فيا مَنْ يريدُ فِكاكَ نفسِهِ .. ويا مَنْ تَبْغِي نجاةَ نفسِها ..فما العهدُ بعدَ رمضان ( 1 ):
الحمدُ لله الذي يغفرُ الزللَ ويصفح ، ويَمْحُو الخطأَ ويَسْمح ، كلُّ من لاَذَ به أفلح ، وكلُّ من عَامَلَهُ يَرْبح ، رفعَ السماءَ بغيرِ عمدٍ فتأمَّلْ والْمح ، وأنزلَ القَطْر فإذا الزَّرْعُ في الماءِ يَسْبح ، أَغْنَى وأَفْقَرْ وربَّما كان الفقرُ أَصْلح .
هذا قارون ! مَلَكَ الكثيرَ لكنَّهُ بالقَليلِ لَمْ يَسْمح ، نُبَّهَ فَلَمْ يَستيْقِظ ، ولِيْمَ فلَمْ ينفعْهُ الَّلومْ إذْ قالَ له قَومُهُ لا تَفْرح .
وأَشْهدُ أنَّ لا إِلَه إلَّا الله مَنَّ بالعَطاءِ الوَاسِعِ وأَفْسحَ ، وأَشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أَبَان الدِّينَ وأَوْضحَ .
صَلَّى اللهُ عَليْه ، وعَلى صَحَابَتِه ..
أبي بكرٍ الذي لازَمَه حَضَراً وسفراً ولَمْ يَبْرَح .
وعَلى عمرَ الذي لَمْ يَزلْ في إِعْزازِ الدِّين يَكْدح .
وعَلى عثمانَ الذي أَنْفقَ الكثيرَ وأَصْلَح .
وعَلى عليٍّ وأَبْرأُ مِمَّنْ يَغلُو فيهِ أوْ يَقْدح .
وعلى صَحابَتِهِ الكرام ما أَمْسَى النَّهارُ وما أَصْبحْ .( 1 ) أمَّا بعد ..
بين يَدَيْ الوداع :
أقبلتَ يا عيدُ والأحزانُ نائمةٌ على فراشي وطرْفُ الشَّوقِ سَهرانُ
من أين نفرحُ يا عيدَ الجراحِ وفي قلوبنا من صُنُوف الـهمِّ ألوانُ
من أين نفرحُ والأحداثُ عاصفةٌ وللـدُّمى مُقَلٌ تـرْنُو وآذانُ
من أين والمسجدُ الأقصى مُحَطمةٌ آمالهُ وفـؤادُ القُدسِ وَلْـهَانُ
من أين نفرحُ يا عيدَ الجراحِ وفي دُروبنا جُـدُرٌ قامتْ وكُثْبانُ
من أين والأمـةُ الـغرَّاءُ نائمةٌ على سَريرِ الهوى والليلُ نَشْوانُ
من أينَ والذُّلُ يَبْنِي أَلْفَ مُنْتَجَعٍ في أرضِ عِزّتِنا والربحُ خُسْرانُ
من أين نفرحُ والأحبابُ ما اقتربوا مِنَّا ولا أَصْبَحوا فينا كما كانوا( 1 )
دارَ الزمانُ دَورته .. وتصرَّمت الأيامُ تِلْوَ الأيام .. وهَا هُو شهُرنا رحل .. وأَفَلَ نجمُهُ بعد أنْ سَطَعْ.
فجَبَرَ اللهُ مُصِيبَتَنا في رمضان .
القلبُ يمتلئ لوعةً وأَسَى ، والعينُ تُسطِّر بمدَادِها لحنَ الخلود .
واليدُ تَأْبَى أنْ تكتُب ؟ وما عساها أنْ تكتب ؟
أتكتبُ حالَ الرحيل ؟!
أتقيِّدُ مَوْقِفَ الوداع ؟!
أَتَنْقشُ ألَمَ الفراق ؟!
