إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المكفّرات العشر (1)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المكفّرات العشر (1)

    المكفّرات العشر
    د.عائض القرني
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    أما بعد:
    فالمكفِّرات العشر التي يكفِّر بها المسلم ذنوبه وسيئاته ومعاصيه، أول من صنفها على حد علمي من علماء المسلمين هو:
    أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية ، حيث رتَّبها من النصوص وجمعها وحرّرها وأقام الأدلة عليها وذكرها جملة في كتابه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام .
    وقبل أن نستعرض هذه المكفِّرات لا بد أن أسردها لكم كما سردها
    شيخ الإسلام لنكون على بصيرة.. فإننا مذنبون دائماً.. نصبح مذنبين ونمسي مذنبين، ونقعد في مجالسنا مذنبين، ونمشي مذنبين، لأننا خُلقنا من التراب، ومن طبيعة التراب الاضطراب وعدم السكون، ولكن بعد أن نخطئ، وبعد أن نسيء، وبعد أن نعصي الله سبحانه وتعالى، فتح الله لنا أبواباً عشرة، هذه الأبواب يقول عنها شيخ الإسلام ابن تيمية : هي عشرة باستقراء من كتاب الله تبارك وتعالى ومن سُنة رسول صلى الله عليه وسلم:
    المكفِّر الأول: الاستغفار.
    المكفِّر الثاني: التوبة.
    المكفِّر الثالث: الحسنات الماحية ((
    إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)).
    المكفِّر الرابع: المصائب المكفِّرة التي تحدث على هذا الإنسان الضعيف ويصاب بها. وأعلاها موته، وأدناها الشوكة التي يُشاكها وحرارة الشمس التي تصيبه.
    المكفِّر الخامس: دعوات المؤمنين الصالحين له.
    المكفِّر السادس: شدة النزع وكرب الموت، في تلك الساعة الأليمة الشديدة التي نسأل الله أن يخففها علينا وعليكم، إنه على كل شيء قدير.
    المكفّر السابع: عذاب القبر، وما أدراك ما عذاب القبر؟
    تنخلع له قلوب الموحِّدين، وتكاد تطير له أرواح العابدين، إن كان عندهم شيء من يقين.
    المكفِّر الثامن: هول المطلع على الله تبارك وتعالى، يوم نخرج من قبورنا، باكين، مذنبين، حاملين السيئات والمعاصي، ونأتي للعرض على الله تبارك وتعالى.
    المكفِّر التاسع: هو شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وشفاعة الأولياء، وشفاعة الصالحين، فإنها ثابتة عند علماء
    أهل السنة والجماعة .
    المكفر العاشر: وهو الأخير، رحمة أرحم الراحمين، حين تنتهي الرحمات، وتوصد الأبواب، وتنتهي طاقة العباد، وتأتي طاقة الواحد الديَّان، وتأتي رحمة الله تبارك وتعالى، فيرحم ويغيث ويلطف، فرحمته هي آخر المطاف، وهي رحمة أرحم الراحمين.
    يعقِّب شيخ الإسلام
    ابن تيمية فيقول: فمن فاتته هذه العشر فقد استوجب النار حقيقة، وقد شرد عن الله شرود الجمل الشارد عن أهله، وقد أبق من الله إباق العبد العاق لسيِّده.
    ولكن قبل أن نستعرض هذه المكفِّرات العشر وقبل أن نستقرئ ما جاء فيها من نصوص وأقوال أهل العلم وقصص للصالحين والعبَّاد، نبدأ أولاً بالزواجر عن المعاصي قبل أن نقتحم المعصية، ثم نبحث عن حل لهذه المعصية، وعن علاج لهذا الداء.
    فلابد أن نبحث أولاً عن الزواجر والروادع والتي تسمّى في لغة علماء الحروب الخطوط الدفاعية، وهي عند علماء
    السنة والجماعة ، أربع زواجر، وهي حواجز وموانع تمنعك أن تقع في المعصية، إذا اجتمعت فيك سدَّدتك بإذن الله، وحفظتك بعون الله، فلا تعصي الله.
    الزاجر الأول: زاجر المراقبة: مراقبة الحي القيوم الذي لا ينام، ((
    الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ))، هذا هو الزاجر الأول الذي يزجرك عن المعصية.
    الزاجر الثاني: استشعار عظمة الله، وعظمة الموقف بين يدي الله تبارك وتعالى، فإنك إذا استشعرت عظمة الله، وعظمة العرض على الله، هابت نفسك من المعصية، ورجعتَ على عقبيك تائباً نادماً قبل أن تقتحم سور المعصية.
    الزاجر الثالث: تذكر الموت وما بعد الموت، وما أدراك ما الموت؟
    إنه قصة وحدث عظيم نحن عنه غافلون، وسوف يمر به كل فرد منا مهما عُمّر، ومهما استغنى، ومهما صغر، ومهما شبّ، ومهما تولَّى.
    أما الزاجر الرابع -الأخير-: فهو تذكر آلاء الله سبحانه وتعالى ونعم الله.
    أما زاجر المراقبة: فهو أن نستشعر مراقبة الله تبارك وتعالى، وهو أعلى درجة للموحدين، وهو الذي يسمّى في السنة وفي الشريعة، درجة الإحسان.
    يقول تبارك وتعالى عن هذه الدرجة ((
    وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى))، إذا أتيت تعصي الله فتذكر من هو الله، وعظمة الله، وقدرة الله، حينها سوف تكفُّ، بإذن الله، عن المعصية.
    يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان من حديث
    عمر : (اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
    يقول الشيخ
    حافظ الحكمي عن شرح درجة الإحسان:
    هو رسوخ القلب في الإيمان حتى يكون الغيب كالعيان

