، وبلغت الروح التراقي ((وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ)).
والتمس الطبيب، وذلك الذي يحيد منه العبد.
فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور!!
يقول: إذا أتتك سكرات الموت، وأشرفت على الهلاك، سوف تعلم أنك كنت تضحك على نفسك، وأنك كنت تبعث كما يعبث الصبيان، قال: أعد، ثلاثاً، فردد أبو العتاهية :
يقول: إذا أتتك سكرات الموت، وأشرفت على الهلاك، سوف تعلم أنك كنت تضحك على نفسك، وأنك كنت تبعث كما يعبث الصبيان، قال: أعد، ثلاثاً، فردد أبو العتاهية :
فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور!!
فبكى هارون حتى وقع على الأرض، ثم أمر بالستور فهتكت، والأبواب فأغلقت، ونزل في قصره القديم، فلم يمضي عليه شهر واحد، حتى أصبح في عداد الموتى.
هذا هو هارون الذي كان يصلي في اليوم مائة ركعة نافلة، ويغزو سنة، ويحج سنة.
وقصص الذين كانوا يبحثون عن السعادة، ولكنهم لم يوفقوا لها كثير، فهذا عبد الملك بن مروان حكم العالم الإسلامي، طوله وعرضه، شرقه وغربه، ولكنه لما أتته سكرات الموت، نزل من على سرير الملك، لأن سرير الملك لرجل آخر غيره، لأنه لا يمكن أن يستمر عليه، فالله تبارك وتعالى وحده، هو صاحب الملك والملكوت، وهو وحده يعزل ويولي، ويملك ويخلع، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع، ويحيي ويميت.
نزل وسمع غسالاً بجانب القصر في سعادة، وفي هناء، ما عنده ملك، ولا مشاغل، ولا مشاكل، وكان هذا الغسال ينشد نشيداً، وهو يغسل الثياب، فقال عبد الملك : يا ليتني كنت غسالاً، يا ليتني ما عرفت الخلافة، يا ليتني ما توليت الملك، ثم مات.
قال سعيد بن المسيب ، معلقاً على هذه الكلمات: [الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا في سكرات الموت، ولا نفر إليهم].
* أيها الناس!
من أراد السعادة فليلتمسها في المسجد، في المصحف، في السنة، في الذكر، في التلاوة، في الهداية، في الاستقامة، في الالتزام، في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
* عباد الله!
صلوا على المعصوم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأكثروا من الصلاة والسلام عليه فإنه يقول: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه؟
فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت (1) ؟
فقال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء) (1) .
اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه، واتبع سنته إلى يوم
الدين.والحمدلله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
د.عائض القرني
فبكى هارون حتى وقع على الأرض، ثم أمر بالستور فهتكت، والأبواب فأغلقت، ونزل في قصره القديم، فلم يمضي عليه شهر واحد، حتى أصبح في عداد الموتى.
هذا هو هارون الذي كان يصلي في اليوم مائة ركعة نافلة، ويغزو سنة، ويحج سنة.
وقصص الذين كانوا يبحثون عن السعادة، ولكنهم لم يوفقوا لها كثير، فهذا عبد الملك بن مروان حكم العالم الإسلامي، طوله وعرضه، شرقه وغربه، ولكنه لما أتته سكرات الموت، نزل من على سرير الملك، لأن سرير الملك لرجل آخر غيره، لأنه لا يمكن أن يستمر عليه، فالله تبارك وتعالى وحده، هو صاحب الملك والملكوت، وهو وحده يعزل ويولي، ويملك ويخلع، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع، ويحيي ويميت.
نزل وسمع غسالاً بجانب القصر في سعادة، وفي هناء، ما عنده ملك، ولا مشاغل، ولا مشاكل، وكان هذا الغسال ينشد نشيداً، وهو يغسل الثياب، فقال عبد الملك : يا ليتني كنت غسالاً، يا ليتني ما عرفت الخلافة، يا ليتني ما توليت الملك، ثم مات.
قال سعيد بن المسيب ، معلقاً على هذه الكلمات: [الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا في سكرات الموت، ولا نفر إليهم].
* أيها الناس!
من أراد السعادة فليلتمسها في المسجد، في المصحف، في السنة، في الذكر، في التلاوة، في الهداية، في الاستقامة، في الالتزام، في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
* عباد الله!
صلوا على المعصوم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأكثروا من الصلاة والسلام عليه فإنه يقول: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه؟
فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت (1) ؟
فقال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء) (1) .
اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه، واتبع سنته إلى يوم
الدين.والحمدلله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
د.عائض القرني
تعليق