أحقاً انقضى رمضان ..!
أَذَهبَ ظَمَؤُ الصِّيامِ وانطفأَ نورُ القيام ..!
يا وَلَهِي عليه ..
أَذَهَبَ رمضانُ وغابَ هلالُهُ ..؟
هل قُوِّضتْ خِيامُه ..وتقطَّعتْ أوتادُه .. ؟
أيُّ حال للمؤمنِ والمؤمنةِ بَعْدَ رَحِيْلِ رمضان ..؟
يا راحـلاً وجمـيلُ الصَّبْرِ يَتْبعُهُ هلْ مِنْ سَبيلٍ إلى لُقْيَاكَ يَتَّفِقُ
مَنْ الذي لا تُؤلِم نفسَهُ لحظاتُ الفراق ؟
من مِنَّا لا تَجْرحُ مشاعرَهُ ساعاتُ الغياب ؟
بالأمسِ القريب ، بَارَك بعضُنا لبعْضٍ استقبالَ رمضان ، فَسُكِبَتْ العبراتُ فرحاً واستبشاراً به ، وطرِبَتْ القُلُوب ، وشُنِّفَت الأسماع بصدى تراويحه .
واليوم .. له لونٌ غريبٌ من الدُّموع !
فانهملتْ على الخدود .. وجادَتْ بأغلى ما لديها ..
رمضان وأيُّ شهر كان ..؟
رمضانُ .. شاهدٌ لنا أو علينا مما أَوْدَعْنَاهُ من الأعمال ..
فَمْن أودعه صالحاً فلْيَحمدِ الله ، وليُبْشِرْ بحسن الثواب ، واللهُ لا يُضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً .
ومَنْ أَوْدَعَهُ سَيِّئاً فليَسْكُبِ الدَّمعَ الغزير ، وليأتِ ما بقي من القليل .
فكم من جاء بالقليل وتُوِّجَ بالقَبول ! وكمْ منْ جاء بالكثيرِ فَمُنِيَ بالحرمان .
أيُّ شهرٍ كان رمضان ..؟
شهرٌ عظَّمه اللهُ وكرَّمه ، فشرَّف صُوَّامه وقوَّامه ، مَنَحَهُمْ من الأجورِ ما ليس لغيرِهِ من الشُّهُور ، فجعل أجرَ صائميه متجاوزاً العشرةَ أضعاف ، بلْ والسبعمئةِ ضعف مما لا يُحدُّ ولا يُعدّ ، كلُّ ذلك لأنَّ الصيامَ له وهو سبحانه الذي يَجزي به( 1 ) ، وكفى بهذا شَرَفاً وفَخْراً للمؤمن .
أيُّ شهرٍ كان رمضان ..؟
وفيه يُمنحُ المؤمنُ أكرمَ ما يحمله بين جَنَباتِ صَدْرِهِ
وأعظمَ ما يفتخرُ به في قلبِهِ هي عمادُ العملِ .
وميزانُ الكَرَمِ :
فكُلَّمَا تَرقّى المرءُ في مَدارجِ الشَّرفِ بالصُّعودِ في مَعارجِ التَّقوى ، زادتْ أجورُ أَعْمالِهِ الصَّالحة : وهل رمضانُ إلا تعبُّدٌ بالصبر ؟!
أيُّ شهرٍ كان رمضان ..؟
وهو مِضْمَارٌ واسعٌ للتَّنافُسِ في الخيراتِ ، تَنَوَّعتْ فيه الطَّاعات ، فيه سِرٌّ بين الطَّائِعينَ وبينَ رَبِهِم في أيَّامِهِ المعدودات ، والمُحِبُّونَ يَغارُونَ من اطَّلاعِ الأَغْيَارِ على الأَسْرَار .