    وهي أن تتصور أنك ترى الله، فإذا لم تستطع هذا التصور فاعلم أن الله تبارك وتعالى يراك ولا محالة.
    وثبت عن
    علي في (التراجم) وفي السير أنه قال، على منبر الكوفة يوم الجمعة وهو يخطب الناس وقد بلَّلت الدموع خدّه الطاهر: والله لو كشف الله لي الغطاء، ورأيت الجنة والنار، ورأيت الله على عرشه، ما زاد على إيماني مقدار ذرة.
    هذا هو رسوخ الإيمان، وهذه هي درجة الإيقان، وهذه هي مرتبة الإحسان.
    وهذا هو الفارق، بيننا وبين إيمان الصحابة، وهذا هو البون الشاسع الذي جعل الصحابة في تلك المرتبة العليا، وجعلنا نهبط، فلا ندري كيف نقود قلوبنا إلى الله، ونُهذب أرواحنا مع الله، ولا ندري ما هي الحلول، ونظن أنها في تكثير الثقافات العلمية، وجمع الشهادات، أو كثرة الإيرادات على القلب، وغفلنا عن درجة المراقبة التي سوف تريحنا لو انتهجناها.
    ثبت في
    كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل ذاك الكتاب العظيم الذي يجدر بك أيها المسلم أن تسمر معه، ولو ليلة واحدة ليعلمك كيف كان يعيش علماء السلف، وكيف كانوا يستضيئون بنور الله، في ترجمة أبي بكر ، رضي الله عنه وأرضاه، أنه كان يقول على المنبر: يا أيها الناس، استحيوا من الله حق الحياء، فوالله إني لأذهب إلى الخلاء لأقضي حاجتي فأضع ثوبي على وجهي حياء من ربي.
    هذه الدرجة العظيمة هي التي بلّغت
    أبا بكر رضي الله عنه تلك المنزلة العالية التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو وزن إيمان الأمة وإيمان أبي بكر ، لرجح بإيمانهم إيمان أبي بكر رضي الله عنه) (1) .
    وفي الصحيح أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
    لو كنت متَّخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر ، ولكن صاحبكم خليل الرحمن) (1) ، فدرجة الخلَّة ما كسبها أبو بكر رضي الله عنه، إلا بدرجة المراقبة، واستحضار عظمة الله تبارك وتعالى.
    وفي
    موطأ الإمام مالك بسند فيه انقطاع: (ما غلبكم أبو بكر رضي الله عنه بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكن بشيء وقر في صدره أو في قلبه).
    هذه هي درجة المراقبة، فنحن لو تصوَّرنا مراقبتنا لله تبارك وتعالى لرأيناها في الحضيض، ولرأيناها زهيدة وضعيفة وقليلة، نستحي أن نعرضها أمام الله تبارك وتعالى، والواحد منا لو راجع نفسه لعلم أنه يستحيي من الناس أكثر من استحيائه من الله، ويراقب الناس في حركاته، وسكناته، ومجالسه، وفي كلماته، وتصرفاته، أكثر من مراقبة الله تبارك وتعالى.
    وفي
    البداية والنهاية : أن عثمان رضي الله عنه، كان يقول: [ما اغتسلت واقفاً منذ أسلمت، وما مسَست ذَكري بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم].
