أقبلت تعدو ... فاستعدوا ..
بسم الله الرحمن الرحيم
مع علو شأن هذه العشر ومكانتها السامقة في الشرع المطهر , وعظمة ثواب العمل الصالح فيها , و أنه أكثر ثواباً من وقوعه في غيره من الأيام , ومع ذا نرى ضعفاً عند جمهور المسلمين , وتكاسلاً عن العمل الصالح , وانصرافاً عن الجد والاجتهاد , وتباطئاً عن الاندفاع له , ولاشك أن لهذا أسباباً سأذكر بعضها في هذا المقال , حتى نبتعد عنها , ونغتنم هذا الموسم أعظم اغتنام , فمن هذه الأسباب :
الذنوب والمعاصي
فكم حرمت الذنوب من طاعة , وكم حالة بين العبد وبين قربة , أليس كثير من المسلمين قد عرفوا فضلها, وتبينت لهم مكانتها فلٍما هذا التكاسل عن العمل الصالح ؟
إن الجواب معروف : وهو الذنوب والمعاصي الحائل بين العبد وبين رحمة الله (ومن رحمته التوفيق للعمل الصالح )
وقد نزلت بك عشر مباركة , فجدد التوبة فيها للتأهل لطاعة الله تعالى , واعلم أن للذنوب أثر كبير في الحرمان , جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله , وقال له يا أبا سعيد : أجهز طهوري لقيام الليل فلا أقوم ! فقال له الحسن : قيدتك ذنوبك .
فالذنوب سبب لكل حرمان من الطاعة فالحذر الحذر منها , وتأمل في حال المستقيمين على الطاعة , كيف أنهم بين صوم وصلاة وذكر ودعاء , وأنت محروم من هذا الخير , ولو فتشت لعلمت أنما أُتيت من قٍبل نفسك , فجدد التوبة اليوم وانظر إلى ألثر العظيم لها .
الجهل بفضل الموسم
مع انتشار الخير ووصوله لأصقاع الدنيا , بفضل الله بما سخر من وسائل الإعلام إلا أنه تبقى طائفة من المسلمين في جهل كبير عن فضل هذه الموسم , أو أنهم لم يعرفوا قدر هذا الموسم حق المعرفة , فلذا حصل التفريط منهم , وهنا يأتي واجب الدعاة إلى الله في مساجدهم عن طريق الخطب والدروس والمحاضرات للتنويه بفضل هذا الموسم وعظيم مكانته عند الله تعالى حتى تندفع النفوس لفعل الخير في هذا الموسم المبارك (ومن دل على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه)
طول الأمل
إن من أعظم الأمور المهلكة للمرء طول الأمل , واستبعاد الموت , مما يجعل الإنسان يسوّف في العمل الصالح , ولا يسارع إليه , ويظن أنه بإمكانه التعويض فيهلك أيما هلاك , ويفرط في مواسم الخير , ولو نظر نظرة إنصاف وعدل لوجد أن الأمر أسرع من كل شئ , قال عون بن عبدا لله رحمه الله: ( كم من مستقبل يوماً لا يستكمله ! ومنتظر غداً لا يبلغه، لو تنظرون إلى الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره)
وإذا تأملت في سيرة السلف العطرة وجدت عندهم من قصر الأمل ما يجعلهم يبادرون الأوقات كلها في الطاعة , فضلاً عن مواسم الخير قال معروف لرجل صلّ بنا الظّهر , فقال :إن صليت بكم الظهر لم أصلّ بكم العصر , فقال :و كأنك تؤمل أن تعيش إلى العصر, نعوذ بالله من طول الأمل .
هذا سعيد بن جبير كان إذا دخلت عليه العشر لا يكاد يُقدر عليه من شدة اجتهاده واغتنامه لها .
تذكر ياصاحب الأمل الطويل أن أمر حياتك وموتك ليس بيدك وإنما هو بيد الله تعالى , وكم تعرف ممن كان يعيش في صحة وعافية خطفه الموت على حين غٍره , فاحمد الله أن بلغت هذا الموسم , وجد واجتهد في العمل الصالح
ومن الأسباب أيضاً :
ندرة المعين
إنه مع وجود الخير في المجتمع , وكثرة الطائعين من أتباع هذا الدين العظيم , إلا أن الانصراف عن الطاعة في هذا الموسم هو السمة البارزة لجمهور المسلمين , وللإجماع أثره في فعل الطاعة ولذا جاءت نصوص الشرع بالأمر بالجماعة لكثير من لطاعات مما يكون سبباً لتسهيلها , ولذا من النصح في البيوت وللأهل التعاون على الطاعة , ومن النصح للمسلمين المعاونة على الطاعة ونشر الخير بينهم , تأمل في حال من سبق وكيف كانوا يتعاونون على الطاعة .
