السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشياء كثيرة خلقها الله من أجلنا فهي تعمل دون كلل أو ملل لخدمتنا ونحن لا
نكاد نشعر فيها، ولذلك فإن الآيات الكونية التي أمرنا الله أن نتفكر فيها
كثيرة، ومنها معجزة الشمس، فما هي حقيقة هذا المخلوق وكيف يعمل، وكيف يسهر
على خدمتنا؟
إلهه تعبد من دون الله
الشمس لها تاريخ طويل في قصص الشعوب، فطالما اتخذها الإنسان إلهاً كان
يخشاه ويعبده ويسجد له من دون الله، وربما نتذكر قصة سيدنا سليمان عليه
السلام عندما ذهب ذلك الهدهد إلى مدينة سبأ ووجد أناسا يسجدون للشمس فعاد
وقال: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ
شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ
لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ *
أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 23-25].
هذا القول لم يرد على لسان البشر أو الأنبياء أو عباد الله الصالحين، بل
ورد على لسان هدهد! لأن بعض الحيوانات والطيور تعقل أكثر من أولئك الذين
لا يؤمنون بالقرآن، لذلك قال تبارك وتعالى عنهم: {أُوْلَئِكَ
كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونََ} [الأعراف: 179].
هذا الهدهد أنكر على هؤلاء القوم عبادتهم وسجودهم للشمس وهكذا بقيت هذه
الشمس رمزاً للآلهة طيلة قرون طويلة، وعندما نزل القرآن على قلب سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم أي في القرن السابع الميلادي تناول هذه الشمس في
ثلاثة وثلاثين موضعاً من القرآن.
فالشمس ذكرها الله تبارك وتعالى ثلاثاً وثلاثين مرة في القرآن الكريم
وكانت جميع الآيات عندما نتأملها علمياً نجد فيها التطابق الكامل بين
الحقائق العلمية اليقينية وبين ما جاء به القرآن قبل أربعة عشر قرناً.
وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
إن الذي يتأمل حركات الكون يرى الشمس تتحرك من الشرق إلى الغرب، ويرى
القمر يتحرك أيضاً وكان الإنسان البدائي يظن أنه من الممكن أن يكون هنالك
تصادم بينهما، ولكن الله تبارك وتعالى حدثنا عن حقيقة كونية فقال: {لا
الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس : 40]، إلا يوم القيامة عندما يجتمعان أما في الحياة الدنيا لا يمكن.
وهذا ما ثبت يقيناً فقد ثبت أن المدار الذي يدوره الشمس حول الأرض يختلف
تماماً عن حركة الأرض حول الشمس، فلكل مخلوق فلكه الخاص الذي يسبح فيه،
لذلك قال تبارك وتعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.
والعجيب أنني كنت أقرأ بحثاً لعلماء من وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)
فوجدتهم يستخدمون نفس الكلمة القرآنية وجدتهم يقولون: (إن رواد الفضاء
عندما يخرجون خارج الغلاف الجوي خارج الأرض يحسون وكأنهم يسبَحون في
الفضاء).
وسبحان الله بالفعل الشمس والقمر والكواكب والنجوم جميعها تسبَح سباحة
حقيقية لأنه لا يوجد فضاء في الكون إنما هنالك بناء محكم كل جزء من أجزاء
الكون مشغول بالمادة والطاقة، ومن هنا ندرك عظمة هذا الكلام وأهداف هذا
الكلام عندما قال تبارك وتعالى: {لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن
تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ
يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
قال تبارك وتعالى: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي
لأَجَلٍ مُّسَمًّى} ماذا يعني قوله تعالى {لأَجَلٍ مُّسَمًّى}؟ يعني أن
حركة الشمس ستتوقف ذات يوم وحركة القمر كذلك.
هذا الكلام لم يكن معروفاً في القرن السابع الميلادي لم يكن هناك أحد
يعترف أن هنالك نهاية للشمس أو للقمر، بل كان الناس يعتقدون أن الكون وجد
هكذا وسيستمر إلى ما لا نهاية، ولكن القرآن الكريم حدد لنا وظيفة كل مخلوق
ونهايته {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}
[الرحمن: 27].