    والغسل واقفاً جائز، ولكنه تركه، رضي الله عنه، من حيائه الشديد من الله، فهو يتصور نظر الله فيغتسل جالساً.
    والسنة تُقَدم على مثل هذا، ولكن نأخذ من هذا شاهداً للعبرة والاعتبار بهذا الصحابي الجليل الذي بلغ به الحياء إلى هذه المرتبة.
    بل ذكر الإمام
    الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء في ترجمة ابن عباس الحبر، الفهَّامة، ترجمان القرآن، أنه كان إذا اغتسل، اغتسل وعليه ثوب شفاف.
    فقال أبناؤه: يا أبتاه، كيف تغتسل، وعليك ثوب؟
    قال: إني إذا تجردت عرياناً استحييت من الله تبارك وتعالى.
    فهل بعد هذا الحياء حياء؟
    وهل بعد هذه المراقبة مراقبة؟
    إنها مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الذي أخرج هذه النماذج، وعلمها، وقادها إلى الله، ثم أعطاها هذه المراقبة، بتوفيق الله إياه.
    وثبت في ترجمة
    ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يقطّع الليل من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر باكياً مصلياً في الحرم حتى الصباح.
    يقول
    عطاء : والله إني كنت أنظر إلى جفن ابن عباس كأنها شراك النعلين الباليين من كثرة البكاء.
    ويقول
    سعيد بن جبير : بتُّ عنده ليلة فقام في الليل يقرأ: ((لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ الله وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا))، فأخذ يرددها ويقرأها ويبكي حتى خشيتُ عليه، والله.
    هذا هو الإيمان الراسخ.
    ولذلك ذكر
    ابن جرير في تفسيره ، و ابن كثير : أن ابن عباس ، رضي الله عنهما، كان إذا قرأ قوله تعالى: ((وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ))، في سورة البقرة، قال: أنا من الراسخين في العلم، وصدق، رضي الله عنه، فهو من الراسخين في العلم، وإذا لم يكن هو من الراسخين في العلم وفي خشية الله، فمن يكون إذن؟
    فالرسوخ في العلم، هو: مراقبة الله تبارك وتعالى، ولذلك يقول الإمام
    مالك كما ذكر عنه صاحب الحلية يقول: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم نور يقذفه الله في القلب.
    ليس العلم أن يحفظ الرجل النصوص الجامدة، وأن يجمع الشهادات العالية، ثم إذا نظرت إليه رأيت السنَّة في وادٍ وهو في وادٍ.
    فقلبه أقسى من الحجر، وتعامله بغيض، وروحانيته ضعيفة، وعبادته مضمحلة.
    إذا صلّى فبشرود وذهول.. لا يحافظ على الصلوات.. ولا يجمع قلبه للأوقات.. ولا ينتهي عن الشهوات والمحرّمات.
    أهذا علم؟
    بل هو الجهل بعينه.
    إذا ما لم يُفدك العلم شيئاً فليتك ثم ليتك ما علمتَ

