باتت قضية الحجاب من أبرز القضايا التي فرضت نفسها على الواقع، وطرقت بعنف آذان المسلمين والمسلمات، في محاولة لزعزعة الثوابت والحرب على الأصول الموروثة والركائز الثابتة من دين الله رب العالمين، وتشتد الأزمة وتزيد البلية حينما تأتي المصيبة أو تنزل الفتنة على قلوب مريضة وعقول خاوية أو فاسدة
.
وإلقاء الشُّبَه في وجه حجاب المسلمة ليس بالجديد، وإنما الجديد كما ذكرنا ضعف المستقبلين للغزو الفكري الماكر، وقلة المرابطين على ثغور المواجهة.
والمرأة المسلمة في مجتمعنا تفتقر افتقارًا شديدًا إلى الخطاب الشرعي الموجه إليها في مقابلة التخطيط التآمري الماكر بها وبإسلامها.
ولذا نحاول جاهدين إلقاء الضوء على واحد من الثوابت والمسلمات الشرعية التي يجب تأصيلها عند المرآة المسلمة، في محاولة لتثبيت هذا الأصل المُحاربَ في فطر وعقائد المسلمة التي هي قطب رحى البيت والمجتمع المسلم ومحوره، فنوجه الحديث إلى المسلمة :
الحجاب ليس مظهرًا أجوف، ولا يُغني عنه ما تؤديه من طاعات لأن الحجاب فريضة كما أن الصلاة فريضة والصيام فريضة.
ألا يستوقفكِ قول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب:33]
فانظري: كيف قُرن النهي عن التبرج بالأمر بإقامة الصلاة. وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله، وما ذاك إلا لأن الإسلام شامل لا يجوز بحال الأخذ بأمر من أوامره وترك الآخر عن عمد وقصد.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:207].
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ (يقول الله تعالى آمرًا عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عُرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك) [تفسير القرآن العظيم لسورة البقرة آية (208)]
أيتها المصلية الصائمة:
إن طاعتك لله عز وجل وأداءك لبعض الطاعات كإقامة الصلاة مثلا، تُلزمك بالحجاب.
قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] أَوَلَيْس خرجوك على هذا الحال من التبرج أو السفور منكر تُملي عليكِ صلاتُكِ أن تنتهي عنه.
لا أظنك من أولئك الذين اتخذوا الهوى لهم دينًا ويحسبون أنهم على شيء، فيأخذون من الدين ما يناسب أهواءهم ويدَّعون التَدَيُّن والله عز وجل قد ذَمّ من يكون هذا حالهم أمام أوامر الله عز وجل ونواهيه، فقال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:85].
إلى صاحبة القلب النقي، والنية السوِّيّة:
إن صفاء القلب وطهارة الباطن وسلامة الطَويّة يحتاج إلى ضبط السلوك على مراد الله تعالى ورسولهصلى الله عليه وسلمليصلح الظاهر والباطن على السواء فتسكن النفس وتستقروتطمئن، وتكون الغاية المنشودة من السعادة الحقيقية.
ثم إن الله تعالى أمرنا بإصلاح الظاهر والباطن على السواء، بدليل ما نراه من جملة النواهي الشرعية التي تتعلق بفساد الظاهر والتي يدورها ولابُدّ تؤثر في إفساد الباطن ولو لم يدر مرتكب المنكر، لنعلم أن الإثم الظاهر له قرين باطن قال تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام:120].
أخيتي ألا تقفين أمام المرآة لتنظري؟
تأملي تحسسي وجهك بيديك، هل هان عليك أن تلفحه النار ليسقط الجلد وتبقى العظام؟
لو غَرَّكِ جمالك فَتَذَكَّري مرضًا أو هرمًا يبقى معه الجمال مجرد ذكريات وحسرات.
أخيتي ماذا يمكن أن يبقى من هذا الجمال في قبر تبلى فيه العظام؟!
بالله، إن كل زينة في الدنيا تغر الناس بزخرفها وبريقها فإنما هي لعب أو لهو، والحقيقة الكبرى في اليوم الحق يوم القيامة.
فلا تبيعي وعد الله بالجنة للطائعين بعاجل من زينة زائفة زائلة.
قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64]
ثم كيف تحرمين نفسكِ الجنة، فلا تجدين حتى ريحها، قالصلى الله عليه وسلم : «صنفان من أمتي لم أرهنا قط، (وذكرصلى الله عليه وسلممنها) .... ونساء كاسيات عاريات مائلات جميلات رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها...». [رواه مسلم]
فأي شيء أغلى من الجنة وأكبر من رضوان الله تعالى حتى يضحي المرء بهما في سبيله.
يا أمة الله: نحن لا نسيء الظن، ولا نعيش في غابة:
وإنما نحن عبيد الله تعالى، يأمرنا فنسمع له ونطيع، لأننا نعلم أنه رب حكيم سبحانه وتعالى، يتعهدنا بما يصلحنا، ويرعانا بخيره ولا يأمرنا إلا بحكمة، ألا تصدقين أن حجابك صلاح لك ولأمتك؟ قال صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة أَضَرّ على الرجال من النساء».
قالصلى الله عليه وسلم : «المرأة عورة؛ إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان».
فيزينها في أعين الرجال.
فمن زعم أن التبرج صار أمرًا مألوفًا لشهرته وكثرته، وما عاد له تأثير في إثارة دفائن الشهوات والغرائز، فكلامه مردود بالفطرة السليمة والواقع الحي، فإن الرجولة هي الرجولة والأنوثة هي الأنوثة والفطرة في ميل كل من الطرفين للآخر باقية ما بقي هذا المخلوق {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30].
