علامات سوء الخاتمة
الأولى: النفاق والرياء، والعياذ بالله، وأنتم تعلمون أن المنافق مخذول في الدنيا والآخرة، وهو في الدرك الأسفل من النار.
وهناك نفاقان: النفاق الاعتقادي، والعملي.
فالاعتقادي: صاحبه مخلَّد في النار لا يخرج منها.
والعملي ذنوب وخطايا من الكبائر يحاسَب عليها.
(ومن راءى راءى الله به، ومن سمّع سمّع الله به) (1) . يعني: من أحبَّ الرياء والسمعة والرضى والشهرة والظهور فضحه الله وأظهر مخبوء نفسه، ونعوذ بالله من ذلك، ونسأل الله العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة.
الثانية: الاغترار بالدنيا والانغماس فيها.
لقد أصبحت علاقة الناس اليوم للدنيا، وحبهم للدنيا، وبُغضهم للدنيا، وزيارتهم للدنيا، إلا من رحم ربك.
ومن يوم يصبح العبد إلى أن يمسي، وهو يتحدَّث عن الخبز، وعن الثلاجة، وعن السيارة، وعن الأولاد، وعن الوظيفة، وعن المزرعة، وعن البستان، وعن العمار.
لكن لو سألنا وقلنا: ماذا قدَّمت للإسلام في هذا اليوم؟
لما وجد جواباً.
أين أنت يا هذا، والإسلام يُصاب في كل مكان؟
أين أنت عن الدعوة، وعن البذل، وعن النصرة؟
ذهب أحد الدعاة إلى الله من الهند إلى أمريكا ليتكلَّم في الشباب العربي المسلم، وهو لا يجيد العربية جيداً.
فقال: أنا جئت من الهند لما سمعت أن حديقة محمد صلى الله عليه وسلم تحترق.
(أنا جئت في مياه أنا يطفئ) يعني: جئت لأطفئ حديقتكم التي احترقت، والتي أحرقتموها أنتم العرب.
فنسأل أنفسنا: هل جُرحنا في سبيل الله؟
هل بكينا من خشية الله؟
هل دفعنا أموالنا في سبيل الله؟
أم أننا ألهتنا هذه الدنيا الدنية عن أمور الآخرة، واهتماماتها؟
أسأل الله لي ولكم اليقظة من هذه الغفلة، والاستعداد للآخرة بأمور الخير، واستغلال منافذه.
فمنافذ الخير كثيرة: منها: أن تتصدَّق بمالك، فتدعم الدعوة والعلم، ومنها: أن تهدي الشريط الإسلامي، ومنها: نفع المسلمين، ومنها ومنها..
الثالثة: الأمن من مكر الله، عز وجل، حتى كأن بعضهم آتاهم الله ميثاقاً أن لا يعذبهم.
وبعضهم إذا نصحته، قال: رحمة الله واسعة، والله ما علمنا في أنفسنا إلا خيراً!
ويأتون بأحاديث موضوعة، تشهيد لحالهم.. يقولون أن الرسول صلى الله عليه وسلم ضمن الله له أن يدخل أمته كلها الجنة فأنا منهم.
ومن قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، فاشهدي يا جبال، ويا حجر، ويا مدر، ويا شجر، أنه لا إله إلا الله!
ولم يعلم هذا أن مثل هذه الأحاديث، مضبوطة بضوابط، ولها شروط، لابد أن يأتي بها، وإلا فإن الكلام وحده لا يكفي.
الرابعة: الغفلة عن ذكر الله عز وجل، فأثقل ما يمر بالغافلين ذكره سبحانه وتعالى، فلا يكون له حسبان عندهم، بل هو في آخر القائمة.
وإذا أتى أحدهم يقرأ القرآن، أخذ القرآن يوم الجمعة بيده اليسرى، وتصفحه تصفحاً، ثم هجره إلى الجمعة الأخرى.
الخامسة: التسويف بالتوبة وتأخيرها، وتأجيلها وعدم الإسراع بها، وتصغير الذنوب في العين، والإسراف في الرجاء إلى أن يصبح عقيدة للعبد، ويصبح منهجاً في الحياة.
فدائماً يثني على نفسه، بما لا تستحق، وإذا طولب بالتوبة، قال: سوف أتوب.
وهذا علامة الخذلان، والعياذ بالله، والحرمان.
ولذلك قال بعض الفضلاء: من زرع كلمة (سوف) أنبتت له نبت (ليت)، فأثمرت له (لعل)، وثمرها: (الخيبة والندامة).
والله قال في أعدائه: ((ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ))، يلهيهم الأمل: أي: يطول بهم الأجل، ويؤخَّرون التوبة، ويسوِّفون بها حتى يقصمهم الله.
وبعضهم لا يتوب حتى يحضر أجله، فيندم كما روي عن بعض الخلفاء أنه لما حضرت الوفاة بكى وقال: ما كنت أعلم أني أموت شاباً، ولو كنت أظن أني أموت شاباً لتُبت إلى الله.
وهل له عهد أن لا يموت إلا شيخاً؟
فأسأل الله الذي بيده مقادير الأمور، ومفاتيح القلوب، أن يتوب علينا وعليكم، وأن يُلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، وأن يسدِّدنا وإياكم، وأن يتغمَّدنا وإياكم برحمته.
والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
د.عائض القرني
تعليق