    فرأس العلم تقوى الله حقاً وليس بأن يقال لقد رَؤُسْتَ

    أما الزاجر الثاني: والرادع الثاني: بعد المراقبة، هو: زاجر استشعار عظمة الله تبارك وتعالى، والوقوف بين يديه عزّ وجل، وهذا زاجر ثابت عند علماء السنة والجماعة ، وهذا عليه من الأمثلة الجليلة والعظيمة والطويلة ما لا يتسع المقام أن نسرد كثيراً من القصص، لكن أكتفي بالآتي:
    ذكر الإمام
    الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة سفيان بن سعيد الثوري الإمام العالم الزاهد العابد: أنه كان يقوم في الليل يُصلي فيردد قوله تبارك وتعالى: ((أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)) حتى الصباح.
    قال
    ابن الجوزي : استعرضت تراجم السلف فما وجدت بعد الصحابة إلا ثلاثة كَمُلوا في العلم والعمل: سعيد بن المسيب ، و أحمد بن حنبل ، و سفيان الثوري .
    حضرته الوفاة، فأخذ يبكي بكاءً عظيماً، حتى دخل عليه العلماء، وسلوه، وردّوه، وأحسنوا ظنه بالله تبارك وتعالى.
    وفي
    ذيل طبقات الحنابلة لـابن رجب يقول في ترجمة عبد الغني المقدسي ، ذاك الإمام العَلَم، الذي كان أمة قانتاً لله حنيفاً، ولم يك من المشركين، صاحب كتاب الكمال في أسماء الرجال في علم الحديث النبوي الذي لم يؤلف مثله أبداً.
    يقول
    ابن رجب : سُجن عبد الغني ، ومعه أناس من اليهود في السجن، فقام يصلي من الليل، وكلما صلى ركعتين، بكى، وقطع بالبكاء صوته، ثم عاد، وتوضأ، فصلَّى ركعتين، وبكى، ثم عاد، وتوضأ، وهكذا حتى الصباح، فلما رآه اليهود ، وهم معه مسجونون، أسلموا في الصباح.
    أسلموا من روعة هذا العابد، وهذا العالم، وهذا البكاء العظيم، وهذه التلاوة الحارة.
    فسألهم السجَّان: لماذا أسلمتم؟
    قال أحدهم: والله، لقد مرَّت علينا ليلة ما مرَّت علينا في حياتنا، والله لقد صوَّر لنا هذا اليوم الآخر.
    فأُخرجوا من السجن، وهم مسلمون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
    هذه هي الدعوة المخلصة، دعوة البكاء، دعوة التهجد، دعوة القيام في جنح الليل، دعوة العبادة التي لا يتكلم فيها الإنسان كثيراً ولا يخطب كثيراً، ولكن يُرى، فحسب، فيهتدون ويقتدون به.
    وثبت أن
    ابن تيمية رحمه الله، كان إذا خرج إلى السوق ضحىً، فرآه الناس وما عليه من النور والمهابة والذكر والعبادة أخذوا يردِّدون: لا إله إلا الله.
    وهذا هو الذي إذا رُؤي ذكر الله تبارك وتعالى، فإن من الصالحين، والأولياء، والعلماء، والعبَّاد، والدعاة، وطلبة العلم من إذا رأيته ذكرت الله وذكرت عظمة الله من وجهه، فحسب، دون أن يتكلم معك بكلمة أو يُلقي موعظة أو يخطب عليك خطبة، لأنك رأيت سيما الخير على وجهه تلوح فتأثرت أيما تأثر، ((
    سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ))، ومن أثر مناجاة الله تبارك وتعالى.
    وذكر
    الذهبي في سير أعلام النبلاء ، في ترجمة ابن وهب ، الزاهد الكبير شيخ الإسلام العالم المالكي، قال الذهبي : ألّف ابن وهبكتاب أهوال القيامة لنفسه، فسأله الناس أن يقرأ عليهم منه في المسجد.
    فخرج، وجمع الناس وقال لابنه: اقرأ عليّ أهوال يوم القيامة، فبدأ ابنه يقرأ، فما أتم قليلاً من القراءة، إلا وغُشي على