فالله تبارك وتعالى ماذا قال: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} [الرعد:
2] أي لزمن محدد لوقت محدد ثم تستهلك هذه الشمس كل الوقود الموجود فيها
وتتكور على نفسها وهذا يحدث يوم القيامة والله حدثنا يوم القيامة بقوله:
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]. وهنا ندرك دقة هذه الكلمات
الرائعة.
الشمس تهتز!
إذا تأملنا هذه الآيات نلاحظ أنها تطابق آخر ما وصل إليه العلماء، فعندما
قال تبارك وتعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي} شبه حركة الشمس بإنسان يجري،
والجريان يكون عادة مثل إنسان يرتفع وينزل يعني حركة أشبه بالحركة
الاهتزازية وهذا ما وجده العلماء يقيناً للشمس، وجدوا أن الشمس ليست ثابتة
كما كان يعتقد من قبل، بل تتحرك بسرعة رهيبة وتسبح في هذه المجرة، وتدور
حول مركز المجرة، ولها حركة ثانية باتجاه ما يسميه العلماء Solar Apex أي
المستقر الشمسي، تتحرك باتجاه نقطة يسميها العلماء (علماء وكالة ناسا)
يسمونها المستقر.
وغاب عنهم أن الله تبارك وتعالى قد أطلق هذا الاسم العلمي الدقيق على
الشمس قبل أربعة عشر قرنا، ويقول تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي
لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]،
إن الشمس تدور حول مركز مجرتنا دورة كاملة كل 250 مليون سنة.
وجدوا أن هذه الشمس تتحرك حركة اهتزازية تشبه جريان الإنسان اهتزازية،
ومدة الهزة الواحدة سبعين مليون سنة، فتأملوا معي أيها الأخوة دقة المصطلح
القرآني، أو دقة التعبير القرآن، لأن المصطلح خاص بالبشر يتغير ويتبدل
ولكن كلام الله تبارك وتعالى لا يتبدل أبداً، فعندما قال: {وَالشَّمْسُ
تَجْرِي} لم يقل تمر أو تسير، بل قال تجري ليؤكد أن هنالك حركة اهتزازية.
الدورة المائية
إن الشمس التي تجري والتي سخرها الله تبارك وتعالى لنا لها بداية ولها
نهاية محددة ولها عمل، فما هو عملها؟ يقول عز وجل في سورة النبأ:
{وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء
ثَجَّاجًا} [النبأ: 13-14] ومعنى {مَاء ثَجَّاجًا} أي ماءً غزيراً عذباً.
فالشمس هي التي تهيج الرياح، والرياح تسوق هذه الجزيئات من الماء (بخار
الماء) إلى الطبقات العليا لتتكثف وتتشكل الغيوم وينزل المطر، ولذلك فإن
الله تبارك وتعالى ربط بين الشمس وبين المعصرات وهي الغيوم {وَأَنزَلْنَا
مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} أي الغيوم الكثيفة، وبين نزول الماء الغزير {مَاء
ثَجَّاجًا} غزيراً عذباً.
سراج وهاج
إنها مصباح يستمد وقوده من الهيدروجين الذي يندمج بعضه مع بعض بتفاعلات
اندماجية ينتج عنها الضوء والحرارة. والقرآن عندما يتحدث عن الشمس يتحدث
عنها كسراج مضيء، يسمسها السراج، يقول تبارك وتعالى: {وَجَعَلْنَا
سِرَاجًا وَهَّاجًا} [النبأ: 13] ويقول أيضاً: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ
فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا}
[الفرقان: 61].
وفي خطاب سيدنا نوح لقومه قال لهم: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا
وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح: 15-16].
في هذه الآية نلاحظ أن القرآن ميز بين النور المنعكس عن القمر لأنه جسم بارد مهمته أن يعكس أشعة الشمس، بينما الشمس هي مصنع الطاقة.
