مفلسون نفسياً
لم يكن عبثاً وحاشاه ذاك الكلام المقدس : ( ونفس وما سواها ) ، بل هو إشارة إلى أغوار هذه النفس ، التي قراءتها علم مستقل بذاته .. لم يكن ترفاً علمياً ما كتبه المتقدمون في سبر أغوار النفس البشرية ومحاولة فهمها ، من ذلك ما كتب الإمام ابن حزم (مداواة النفوس ) إذاً ما أحوجنا أن نلتفت إلى هذه النفس .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم طبيباً نفسانياً - إن صحّ التعبير - من الدرجة الأولى ، يمارس هذا الفنّ قولا وفعلاً
إليك مثالاً لفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنفسيات : لمّا كان ابو سفيان رجل يحبّ الفخر ، جعل له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال : ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ) .
علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن عائشة صغيرة يستهويها اللعب شأن نديداتها ومثيلاتها فما كان منه إلا أنه رفعا لتنظر إلى لعب الحبشة بالحراب في المسجد .
علم النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيحاء الإيجابي يؤثر على نفسية المريض فيرفع مناعته .. تجده يدخل على المريض فيقول : طهور ، لا بأس إن شاء الله .
أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعراب فيهم غلظه فلما دخل عليه الأقرع بن حابس قادماً من نجد قبّل أحد أحفاده ، ثم لقنه درساً في الرحمة .
كان يعزز الجوانب الحسنة فيثني على أصحابها : نعم الرجل عبد الله ، أفرضكم زيد ، إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة .. الخ .
النبي يدرك أن الصبية والصغار يحبون اللعب فكان يجعل الحسن والحسن على ظهره ليرتحلاه صلوات الله وسلامه عليه ، وكان يحمل أمامة حتى في الصلاة ، ويمجّ بعض أصحابه الصغار بالماء ، ويجعل لبعضهم خصوصية فيذهب ليزورهم ، ويصحب بعضهم فيردفه على دابته ، ويكنّي بعضم والكنية عند العرب ضرب من التكريم : (يا أبا عمير ما فعل النغير ؟ ) .. الخ
كل هذه الصور وغيرها تدلّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده فهما نفسياً عميقاً .
ما احوجنا إلى هذا الفقه النفسي آباءً ومعلمين ومربيين وحتى عامة .
الرجل لا يفقه نفسية المرأة فتجده يعاملها كما يعامل أصحابه فيقع الخلل ، والمرأة لا تدرك بعض البدهيات في نفسية الرجل فتقع الطامّة .. مثلا : الرجل إذا أخطأ في حق زوجته فإنه يندر أن يبادر بالاعتذار الصريح ، لكنه ربما اعتذر بطريقة مختلفة كأن يهديها شيئاً ، أو يتلطف معها في الحديث أو يخرج بها إلى مكان عام أو يدعوها لغداء أو عشاء في أحد المطاعم ، فيفوتها أحياناً أن كبرياء الرجل قد يمنعه من الاعتذار وأن هذه الأفعال ترجمة عن الاعتذار ، فتظل تنتظر اعتذاره فتقع المشكلة .
آباء يظلّ الواحد منهم يلقي على ولده الموعظة والنصح ، ولو كلّف نفسه بإبلاغ مدرسه أو زميله الذي يرتاح للحديث إليه لكان أدعى لأن المراهق عادة عنده نفور من التوجيه المباشر من قنوات التلقي التقليدية (الأب والأم ) وقديماً قالت العرب : زامر الحي لا يطرب .
نعامل الأطفال أحيانا بنوع من الاستصغار لقدراتهم بينما في الحقيقة هم من يمارس علينا نفس الدور ، بتمرير هذا الشعور .
أليس من الجرم ما يفعله البعض عند زيارته لمريض حين يذكر له مريضاً كان يعاني نفس المرض ثم مات ، وآخر بتر الطبيب ساقه ، أو أن هذه المستشفى يدخلها المرضى فلا يخرجون إلا جثثاً هامدة .
أليس من الجرم الكبير ما يرتكبه بعض المعلمين والاباء من إرسال رسائل سلبية للطلاب والأبناء : أنت فاشل ، أصلا انت ما تنفع ، قابلني لو نجحت ، اللي زيك يطلع عامل نظافة !!
وعشرات الصور التي تدل على حقيقة واحدة وهى أننا مفلسون نفسياً إلا من رحم الله وأننا نحتاج إلى القراءة في هذا الفن وفق ضوابطنا الشرعية وموروثنا الأدبي الكبير الذي لم نكترث له .
