الحلقة الثانية من آفات اللسان
عمر عبد الكافي
باللسان نبني الأنفس ونذكر الله ونقرأ كتابه وبه نصير مفاتيح خير مغاليق شر، ولكن إذا أصابت اللسان آفاته، عبد غير الله تعالى وأشرك به, وأحدثت البدع وقرحت أكباد وعذب أبرياء ومظلومون، وخربت بيوت وطلقت نساء وقذفت محصنات ونهبت أموال، فهلا بحثنا عن علاج لآفات ألسنتنا، تعالوا لنتدارس في هذه الحلقة بعض آفات اللسان ونبحث لها عن دواء.
"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
(18)" سورة ق
أحمد الله رب العالمين ،حمد الشاكرين الذّاكرين و أشهد أنّ لا إله إلا الله وليّ الصّالحين و أنّ سيّدنا محمّداً عبده و رسوله. اللّهم صلّي وسلّم و بارك عليك يا سيّدي يا رسول اللّه صلاةً و سلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الّدين ثمّ أمّا بعد؛ أحبّتي في الله، أحييكم بتحيّة الإسلام ،فالسّلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
أخوتي وأحبتي في الله نبدأ اليوم بمشيئة الرحمن في ذكر الآفة الأولى من آفات اللسان وهذه الآفة حقيقة الأمر نقع فيها جميعا إلا من رحم ربي. آفة " الغيبة" وحقيقة الغيبة أن كل يعني للأسف المسلمين كبارآ وصغاراً, رجالاً ونساءً للأسف يقعون فيها. .
تعريفها في البداية: هي ذكر عيوب إنسان في غيبته وهي فيه أو ذكرك أخاك بما يكره، قال أهل العلم هي أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، يعني لو بلغ هذا الكلام إلى أخيك الذي ذكرته أنت فهذا هو حد الغيبة وهذا الذكر بما يعيبه، سواء تصف نقصه في بدنه أو في نسبه أو في خلقه أو في فعله أو دينه أو دنياه أو قوله وقال أهل العلم حتى في دابته وفي داره وفي ثوبه إلى هذا الحد حتى يمسك الإنسان لسانه. كل هذه الأمور يضيق المستمع بها ذرعاً، تقول مثلا في نسبه" هو رجل خسيس وهذا قليل الأصل، رجل لا عائلة له، رجل كنّاس في الشارع مثلاً أنت تعيبه في مهنته وفي مكانته وأنت تعلم أن هذا يدخل عليه بالنقص أو ينقص من قدره أمام الناس، أن تذكره مثلا في البدن فتقول رجل قصير, امرأة أنفها كبير، عندما تجلس الأخوات بعضهن مع بعض ويذكرن بعض عيوب الأخوة والأخوات للأسف الشديد تقول هذا أقرع أو هذه لا شعر لها أو تقول الأخت عن أختها: هذه سوداء ، هذه حمراء إلى كل هذه الصفات ونحن نعلم أنها يكرهها صاحب هذه الصفة التي يسمعها حتى وإن كانت فيه، فهذه الغيبة والعياذ بالله رب العالمين. أما الأفعال التي تتعلق بالدين فأنت تقول: هذا إنسان كذاب, هذا إنسان متهاون في الصلاة، هذه إنسانة غير ملتزمة بالحجاب الشرعي، هذا إنسان لا يحسن الصلاة من ركوع أو سجود، هذا إنسان مرائي عندما يصوم يذكر الناس بالسوء، هذا إنسان غير بار بوالديه كل هذا وللأسف الشديد من الغيبة والعياذ بالله، من الصفات التي تسيء إلى الإنسان.
أما من ناحية الخلق فتقول هذا رجل بخيل، هذه إنسانة متكبرة، هذا إنسان مرائي, هذا إنسان متهور، هذا إنسان جبان،والعياذ بالله رب العالمين، أما من ناحية الدنيا فتقول مثلاً هذا إنسان سيئ الأدب، هذا إنسان لا يحترم الناس، هذا إنسان يرى أنه أفضل من غيره، هذا إنسان كثير الكلام، كل هذه أنواع من الغيبة والعياذ بالله رب العالمين.ثم أحيانا تكون الغيبة ليست باللسان فقط أخ الإسلام ممكن أن تفهم أخيك تعريضاًُ أن هذا أي تشير إلى إنسان لصديق لك على أخ أو على من يمر بالطريق، تومئ إليه بهمز أو غمز أو بحركة معينه يفهم منها أنها تدخل في مسألة الغيبة والعياذ بالله رب العالمين، نفهم هذا من قول السيدة عائشة –رضى الله عنها قالت: دخلت علينا امرأة فما ولت، أومأت بيدي أمام رسول الله أنها قصيرة، أو ما أشارت بيدها إلى الأرض، فقال عليه الصلاة والسلام: اغتبتيها ، سبحان الله.
أو أن تحاكي إنساناً يعني إنسان يقلد إنسان في مشيته أو إنسانة تقلد إنسانة في مشيتها والعياذ بالله رب العالمين، كل هذا من الغيبة.
المصيبة الكبرى أن المستمع كالمغتاب، يعني أنت عندما تستمع إلى كلام الله عز وجل بفضل الله تعالى تأخذ نفس ثواب التالي والقارئ لكتاب الله سبحانه وتعالى، وعندما تستمع إلى من يذكر الناس بالسوء يعني للأسف الشديد تأخذ نفس الوزر، والعياذ بالله رب العالمين، فأنت إن استمعت إلى خير كان نصيبك خيراً، وإن استمتعت إلى شر كان نصيبك شرا والعياذ بالله رب العالمين.