فوائد عديدة للشمس
لو رجعنا إلى القاموس المحيط أو أي معجم من معاجم اللغة وبحثنا عن كلمة
(سخر) نلاحظ أن معناها بدقة: كلَّفه عملاً بلا أجر.وهذا ما تقوم به الشمس
فهي لملايين السنين تقدم لنا هذه الطاقة مجاناً دون مقابل.
هناك العديد من الخدمات التي تقدمها لنا الشمس، ومنها أننا عندما نتعرض
لأشعة الشمس فإن هذه الأشعة تؤثر على خلايا جسدنا تأثيراً إيجابياً وتساهم
في مساعدة هذه الخلايا على إنتاج فيتامين "دي" وهذا الفيتامين مهم جداً
للإنسان.حتى إن العلماء اكتشفوا حديثاً أنه يقي الإنسان من السرطان.
ومن الأمراض التي يبعدها التعرض للشمس باعتدال أمراض نخر العظام، ولذلك
فإن الشمس تقدم لنا علاجاً مجانياً من دون أن نشعر، فهل عرفنا الآن قيمة
هذه النعمة؟ وانظروا معي إلى هذه الآية: {وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}
[إبراهيم: 33].
ففيها تفضّل من الله علينا لنشكر هذه النعم التي لا تعد ولا تُحصى، ولذلك
قال في الآية التالية مباشرة: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ
وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ
لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].
أمواج صوتية من الشمس
وجد العلماء أن الشمس تطلق ترددات صوتية بشكل دائم أثناء عملها، وهذه
الذبذبات ناتجة عن احتكاك ذرات الغاز أثناء احتراقه وتمدده وتقلصه، ولكن
وبما أن الصوت لا ينتشر في الفضاء فإن هذا الصوت يعود ويرتد إلى قلب الشمس.
وبما أن كل النجوم تطلق مثل هذه الترددات الصوتية لأن مبدأ عملها مشابه
للشمس، وكذلك الشجر يطلق ترددات صوتية، وكل مخلوق حي يصدر من خلاياه مثل
هذه الترددات، إذن كل شيء في هذا الكون يتكلم!!
وبالتالي يحق لنا كمؤمنين أن نفكر في هذه الأصوات ونتذكر قول الحق عن
مخلوقاته: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ
وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} [الحج: 18]. فهل يمكن أن تكون
هذه الأصوات هي تسبيح وسجود لله تعالى ولكن بلغة هذه المخلوقات؟
لماذا الشمس؟
والآن نتساءل: هل كان في ذلك الزمن أحد يعلم شيئاً عن هذه الحقيقة وهل كان
هنالك إنسان واحد في العالم كله يدرك طبيعة عمل الشمس وتأثير هذه الشمس
على الأرض مثلاً؟ بالطبع لا، ولكن الله تبارك وتعالى حدثنا لأنه هو من خلق
هذه الشمس وهو من سخرها لنا.
ولكن لماذا حدثنا الله عن هذه الحقائق؟ لماذا حدثنا عن الشمس وعملها
وتأثيرها على دورة الماء ودورها في تبخير الماء ونزوله من السماء؟ لماذا
حدثنا عن دور الشمس أنها تقدم لنا طاقة مجانية {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ}؟ لماذا حدثنا عن نهاية الشمس {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}؟
لماذا حدثنا عن كل هذه الحقائق؟
الهدف لندرك أن الله تبارك وتعالى يعلم كل شيء وأن هذا النظام الكوني
الدقيق إنما هو بتقدير من خالقٍ عزيز عليم بكل شيء ولذلك قال تعالى:
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ} [يس: 38] يعني: انظر أيها الإنسان! لا تظن بأن هذه الشمس قد
وُجدت عبثاً أو أنها موجودة منذ الأزل.. لا.. إنما سخرها الله لك لعمل
محدد وعندما تنتهي مهمتها فإنها سوف تختفي وتزول ويبقى الله تبارك وتعالى
الذي سيحاسبنا على أعمالنا صغيرها وكبيرها..
