لا تكتئب، فإن الاكتئاب طريق الشقاء
ذكرت جريدة المسلمون عدد 240 في شهر صفر سنة 1410هـ، أن هناك 200 مليون مكتئب على وجه الأرض!
الاكتئاب يجتاح العالم!! لا يفرق بين دولة غربية وأخرى شرقية! أو غني وفقير.
إنه مرض يصيب الجميع... ونهايته في الغالب... الانتحار!! الانتحار لا يعترف بالأسماء والمناصب والدول، لكنه يخاف من المؤمنين، بعض الأرقام تؤكد أن ضحاياه وصلوا إلى 200 مليون مريض في كل أنحاء العالم... إلا أن آخر الإحصاءات تؤكد أن واحداً على الأقل بس كل عشرة أفراد على وجه الأرض مصاب بهذا المرض الخطير!!
وقد وصلت خطورة هذا المرض أنه لا يصيب الكبار فقط، بل يصل إلى حد مداهمة الجنين في بطن أمه!!.
الاكتئاب بوابة الانتحار: ((وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ))(النساء:29)، ((وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ))(البقرة:195).
تذكر الأخبار التي تناقلتها وكالات الأنباء أن مرض الاكتئاب قد تمكن من الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكيةرونالد ريجان .
وتعود إصابة الرئيس الأمريكي بهذا المرض لتجاوزه سن السبعين في الوقت الذي لا يزال يتعرض فيه لضغوط عصبية كبيرة.. بالإضافة للعمليات الجراحية التي أجريت له على فترات متلاحقة، ((وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ))(النساء:78).
وهناك الكثير من المشاهير وخاصة من يعملون بالفن، يداهمهم هذا المرض، وقد كان الاكتئاب سبباً رئيساً -إن لم يكن الوحيد- في موت الشاعر صلاح جاهين ، وكذلك يقال: إن نابليون بونابرت مات مكتئباً في منفاه، ((وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ))(التوبة:55).
وما زلنا نذكر أيضاً الخبر الذي طيرته وكالات الأنباء، احتل صدر الصفحات الأولى في أغلب صحف العالم، عن الجريمة المروعة التي ارتكبتها أمٌ ألمانية بقتل ثلاثة من أطفالها، واتضح أن السبب هو مرضها بالاكتئاب، ولحبها الشديد لأطفالها خافت أن تورثهم العذاب والضيق الذي تشعر به، فقررت إراحتهم !! من هذا العذاب بقتلهم الثلاثة.. ثم قتلت نفسها!! وأرقام (منظمة الصحة العالمية) تشير إلى خطورة الأمر.. ففي عام 1973م كان عدد المصابين بالاكتئاب في العالم 3%، وارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 5% في عام 1978م، كما أشارت بعض الدراسات إلى وجود فرد أمريكى مصاب بالاكتئاب من كل أربعة!!
في حين أعلن رئيس مؤتمر الاضطراب النفسي الذي عقد في شيكاغو عام 1981م أن هناك 100 مليون شخص في العالم يعانون من الاكتئاب، أغلبهم من دول العالم المتقدم، وقالت أرقام أخرى أنهم مائتا مليون مكتئب !!
((أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ))(التوبة:126).
قال أحد الحكماء: اصنع من الليمون شراباً حلواً.
وقال أحدهم: ليس الذكي الفطن الذي يستطيع أن يزيد أرباحه، لكن الذكي الذي يحول خسائره إلى أرباح ((أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ))(البقرة:157).
وفي المثل: لا تنطح الحائط!!
والمعنى: لا تعاند من لا تستفيد من عناده فائدة تعود عليك بخير.
إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
وقالوا: ولا تطحن الدقيق، ((فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ))(ال عمران:153).
والمعنى: أن الأمور التي فُرغ منها وانتهت لا ينبغي أن تعاد وتكرر؛ لأن في ذلك قلقاً واضطراباً وتضييعاً للوقت. وقالوا أيضاً -وهو مثل إنكليزي-: لا تنشر النشارة.
والمعنى: أي نشارة الخشب، لا تأت وتنشرها مرة ثانية، فقد فرغ منها.
يقولون ذلك لمن يشتغل بالتوافه، واجترار الهموم، وإعادة الماضي، ((الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ))(ال عمران:168).