والسؤال الذي نطرحه ما هي أسباب الغيبة؟ ما الذي يجعل إنسان يغتاب إنساناً، ما الذي يجعل إنسان يذكر إنساناً بسوء؟
أولا: أحيانا تكون أنت تغتاظ من إنسان، زوج آذى زوجته، فجلست هي مع أمها أو أختها أو صديقتها فأرادت أن تشفي غيظها بالحديث عن ذكر مساوئ زوجها، هذه غيبة، وطالما أن هذا الحوار ليس أمام قاضي أو عالم أو مستفتي يستفتي في أمر معين في هذا الأمر أو أخذ مشورة،طالما أنها كما يقول البعض إنها للفضفضة ولإخراج مكنونات النفس، ممكن وللأسف الشديد من أسوأ أنواع الغيبة أو من الأسباب العجيبة لها أن يجامل الإنسان المجالسين له، يجامل المغتابين،جماعة يغتابوا إنسان معين، فهو يريد أن يجاملهم.
من أسباب الغيبة أيضا، أن يظن الإنسان بمن يغتابه سوءاً، يعني إنسان يظن بالذي أمامه ظناً سيئاً فيغتابه بهذا الشكل.
ثم بعض الناس يريدون رفع أنفسهم بأن ينقصوا الغير، يعني أريد أن أرفع نفسي أن أري أنني ذو شأن أو أنني ذو مكانة معينة فأنقص ممن أمامي أو أٌقلل من قدر من أمامي. أيضا من أسباب الغيبة الحسد، أن يحسد إنسان إنساناً، فإذا حسدت أنا إنساناً فعندئذٍ أغتابه لأن في قلبي للأسف من ناحيته، أنا غير مستريح من ناحيته، وأن لا أتمنى أن يكون هو أفضل مني فبالتالي أحسده، أو استهزئ بالطرف الآخر أستهزئ بالناس الآخرين.
لكن السؤال المطروح هل كل الغيبة حرام؟ أم أنها تحل في مواطن معينة؟
طبعاً من كرم الله علينا كمسلمين ما ترك لنا النبي صلى الله عليه وسلم والعلماء الذين شرحوا لنا كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ما تركوا لنا شاردة ولا واردة فاستثنى العلماء بعض المواطن وتقريبا هي ستة في مسألة الغيبة:
- أولا: المتظلم أمام القاضي، يقول هذا ظلمني ، هذا أخذ مالي، هذا ضربني ، هذا آذاني، هذا صنع كذا، هذا أخذ ميراث أبي...الخ، فيجوز أن يتظلم الإنسان بذكر الأخر بعيوبه التي صنعها وهي حقيقية أمام القاضي.
- المستعين على تغير المنكر، يعني إنسان يريد أن يغير المنكر، يعني إنسان يريد أن يغير منكراً معينا، فيجب عليه أن يقول، إن فلان يصنع كذا وكذا في الشارع، أو في الحي أو في المؤسسة أو في المصلحة فلا بد من تغيير هذا المنكر، هنا أريد أن أستعين بالغير على تغيير هذا المنكر، هذا ليس من الغيبة.
- تجوز في أمر التزويج- أمر الزواج- يعني أذهب إلى فلان فأقول يا فلان إن ابني يريد أن يخطب بنت فلان فما رأيك؟ وأنت رجل تعرف معرفة جيدة، عندئذ يجب علي إن استشهدت أن أشهد بما يرضي الله تعالي، لكن لا أكذب على الناس وأقول والله هي بنت صالحه وأمها امرأة صالحة وأبوها كذلك، وهم لا يكونون كذلك، هذه مصيبة هذا كذب، هذه شهادة زور، فإذا كثير من الناس يحرج يقول: لا يا أخي أنا لا أقول في الناس شراً، لا نقول يا أخ الإسلام، الإسلام أعطاك رخصة في أن تقول بما يرضي الله صورة واقعية في أمر الزواج حتى لا يدلس على الزوج أو على المتقدم للزواج أو على المتقدم إليها لا يدلس عليها في أن نحجب عيب أو عيوب معينة أو نقائص في العريس المتقدم أو نقائص في العروس المتقدم إليها، أنظر إلى رحمة الإسلام وعظمته أنه يعطيني هذه الفرصة كي أتكلم أو أشاور في أمر الزواج فآخذ الكلام فيما يرضي الله, ويجب أن يكون المتكلم صادقا فيقول أن أباها بخيل إن أمها متبرجة، أن العروس ليست مواظبة على الصلاة إنها أسرة لا تحب مجالس العلم و لا نجدهم ذاكرين الخ...تقول بما يرضي الله سبحانه وتعالى، ولا تقول أن في هذا نقص أو هذا فيه غيبة.
- تحذر المسلمين من شر يوشك أن يقعوا فيه، هذه تحل في مسألة الغيبة
- إذا رأيت إنسان كما يقول العلماء إنسان يريد أن يتفقه في دين الله وهو يتردد على إنسان صاحب بدعة أو فاسق، عندئذ يجب أن تحذره وتوضح له المسألة.
- (لم تذكر في الحلقة)
ولنا في موضوع الغيبة لقاء آخر إن شاء الله رب العالمين, وقانا الله وإياكم من شر هذه الكبيرة, وتاب الله علينا وعليكم وغفر للجميع. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
تعليق