المصدر: موقع موسوعة الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة
أشياء كثيرة خلقها الله من أجلنا فهي تعمل دون كلل أو ملل لخدمتنا ونحن لا
نكاد نشعر فيها، ولذلك فإن الآيات الكونية التي أمرنا الله أن نتفكر فيها
كثيرة، ومنها معجزة الشمس، فما هي حقيقة هذا المخلوق وكيف يعمل، وكيف يسهر
على خدمتنا؟
إلهه تعبد من دون الله
الشمس لها تاريخ طويل في قصص الشعوب، فطالما اتخذها الإنسان إلهاً كان
يخشاه ويعبده ويسجد له من دون الله، وربما نتذكر قصة سيدنا سليمان عليه
السلام عندما ذهب ذلك الهدهد إلى مدينة سبأ ووجد أناسا يسجدون للشمس فعاد
وقال: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ
شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ
لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ *
أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 23-25].
هذا القول لم يرد على لسان البشر أو الأنبياء أو عباد الله الصالحين، بل
ورد على لسان هدهد! لأن بعض الحيوانات والطيور تعقل أكثر من أولئك الذين
لا يؤمنون بالقرآن، لذلك قال تبارك وتعالى عنهم: {أُوْلَئِكَ
كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونََ} [الأعراف: 179].
هذا الهدهد أنكر على هؤلاء القوم عبادتهم وسجودهم للشمس وهكذا بقيت هذه
الشمس رمزاً للآلهة طيلة قرون طويلة، وعندما نزل القرآن على قلب سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم أي في القرن السابع الميلادي تناول هذه الشمس في
ثلاثة وثلاثين موضعاً من القرآن.
فالشمس ذكرها الله تبارك وتعالى ثلاثاً وثلاثين مرة في القرآن الكريم
وكانت جميع الآيات عندما نتأملها علمياً نجد فيها التطابق الكامل بين
الحقائق العلمية اليقينية وبين ما جاء به القرآن قبل أربعة عشر قرناً.
وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
إن الذي يتأمل حركات الكون يرى الشمس تتحرك من الشرق إلى الغرب، ويرى
القمر يتحرك أيضاً وكان الإنسان البدائي يظن أنه من الممكن أن يكون هنالك
تصادم بينهما، ولكن الله تبارك وتعالى حدثنا عن حقيقة كونية فقال: {لا
الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس : 40]، إلا يوم القيامة عندما يجتمعان أما في الحياة الدنيا لا يمكن.
وهذا ما ثبت يقيناً فقد ثبت أن المدار الذي يدوره الشمس حول الأرض يختلف
تماماً عن حركة الأرض حول الشمس، فلكل مخلوق فلكه الخاص الذي يسبح فيه،
لذلك قال تبارك وتعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.
والعجيب أنني كنت أقرأ بحثاً لعلماء من وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)
فوجدتهم يستخدمون نفس الكلمة القرآنية وجدتهم يقولون: (إن رواد الفضاء
عندما يخرجون خارج الغلاف الجوي خارج الأرض يحسون وكأنهم يسبَحون في
الفضاء).
وسبحان الله بالفعل الشمس والقمر والكواكب والنجوم جميعها تسبَح سباحة
حقيقية لأنه لا يوجد فضاء في الكون إنما هنالك بناء محكم كل جزء من أجزاء
الكون مشغول بالمادة والطاقة، ومن هنا ندرك عظمة هذا الكلام وأهداف هذا
الكلام عندما قال تبارك وتعالى: {لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن
تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ
يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
قال تبارك وتعالى: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي
لأَجَلٍ مُّسَمًّى} ماذا يعني قوله تعالى {لأَجَلٍ مُّسَمًّى}؟ يعني أن
حركة الشمس ستتوقف ذات يوم وحركة القمر كذلك.
هذا الكلام لم يكن معروفاً في القرن السابع الميلادي لم يكن هناك أحد
يعترف أن هنالك نهاية للشمس أو للقمر، بل كان الناس يعتقدون أن الكون وجد
هكذا وسيستمر إلى ما لا نهاية، ولكن القرآن الكريم حدد لنا وظيفة كل مخلوق
ونهايته {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}
[الرحمن: 27].