أيُّ شهرٍ كان رمضان ..؟
كان موسماً لمضاعفة الأعمالِ والغُفْران ، ومُنَبِّهاً لذوي الغَفَلاتِ والنِّسْيَان ، محفوفاً بفضيلةِ تلاوةِ القرآن ، حين فيوضات الجودِ والكَرمِ من المنَّان .
شهرُ رمضان ..
نهارُهُ مصونٌ بالصيام ، وليلُهُ معمورٌ بالقيام ، هبَّت فيه رياحُ الأنسِ بالله ، وجَادَتْ الأنفسُ بما عندها نحو الله .
فقُولُوا لي بِرَبِّكُمْ :
كيفَ لا تَفيضُ دُموعُ المؤمنِ على رَحيلِ رمضان ، ولا يَدري أيدركُ تلكَ الفضائلَ والمزايا مِنْ عَامٍِ ثَان ؟
كيف لا تَجْري دموعُ المُخْبتةِ على فراقِ رمضان ، ولا تَعْلم أَحَظِيَتْ بالقَبولِ والغُفْران ، أَمْ رُمِيَتْ بالطَّردِ والحِرْمَان ؟
دَعِ البكاءَ على الأطْـلالِ والدَّارِ واذكُرْ لمنْ بَانَ من خِلٍّ ومِنْ جَـارِ
أَذْرِ الدُّموعَ نحيباً وابْكِ من أسفٍ على فِـرَاقِ لَـيالٍ ذاتِ أَنْــوارِ
على لَيالٍ لشهرِ الصَّومِ ما جُعِلَتْ إلا لِتَـمْـحِيـصِ آثــامٍ وأَوْزارِ
يا لائِمِي في البُكَا زِدْنِي به كَلَـفَاً واسمعْ غريبَ أحاديثٍ وأَخْبارِ( 1 )
أيُّ شهر كان رمضان .. وفيه ليلةُ القَدْر ؟ لك اللهُ يَا رَمَضَان .
رَحلَ رمضانُ وانقضى ، فما حالُنا مع هذا الرَّحيل ؟
ألا نَأْتَسِي بِعِلْيَةِ القومِ كيفَ يكونُ حالهم ؟
ألا نَتفكَّرُ حالَ وداعِ المحبِّين ؟
أَنَعْرفُ كيف يُوَدِّعُ أبو بكرٍ ، وعمرُ ، وعثمانُ ، وطَلْحةُ ، والزبيرُ ، وأبو عُبَيْدةَ _ رضوان الله عليهم _ رمضان ؟
أَخَطرَ في خُلْدِنا شَأْنُ الإمامِ الأوزاعيِّ( 1 )، وصِلَةِ بن أَشْيَم( 2 )، ورَابعةِ العَدويَّة ( 3 )، والإمامِ أحمد( 4 )، وابنِ المبارك ( 5 )، وشيخِ الإسلام ابن تيميَّة( 6 )_ رحمهم الله _ في وَدَاعِهِم لرَمَضان ؟
ألا نتوقَّف لِنَنْظُرَ و نتَّعِظُ كيفَ يَعْملُ بشيرُ الجزائرِ ( 1 )؟
وقُطْبُ مصر ( 2 )؟
وسباعيُّ الشام( 1 ) ؟ وإقبالُ بنجاب( 2 ) ؟ وظهيرُ باكستان ( 3 )؟
وعُثَيْمِينُ نجد( 1 ) في رَحيلِ رَمَضَان ؟
لقد كان سلُفنا الصالح رحمه الله خيرَ مثالٍ يُقْتدى به في حنينِ الوداع ، ضَربُوا أروعَ الأمثلةِ في ذلك ، سُطِّر عبيرُ حياتهم في المصنفات ، وكُتِبَ روعةُ حَنِيْنِهِمْ في الكِتَابَات ، فانظرْ في وَدَاعِهِم لشَهْرِهِم كيف يكون ؟
فيالله .. ما أروعَ الخطبَ وما أجلّ الموقفَ ! وما أحسنَ تلكَ الدموع وهي تقفُ تُوَدِّعُ الضيفَ الحبيبَ وقد سالتْ على الخدودِ ! وما أطربَ شجي الآهاتِ لوداعِهِ !