لا تُعِد قصة الفراق كثيراً وتسل عنها تجد فؤادك سالي
هناك مجالات للفارغ من الأعمال يمكن سدها، كالتزود بالصالحات، ونفع الناس، وعيادة المرضى، وزيارة المقابر، والعناية بالمساجد، والمشاركة في الجمعيات الخيرية، ومجالس الأحباء، وترتيب المنزل والمكتبة، والرياضة النافعة، وإيصال النفع للفقراء والعجزة والأرامل، ((إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ))(الانشقاق:6).
ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل
اقرأ التاريخ لتجد المنكوبين والمسلوبين والمصابين.
وبعد فصول من هذا البحث سوف أطلعك على لوحة من الحزن للمنكوبين بعنوان: تعز بالمنكوبين.
اقرأ التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر
((وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ))(هود:120)، ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ))(يوسف:111)، ((فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))(الأعراف:176).
قال عمر : [أصبحت وما لي مطلب إلا التمتع بمواطن القضاء].
لترمي بي المنايا حيث شاءت فإني في الشجاعة قد رَبِيت
ومعنى ذلك: أنه مرتاح لقضاء الله وقدره، سواء كان فيما يحلو له أو فيما كان مراً. وقال بعضهم: ما أبالي على أي الراحلتين ركبت، إن كان الفقر لهو الصبر، وإن كان الغنى لهو الشكر.
ومات لـأبي ذؤيب الهذلي ثمانية من الأبناء بالطاعون في عام واحد، فماذا عسى أن يقول؟
إنه آمن وسلم وأذعن لقضاء ربه، وقال:
وتجلدي للشامتين أُريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ))(التغابن:11).
وفقد ابن عباس بصره، فقال - معزياً نفسه -:
إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مشهور
وهو التسلي بما عنده من النعم الكثيرة إذا فقد القليل منها.
وبترت رجل عروة بن الزبير ، ومات ابنه في يوم واحد، فقال: [اللهم لك الحمد، إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، منحتني أربعة أعضاء، وأخذت عضواً واحداً، ومنحتني أربعة أبناء وأخذت ابناً واحداً].
((وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا))(الإنسان:12) ((سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ))(الرعد:24).
وقُتل عبد الله بن الصمة أخو دريد ، فعزى دريد نفسه بعد أن ذكر أنه دافع عن أخيه قدر المستطاع، ولكن لا حيلة في القضاء، مات أخوه عبد الله فقال دريد :
وطاعنت عنه الخيل حتى تبددت وحتى علاني حالك اللون أسود
طعان امرئ آسى أخاه بنفسه ويعلم أن المرء غير مخلد
وخففت وجدي أنني لم أقل له كذبت ولم أبخل بما ملكت يدي
ويروى عن الشافعي -واعظاً ومعزياً للمصابين-:
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذا حكم القضاء
إذا نزل القضاء بأرض قوم فلا أرض تقيه ولا سماء
وقال أبو العتاهية :
كم مرة حفت بك المكاره خار لك الله وأنت كاره؟
كم مرة خفنا من الموت فما متنا؟
كم مرة ظننا أنها القاضية وأنها النهاية، فإذا هي العودة الجديدة والقوة والاستمرار؟
كم مرة ضاقت بنا السبل، وتقطعت بنا الحبال، وأظلمت في وجوهنا الآفاق، وإذا هو الفتح والنصر والخير والبشارة؟
((قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ))(الأنعام:64).
كم مرة أظلمت أمامنا دنيانا، وضاقت علينا أنفسنا والأرض بما رحبت، فإذا هو الخير العميم واليسر والتأييد؟
((وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ))(يونس:107).
من علم أن الله غالبه على أمره، كيف يخاف أمر غيره؟
من علم أن كل شيء دون الله، فكيف يخوفونك بالذين من دونه؟
من خاف الله كيف يخاف من غيره، وهو يقول: ((فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ))(ال عمران:175).
معه سبحانه العزة، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
معه الغلبة، ((وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)) (الصافات:173)
((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ))(غافر:51).
ذكر ابن كثير في تفسيره أثراً قدسياً: (وعزتي وجلالي ما اعتصم بي عبد فكادت له السماوات والأرض، إلا جعلت له من بينها فرجاً ومخرجاً. وعزتي وجلالي ما اعتصم عبدي بغيري إلا أسخت الأرض من تحت قدميه).
قال الإمام ابن تيمية : بـ (لا حول ولا قوة إلا بالله) تُحمل الأثقال، وتُكابد الأهوال، ويُنال شريف الأحوال.
فالزمها أيها العبد! فإنها كنز من كنوز الجنة. وهي من بنود السعادة، ومن مسارات الراحة، وانشراح الصدر.