فالله تبارك وتعالى ماذا قال: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} [الرعد:
2] أي لزمن محدد لوقت محدد ثم تستهلك هذه الشمس كل الوقود الموجود فيها
وتتكور على نفسها وهذا يحدث يوم القيامة والله حدثنا يوم القيامة بقوله:
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]. وهنا ندرك دقة هذه الكلمات
الرائعة.
الشمس تهتز!
إذا تأملنا هذه الآيات نلاحظ أنها تطابق آخر ما وصل إليه العلماء، فعندما
قال تبارك وتعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي} شبه حركة الشمس بإنسان يجري،
والجريان يكون عادة مثل إنسان يرتفع وينزل يعني حركة أشبه بالحركة
الاهتزازية وهذا ما وجده العلماء يقيناً للشمس، وجدوا أن الشمس ليست ثابتة
كما كان يعتقد من قبل، بل تتحرك بسرعة رهيبة وتسبح في هذه المجرة، وتدور
حول مركز المجرة، ولها حركة ثانية باتجاه ما يسميه العلماء Solar Apex أي
المستقر الشمسي، تتحرك باتجاه نقطة يسميها العلماء (علماء وكالة ناسا)
يسمونها المستقر.
وغاب عنهم أن الله تبارك وتعالى قد أطلق هذا الاسم العلمي الدقيق على
الشمس قبل أربعة عشر قرنا، ويقول تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي
لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]،
إن الشمس تدور حول مركز مجرتنا دورة كاملة كل 250 مليون سنة.
وجدوا أن هذه الشمس تتحرك حركة اهتزازية تشبه جريان الإنسان اهتزازية،
ومدة الهزة الواحدة سبعين مليون سنة، فتأملوا معي أيها الأخوة دقة المصطلح
القرآني، أو دقة التعبير القرآن، لأن المصطلح خاص بالبشر يتغير ويتبدل
ولكن كلام الله تبارك وتعالى لا يتبدل أبداً، فعندما قال: {وَالشَّمْسُ
تَجْرِي} لم يقل تمر أو تسير، بل قال تجري ليؤكد أن هنالك حركة اهتزازية.
الدورة المائية
إن الشمس التي تجري والتي سخرها الله تبارك وتعالى لنا لها بداية ولها
نهاية محددة ولها عمل، فما هو عملها؟ يقول عز وجل في سورة النبأ:
{وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء
ثَجَّاجًا} [النبأ: 13-14] ومعنى {مَاء ثَجَّاجًا} أي ماءً غزيراً عذباً.
فالشمس هي التي تهيج الرياح، والرياح تسوق هذه الجزيئات من الماء (بخار
الماء) إلى الطبقات العليا لتتكثف وتتشكل الغيوم وينزل المطر، ولذلك فإن
الله تبارك وتعالى ربط بين الشمس وبين المعصرات وهي الغيوم {وَأَنزَلْنَا
مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} أي الغيوم الكثيفة، وبين نزول الماء الغزير {مَاء
ثَجَّاجًا} غزيراً عذباً.
سراج وهاج
إنها مصباح يستمد وقوده من الهيدروجين الذي يندمج بعضه مع بعض بتفاعلات
اندماجية ينتج عنها الضوء والحرارة. والقرآن عندما يتحدث عن الشمس يتحدث
عنها كسراج مضيء، يسمسها السراج، يقول تبارك وتعالى: {وَجَعَلْنَا
سِرَاجًا وَهَّاجًا} [النبأ: 13] ويقول أيضاً: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ
فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا}
[الفرقان: 61].
وفي خطاب سيدنا نوح لقومه قال لهم: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا
وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح: 15-16].
في هذه الآية نلاحظ أن القرآن ميز بين النور المنعكس عن القمر لأنه جسم بارد مهمته أن يعكس أشعة الشمس، بينما الشمس هي مصنع الطاقة.