يالله .. كمْ أناسٍ صَلُّوا في هذا الشهر التراويح ، وأَوْقَدوا في المساجدِ طََلَباً للأجر المصابيح ، نَسَخَوا بإحسانِهم كلَّ فعلٍ قبيح ، وقبلَ التَّمام سَكَنَوا الضريح .
وهانحنُ اليومَ أَوْشَكْنا على التمام ، فكيف وَداعُ المحبِّين ؟ وما أمرُ المخْبِتِيْن ؟
كيف سيكونُ حالُنا ؟ وما مصيرُ العمل ؟ أَيُقْبَلُ أَمْ يُرَدُّ ويُطْرَح ؟
وهل بعد إعراضِ الحبيبِ تَواصُلٌ وهل لِبـدورٍ قد أَفَلْـنَ طُلـوعُ( 1 )
فما حالُ السَّلفِ في وَدَاعِ رَمَضَان ؟
وكيف يكونُ الجيلُ القُرآنيُّ الفريدٌ في إِشْفَاقِهِم في قَبولِ العَملِ بَعدَ رَحيلِ رَمَضَان ؟
فعن عائشة رضي الله عنها ، قلتُ : يا رسولَ اللهِ ، قولُ اللهِ تعالى : والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون {[ سور المؤمنون : 60 ]
أَهُمْ الذين يَشربونَ الخمرَ ويَسرقونَ ويَزنونَ ؟ قال : لا يا ابنةَ الصديق ! ولكنَّهم الذين يَصومونَ ، ويُصلُّونَ ، ويَتصدَّقُونَ ، وهم يخافون ألا يُقْبَلَ منهم ، أؤلئك الذين يُسارعونَ في الخيْرَات ! ".( 1 )
قال الحسنُ رحمه الله : عَمِلُوا واللهِ بالطَّاعاتِ واجتَهدُوا فيها وخافوا أنْ تُرَدَّ عليهم ، إنَّ المؤمنَ جمع إحساناً وخشية ، وإنَّ المنافقَ جمع إساءة وأمناً.( 2 )
آيةٌ عظيمة أرَّقَتْ قلوبَ الخائفين وقَصَمَتْ ظهورَ الصالحين ، فلله دَرُّهُمْ( 3 )
رُوِيَ عن علي رضي الله عنه: أنَّه كان ينادي في آخرِ ليلةٍ من رمضان : ياليتَ شعري ! من المقبولُ فنهنَّيه ؟ ومن المحرومُ فنعزَّيه ؟
وذا ابنُ مسعودِ رضي الله عنهيقول : أيها المقبولُ هنيئاً لك ، ويا أيها المردودُ جَبَرَ اللهُ مصيبتَك !( 1 )
وهذا عامرُ بن قيس رحمه الله : يبكى ! فقيل له ما يبكيك ؟
فقال : والله ما أبكي حرصاً على الدنيا أو متاع ، أبكي على ذهابِ ظَمَأِ الهواجر ، وعلى قيام ليالي الشتاء !( 2 )
وتأمَّلْ حالَ العالمِ الورعِ الزاهد ، عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله ، حين خرج يوم الفطر ليخطب فقال : أيُّها الناس .. صُمتمْ للهِ ثلاثينَ يوماً ، وقُمتمْ ثلاثينَ ليلةً ، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أنْ يَتَقبَّلَ منكم ما كان ! وكان بعضُ السلفِ يَظْهَرُ عليه الحزنُ يومَ عيدِ الفطرِ ، فيُقَالَ له : إنَّه يومُ فرحٍ وسرور ، فيقول : صَدَقْتُمْ ؛ ولكني عبدٌ أمرني مولاي أنْ أعملَ لَهُ عملاً ، فلا أَدْرِي أَيْقبَلُهُ مِنِّي أَمْ لا ؟( 3 )
قال ابنُ رجب رحمه الله : ولقد كان السلفُ رحمهم الله يَدْعُون الله ستةَ أشهرٍ أنْ يُبلّغهم شهرَ رمضان ، ثم يَدْعُون الله ستةَ أشهرٍ أنْ يَتقبَّله منهم .