عن أبي عثمان النهدي قال تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا يصلي هذا ثم يوقظ هذا ويصلي هذا ثم يوقظ هذا ( سير أعلام النبلاء 2/609 )
وكان الحسن بن صالح وأخوه عليّ و أمهما يتعاونون على العبادة بالليل وبالنهار قياما وصياما فلما ماتت أمهما تعاونا على القيام والصيام عنهما وعن أمهما فلما مات علي قام الحسن عن نفسه وعنهما وكان يقال للحسن حية الوادي يعني لا ينام بالليل . ( أنظر حلية الأولياء 7/ 328)
فاجتمع أنت وأهل بيتك على الطاعة , وان سمت همتك فكن عوناً لأهل حيك لتعينهم على الطاعة هذا الموسم المبارك .
ومن الأسباب
كثرة الفتن والصوارف :
كم تصرف الفتن المسلمين هذه الأيام عن اغتنام مواسم الخير , ولعلي أن أذكر أشدها سبباً في صرفهم وهي ( وسائل الإعلام )بجميع قنواتها , فلذا يجب على العاقل أن يكون ناصحاً لنفسه وأن يحذر من خطرها وشرها عليه , خصوصاً في هذا الموسم , اترك كثيراً من مباحاتها اليوم للتفرغ للطاعة والقربة , فهي أيام قليلة يُوشك أن تنقضي
أحكام العشــر من ذي الحجــة ـ والأضحية ـ والعيد
بسم الله الرحمن الرحيم
فقد ثبت في فضل أيام العشر حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَا مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أحَبُّ إلى الله مِنْ هَذهِ الأيَّامِ العَشْرِ) ، فقالُوا يا رسولُ الله: ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ فقالَ رسولُ الله : ( ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله، إلاّ رَجُلٌ خَرجَ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ من ذَلِكَ بِشَيْءٍ) رواه البخاري والترمذي .
وروى الإمام أحمد رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما مِنْ أَيامٍ أَعْظَمُ عند الله، ولا أَحبُّ إِليه من العمل فيهنَّ، من هذه أَلايام العشْر، فأَكْثِروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد) رواه أحمد
بما نستقبل عشر ذي الحجة ؟
1- بالتوبة الصادقة .
2- العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام ، من الأجور .
3- البعد عن المعاصي .
فضل عشر ذي الحجة :
1- أن الله تعالى أقسم بها :
وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، قال تعالى : (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ) . والليالي العشر هي : عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف، وقال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح.
2- أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة: قَالَتْ الْيَهُودُ لِعُمَرَ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً لَوْ نَزَلَتْ فِينَا لَاتَّخَذْنَاهَا عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَإِنَّا وَاللَّهِ بِعَرَفَةَ قَالَ سُفْيَانُ وَأَشُكُّ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة: 3) [رواه البخاري ومسلم]
3- الأجور فيها مضاعفة .
4- أنها الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره :
قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) [الحج:28]
وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس( تفسير ابن كثير).
5- أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد لها بأنها افضل أيام الدنيا:
فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا الْعَشْرُ»، يَعْنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ. قِيلَ: وَلاَ مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: (وَلاَ مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلاَّ رَجُلٌ عُفِّرَ وَجْهُهُ بِالتُّرَابِ) [رواه البزار بإسناد حسن، وأبو يعلى بإسناد صحيح،وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني]
6- أن فيها يوم عرفة : ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، وأن صيامه: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ) [رواه مسلم وأحمد والترمذي]
وهو يوم العتق من النيران ، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً .
وأن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب، قال النبي ص: (خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أنا والنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاإله إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَديرٌ) [رواه الترمذي وحسنه ورواه مالك وصححه الألباني] .