    ابن وهب ، فرُش بالماء فما استفاق، فرُش فما استفاق، ومكث ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع لقي الله تبارك وتعالى، وفاضت روحه.
    وقد تعرض له
    شيخ الإسلام في كتاب أصول الفقه من فتاويه فقال: أما ابن وهب فشيء آخر، أي: أنه من معادن الصدق والعبادة، والاتصال بالله.
    ولولا الله تبارك وتعالى، ثم محمد صلى الله عليه وسلم ما أخرج الله هذه النماذج من الناس، ولا هؤلاء العلماء والدعاة للبشرية ((
    كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) أخرجت للناس في الدعوة، وفي التضحية، وفي الاتصال بالله، وفي الزهد في الدنيا، وفي نشر الفضيلة بين الناس، وفي التخلي عن الرذيلة، وفي خوف الله تبارك وتعالى.
    ولسنا خير أمة أخرجت للناس في التباهي، ولا في التفاخر، ولا في العلو، ولا في الإفساد في الأرض.
    أما الزاجر الثالث: فهو زاجر. تذكر الموت.. وهذا أكبر زاجر عند الموحدين، وأعظم ما يحجزك عن معاصي الله تبارك وتعالى، وإذا لم تصدّق هذه النظرية فجرِّد نفسك واخرج كلما آنست من نفسك قسوة، ومن قلبك شدة، واجلس بين المقابر، وتذكر أين العظماء الذين دفنوا هنا في هذه المقابر، فما كأنهم مشوا مع الناس، وما كأنهم تكلموا مع الناس، وما كأنهم تنعَّموا، ولا ضحكوا، ولا استأنسوا، ولا ترفّهوا.
    إن هذا هو زاجر الموت الذي سمّاه علماء السنة: زاجر الموت العظيم، حينما نتذكره نعود إلى الله تبارك وتعالى، ولا نعصيه أبداً.
    ورد أن أحد العباد جلس عنده أحد الناس، فوقع هذا الرجل في عرض بعض المسلمين يتكلم فيه بالغيبة، ويأكل لحمه في المجلس.
    فبكى العابد.
    فقال له هذا الجالس المغتاب: لماذا تبكي؟
    قال: أبكي من غرورك، تغتاب، ولا تذكر حين يوضع القطن على عينيك، ويوضع الطين تحت رأسك في القبر.
    فبكى هذا المغتاب وقال: أُشهد الله، ثم أشهدك ألا أغتاب بعدها أبداً.
    فحين يغتاب الإنسان منا، أو يُقبل على جريمة، أو معصية، فيتذكر حين يوضع القطن على عينيه، أو يوضع الطين تحت رأسه، حينها، والله، سوف يعود لو كان عنده نزعة من الإيمان، أو حبة من المروءة، أو من مخافة الله تبارك وتعالى، ثم يتذكر مشهد تغسيله، وتكفينه، وحمله ووضعه في قبره وحده ليس معه مؤنس إلا عمله.
    وأورد
    ابن كثير في تفسير قوله تبارك وتعالى: ((وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ)) أن ابن عمر
    رضي الله عنهما، كان يقول: حيل بينهم وبين لا إله إلا الله.
    لما وضعوا في القبر حيل بينهم وبين ما يشتهون.. يشتهون أن يتكلموا بـ(لا إله إلا الله)، وأن يذكروا الله، وأن يقدموا خيراً لكن حيل بينهم وبين ما يشتهون.
    ولذلك أورد صاحب
    الحلية : أن أحد العباد الأولياء مَرّ بقبر فقال: لا إله إلا الله، ثم ذهب، ونام تلك الليلة.. فرأى في منامه ذاك الميت فقال: يا عبد الله مررت بي اليوم وقلت: لا إله إلا الله، والله لو تعلم بنفع وفائدة لا إله إلا الله، لقطعت بها عمرك كله، والله لقد حيل بيني وبين لا إله إلا الله ((وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ)).