وقال عبد العزيز بن رَوَّاد رحمه الله : أدركتُهُم _ الصَّحابَة _ يجتهدون في العملِ الصالح ، فإذا فعلوه وقعَ عليهم الهمُّ أيقبلُ منهم أو لا ؟
وقال الحسنُ رحمه الله : إنَّ اللهَ جعلَ شهرَ رمضانَ مضماراً لخلقه يَسْتبِقُون فيه بطَاعَتِهِ إلى مَرْضَاتِهِ ، فَسَبَقَ قومٌ فَفَازُوا ، وتَخَلَّفَ آخرونَ فَخَابُوا ، فالعجبُ من الَّلاعِبِ الضَّاحِكِ في اليَومِ الذي يَفُوزُ فيه المُحْسِنُون ، ويَخْسَرُ فيهِ المُبْطِلُون . ثُمَّ يَبْكي رحمه الله .( 1 )
فبالله عليكم .. أَرَأَيْتُمْ صُورةً أحلى من صُورةِ المحبِّين في الوَدَاعِ كهَذِهِ ؟
أَقَرأْتُمْ عن رَوعةِ الحنين للقاء ؟
إنهَّم القومُ فَقِهُوا عَن اللهِ وَوَعوْا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حازوا قصَبَ السَّبْقِ في كلِّ شيء ، واسْتَولوا على معالي الأمورِ ، فهم مَشعلٌ من مَشاعِل العِلمِ والإيمانِ والهدى ، فالسعيدُ من اتَّبعَ طريقهم ، واقتفى أثرَهُمْ ، والشقيُّ من عدَلَ عن طريقِهِم ولَمْ يَبلغْ مَنْهَجَهُم ، " فأيُّ خِطَّةِ رُشْدٍ لم يَسْتَولُوا عليها ، وأيُّ خِصْلةِ خيرٍ لَمْ يَسْبِقُوا إليها ، تالله ؛ لقد ورَدُوا يَنْبوعَ الحياةِ عَذْباً صَافياً زُلَالَا ، فوطّدوا قواعدَ الدِّينِ فلمْ يَدَعُوا لأحدٍ بَعْدَهُم مَقَالا "
فكان ما أنتَ سامعٌ ولا عَجَبْ !
قَومٌ عندهم لذةُ العبوديِّةِ فوقَ كلِّ لذةٍ !
قَومٌ وطَّنوا أَنْفُسَهُم على اكتسابِ الذِّخرِ البَاقي والتجارة الرابحة .
فأين أنتَ من تلك المناقبِ الزَّاهية ، و المراتب العالية ؟
لئِنْ رحلَ رمضانُ ، فإنَّ العملَ لنْ يرحل يا صاحِ.
لئِنْ انقضى رمضانُ فالسيرُ نحو الله لن ينقضي يا أُخَيَّتي .
فيا أُخَيَّ .. بَادِرْ ، وسَابِقْ ، ونَافِسْ في الخَيْرَات .
فالعمل لا يتوقف إلا بانقطاع الأجل ، و إذا ماتَ ابنُ آدم انقطعَ العمل( 1 ) فابْقِ لكَ أَثَراً صَالِحَاً قَبْلَ الرَّحِيْل .