7- أن فيها يوم النحر :
هو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهوأول يوم من أيام عيد الأضحى ، وهو من أفضل الأيام عند الله ، قال ص : إنَّ أَعْظَمَ اْلأيَّامِ عِنْدَ الله تبارك وتعالى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ) [رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني] ، ويوم القر هو: اليوم الذي يلي يوم النحر ، سمي بذلك لأن الناس يقرون فيه بمنى(أي يوم الاستقرار في منى) وهو اليوم الحادي عشرمن ذي الحجة ، وهوأفـضـــل الأيـام بعــد يـوم النحـر، وهـذه الأيام الأربعة هي أيام نحر الهدي والأضاحـي على الـراجـح من أقوال أهل العلم؛ تعظيماً لله تعالى .
8- اجتماع أمهات العبادة فيها : قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره). [فتح الباري، جـ2ص534].
الأعمال المستحبة القيام بها في العشر من ذي الحجة
1- التوبة والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب : فالمعاصي سبب البعد والطرد ، والطاعات أسباب القرب
والود . وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(إِنَّ اللّهَ يَغَارُ. وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ. وَغَيْرَةُ اللّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ) متفق عليه .
2- الصلاة : وهي من أجل الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً، ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليه أن يكثر من النوافل في هذه الأيام، فإنها من أفضل القربات .
3- أداء الحج والعمرة : وهما افضل ما يعمل في عشر ذي الحجة .
4- الصيام : صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها – وبالأخص صوم يوم عرفة ، لكن من كان في عرفة ( أي كان حاجاً ) فإنه لا يستحب له الصيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطرا. ، روى مسلم عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ الَّتِي قَبْلَهُ. وَالسَّنةَ الَّتِي بَعْدَهُ) .
وعن حفصة قالت: (أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِـــــيُّ صلى الله عليه وسلم صِيَامَ عَاشُورَاءَ وَالْعَشْرَ وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ) [رواه أحمد والنسائي]
والمقصود: صيام التسع أو بعضها؛ لأن العيد لا يصام، وأما ما اشتهر عند العوام ولا سيما النساء من صيام ثلاث الحجة، يقصدون بها اليوم السابع والثامن والتاسع، فهذا التخصيص لا أصل له. وقال الإمام النووي عن صوم أيام العشر أنه مستحب استحبابا شديدا.
5- التكبير والتحميد والتهليل والذكر: قال تعالى : ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ )() وقد فسرت بأنها أيام العشر ، فيجهر به الرجال، وتسر به المرأة، وكلام العلماء فيه يدل على أن التكبير نوعان:
1- التكبير المطلق: وهو المشروع في كل وقت من ليل أو نهار، ويبدأ بدخول شهر ذي الحجة، ويستمر إلى آخر أيام التشريق.
2- التكبير المقيد: وهو الذي يكون عقب الصلوات، والمختار: أنه عقب كل صلاة، أيًّا كانت، وأنه يبدأ من صبح عرفة إلى
صلاة العصر آخر أيام التشريق (وهو اليوم الثالث عشرمن ذي الحجة)، واستحب العلماء لذلك كثرة الذكر فيها لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن أحمد رحمه الله وفيه : ( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) وذكر البخاري رحمه الله عن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله عنهم انهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر ، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم. والمراد: يتذكر الناس التكبير، فيكبرون بسبب تكبيرهما، والله أعلم. ويستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور والطرق والمساجد وغيرها ، لقوله تعالى : ( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ) ولا يجوز التكبير الجماعي وهو الذي يجتمع فيه جماعة على التلفظ بصوت واحد ، حيث لم ينقل ذلك عن السلف وانما السنة أن يكبر كل واحد بمفرده ، وهذا في جميع الأذكار والأدعية إلا أن يكون جاهلاً فله أن يلقن من غيره حتى يتعلم ، ويجوز الذكر بما تيسر من أنواع التكبير والتحميد والتسبيح ، وسائر الأدعية المشروعة .
وصيغة التكبير:
أ) الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر كبيرأ.
ب) الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
ج) الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
6- كثرة الأعمال الصالحة : من نوافل العبادات كالصلاة والصدقة والجهاد والقراءة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك فانها من الأعمال التي تضاعف في هذه الأيام ، فالعمل فيها وان كان مفضولاً فأنه أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيرها وان كان فاضلاً ، حتى الجهاد الذي هو من أفضل الأعمال إلا من عقر جواده واهريق دمه .
