الكلام فيما لا يعني
اعلم أن رأس مال العبد أوقاته , فمهما صرفها إلى ما لا يعنيه ولم يدخر بها ثوابًا في الآخرة فقد ضيع رأس ماله ,
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) *
وسببه الباعث عليه هو الحرص على معرفة ما لا حاجة إليه , أو تزجية أوقاته بحكايات أحوال لا فائدة فيها ,
وعلاج ذلك كله أن يعلم أن أنفاسه رأس ماله
وأن لسانه شبكة يقدر أن يقتنص بها الخيرات الحسان فإهماله ذلك وتضييعه خسران مبين ,
ومعني قوله - صلى الله عليه وسلم - :
(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
أن من حسن إسلامه ترك ما لا يعنيه من قول وفعل واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال , ومعنى يعنيه أي تتعلق عنايته به ويكون من مقصوده ومطلوبه , والعناية شدة الاهتمام بالشيء وليس المراد أنه يترك ما لا إرادة له ولا عناية بحكم الهوى وطلب النفس بل بحكم الشرع والإسلام , ولهذا جعله من حسن الإسلام , وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام .
-----------------
قال مورق العجلي :
أمرُ أنا في طلبه منذ كذا وكذا من سنة لم أقدر عليه ولست بتارك طلبه أبدًا
قالوا : وما هو ؟
قال : الكف عما لا يعنيني .
-----------------
وروي عن أبو عبيدة عن الحسن قال :
من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه
خذلانًا من الله عز وجل .
-----------------
وقال سهل بن عبد الله :
من تكلم فيما لا يعنيه
حُرِمَ الصدق .
-----------------
وحد الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام لو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر في حال ومال , مثاله أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار وما وقع لك من الوقائع وما استحسنته من الطعمة والثياب , فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تستضر , إذا بالغت في الجهاد حتى لم تمزج بحكايتك زيادة ولا نقصان ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الحوال العظيمة ولا اغتياب لشخص ولا مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك , وانى تسلم من الآفات التي ذكرناها .
والكلام فيما لا يعني والزيادة فيما يعني على قدر الحاجة نوع فضول , فإن من يعنيه امر يمكنه أن يذكره بكلام مختصر ويمكنه ان يجسمه ويقرره ويكرره ,
ومهما تأدى مقصوده بكلمة واحدة فذكر كلمتين فالثانية فضول , أي فضل عن الحاجة وهو أيضًا مذموم لما سبق , وإن لم يكن فيه إثم ولا ضرر .
-----------------
قال عطاء بن أبي رباح :
(إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام , وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله تعالى وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أمرًا بمعروف أو نهيًا عن المنكر أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها , أتنكرون أن عليكم حافظين كرامًا كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد , أما يستحي أحدكم إذا نشرت صحيفته التى أملاها صدر نهاره كان أكثر ما فيها ليس من امر دينه ولا دنياه) .
-----------------
وفي الأثر :
ما أوتي الرجل
شرًا من فضل لسانه .
________
* رواه الترمذي (9/196) وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه ورواه ابن ماجة رقم (3976) وحسنه النووي وابن عبد البر وقال ابن رجب : الصحيح فيه المرسل وصححه الألباني .
----------------------------
من كتاب البحر الرائق في الزهد والرقائق
للشيخ أحمد فريد
لتحميل الكتاب اضغط هنا
اعلم أن رأس مال العبد أوقاته , فمهما صرفها إلى ما لا يعنيه ولم يدخر بها ثوابًا في الآخرة فقد ضيع رأس ماله ,
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) *
وسببه الباعث عليه هو الحرص على معرفة ما لا حاجة إليه , أو تزجية أوقاته بحكايات أحوال لا فائدة فيها ,
وعلاج ذلك كله أن يعلم أن أنفاسه رأس ماله
وأن لسانه شبكة يقدر أن يقتنص بها الخيرات الحسان فإهماله ذلك وتضييعه خسران مبين ,
ومعني قوله - صلى الله عليه وسلم - :
(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
أن من حسن إسلامه ترك ما لا يعنيه من قول وفعل واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال , ومعنى يعنيه أي تتعلق عنايته به ويكون من مقصوده ومطلوبه , والعناية شدة الاهتمام بالشيء وليس المراد أنه يترك ما لا إرادة له ولا عناية بحكم الهوى وطلب النفس بل بحكم الشرع والإسلام , ولهذا جعله من حسن الإسلام , وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام .
-----------------
قال مورق العجلي :
أمرُ أنا في طلبه منذ كذا وكذا من سنة لم أقدر عليه ولست بتارك طلبه أبدًا
قالوا : وما هو ؟
قال : الكف عما لا يعنيني .
-----------------
وروي عن أبو عبيدة عن الحسن قال :
من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه
خذلانًا من الله عز وجل .
-----------------
وقال سهل بن عبد الله :
من تكلم فيما لا يعنيه
حُرِمَ الصدق .
-----------------
وحد الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام لو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر في حال ومال , مثاله أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار وما وقع لك من الوقائع وما استحسنته من الطعمة والثياب , فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تستضر , إذا بالغت في الجهاد حتى لم تمزج بحكايتك زيادة ولا نقصان ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الحوال العظيمة ولا اغتياب لشخص ولا مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك , وانى تسلم من الآفات التي ذكرناها .
والكلام فيما لا يعني والزيادة فيما يعني على قدر الحاجة نوع فضول , فإن من يعنيه امر يمكنه أن يذكره بكلام مختصر ويمكنه ان يجسمه ويقرره ويكرره ,
ومهما تأدى مقصوده بكلمة واحدة فذكر كلمتين فالثانية فضول , أي فضل عن الحاجة وهو أيضًا مذموم لما سبق , وإن لم يكن فيه إثم ولا ضرر .
-----------------
قال عطاء بن أبي رباح :
(إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام , وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله تعالى وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أمرًا بمعروف أو نهيًا عن المنكر أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها , أتنكرون أن عليكم حافظين كرامًا كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد , أما يستحي أحدكم إذا نشرت صحيفته التى أملاها صدر نهاره كان أكثر ما فيها ليس من امر دينه ولا دنياه) .
-----------------
وفي الأثر :
ما أوتي الرجل
شرًا من فضل لسانه .
________
* رواه الترمذي (9/196) وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه ورواه ابن ماجة رقم (3976) وحسنه النووي وابن عبد البر وقال ابن رجب : الصحيح فيه المرسل وصححه الألباني .
----------------------------
من كتاب البحر الرائق في الزهد والرقائق
للشيخ أحمد فريد
لتحميل الكتاب اضغط هنا
تعليق