قال الحسنُ البصريُ رحمه الله : أيْ قوم ، المداومَةَ المداومة ، فإنَّ اللهَ لَمْ يجعلْ لعملِ المؤمنِ أَجَلاً دُونَ الموت .( 2 )
فيا رعاك الله .." اشترِ نفسَكَ اليوم . فإنَّ السوقَ قائمةٌ ، والثمنَ موجودٌ ، والبضائعَ رخيصةٌ ، وسيأتي على السوقِ والبضائعِ يومٌ لا تصلُ فيه إلى قليلٍ ولا إلى كثير " ( 3 )، فهؤلاء القوم لم يكونوا شَعْبَانِيِّين ، أو رمضانيِّين !
لا وربي ، بل ربَّانِيُّون .. وما أَدْرَاكَ ما الرَّبانِيَّة ؟
فهذه الأعوامُ والشُّهورُ ، وتلكَ الليالي كلُّها مقاديرُ الآجال ، ومواقيتُ الأعمالِ ، ثُمَّ تَنْقَضِي سَرِيْعاً ، وتَمْضِي بَعِيْداً ، والذي أَوْجَدَها وخَلَقَها وخَصَّها بالفَضَائِلِ باقٍ لا يَزُول ، ودَائمٌ لا يَحُوْل ، إلهٌ وَاحِد ، ولأَعْمَالِ عبادِهِ مُراقبٌ مُشَاهِد .( 1 )
قيل لِبِشْرِ الحَافِي رحمه الله : إنَّ قَوماً يَتعبَّدون ويجتَهِدُون في رمضان ؟ فقال : بِئْسَ القومُ قومٌ لا يَعرفُونَ للهِ حَقَّاً إلَّا في شَهْرِ رَمَضَان ، إنَّ الصَّالحَ الذي يَتَعَبَّدُ ويَجْتَهِدُ السَّنَة كلَّها .
وسُئِلَ الشِّبْلِيُّ رحمه الله : أيُّهما أفضلُ : رَجبٌ أو شَعْبَان ؟ فقال : كُنْ ربَّانِيَّاً ولا تَكُنْ شَعَبَانِيَّاً !( 2 )
وإذا كانَ ذَلِكَ كَذَلِك ، فيَنْبَغِي عليكَ أنْ تَدْخُلَ السِّبَاقَ ، ولا تَظُنَّ أنَّ العَدَدَ محدودٌ ، وأنَّه قد انتهى من عَصْرِ الصَّحابَةِ والقُرُونُ المفضَّلةِ ! فالحقيقةُ يا صاحِ أنَّ السِّباقَ فسيحُ الأرجاءِ ولَمْ يُحدِّدْهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بزمانٍ أو مكان ، بلْ
بشََّرَ بِفَوزِ بعَضِ الفَائِزِينَ ( سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَة ) ( 1 )، وتركَ المجالَ لك فَسِيْحاً ، فَهَلاَّ شَمَّرتَ عن سَاعدِ الجدِّ ؟ وأخذتَ في بلوغِ العزائمِ وتَنَافَسْتَ نحو اللهِ والدَّارِ الآخرة كما كانُوا يَفْعلُون ، وفيه يتنافسون ، فأين المُشَمِّرُون؟ أتحبُّ أنْ تُدْرك قافلةَ عُكَاشَة وتَلْحق الركب ؟
قال ابن قيِّم الجوزيَّة رحمه الله : " السَّابِقُونَ في الدُّنْيا إلى الخَيْراتِ هُمْ السَّابِقُونَ يومَ القَيامةِ إلى الجنَّات " ( 2 )
لقد حَفِلتْ أحاديثُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بنماذجَ عَدِيدَةٍ من شَحْذِ الهمم واسْتِحْثَاثِهَا في الخيراتِ والطَّاعات .
