إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

"تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة"

    تعرَّف على الله

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد:
    إخواني في الله! يقول صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: (تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة) (1) .
    وهذه الوصية قالها أخشى الناس لربِّ الناس، وأعلم الناس بما لرب الناس من جلال وكمال، وأصدق الناس في الوصية للناس. وهي من حديث طويل؛ حيث ركب ابن عباس رضي الله عنهما، مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم على حمار.
    فقال لـابن عباس ، وهو في مقتبَل العمر، شاب في أول الطريق لا يعلم ما الله صانع به، فاختلسها رسول الله فرصة، واهتَبلها سانحة نادرة، فقال لـابن عباس : (يا غلام!).
    فالتفت الغلام، واستمع الغلام، وأنصت الغلام.
    قال: (يا غلام إني أعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف) (1) رواه الترمذي بسند صحيح.
    ما أحسن الحديث!
    وما أعظم الوصية!
    وما أجل الخطاب!
    تعالوا معنا أيها الناس إلى دعوته صلى الله عليه وسلم، وكيف علّم أصحابه أن يعرفوا الله في الرخاء ليعرفهم في الشدة.
    وهذه سنَّةُ الله في الخلق: أن من تعرَّف على الله في الرخاء عرفه في الشدة، ولذلك كانت أمنية الصالحين قديماً وحديثاً، أنبياء ومن دونهم، أن يحفظهم الله في الشدة.
    يقول إبراهيم عليه السلام: ((وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ))، طمع في رحمة الله، ونسي جهوده وبذله، ونسي الصالحات التي قدّم، وعدّ نفسه مذنباً، فقال: ((وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)). وإبراهيم عاش الرخاء حافظاً لله يوم أعرض الناس عن الله، كان مصلياً متوجهاً موحِّداً حنيفاً مسلماً، ولم يكن من المشركين.
    الناس يسجدون للأصنام، وهو يسجد لله.
    الناس يتعلقون بالأوثان، وهو يتعلَّق بالله.
    الناس يقدِّسون الخرافة، وهو يقدِّس ربه.
    فأوقدوا له النار بعد أن دخل على النمرود الكذاب الدجال.
    يقول الله جلَّت قدرته: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ))، ألم تر إلى من ضيَّع حدود الله؟
    ألم تر إلى من انتهك حُرُمات الله؟
    ألم تر إلى من كفر بالله؟
    ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ))، الخالق هو الله، وهو الرازق والمدبِّر.
    قال إبراهيم : ((رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ))، لا يحيي ولا يميت إلا الله، ولا يعلم ما في الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما تكسب نفس غداً إلا الله، ولا يعلم بأي أرض تموت إلا الله.
    قال الكذاب: ((أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)).
    قال: كيف؟
    فأخرج محبوسين فأعتق واحداً، وقال: هذا أحييته، وقتل واحداً وقال: هذا أمته.
    فلم يعترض إبراهيم عليه السلام، على هذا الخطل؛ لعلمه أن الحجة التي سيقذفها في وجهه أشد عليه من هذه، ولن يستطيع أن يرد عليه، وقد نص أهل المنطق والجدل على أن هذا من أعظم أساليب الحوار.
    وقال: ((فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)).
    جمعوا لـإبراهيم الحطب، وأشعلوا النار، ووضعوه في المنجنيق، وأطلقوه ليهوي في النار، لا صاحب، ولا صديق، ولا ركن، ولا ناصر إلا الله.
    فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

    ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ))، قالها إبراهيم لما ألقي في النار فنجَّاه الله، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم لما قيل له: ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)).
    فهل قال شبابنا: ((حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ))، لما أتتهم الهموم والغموم، ولما رأوا المعاصي والفتن والحوادث؟
    وهل قالته الفتيات والنساء؟
    لينقلب الجميع بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء.
    فوقع إبراهيم في النار فأصبحت برداً وسلاماًً بفضل الله؛ لأنه حقَّق (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة).
    ولد موسى عليه السلام، في زمن كان فيه فرعون يقتل الأبناء، فأين تخفيه أمه؟
    فانقطعت بها الحبال إلا حبل الله، فأخذت ابنها ووضعته في تابوت، ثم ألقته في اليم تنفيذاً لأمر الله سبحانه، ثم فزعت لفراقه، وحزنت فاستأنست لما ربط الله على قلبها.
    ولكن أين يذهب موسى ، هذا الطفل الصغير، الذي لا يعرف أن يأكل أو يشرب أو يتكلم، أو أن يدافع عن نفسه؟
    لقد ذهب إلى بستان رجل من الناس، وترك البساتين حول نهر النيل، وذهب إلى بستان الطاغية فرعون !!
    فتأخذه الجواري، فيضَعنَه بين يدي الطاغية المجرم، فأراد قتله، فمنعته آسيا ، زوجته المؤمنة الصادقة، التي تعرَّفت على الله في الرخاء فعرفها في الشدة.
    يقول أهل العلم: عذبها فرعون يوم طلبها أن تشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو، فكفرت به، وقالت: لا إله إلا الله.
    فسفر يديها في الأرض، فما وجدت ألماً.
    فوضعها في الشمس، فأتت الملائكة تظلها بأجنحتها.

