تتقاذفنا الأيام مسرعة، وكثيرا ما نتوه في زحمة همومها الصغيرة، وتفاصيلها المتراكمة، قد تثقلنا أعباءها، أو تلهينا مسراتها، وقد يجثم علينا الملل، وتمزق حماستنا الرتابة والتكرار.. تُثقلنا الذنوب، وتنهكنا الأخطاء والخطايا، ويبلى إيماننا بالغفلة وطول الأمل، نتزود من الخير حينا، ونركن إلى الدعة كثيرا.
وما أن تقترب أيامنا من الشهر الفضيل، رمضان المكرم بتكريم الله له، حتى تشرأب القلوب، وتنفض الهمم غبار السفول والرقاد، ويتجدد الأمل في سمو الروح المنهكة، وتقوية الإيمان، وإصلاح الدنيا والآخرة.. نسمات طاهرة لم تدنسها أنفاس العصيان، ريح الجنة التي أوشكت أن تفتح أبوابها وتنادي، وكما قيل: ارتد يعقوب عليه السلام لما وجد ريح يوسف بصيرا، وصار قويا بعد الضعف، بصيرا بعد العمى، وكذلك العاصي إذا شم عبير رمضان.
· شهر رجب
وشهر رجب من الأشهر الحرم التي عظمها الله، وأمرنا بتعظيمها، وإذا كان الدعاء عند رؤية هلال رجب بقول: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان،وبلغنا رمضان، إن كان لا يصح إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن شواهد الشرع والعقل والواقع، تفرض على الإنسان الاستعداد للخير، والتجهز للأمور الهامة.
وتأملي أيتها الأخت الكريمة كيف أننا نرتب للأمور التي ننتظرها، أو تلك الأمور الهامة قبلها بوقت طويل، وذلك حتى لا نفوت على أنفسنا الفرص التي نقدرها جيدا، فنجهز لسفر التنزه والسياحة، وندبر له تدبيرا محكما، وننفق الساعات الطوال في التحضير والتفكير والانتظار المتلهف.
فكيف بشهر تفتح فيه أبواب الجنة.. وتغلق أبواب النيران، وتضاعف الحسنات، وتمحى السيئات؟
كيف بشهر تنزل فيه مقادير العام، ويضم ليلة هي خير من العمر كله سواها، بل إنها تعادل عبادة 83 عام؟
· الاستعداد لرمضان
هاهو شهر رجب قد أوشك على الانتصاف، وما هي إلا لمحطة خاطفة وستستمعين إلى التبريكات بحلول شهر رمضان، اللهم بلغنا رمضان ووفقنا فيه لطاعتك.
إنه أوان الاستعداد لموسم الطاعة والرحمة، ولاغتنام الأيام العطرة زادًا إلى الله، وراحة للنفوس المثقلة، ومددًا لعام مقبل، وإليكِ بعض الإشارات الهامة للاستعداد لرمضان:
1- الدعاء.. فهو خير سلاح، وهو العبادة.. بأن يبلغكِ الله رمضان سالمة آمنة، والدعاء للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بقدوم رمضان وديار المسلمين آمنة معافاة من ظلم الظالمين،وطغيان الباغين، حتى تحققي مقتضى الأخوة، وتحظي بتأمين الملائكة.
2- المبادرة إلى الطاعة، قدمي بين يدي رمضان أعمال، وابدئي بإحلال الطاعات محل الكثير من المباحات، حتى لا يصعب عليك هذا فجأة مع بداية رمضان.
فالرياضي حتى يوفق في أدائه يحتاج إلى التحمية، حتى يبدأ مباراته وهو في أفضل لياقة وجاهزية، ونحن وإن كنا مطالبون بعبادة الله في كل وقت وحين، إلا أن موسم الطاعة والغفران يتطلب استعدادًا زائدًا، وهو اجتهاد في الطاعة، وزيادة تدريجية في قدر ونوع العبادة، دون التقيد أو الابتداع.
اضربي بسهم في أبواب الخير، صدقة وصلة وإحسانا.. ذكرا وصلاة وتلاوة.. دعاءً وتفكرًا وقياما.. صيامًا ودعوة وبرًا.
3- الانتهاء عن المعاصي.. أعدي قائمة بالمعاصي التي تنزلقين إليها، وابدئي بعزم وصدق على الانتهاء عنها.