أبَلَغَك قولُهُ لقَارئ القرآن : " اقرأْ وارْتَقِ ورَتِّلْ كما كنتَ تُرَتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلَتَك عند آخرِ آيةٍِ تقرؤها "( 1 ) ؟
أَمَا عَلِمْتَ حَثَّهُ صلى الله عليه وسلم على الصفِّ الأوَّلِ حينَ قال :" لو يَعْلمُ النَّاسُ ما في النِّداءِ والصفِّ الأَوَّلِ ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَليهِ لاسْتَهَمُوا "( 2 ) ؟
أَرَأَيْتَ تَشْويقاً أروعَ منْ قَولِهِ صلى الله عليه وسلم لهم ذَاتَ غَداة : من أَصْبحَ منكم صَائِماً ؟ قال أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا ، قال : من تَبِعَ منْكُم اليومَ جَنازةً ؟ قال أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا ، قال : فمن عَاد منْكُم مَريضاً ؟ قال أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا ، فقال صلى الله عليه وسلم :
" ما اجْتَمَعْنَ في امرئٍ إلا دَخل الجنَّة "( 1 ) ؟
فَقُلْ لي بِرَبِّك ..
تُرى بأيِّ حَالٍ عادَ صَحابةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى بيوتهم بعد سَماعِ هذه البِشَارة ؟ حتماً عَادُوا بِعَزْمٍ جَديد ، وسَعْيٍ حثيث ، يَبْغُون به إدراكَ ما أَدْرَك أبو بكرٍ ، واغتنام ما اغتنم .( 2 )
كيف وهُمْ قَدْ نَذروا أَرْوَاحهُم مَهراً للجنَّة ؟! .
الله أكبر .. أرأيتَ كيف كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَبعثُ رُوحَ التَّنافسِ بين أَصْحَابِهِ ، فتَشْتَعِلُ شَرارةُ العَزْمِ ، لتَحرِقَ مَخْزونَ الكَسَلْ ، ويَبزُغَ فجرُ العمل ، فيُشْرِقَ نُورُ الأَمَل ( 3 ).
أتعْقِلُ مَعِيَ قولَ أبي مُسْلمٍ الخَوْلَانِي رحمه الله حين قال : " أَيَظُنُّ أصْحابُ محمدٍ أنْ يَسْتَأثِرُوا بِهِ دُونَنَا ؟ كَلَّا واللهِ ، لَنُـَزاحِمَنَّهُم عَليِهِ زِحَامَاً حتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهم قَدْ خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ رِجَالاً " ( 1 )؟
فما وَصِيَّتِي لَكَ إلَّا :
فما أدري أخلَّف سلفُنا وراءهَم في عصرنا رجالاً ، أم لا ؟
فيا من رعاك الله ..
ويا أيتها العفيفة ..
إنَّما السيرُ سيرُ القلبِ نحو اللهِ ، لا سَيْر الأَبْدان .
فكمْ منْ واصلٍ ببِدنِهِ إلى البيتِ وقلْبُهُ منقطعٌ عنْ رَبِّ البيت !
وكمْ مِنْ قاعدٍ على فراشهِ في بيتِهِ وقلْبُهُ متصلٌ بالملأِ الأعلى .
يقول ابن قيِّم الجوزيَّة رحمه الله :
" إنَّ الأعمالَ لا تَتَفاضَلُ بِصُوَرِها وعَدَدِها ،وإنَّما التَّفاضُلُ بِتَفاضُلِ مَا في القُلُوبِ ، فتكونُ صُورَةُ الَعملِ واحدةً ، وبينَهُما في التَّفاضلِ كمَا بَيْن السَّماءِ والأَرْض "( 1 )
و انظروا لعبد الله بن ثابت رضي الله عنهلَمَّا ماتَ _ على فراشِهِ _ قالت ابنتُهُ : والله إنْ كنتُ لأرْجُو أنْ تكونَ شَهِيْدَاً ، فإنَّك كنتَ قد أَتْمَمْتَ جِهَازَكَ ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ أوقعَ أجرَهُ على قَدْرِ نِيَّتِه "( 2 )
فيا سبحان الله !