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
الشيخ توفيق الصائغ
لم يكن عبثاً وحاشاه ذاك الكلام المقدس : ( ونفس وما سواها ) ، بل هو إشارة إلى أغوار هذه النفس ، التي قراءتها علم مستقل بذاته .. لم يكن ترفاً علمياً ما كتبه المتقدمون في سبر أغوار النفس البشرية ومحاولة فهمها ، من ذلك ما كتب الإمام ابن حزم (مداواة النفوس ) إذاً ما أحوجنا أن نلتفت إلى هذه النفس .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم طبيباً نفسانياً - إن صحّ التعبير - من الدرجة الأولى ، يمارس هذا الفنّ قولا وفعلاً
إليك مثالاً لفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنفسيات : لمّا كان ابو سفيان رجل يحبّ الفخر ، جعل له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال : ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ) .
علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن عائشة صغيرة يستهويها اللعب شأن نديداتها ومثيلاتها فما كان منه إلا أنه رفعا لتنظر إلى لعب الحبشة بالحراب في المسجد .
علم النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيحاء الإيجابي يؤثر على نفسية المريض فيرفع مناعته .. تجده يدخل على المريض فيقول : طهور ، لا بأس إن شاء الله .
أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعراب فيهم غلظه فلما دخل عليه الأقرع بن حابس قادماً من نجد قبّل أحد أحفاده ، ثم لقنه درساً في الرحمة .
كان يعزز الجوانب الحسنة فيثني على أصحابها : نعم الرجل عبد الله ، أفرضكم زيد ، إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة .. الخ .
النبي يدرك أن الصبية والصغار يحبون اللعب فكان يجعل الحسن والحسن على ظهره ليرتحلاه صلوات الله وسلامه عليه ، وكان يحمل أمامة حتى في الصلاة ، ويمجّ بعض أصحابه الصغار بالماء ، ويجعل لبعضهم خصوصية فيذهب ليزورهم ، ويصحب بعضهم فيردفه على دابته ، ويكنّي بعضم والكنية عند العرب ضرب من التكريم : (يا أبا عمير ما فعل النغير ؟ ) .. الخ
كل هذه الصور وغيرها تدلّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده فهما نفسياً عميقاً .
ما احوجنا إلى هذا الفقه النفسي آباءً ومعلمين ومربيين وحتى عامة .
الرجل لا يفقه نفسية المرأة فتجده يعاملها كما يعامل أصحابه فيقع الخلل ، والمرأة لا تدرك بعض البدهيات في نفسية الرجل فتقع الطامّة .. مثلا : الرجل إذا أخطأ في حق زوجته فإنه يندر أن يبادر بالاعتذار الصريح ، لكنه ربما اعتذر بطريقة مختلفة كأن يهديها شيئاً ، أو يتلطف معها في الحديث أو يخرج بها إلى مكان عام أو يدعوها لغداء أو عشاء في أحد المطاعم ، فيفوتها أحياناً أن كبرياء الرجل قد يمنعه من الاعتذار وأن هذه الأفعال ترجمة عن الاعتذار ، فتظل تنتظر اعتذاره فتقع المشكلة .
آباء يظلّ الواحد منهم يلقي على ولده الموعظة والنصح ، ولو كلّف نفسه بإبلاغ مدرسه أو زميله الذي يرتاح للحديث إليه لكان أدعى لأن المراهق عادة عنده نفور من التوجيه المباشر من قنوات التلقي التقليدية (الأب والأم ) وقديماً قالت العرب : زامر الحي لا يطرب .
نعامل الأطفال أحيانا بنوع من الاستصغار لقدراتهم بينما في الحقيقة هم من يمارس علينا نفس الدور ، بتمرير هذا الشعور .
أليس من الجرم ما يفعله البعض عند زيارته لمريض حين يذكر له مريضاً كان يعاني نفس المرض ثم مات ، وآخر بتر الطبيب ساقه ، أو أن هذه المستشفى يدخلها المرضى فلا يخرجون إلا جثثاً هامدة .
أليس من الجرم الكبير ما يرتكبه بعض المعلمين والاباء من إرسال رسائل سلبية للطلاب والأبناء : أنت فاشل ، أصلا انت ما تنفع ، قابلني لو نجحت ، اللي زيك يطلع عامل نظافة !!
وعشرات الصور التي تدل على حقيقة واحدة وهى أننا مفلسون نفسياً إلا من رحم الله وأننا نحتاج إلى القراءة في هذا الفن وفق ضوابطنا الشرعية وموروثنا الأدبي الكبير الذي لم نكترث له .
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
الشيخ توفيق الصائغ
تعليق