- وهناك أعمال أخرى يستحب الإكثار منها في هذه الأيام بالإضافة إلى ما ذكر، نذكر منها على وجه التذكير ما يلي:
قراءة القرآن وتعلمه ـ والاستغفار ـ وقيام لياليه - وبر الوالدين ـ وصلة الأرحام والأقارب ـ وإفشاء السلام وإطعام الطعام ـ والإصلاح بين الناس ـ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ وحفظ اللسان والفرج ـ والإحسان إلى الجيران ـ وإكرام الضيف ـ والإنفاق في سبيل الله ـ وإماطة الأذى عن الطريق ـ والنفقة على الزوجة والعيال ـ وكفالة الأيتام ـ وزيارة المرضى ـ وقضاء حوائج الإخوان ـ والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ـ وعدم إيذاء المسلمين ـ والرفق بالرعية ـ وصلة أصدقاء الوالدين ـ والدعاء للإخوان بظهر الغيب ـ وأداء الأمانات والوفاء بالعهد ـ والبر بالخالة والخالـ وإغاثة الملهوف ـ وغض البصر عن محارم الله ـ وإسباغ الوضوء ـ والدعاء بين الآذان والإقامة ـ وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة ـ والذهاب إلى المساجد والمحافظة على صلاة الجماعة ـ والمحافظة على السنن الراتبة ـ والحرص على صلاة العيد في المصلى ـ وذكر الله عقب الصلوات ـ والحرص على الكسب الحلال ـ وإدخال السرور على المسلمين ـ والشفقة بالضعفاء ـ واصطناع المعروف والدلالة على الخير ـ وسلامة الصدر وترك الشحناء ـ وتعليم الأولاد والبنات ـ والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير.
7- الأضحية : وتشرع الأضحية في يوم النحر(وهو أول أيام العيد)، وأيام التشريق (ثاني وثالث ورابع أيام العيد)وهو سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم ، وقد ثبت عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : (ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا) متفق عليه .(الصفحة :هي جانب العنق)
- إذاً ماذا يجب على من أراد أن يضحي ؟
1- إذا دخلت العشر حرم على من أراد أن يضحي أخذَ شيء من شعره أو أظفاره أو بشرته (سواء من ظفر يده أو من رجله) (من بشرته أي : من جلده) حتى يذبح أضحيته ؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي ص قال : ( إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا ) رواه مسلم ، وفي رواية أخرى لمسلم : ( إِذَا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ ).
2- هذا النهي مختص بصاحب الأضحية ، أما المضحى عنهم من الزوجة و الأولاد فلا يعمهم النهي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر المضحي، ولم يذكر المضحى عنهم .
3- ومن أخذ شيئاً من شعره أو أظفاره في العشر متعمداً من غير عذر و هو يريد أن يضحي فإن ذلك لا يمنعه من الأضحية ، و لا كفارة عليه ، و لكن عليه التوبة إلى الله .
4- وتكون ذبح الأضحية بعد صلاة العيد لقول رسول الله صلى عليه وسلم : (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ) [متفق عليه] ، ووقت الذبح أربعة أيام، يوم النحر وثلاثة أيام التشريق، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كُلُّ أيامِ التشريقِ ذَبْحٌ) [رواه أكمد والبيهقي والدارقطني]
5- والسنة أن يشهد المضحي أضحيته .
6- وأن ينحرها بنفسه إن استطاع ، وإن لم يستطع فليوكل من ينحرها عنه ويكبر عليها ويقول : (بسم الله والله أكبر) .
7- وأن يأكل منها شيئاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، كان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.
8- وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأن ذلك عمل النبي صلى الله عليه وسلّم والمسلمين معه؛ ولأن الذبح من شعائر الله تعالى، فلو عدل الناس عنه إلى الصدقة لتعطلت تلك الشعيرة. ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل من ذبح الأضحية لبينه النبي صلى الله عليه وسلّم لأمته بقوله أو فعله، لأنه لم يكن يدع بيان الخير للأمة، بل لو كانت الصدقة مساوية للأضحية لبينه أيضاً لأنه أسهل من عناء الأضحية ولم يكن صلى الله عليه وسلّم ليدع بيان الأسهل لأمته مع مساواته للأصعب، ولقد أصاب الناس مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: (مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وفـي بَـيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» فلـمّا كان العام الـمُقْبِل قالوا: يا رسول الله، نَفْعَلُ كما فَعَلْنَا فـي العَام الـمَاضِي؟ قال: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وادَّخِرُوا فـإِنَّ ذَلِكَ العَام كَان بِـالنَّاسِ جَهْدٌ فَـأَرَدْتُ أن تُعينُوا فـيهَا) [متفق عليه]
9- و تجزئ الشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ، لقول أبي أيوب رضي الله عنه لما سئل: (كيفَ كانتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رسولِ الله . فقال: كان الرَّجلُ يُضَحِّي بالشَّاةِ عنهُ وعن أهلِ بَيْتِهِ فيأكلُون ويُطْعِمونَ حتى تَبَاهَى الناسُ فصارت كما ترَى) [ أخرجه مالك والترمذي صححه و ابن ماجة وسنده صحيح ]
10- و تجزئ البدنة أوالبقرة عن سبعةٍ وأهلِ بيوتهم ؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: "حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة " أخرجه مسلم .
11- وأقل ما يجزئ من الضأن ما له نصف سنة ، وهو الجذع ؛ لقول عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : ( ضحينا مع رسول الله بجذع من الضأن ) [أخرجه النسائي بسند جيد] .
12- وأقل ما يجزئ من الإبل والبقر والمعز مُسنَّة ؛ ( وهي من المعز ما له سنة، ومن البقر ما له سنتان، ومن الإبل ما له خمس سنوات ) لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تذبحوا إلا مُسِنَّة ، إلا أن يَعْسر عليكم ، فتذبحوا جَذَعة من الضأن) [أخرجه مسلم] .
13- الأفضل من الأضاحي جنساً : الإبل ، ثم البقر إن ضحى بها كاملة ، ثم الضان ثم المعز ، ثم سبع البدنة ، ثم سبع البقرة.
والأفضل منها صفة : الأسمن الأكثر لحماً الأكمل خلقة الأحسن منظراً .
- أربع لا تجوز في الأضاحي : كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أربع لا تجوز في الأضاحي :
1- العوراء البيّن عورها .
2- والمريضة البيّن مرضها .
3- والعرجاء البيّن ظَلْعُها ( أي: عرجها ) .
4- والكسير( أي: المنكسرة ) ، وفي لفظ: والعجفاء ( أي: المهزولة) التي لا تنقي ( أي: لا مخ لها لضعفها وهزالها ) .
[ أخرجه أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح ]
- والأضحية عن الميت لها أحوال :
الحال الأولى : إذا كانت إنفاذاً للوصية فهي صحيحة ، ويصل أجرها إلى الميت إن شاء الله تعالى .
الحال الثانية : أن يـفــرد الميت بأضحية تبرعاً ، فهذا ليس من السنة ؛ لظاهر قوله تعالى : ( و أن ليس للإنسان إلا ما سعى ) النجم 39 ) وقد مات عم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة وزوجته خديجــة، وثلاث بنات متزوجات، وثلاثة أبناء صغار، ولم يرد عنه أنه أفردهم أو أحداً منهم بأضحية، ولم يثبت أيضاً إفراد الميت بأضحية عن أحد الصحابه رضي الله عنهم ، ولو كان فيه فضل لسبقنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . والخير كل الخير في هدي النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه .
الحال الثالثة : إن ضحى الرجل عنه وعن أهل بيته ونوى بهم الأحياء والأموات فيرجى أن يشملهم الأجر إن شاء الله. ( وانظر التفصيل في الأضحية عن الميت : أحكام الأضحية للعلامة ابن عثيمين رحمه الله ) .
8- صلاة العيد :
1- التكبير : يشرع التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق ، وقد تم ذكره بشيء من التفصيل فيما سبق .
2- الذهاب إلى مصلى العيد ما شيا أن تيسر .
3- والسنة الصلاة في مصلى العيد إلا إذا كان هناك عذر من مطر مثلا فيصلى في المسجد لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم .
4- الصلاة مع المسلمين واستحباب حضور الخطبة : والذي رجحه المحققون من العلماء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية أن صلاة العيد واجبة ، لقوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ولا تسقط إلا بعذر، والنساء يشهدن العيد مع المسلمين حتى الحيض والعواتق، ويعتزل الحيض المصلى. وعلى المسلم الحرص على أداء صلاة العيد حيث تصلى ، وحضور الخطبة والاستفادة منها .