4- محاسبة النفس.. وقفة صادقة مع النفس، إحصاء لأخطاء العام الماضي، للمظلم والمشرق، للنجاح والفشل، للنعم التي غفلتي عن شكرها، للابتلاءات التي لم تنجحي فيها، وأتبعي هذه الوقفة بالاستغفار الكثير، الاستغفار والدعاء الملح الموقن بأن الرحيم الغفور يسمع ويجيب ويبدل السيئة حسنة.
5- مراجعة لرمضان الفائت.. وهي خطوة هامة ومفيدة جدا، أن تقيمي حالك في رمضان السابق، لتدركي الأخطاء والتقصير، وتتذكري كذلك الأشياء الجيدة..
حاولي أن تضعي يدك على مكامن الخطأ، وسرقة الوقت الثمين.. أهو التلفاز ببرامجه التي يتبع بعضها بعضا؟.. فهل ستتركينه يسرقك هذا العام؟
أم هو المطبخ الذي وقفتِ فيه بالساعات؟.. ومما لا شك فيه أن إعداد ربة البيت أو الفتاة البارة للطعام فيه أجر كبير، ولكن المرأة المسلمة الحصيفة يمكنها الاستعداد قبل فترة إلى شهر رمضان، وإعداد الكثير من المكونات، ووضع برنامج يسهل عليها الاختيار والتحضير للطعام.
6- غيري بعض العادات.. إنها فرصتك أن تستعدي من الآن لتغيير بعض العادات التي قد تحول بينك وبين ما تشتهين من الذكر والشكر وحسن العبادة في رمضان.
ومنها: تعكر صفو البيت لمشكلات بسيطة، أو أمور يمكنك التغاضي عنها أو الحيلولة دونها، مما يشتت العزم، ويدخل الهم إلى القلب، ويشغل عن العبادة وحضور الذهن والخشوع.
فمن الغبن والخسارة التي تقع فيها نساء كثيرات هي أن رمضان قد يضيع في مشكلات زوجية، أو خلافات مع الأبناء، أو الحماة وأهل الزوج.. والحقيقة أن الحرص على النجاح في هذا الشهر العظيم يتطلب حكمة وصبرا، فالغاية أمامك وهي رضا ربك والتزود من الخير، فلا تسمحي لكلمة أن تنغص عيشك، وتغير قلبك.. ولا تدعي المواقف وردود أفعال الآخرين تشتت همتك، وتصرفك عن مرادك.
تدربي من الآن على علو الهمة، والتعامل بحكمة مع هذه المشاحنات، والتي كثيرا ما يكون التغاضي عنها والتسامح هو عين الصواب، ومقتضى الإدراك والسداد.
ومن العادات أيضا: الإفراط في النوم والطعام والشراب.
ومنها: فضول الخلطة، والسماح للآخرين باقتحام الوقت، وتبديد ساعات اليوم الثمينة بلا زمام ولا خطام.
ومنها: الثرثرة وعدم كبح جماح اللسان، مما يوقع في شرور كثيرة وزلات وهنات، من غيبة وافتئات، ووقيعة وفساد، وجدل ومماراة، وكذب وتكذيب، وإذا سلمتِ من هذا كله، فإن ساعات عمرك لم تسلم.
7- رد المظالم.. الظلم ظلمات، فكيف يرجو الظالم رحمة الله؟ لقد حرم الله الظلم على نفسه وجعله بيننا محرما، وإن أعظم الأمور التي تساعد العبد على السير إلى الله، التخفف من ثقل الظلم ومغبته في الدنيا بظلمة القلب واختناقه، قبل عذاب الآخرة.
ليس في الأمر معاندة.. ولا يحتمل مكابرة ومماطلة، إنها مصلحتك قبل أن تكون مصلحة أي أحد.. ردي المظالم، أقلعي عن الظلم، أحسني إلى من ظلمته، واطلبي منه السماح، ففي هذا ورب الكعبة عزتك ورفع قدرك.
وأخيرا .. إذا كانت أبواب الجنة تفتح في رمضان، فهل ستكونين واقفة منتظرة أمام الباب لتدخلي سالمة هانئة؟، أم تراكِ ستأتين من بعيد؟..استعدي لقدوم رمضان من الآن، حتى لا تجدي صعوبة ومشقة وثقلا وتكاسلا عن العبادة فيه... اللهم بلغنا رمضان ووفقنا فيه لطاعتك.
اوصى نفسى .......... وإياكم
تعليق