    يا حافظ الآمال أنت منعتني ونصرتني


    وعَدَا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني


    فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني

    فلما رأت موسى أحبته، قال سبحانه وتعالى: ((وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي))، قال أهل العلم: ما رآك أحد إلا أحبك.
    قالت لـفرعون : ((قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ))، اترك الطفل،
    لعله أن يكون ولداً لنا؛ لأنهما عقيمان.
    فقال: قرة عين لك أنت، أما أنا فلا.
    قال أهل العلم: والله لو قال فرعون : قرَّة عين لي لأقرَّ الله عينه بـموسى .
    وعاش موسى عليه السلام، والله يحفظه؛ لأنه كان من المخلِصين، محققاً لقوله: (تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة).
    ودارت الأيام، وقتل رجلاً خطأً، وفرّ هارباً لا يملك شيئاً، جائعاً مريضاً غريباً.
    ولذلك أورد أهل السير أن موسى عليه السلام، لما ورد ماء مدين ، وسقى للجاريتين عاد إلى الظل، ورفع يديه وبكى، وقال: يا رب أنا مريض، يا رب أنا غريب، يا رب أنا جائع، يا رب أنا فقير.
    فأوحى الله إليه: يا موسى المريض من لم أكن أنا طبيبه، والجائع من لم أكن أنا مشبعه، والغريب من لم أكن أنا مؤنسه، والفقير من لم أكن أنا مُغنيه.
    وهو قوله: ((رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)).
    وعاش، وتزوَّج ابنة الرجل الصالح، بعد أن أتته تدعوه لأبيها فقال: تعالي ورائي، ودليني على الطريق.
    سبحان الله! يا للحياء! يا للروعة! يا لمراقبة الله!
    فهل تصوَّر شبابنا هذا الموقف، موقف موسى والجارية التي أتت تدعوه، ثم هو يكون أميناً معها، وحافظاً لعهد الله.
    وهل علم بعض شبابنا هذا المبدأ، وهم الذين أطلقوا نظرهم إلى الحرام، ونظروا إلى الأجنبيات، وانتهكوا الحرمات، وأغضبوا رب الأرض والسموات، وأكثروا في الخطيئات.
    فأرسل الله موسى رسولاً إلى فرعون الطاغية، سبحان الله!
    هو يفر من الطاغية، والله يريد منه أن يواجهه في موقف رسالة، وفي موقف تحدي.. فخاف موسى .
    ولكن؛ لأنه تعرّف على الله في الرخاء، فقد عرفه في الشدة، فقال له ولأخيه: ((قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)).
    وبعد أن تلاقى عليه السلام، بالسَّحَرة في مشهد رهيب مكشوف أمام الناس، أوجس في نفسه خيفة من سِحرهم، فقال له تعالى: ((لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى))، فنصره الله، وحفظه من كيدهم؛ لأنه تعرّف عليه في الرخاء.
    فهرب من فرعون ، فطارده الطاغية بجنود كالجبال، إلى أن وصل موسى وقومه البحر، فخاف قومه أن يدركهم فرعون وجنوده، فقال: ((كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)) ؛ لأنه علم أن الله سينقذه هنا، كما أنقذه سابقاً؛ لأنه تعرّف عليه في الرخاء، فعرفه في الشدة.
    فأنقذه الله، كما هو معلوم، وأغرق عدوّه.
    . أما يونس بن متى عليه السلام، فإنه خرج مُغاضباً لقومه، فلما ركب في السفينة، كما تعلمون، جاءها ريح عاصف، يقلبها ذات اليمين، وذات الشمال، إلى أن رمَوه في البحر، بأن استهموا فيما بينهم، أي: اقترعوا.
    فأصبح في ظلمة البحر، وظلمة الليل، ثم اكتملت الظلمة بابتلاع الحوت له، فأصبح في ظلمات ثلاث.
    إلى من يلجأ؟
    إلى من يشتكي؟
    فقال: ((لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)).
    فأنقذه الله من الكرب، والهم، والشدة؛ لأنه كان قد عرفه في الرخاء، قال سبحانه: ((فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)).
    ويوسف عليه السلام، لما رماه إخوته في البئر، أصبح يُسَبّخ، وهو طفل صغير.
    قال بعض المفسرين: هدأت الضفادع، والحيتان من التسبيح إلا يوسف عليه السلام، فأنقذه الله.
    فلما ذهب إلى مصر حدثت له الفتنة مع زوجة العزيز.
    فهل وقع فيها؟
    لا.. حاشاه ذلك، قال سبحانه: ((كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ))، لقد عرف الله في الرخاء، فعرفه وقت الفتنة والشدة.
    فيا من نظر إلى الحرام؟
    ويا من هَتَك الأعراض.. هل قلت وقت الفتن، كما قال يوسف : ((مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)) ؟
    إن قلتها فهنيئاً لك وطوبى بفضل من الله ورضوان هؤلاء الأنبياء وغيرهم كثير كثير، عرفوا الله في الرخاء، فعرفهم في الشدة، وهذه سنّة الله لا تتغير ولا تتبدل أبداً، أن من عرفه في الرخاء عرفه في الشدة.والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
    اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
    الشيخ عائض القرني
    التعديل الأخير تم بواسطة مخلصة لرب العالمين; الساعة 23-02-2012, 11:56 PM. سبب آخر: حــــــذف روابــــــــط من الكلام .. بوركـــــــتِ

  • #2
    رد: "تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة"

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    جزاكِ الله خير الجزاء أختاه وأسأل الله أن ينفع بكِ أخيتى الكريمة

    اللهم بارك رفع الله قدرك وأسأل الله أن يجعله فى ميزان حسنات حضرتك

    بارك الله فيكِ وأثابكِ

    جزاكِ الله جنة الفردوس

    بوركتِ وبورك مجهود حضرتك

    تعليق


    • #3
      رد: "تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة"

      جزاكم الله خيراً
      يا الله
      علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

      تعليق


      • #4
        رد: "تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة"

        (تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)


        جزاك الله خيرا

        يارب ... أستودعك أبناء أخى فاحفظهم بحفظك وأعدهم لنا سالمين خلقاً وخُلقاً



        تعليق


        • #5
          رد: "تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة"

          وجزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم

          تعليق


          • #6
            رد: "تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة"

            وجزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم

            تعليق


            • #7
              رد: "تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة"

              جزاكِ الله خيرًا
              عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا

              تعليق

              يعمل...
              X