    ونحن إذا تذكرنا هذه الروادع، وزاجر الموت، وما بعد الموت ربما نهاب إن كان في قلوبنا خشية وإن كان الله يريد بنا خيراً.
    أما الزاجر الرابع: فهو تذكر آلاء ونعم الله.. انظر في جسمك، وفي كيانك، وفي صورتك، مَن سوّاك؟
    ومن رزقك؟
    ومن أبدعك في هذه الصورة؟
    ثم بعدها تقتحم حدود الله، وتنتهك محرمات الله، وكأنه ليس لله نعمة عندك تبارك وتعالى.
    يقول عزّ وجل مؤنباً للمجرمين في خطاب لاذع يدخل إلى القلوب، ويخاطب شغافها: ((
    أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ))، هذا المجرم الذي عصى الله يقول تبارك وتعالى: ((أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ)) هاتان العينان الجميلتان كيف ما تذكر الله بها؟
    فعصى الله بها، ونظر للحرام.
    فمن الذي أعطاه هاتين العينين الجميلتين؟
    ((
    أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ))، لقد أخطأ هذا المجرم خطأ كبيراً حينما نسي أنها أمانةٌ عنده، وخالفنا مخالفة ظاهرة سافرة، وتعدَّى حدودنا.
    ويقول الله تبارك وتعالى: ((
    يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)).
    ما الذي غرّك؟
    وما الذي خدعك بالله؟
    وما الذي أنساك نعم الله؟
    وعظمة الله؟
    وقدرة الله؟
    حتى فعلت هذه الأفاعيل، وهذه المعاصي والمخالفات.
    إنها، والله، من أعظم الزواجر تذكر الآلاء، ولذلك سُئل
    سهل التستري : هل اغتبت أحداً؟
    قال: ما اغتبت منذ عقلت رشدي.
    قيل: أخفت الله أم ماذا؟
    قال: كل ما أردت أن أغتاب تذكرت آلاء الله، ونعم الله.
    هذا هو الزاجر العظيم.
    ويا من انطوى، وسار في ركاب محمد صلى الله عليه وسلم.
    ويا من متَّعه الله بسمعه وبصره.
    ويا من جعل الله له عينين ولساناً وشفتين، وهداه النجدين.
    ويا من ركّبه الله في أحسن صورة، وسوّاه وعدله.
    هذه من الزواجر العظيمة التي إذا أتيتَ لتقتحمَ حدودَ الله فتذكرها، فإنها حتماً ستردعك، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم وسبحان الله بحمده

    اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
    التعديل الأخير تم بواسطة الروح والريحان; الساعة 03-01-2012, 12:59 AM. سبب آخر: حذف روابط من الكلام بوركت

  • #2
    رد: المكفّرات العشر (1)

    السلام عليكم ورحمته الله وبركاته

    جزاكِ الله خيرا

    تعليق


    • #3
      رد: المكفّرات العشر (1)



      جزاكم الله خيرا ونفع بكم وبارك في جهودكم

      تعليق


      • #4
        رد: المكفّرات العشر (1)

        جزاكِ الله خيرا اختي
        بوركت وبوركت

        تعليق


        • #5
          رد: المكفّرات العشر (1)

          السلام عليكم ورحمة اللهِ وبركاته
          =====================
          جزاكِ الله خيرااا أختى نعمة
          كلمات أكثر من رائعة
          رزقنا الله واياكِ مراقبته فى السر والعلن
          و أن يكفر عنا سيئاتنا وأن يقينا عذاب النار
          بوركتِ أختى وبورك نقلك الطيب
          ===============




          تعليق

          يعمل...
          X