سياحتك معنا هذا الصيف!!
في هذه الأيام ما أكثر الدعايات ، وما أغزر الإعلانات ، فلا تكاد تمر من شارع ، أو تقف عند إشارة ضوئية إلا وتقع عينك على لوحات قد لونت وزخرفت وكتبت عليها عبارات ساحرة مع مناظر تشد عقل الناظر إليها ، فما بين بحار وأنهار وما بين خضرة وأشجار وما بين ظلال ونسائم عطار .
يقف الرائي مشدوهاً وهو يقلب نظره في تلك اللوحات يكاد يسيل لعابه لما يرى من تشويق وإثارة في هاتيكم الإعلانات .
ولكن ثمة سؤال واستفسار ، ماذا يراد من وراء ذلك كله ؟
الجواب السياحة والاستجمام .
نعم إنها دعايات الشركات السياحية ، ثلاث أيام بلياليهن في مدينة كذا وكذا ...
متع نفسك وعائلتك في مدينة كذا وكذا لمدة عشرة أيام ...
دلّع نفسك وأهلك بصيف .... .
وهلم جرا....
ثم ماذا بعد ذلك ..
تجد التنافس فعشر أيام بـ 1500 ريال
ثلاث أيام بـ 375 ريال
إقامة فندقية مع تجول وسائق خاص لمدة خمس أيام بـ 2750 ريال
يا بلاش .. والله أسعار ولا في الخيال ...
هذا حال أولئك القوم قُصّاد السياحة ، ومبتغي الاستجمام ..
ولكننا هنا لنا شأن آخر ..
فالإجازة هي زمن سيبدأ ثم ينقضي ،،، وسرعان ما يدور الزمن دورته ومثلما تكلمت في هذا اليوم سيأتي يوم ونتكلم فيه عن وقت مضى وانقضى ((( كيف كان انقضاؤه ؟؟؟!!!! )))..
فالله الله !! اعرفوا للأوقات شرفها ،، واقدروها قدرها ..
لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : وعن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ؟؟ ، أو كما قال .
فيا أخا الإسلام
الوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
أخي في الله ..
لقد عرف الصالحون الأولون قيمة الوقت ، وقصر العمر ، وقلة الزاد ،،، فشمروا عن ساعد الجد ، وأعدوا العدة وبذلوا الجهد ..
فحازوا على الغنيمة وانطبق عليهم قول القائل " من جد وجد ، ومن زرع حصد "
فهلموا بنا نقلبْ صفحات الإعلانات ونطالع الدعايات ،، نعم الدعايات ودعايات السياحة والاستجمام ولكن شتان بين السياحتين وفرق بين الاستجمامين .
سياحتنا التي نقصدها هي موجودة بيننا وتكون قريبة منا ولكن من الذي يسعى إليها ويشارك فيها ويؤكد حجزه بها ولا يكون حجزه انتظار .
هل عرفتم ما هي سياحتنا ؟ وأين أماكنها ؟ وما هي العروض التي تقدم فيها ؟؟
إنها سياحة في ظلال الرحمن ، واستجمام في واحات الإيمان .
أماكنها معروفة مكشوفة ليست دهاليز مظلمة أو قاعات حمراء معتمة ، أو حانات مغلقة ، ولا بأماكن تدار فيها كؤوس الخمر وتنظر فيها العيون إلى مسرح يعلوه الرقص والطرب .. لا والله وحاشاها أن تكون كذلك؛ لأنها أفضل بقاع الأرض وأقدس شيء فيها ،، إنها بيوت الرحمن ..
نعم قد يستغرب سامع وكيف تكون السياحة فيها ؟؟؟
أقول لا تستعجل .. فكثير من بني البشر قد أعد العدة وجهز الحقائب وحزم الأمتعة ، ليسافر في القادم من الأيام ويقضي شيئاً من عطلته في تلكم الديار شرقاً وغرباً .
وعلى النقيض من ذلك فهناك من حزم أمتعته وشد أربطته وجهز حاله ليسافر في رحاب رحمانية ، وينهل قطوفاً إيمانية .. فلله دره ..
فقد قرأ إعلانا عن دورة قرآنية مكثفة مدتها شهر تزيد أو تنقص قليلاً . فسارع بحجز مكانه وتأكيد حجزه ، وجعل همته " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " .
والغريب أن بعض أولئك النفر لا يسافر لوحده في تلك الرحلة الرحمانية بل يشد على أيدي إخوانه ويحثهم على ذلك . فينال الأجر مضاعفاً .
فبالله عليكم أي السياحتين خير؟ .
ثم ما أن تنقضي مدة الدورة القرآنية إلا وترى الثمار اليانعة قد آتت أكلها وجاء وقت الحصاد فذلك قد حفظ القرآن في شهر ، وذلك قد أكمل حفظ ما تبقى من القرآن ، وذاك قد بدأ مشوار الحفظ بخمسة أو عشرة أو خمسة عشر جزءاً .
لا إله إلا الله ، كم من مشمر سيبدأ بعد أيام رحلته ، وكم من غافل سيزيد بعداً عن خالقه .. وكلها أيام قلائل وسيجني كل واحد منهم ثمرة عمله وجزاء صنعته .
فهذه واحدة من تلك الرحلات المعلن عنها .
فلها ركابها ولها عشاقها ، ولها قاصدوها ،،، وكم من المساكين من حرموا أنفسهم في خوض غمار تلكم الرحلة السياحية مع الظلال القرآنية ؟ فالموفق من وفقه الله ..
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته ..
وفي ثنايا الإعلانات السياحية ترى العيون إعلانات قد شدت العقل وسلبت اللب ،، لأنها كنز لا يقدر بثمن ولا يساويه كنز واحد من كنوز الدنيا .
إنها الدورات العلمية المكثفة التي لا تزيد مدتها عن أسبوعين أو ثلاثة تقريباً ،، فيكون فيها طلاب العلم مشغولون بالتحصيل والبحث والتزود من معين الشريعة السمحة جاعلين نصب أعينهم شعار " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " .
فلله درهم يعيشون مع سنة الحبيب زمناً يتبينون أحكام هذا الدين فيزدادون بالمعرفة خشوعا وذلاً وانكساراً لله رب العالمين فيتمنون الدخول في قوله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}فاطر28
وكم من حائر غافل حضر هذه المجامع العلمية وعاش فيها دهراً يسيراً فتبصر أمور دينه، وتفتحت مدارك نفسه فخشع قلبه وانكسرت نفسه ودمعت عينه على أوقات قضاها في لعب ولهو وخوض بالباطل .
وهو الذي كان يظن نفسه أنه يعيش سعادة لا يعيشها غيره ، ولكنها سرعان ما تبدلت النظرة وتغيرت الفكرة فليس الخبر كالمعاينة .
فأكرمْ بها وأنعمْ من سياحة تقود العبد ليفوز بِرضى الرب .
وما زلنا نقلب النظر في تلك الإعلانات فيلفت الانتباه إعلاناً قد جمع بين زوايا متعددة ومواهب متنوعة .
فتجد المرح والمتعة ، وتجد الجد والهمة العالية ، وتجد الصحبة الصالحة ، وتجد القدوات الحسنة ...... وغيرها ... مما لا يحصيه قلم الخطاط لكتابته في الإعلان .
هذه هي المراكز الصيفية ( أو ما تسمى بالنوادي الصيفية ) ..
إنها أماكن يلتحق بها أصحاب الفئات العمرية الصغيرة ومن يكبرهم بقليل .
وهي منبع خصب لكل فضيلة فالقائمون عليها نخبة من الفضلاء نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحداً .
قوم جندوا أنفسهم لتربية جيل صالح يكون منبته نباتاً حسناً .
فيعلمونهم ويبصرونهم ويفقهونهم وذلك كله بأسلوب رائد في التعليم فهم جمعوا مع العلم جانب التربية ، فيرى الفتى أو الشاب القدوة الحسنة متمثلة في شخص معلمه أو مشرفه فيتعلم منه الأدب والخلق الحسن قبل كل شيء ، فلا يسمع الفتى إلا كلاما طيباً ولا يرى إلا فعلاً حسناً ، فاسألوا كل مَن شارك في تلكم المراكز الصيفية ماذا استفاد؟ وماذا انتفع ؟
فبالله عليكم !!!
هل توجد سياحة أو متعة تفوق سياحتنا الإيمانية ؟؟!!
فاللهم متعنا بالإيمان ، وارزقنا الفوز بالجنان ، وارحمنا برحمتك يا رحيم يا رحمن .
تعليق