5- مخالفة الطريق : يستحب لك أن تذهب إلى مصلى العيد من طريق وترجع من طريق آخر لفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
6- التهنئة بالعيد : يجوز التهنئة بالعيد وذلك لثبوته عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ونقول: (تقبل الله منا ومنك) .
7- وعلى المسلم معرفة الحكمة من شرعية هذا العيد ، وانه يوم شكر وعمل بر ، فلا يجعله يوم أشر وبطر ولا يجعله موسم معصية وتوسع في المحرمات كالأغاني والملاهي والمسكرات ونحوها مما قد يكون سبباً لحبوط الأعمال الصالحة التي عملها في أيام العشر .
أخطاء يقع فيها كثيراً من الناس :
1- على الرغم من أن هذه الأيام أعظم من أيام رمضان، والعمل فيها أفضل، إلا أنه لا يحصل فيها ولو شيء مما يحصل في رمضان؛ من النشاط في عمل الآخــــرة.
2- من البدع التكبير الجماعي بصوت واحد ، أو تكبير شخص ترد خلفه مجموعة من الناس ، ينبغي على المسلم الحريص اتباع سنة النبي ص واجتماع البدع .
3- اللهو أيام العيد بالمحرمات كسماع الأغاني ، ومشاهدة الأفلام ، واختلاط الرجال بالنساء اللاتي لسن من المحارم ، وغير ذلك من المنكرات .
4- أخذ شي من الشعر ، أو تقليم الأظافر قبل ان يضحي لنهي النبي ص عن ذلك .
5- الإسراف والتبذير بما لا طائل تحته ، ولا مصلحة فيه لقوله تعالى (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [سورة الأنعام : 141]
6- عدم الاكتراث بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد فيها ، وهذا الخطأ يقع فيها العامة والخاصة إلا من رحم الله تعالى . فالواجب على المسلم ان يبدأ بالتكبير حال دخول عشر ذي الحجة ، وينتهي بنهاية أيام التشريق لقوله تعالى : (ويذكرو اسم الله في أيام معلومات ) [الحج : 28] ، والأيام المعلومات : العشر ، والمعدودات : أيام التشريق . قاله ابن عباس رضي الله عنه .
7- جهر النساء بالتكبير والتهليل ، لأنه لم يرد عن امهات المؤمنين أنهن كبرن بأصوات ظاهرة ومسموعة للجميع ، فالواجب الحذر من مثل هذا الخطأ وغيره .
8- ومن الخطا صيام ايام التشريق ، وهذا منهي عنه كما ورد عن الرسول ، لأنها أيام الأعياد ، وهي أيام أكل وشرب لقوله ص: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام )
9- صيام يوم أو يومين أو ثلاثة أو أكثرمن ذلك في عشر من ذي الحجة وعليه قضاء رمضان ، وهذا خطأ يجب التنبيه إليه ، لأن القضاء فرض ، والصيام في العشر سنة ، ولا يجوز أن تقدم السنة على الفرض . فمن بقي عليه من ايام رمضان وجب عليه صيام
ما عليه ، ثم يشرع بصيام ما أراد من التطوع .
وختامـــاً : لاتنس أخي المسلم أن تحرص على أعمال البر والخير من صلة الرحم ، وزيارة الأقارب ، وترك التباغض والحسد ، والكراهية ، وتطهير القلب منها ، والعطف على المساكين والفقراء والأيتام ومساعدتهم وإدخال السرور عليهم .
نسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضى ، وأن يفقهنا في ديننا ، وان يجعلنا ممن عمل في هذه الأيام (أيام عشر ذي الحجة) عملا صالحا خالصا لوجهه الكريم . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المراجع والمصادر :
1- أحكام الأضحية والذكاة / للشيخ ابن عثيمين .
2- فضل ايام عشر ذي الحجة والأعمال الواردة فيها / للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين .
3- فضل أيام عشر ذي الحجة / / للشيخ ابن جبرين - و أحكام الأضحية / للشيخ ابن عثيمين .
4- خير أيام الدنيا - ماذا يشرع فيها؟ / عبدالحكيم بن محمد بلال .
5- من أخطائنا في عشر ذي الحجة / محمد بن راشد الغفيلي . (مجلة البيان - العدد 112 ذو الحجة 1417 هـ)
6- عشر ذي الحجة وأحكام الأضحية / يوسف بن عبدالله بن أحمد الأحمد .