فوائد عديدة للشمس
لو رجعنا إلى القاموس المحيط أو أي معجم من معاجم اللغة وبحثنا عن كلمة
(سخر) نلاحظ أن معناها بدقة: كلَّفه عملاً بلا أجر.وهذا ما تقوم به الشمس
فهي لملايين السنين تقدم لنا هذه الطاقة مجاناً دون مقابل.
هناك العديد من الخدمات التي تقدمها لنا الشمس، ومنها أننا عندما نتعرض
لأشعة الشمس فإن هذه الأشعة تؤثر على خلايا جسدنا تأثيراً إيجابياً وتساهم
في مساعدة هذه الخلايا على إنتاج فيتامين "دي" وهذا الفيتامين مهم جداً
للإنسان.حتى إن العلماء اكتشفوا حديثاً أنه يقي الإنسان من السرطان.
ومن الأمراض التي يبعدها التعرض للشمس باعتدال أمراض نخر العظام، ولذلك
فإن الشمس تقدم لنا علاجاً مجانياً من دون أن نشعر، فهل عرفنا الآن قيمة
هذه النعمة؟ وانظروا معي إلى هذه الآية: {وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}
[إبراهيم: 33].
ففيها تفضّل من الله علينا لنشكر هذه النعم التي لا تعد ولا تُحصى، ولذلك
قال في الآية التالية مباشرة: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ
وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ
لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].
أمواج صوتية من الشمس
وجد العلماء أن الشمس تطلق ترددات صوتية بشكل دائم أثناء عملها، وهذه
الذبذبات ناتجة عن احتكاك ذرات الغاز أثناء احتراقه وتمدده وتقلصه، ولكن
وبما أن الصوت لا ينتشر في الفضاء فإن هذا الصوت يعود ويرتد إلى قلب الشمس.
وبما أن كل النجوم تطلق مثل هذه الترددات الصوتية لأن مبدأ عملها مشابه
للشمس، وكذلك الشجر يطلق ترددات صوتية، وكل مخلوق حي يصدر من خلاياه مثل
هذه الترددات، إذن كل شيء في هذا الكون يتكلم!!
وبالتالي يحق لنا كمؤمنين أن نفكر في هذه الأصوات ونتذكر قول الحق عن
مخلوقاته: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ
وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} [الحج: 18]. فهل يمكن أن تكون
هذه الأصوات هي تسبيح وسجود لله تعالى ولكن بلغة هذه المخلوقات؟
لماذا الشمس؟
والآن نتساءل: هل كان في ذلك الزمن أحد يعلم شيئاً عن هذه الحقيقة وهل كان
هنالك إنسان واحد في العالم كله يدرك طبيعة عمل الشمس وتأثير هذه الشمس
على الأرض مثلاً؟ بالطبع لا، ولكن الله تبارك وتعالى حدثنا لأنه هو من خلق
هذه الشمس وهو من سخرها لنا.
ولكن لماذا حدثنا الله عن هذه الحقائق؟ لماذا حدثنا عن الشمس وعملها
وتأثيرها على دورة الماء ودورها في تبخير الماء ونزوله من السماء؟ لماذا
حدثنا عن دور الشمس أنها تقدم لنا طاقة مجانية {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ}؟ لماذا حدثنا عن نهاية الشمس {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}؟
لماذا حدثنا عن كل هذه الحقائق؟
الهدف لندرك أن الله تبارك وتعالى يعلم كل شيء وأن هذا النظام الكوني
الدقيق إنما هو بتقدير من خالقٍ عزيز عليم بكل شيء ولذلك قال تعالى:
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ} [يس: 38] يعني: انظر أيها الإنسان! لا تظن بأن هذه الشمس قد
وُجدت عبثاً أو أنها موجودة منذ الأزل.. لا.. إنما سخرها الله لك لعمل
محدد وعندما تنتهي مهمتها فإنها سوف تختفي وتزول ويبقى الله تبارك وتعالى
الذي سيحاسبنا على أعمالنا صغيرها وكبيرها..
المصدر: موقع موسوعة الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة
تعليق