وإسلامنا يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف عفيف لا تُهاج فيه الشهوات أو تثار فيه الغرائز كل وقت، لأن الإثارة المستمرة لا تنتهي بإرواء غليل الشهوة أو إطفاء إثارتها وإنما تنتهي إلى سُعار شهواني هائج ومجنون أو تلق واضطراب وأمراض نفسية ناتجة من الكبح بعد الإثارة للشهوة.
أيتها الشريفة العفيفة:
عندما تذهبين إلى شراء فاكهة، هل تشترين من الثمار المغلفة أم تشترين من المكشوفة المُعَرَّضة للذباب والأتربة وعبث الأيادي؟!
هكذا دور الحجاب في حياة المسلمة، هو صيانة لجمالها وعفافها وطهارتها.
وإن كنت تخجلين من الحجاب! فلماذا لا تخجل تلك الأخرى من نظرات الرجال إلى جسدها المكشوف الرخيص.
وإن كان يُسخَر منك فهذا دأب المجرمين مع المؤمنين في كل زمان.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29]
أيتها المؤمنة اصطبري واحتسبي:
حين يشتد الحر ويزداد الضيق لكن جهنم أشد حرًا قال تعالى: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [التوبة:81].
سخرية واستهزاء وامتهان من بعض الجهلة والسفهاء، كل ذلك يهون إذا ما قورن بما لقيه المسلمون والمسلمات من أذى وعنت ومشقة حتى وصل إلينا هذا الدين كاملا بأوامره ونواهيه.
تُرى لو لقيت امرأة تركت أمر الله تعالى لها بالحجاب من أجل اشتداد الحر أو الشعور بالضيق بعض الشيء أو ازدراء البعض وسخريتهم، لو لقيت هذه شيئًا مما لقيته سمية بنت خياط، أو رأت ما رأته الصحابيات رضي الله تعالى عنهم أجمعين ما عساها أن تفعل، إنها إذن لكفرت بالله وارتدت عن دينها ما دامت لا تصبر على حراسة فضيلتها وحجابها.
لكن ولله الحمد نرى من النماذج المشرقة التي تتجدد مع كل مسلمة تُعرِض عن حطام الدنيا وزخرفها الباطل ونظرة أهل الدنيا الزائغة، في سبيل الله، وطاعة لأمر الله عز وجل بحجابها؛ فتصبر على ما تلاقيه من ضغوط وتضييق.
وبقي أن نُذَكر أختنا في الله: أن الحجاب ليس موضة.
حيث اتسع مفهوم الحجاب في تصور المسلمين والمسلمات الآن، وصار وصف المرأة المحجبة له صور وأنماط وأشكال تتداعى في مخيلة كل من يسمع هذا اللفظ.
فهناك غطاء الرأس مع كشف بعض الشعر أو الرقبة أو شيء من البدن، وقد تكون الملابس خفيفة أو شفافة أو معطرة أو تشبه لباس الرجال أو تكون الثياب في ذاتها زينة بألوانها الزاهية الجذابة ونقوشها الملفتة للنظر.
وكل هذا وغيره من صور أخرى تمثل مفهوم لمفهوم الحجاب في واقع المسلمين، والذي هو بعيد عن المفهوم الشرعي له، ويعكس مدى التجهيل والحرب المتصاعدة على هذه الفريضة، وساعد على ذلك وجود طائفة من المتبرجات اللاتي هرولن نحو «الحل الوسط» بزعمهن، تخلصًا من الحرج الاجتماعي أحيانًا، وأحيانًا أخرى هروبًا من الحرج الشرعي وخاصة بعد انتشار الحجاب الشرعي بحمد الله تعالى.
فنجد حجاب العادة الذي يمكن بسهولة ولأقل داع أن يُخلع في المناسبات أو تظهر المرآة بدونه أمام الأجانب بكل تساهل.
ونجد حجاب الموضة الذي له أزياؤه وألوانه التي تختلف صيفًا وشتاءً، حتى صار لهذا الحجاب المزعوم بيوت أزياء منتشرة. فسمعنا عن (فساتين) للمحجبات فقط و (أغطية رأس) للمحجبات فقط و(كوافير) فيه قسم خاص بالمحجبات فقط حتى تقرأ مؤخرًا في بعض الصحف المنسوبة إلى الصحافة الإسلامية دعوة صريحة إلى إقامة عرض أزياء للمحجبات في مصر على غرار عرض أزياء للمحجبات فقط في تركيا العلمانية، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وكل هذا يُضَيِّع من هيبة الحجاب كفريضة دينية وشعيرة تعبدية في النفوس قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32].
وهل يُرضي الله عز وجل أن يصير الحجاب (موضة) يغيرونها وقتما أرادوا، وتذهب وتجيء كما يفعلون (بموضاتهم) تلاعبًا بعقول شبابنا؟ والحجاب الشرعي ما شُرع إلا لإخفاء زينة المرآة لا إظهارها، فهذا هدفه وأصله.
فإن من شروط الحجاب الشرعي ألا يكون زينة في نفسه تلفت الأنظار، فمن ارتدت الحجاب طاعة لأمر الله وتحقيقًا للعبودية له عز وجل ليس لها أن تتبع هواها في صورته وشكله، فهل نعبد الله على مرادنا وهوانا أم على مراد الله عز وجل وحده؟!
فمتى تعي أختنا هذا الأمر ونستمسك بحجاب الطاعة في زمان الفتن الذي يغفل الناس فيه عن دينهم ويشتغلون عنه بدنياهم قال صلى الله عليه وسلم : «العبادة في الهَرْج كهجرة إليّ» [مسلم (2948)]، قال النووي: والهرْج هنا الفتنة.
فاحتسبي يا أَمَة الله..
منقول
تعليق