الاجتهاد في عشر ذي الحجة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد فإن الله عز وجل شرع لعباده مواسما للخيرات وأوقاتا فاضلات لكي يتعرض العبد لنفحات ربه ويرفع درجاته ويحط سيئاته ويكثر من حسناته ويجدد العهد بربه وذلك أن الانسان تصيبه الغفلة في كثير من أوقات السنة فلما كان هذا حال الإنسان شرع له هذه المواسم لتطرد عنه هذه الغفلة وتقوي صلته بربه.
وإن من هذه الأوقات الفاضلة التي شرعها الله وميزها على سائر الأوقات العشر الأوائل من ذي الحجة التي دل الشرع على أنها أفضل أيام السنة. قال الله تعالى: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ). قال ابن كثير في تفسيره: (والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف). و قد أقسم الله بها مما يدل على كمال فضلها. وثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء).
فيستحب للمسلم في هذه العشر الإكثار من الأعمال الصالحة بجميع أجناسها وأنواعها لأن العمل الصالح يتفاضل ويكثر ثوابه ويقوى أثره في صلاح العامل في الزمن الذي خصه الله بمزيد من الفضل. قال مجاهد: (العمل في العشر يضاعف). وقال ابن رجب: (وإذا كان العمل في أيام العشر أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيره من أيا السنة كلها صار العمل فيه وإن كان مفضولا أفضل من العمل في غيره وإن كان فاضلا). وهذا بيان لتلكم الأعمال:
(1) فمن ذلك أن يعتني عناية فائقة بأداء الصلوات المفروضات على أكمل وجه من التبكير لها وإتمام ركوعها وسجودها وتحقيق خشوعها وإحسان الوقوف بين يدي الله عز وجل فإن الصلاة من أعظم الأعمال البدنية التي عظم الشارع شأنها ففي الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أحب إلى الله تعالى قال الصلاة على وقتها).
(2) ومن ذلك الحرص الشديد على فعل النوافل والتطوعات فينبغي للمسلم أن يكثر من الركعات والسجدات وأن يتقرب إلى الله بصلاة الضحى والسنن الرواتب وصلاة الوتر وقيام الليل والتطوع المطلق. وقد كان سعيد بن المسيب يجتهد في هذه العشر اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه ويقول: (لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر).
(3) ومن ذلك أن يصوم المسلم ما تيسر له من النفل في هذه العشر فإن كان يستطيع صوم أكثر هذه الأيام فحسن وإن كان يشق عليه ذلك أو يفوت عليه مصلحة أو يخل بواجب فإنه يصوم يوما أو أكثر وآكدها صوم يوم عرفة لغير الحاج فقد روي فيه ثواب عظيم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده). رواه مسلم. وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذه العشر كما في حديث حفصة عند أهل السنن ولكن هذا الخبر لا يصح في هذا وقد نفت عائشة رضي الله عنها صومه للعشر ومع أنه لم يرد دليل خاص يدل على فضل الصوم بخصوصه في العشر إلا أن الصوم من أفضل جنس الأعمال لأن الله اصطفاه لنفسه فهو داخل في عموم حديث ابن عباس دخولا ظاهر قال ابن رجب: (وقد دل حديث ابن عباس على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في العشر من غير استثناء شيء منها). فلا شك في فضله والترغيب فيه لكنه ليس في منزلة الصوم الواجب ولا الصوم المتأكد كصوم ست من شوال وغيرها مما نص الشارع على استحبابه فلا ينبغي التشديد فيه. وقد روي عن طائفة من السلف صومها كابن عمر وغيره واستحب صيام العشر أكثر الفقهاء. وأما نفي عائشة صوم النبي للعشر فلا يدل على عدم مشروعيتها لأنه يحمل على اشتغاله عنها بما هو أهم كتركه لصلاة الضحى أو على أن هذا هو غالب هديه أو مقصودها أنه لم يكن يصوم جميع العشر.
(4) ومن ذلك يشرع للمسلم الإكثار من ذكر الله تعالى من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) رواه أحمد.