لا حول ولا قوة الا بالله والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمناتن الاحياء والاموات
د.عائض القرني
ذكرت جريدة المسلمون عدد 240 في شهر صفر سنة 1410هـ، أن هناك 200 مليون مكتئب على وجه الأرض!
الاكتئاب يجتاح العالم!! لا يفرق بين دولة غربية وأخرى شرقية! أو غني وفقير.
إنه مرض يصيب الجميع... ونهايته في الغالب... الانتحار!! الانتحار لا يعترف بالأسماء والمناصب والدول، لكنه يخاف من المؤمنين، بعض الأرقام تؤكد أن ضحاياه وصلوا إلى 200 مليون مريض في كل أنحاء العالم... إلا أن آخر الإحصاءات تؤكد أن واحداً على الأقل بس كل عشرة أفراد على وجه الأرض مصاب بهذا المرض الخطير!!
وقد وصلت خطورة هذا المرض أنه لا يصيب الكبار فقط، بل يصل إلى حد مداهمة الجنين في بطن أمه!!.
الاكتئاب بوابة الانتحار: ((وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ))(النساء:29)، ((وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ))(البقرة:195).
تذكر الأخبار التي تناقلتها وكالات الأنباء أن مرض الاكتئاب قد تمكن من الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكيةرونالد ريجان .
وتعود إصابة الرئيس الأمريكي بهذا المرض لتجاوزه سن السبعين في الوقت الذي لا يزال يتعرض فيه لضغوط عصبية كبيرة.. بالإضافة للعمليات الجراحية التي أجريت له على فترات متلاحقة، ((وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ))(النساء:78).
وهناك الكثير من المشاهير وخاصة من يعملون بالفن، يداهمهم هذا المرض، وقد كان الاكتئاب سبباً رئيساً -إن لم يكن الوحيد- في موت الشاعر صلاح جاهين ، وكذلك يقال: إن نابليون بونابرت مات مكتئباً في منفاه، ((وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ))(التوبة:55).
وما زلنا نذكر أيضاً الخبر الذي طيرته وكالات الأنباء، احتل صدر الصفحات الأولى في أغلب صحف العالم، عن الجريمة المروعة التي ارتكبتها أمٌ ألمانية بقتل ثلاثة من أطفالها، واتضح أن السبب هو مرضها بالاكتئاب، ولحبها الشديد لأطفالها خافت أن تورثهم العذاب والضيق الذي تشعر به، فقررت إراحتهم !! من هذا العذاب بقتلهم الثلاثة.. ثم قتلت نفسها!! وأرقام (منظمة الصحة العالمية) تشير إلى خطورة الأمر.. ففي عام 1973م كان عدد المصابين بالاكتئاب في العالم 3%، وارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 5% في عام 1978م، كما أشارت بعض الدراسات إلى وجود فرد أمريكى مصاب بالاكتئاب من كل أربعة!!
في حين أعلن رئيس مؤتمر الاضطراب النفسي الذي عقد في شيكاغو عام 1981م أن هناك 100 مليون شخص في العالم يعانون من الاكتئاب، أغلبهم من دول العالم المتقدم، وقالت أرقام أخرى أنهم مائتا مليون مكتئب !!
((أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ))(التوبة:126).
قال أحد الحكماء: اصنع من الليمون شراباً حلواً.
وقال أحدهم: ليس الذكي الفطن الذي يستطيع أن يزيد أرباحه، لكن الذكي الذي يحول خسائره إلى أرباح ((أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ))(البقرة:157).
وفي المثل: لا تنطح الحائط!!
والمعنى: لا تعاند من لا تستفيد من عناده فائدة تعود عليك بخير.
إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
وقالوا: ولا تطحن الدقيق، ((فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ))(ال عمران:153).
والمعنى: أن الأمور التي فُرغ منها وانتهت لا ينبغي أن تعاد وتكرر؛ لأن في ذلك قلقاً واضطراباً وتضييعاً للوقت. وقالوا أيضاً -وهو مثل إنكليزي-: لا تنشر النشارة.
والمعنى: أي نشارة الخشب، لا تأت وتنشرها مرة ثانية، فقد فرغ منها.
يقولون ذلك لمن يشتغل بالتوافه، واجترار الهموم، وإعادة الماضي، ((الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ))(ال عمران:168).
لا تُعِد قصة الفراق كثيراً وتسل عنها تجد فؤادك سالي
هناك مجالات للفارغ من الأعمال يمكن سدها، كالتزود بالصالحات، ونفع الناس، وعيادة المرضى، وزيارة المقابر، والعناية بالمساجد، والمشاركة في الجمعيات الخيرية، ومجالس الأحباء، وترتيب المنزل والمكتبة، والرياضة النافعة، وإيصال النفع للفقراء والعجزة والأرامل، ((إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ))(الانشقاق:6).
ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل
اقرأ التاريخ لتجد المنكوبين والمسلوبين والمصابين.
وبعد فصول من هذا البحث سوف أطلعك على لوحة من الحزن للمنكوبين بعنوان: تعز بالمنكوبين.
اقرأ التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر
((وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ))(هود:120)، ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ))(يوسف:111)، ((فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))(الأعراف:176).
قال عمر : [أصبحت وما لي مطلب إلا التمتع بمواطن القضاء].
لترمي بي المنايا حيث شاءت فإني في الشجاعة قد رَبِيت
ومعنى ذلك: أنه مرتاح لقضاء الله وقدره، سواء كان فيما يحلو له أو فيما كان مراً. وقال بعضهم: ما أبالي على أي الراحلتين ركبت، إن كان الفقر لهو الصبر، وإن كان الغنى لهو الشكر.
ومات لـأبي ذؤيب الهذلي ثمانية من الأبناء بالطاعون في عام واحد، فماذا عسى أن يقول؟
إنه آمن وسلم وأذعن لقضاء ربه، وقال:
وتجلدي للشامتين أُريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ))(التغابن:11).
وفقد ابن عباس بصره، فقال - معزياً نفسه -:
إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مشهور
وهو التسلي بما عنده من النعم الكثيرة إذا فقد القليل منها.
وبترت رجل عروة بن الزبير ، ومات ابنه في يوم واحد، فقال: [اللهم لك الحمد، إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، منحتني أربعة أعضاء، وأخذت عضواً واحداً، ومنحتني أربعة أبناء وأخذت ابناً واحداً].
((وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا))(الإنسان:12) ((سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ))(الرعد:24).
وقُتل عبد الله بن الصمة أخو دريد ، فعزى دريد نفسه بعد أن ذكر أنه دافع عن أخيه قدر المستطاع، ولكن لا حيلة في القضاء، مات أخوه عبد الله فقال دريد :
وطاعنت عنه الخيل حتى تبددت وحتى علاني حالك اللون أسود
طعان امرئ آسى أخاه بنفسه ويعلم أن المرء غير مخلد
وخففت وجدي أنني لم أقل له كذبت ولم أبخل بما ملكت يدي
ويروى عن الشافعي -واعظاً ومعزياً للمصابين-:
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذا حكم القضاء
إذا نزل القضاء بأرض قوم فلا أرض تقيه ولا سماء
وقال أبو العتاهية :
كم مرة حفت بك المكاره خار لك الله وأنت كاره؟
كم مرة خفنا من الموت فما متنا؟
كم مرة ظننا أنها القاضية وأنها النهاية، فإذا هي العودة الجديدة والقوة والاستمرار؟
كم مرة ضاقت بنا السبل، وتقطعت بنا الحبال، وأظلمت في وجوهنا الآفاق، وإذا هو الفتح والنصر والخير والبشارة؟
((قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ))(الأنعام:64).
كم مرة أظلمت أمامنا دنيانا، وضاقت علينا أنفسنا والأرض بما رحبت، فإذا هو الخير العميم واليسر والتأييد؟
((وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ))(يونس:107).
من علم أن الله غالبه على أمره، كيف يخاف أمر غيره؟
من علم أن كل شيء دون الله، فكيف يخوفونك بالذين من دونه؟
من خاف الله كيف يخاف من غيره، وهو يقول: ((فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ))(ال عمران:175).
معه سبحانه العزة، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
معه الغلبة، ((وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)) (الصافات:173)
((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ))(غافر:51).
ذكر ابن كثير في تفسيره أثراً قدسياً: (وعزتي وجلالي ما اعتصم بي عبد فكادت له السماوات والأرض، إلا جعلت له من بينها فرجاً ومخرجاً. وعزتي وجلالي ما اعتصم عبدي بغيري إلا أسخت الأرض من تحت قدميه).
قال الإمام ابن تيمية : بـ (لا حول ولا قوة إلا بالله) تُحمل الأثقال، وتُكابد الأهوال، ويُنال شريف الأحوال.
فالزمها أيها العبد! فإنها كنز من كنوز الجنة. وهي من بنود السعادة، ومن مسارات الراحة، وانشراح الصدر.
لا حول ولا قوة الا بالله والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمناتن الاحياء والاموات
د.عائض القرني
تعليق