(5) ومن ذلك يستحب أيضا أن يكثر من التكبير المطلق في هذه العشر لقوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ). وصيغة التكبير الواردة عن التابعين: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد). فيكبر سائر الأوقات في بيته وسوقه وعمله وطريقه وكل موضع إلا ما يكره ذكر الله فيه. قال البخاري: (كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما). والسنة الجهر بذلك وينبغي للمسلم إظهار هذه الشعيرة والاعتزاز بدينه ولا يخجل من الناس أو يخشى انتقادهم في إظهار هذه العبادة.
(6) ومن ذلك يستحب له أن يكثر من تلاوة كتاب الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا فإن تيسر له ختمه فهذا فعل حسن. وقد ورد فضل عظيم في تلاوة القرآن وتدبره والوقوف على معانيه.
(7) ومن ذلك تستحب الصدقة والبذل والإحسان لأنه من المقرر في دلائل الشرع وكلام العلماء أن الصدقة تكون فاضلة في الزمان الفاضل والمكان الفاضل. فينبغي له أن يتعاهد الفقراء والمساكين بالصدقة وبذل المعروف للناس ويسعى في قضاء حوائجهم في هذه العشر الفاضلة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير البر والإحسان في الأزمان الفاضلة وكان السلف الصالح يتحرون البذل في هذه العشر (كان حكيم بن حزام يقف بعرفة ومعه مئة بدنة مقلدة ومئة رقبة فيعتق رقيقه فيضج الناس بالبكاء والدعاء يقولون: ربنا هذا عبدك قد أعتق عبيده ونحن عبيدك فأعتقنا).
(8) ومن أعظم الأعمال في هذه العشر حج بيت الله الحرام وقصد بيته لأداء المناسك لمن تيسر له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). متفق عليه. فإن لم يتيسر له حج التطوع لشغل أو بر أم أو تمريض قريب أو قيام بمصالح العيال وكان واجدا للمال فيستحب له أن يتكفل بنفقة الحج لمن لم يسبق له أداء الفرض فيتبرع له فإنه يرجى له ثواب الحج كاملا مثل ثواب العامل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا). متفق عليه.
(9) ومن أجل الأعمال في هذه العشر التي يظهر فيها التذلل وتعظيم الرب ذبح الأضحية تقربا لله وهو سنة مؤكدة على الصحيح من مذاهب الفقهاء. وقد ثبت في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبّر ووضع رجله على صفاحهما). فينبغي على المسلم القادر في ماله أن لا يفرط في هذه الشعيرة العظيمة متى ما كان الأمر متيسرا له لأنها سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وواظب عليها نبينا محمد اتباعا له وحض عليها وشدد في تركها.
(10) ومن أوكد الأعمال في هذه العشر وغيرها التوبة والإنابة إلى الله والإكثار من الاستغفار والتخلص من الذنوب الدائمة والعادات القبيحة. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ). وليحذر من الإصرار على الكبائر قال ابن رجب: (احذروا المعاصي فإنها تحرم المغفرة في مواسم الرحمة).
إن هذه العشر الفاضلة فرصة عظيمة لتغيير حياة المسلم إلى الأفضل ونقله من حالة الغفلة والتقصير والجفاء إلى حالة الذكر والمسابقة والعطاء. فينبغي للمسلم أن يستصلح قلبه ويزكي نفسه بهذه الأعمال وأن يستحضر صدق النية والاحتساب والتذلل والافتقار لله ويحذر العجب والمنة ولا يكون همه سرعة انقضاء العمل وإنما التدبر والاهتمام بصلاح العمل والانتفاع به.
وختاما ينبغي للمسلم أن يجتهد اجتهادا كبيرا في هذه العشر وينقطع للعبادة ويفرغ وقته لأداء الذكر والنسك والتقرب لله بأنواع القرب على حسب استطاعته وأن يعتزل الناس والعلاقات الاجتماعية والزيارات والرحلات التي لا طائل ورائها ولا نفع يرجى منها ما استطاع إلى ذلك سبيلا. أما مجالس العلم والإيمان في بيان كلام الرحمن وشرح السنة ودروس الفقه فهذه من أجل الأعمال فلينشط فيها وليحرص على شهودها ودعوة الناس إلى الخير وتبليغ الدين فإن هذه المناسبات فرصة عظيمة للداعية في تبصير الناس بدينهم وتتويبهم لأن القلوب مقبلة والنفوس مخبتة متشوفة لسماع الحق وواعظ النفوس فيها حاضر.
تعليق