الشهادةُ بلَغها متسابقٌ بقلبِهِ وهو على فراشه !
وما نالهَا من فُصِل رأسُهُ عن جسدهِ في الميدان ؟
فبالله عليكم ، مَنْ الذي رَفع هذا ، ووَضَعَ ذاك ؟
إلَّا سيرُ القلبِ نحو اللهِ والدَّارِ الاخرة .
يُصَدِّقُ ذلك : " إنّ بالمدينةِ أقواماً ما سِرْتُم مَسِيراً ، ولا قطعتُم وَادِياً ، إلَّا كانوا معكُم فيه وهُمْ بالمدينةِ ، حبَسَهُمُ العذر "( 1 )
إنَّا أَقَمْنَا على عُذْرٍ وقَـدْ رَحَلُوا ومَنْ أقَـام على عُذْرٍ فقَدْ رَاحَا
فيا مَنْ يريدُ فِكاكَ نفسِهِ .. ويا مَنْ تَبْغِي نجاةَ نفسِها ..
رحمةُ اللهِ واسعةٌ ، وأبوابُ الخيرِ كثيرةٌ ، فإذا وجدتَ أحدَ الأبوابِ مُغْلقاً ، فقد فَتحَ لك أَبْواباً ، وإذا ضَاقتْ بك سَبِيلٌ وَسِعَتْك سُبُلٌ ، فافتحْ هذه الأبوابَ ، ووَاصِل السَّير نحو الملِكِ الوهَّاب
فما العهدُ بعدَ رمضان ( 1 ):
النِّعمُ سابغةٌ ، والرحمةُ واسعةٌ ، ولا يَنْبَغِي للمؤمنِ ولا للمؤمنةِ أنْ يُبْدِلَ بالنِّعْمَةِ نقمة ، ويَخرجَ من الغُفْران إلى العصيان ، وها قد حَان الانتهاء ، فيحسنُ بك أنْ تتحلَّى بما عهدتُكَ وأحسبُكَ كذلك ، واللهُ حسيبك :
أولاً : بمثل ما استقبلت رمضانَ من الطاعة ، وَدِّعْهُ واستقبلْ ما يتلوه من الشهور فكلُّها أيامُ الله ، فاعمُرْها بما عَمَرْتَها في رمضان .
ثانياً : حافظتَ على الصلاةِ بخشوعها وخضوعها ، ذرفتَ الدمعَ بين يدي ربك ، فهلاّ بَقِيْتَ على هذه الحالة بقيةَ عمرك وفي سائر عملك فالصلاةُ عمودُ الإسلام ، ولا حظَّ في الإسلام لمن ضَيَّع الصلاة .
ثالثاً : كان الصومُ لك جُنَّةً من أعدائك ، وحِصْناً حَصِيْناً من شياطين الإنس والجن ، ( الصيامُ جُنَّةٌ كجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنْ القِتَال )( 2 ) فهل تَأْمنْ على نفسك بقيةَ العامِ بلا حصنٍ ولا عُدة . فالصومُ باقٍ بقاءَ العام ، فَطِبْ نفساً بِمَوَاسِمِ الصِّيَام ، فدُونَك هِيْ :
* ( مَنْ صَامَ رَمَضَان ، ثُمَّ أَتْبعهُ ستاً مِنْ شَوَّالٍ كانَ كصِيَامِ الدَّهْر )( 1 )
* ( ما مِنْ أيامٍ العَملُ الصَّالحُ فيْهَا أَحَبُّ إلى اللهِ منْ هذِهِ العَشْر ( أيْ عَشْر ذِي الحِجَّة ) قالوا : ولا الجِهَادُ في سَبِيْلِ اللهِ ، قالَ : ولا الجِهَادُ في سَبِيْلِ اللهِ ، إلا رَجُلٌ خَرَجَ بَنَفْسِهِ ومَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ منْ ذَلك بِشَيءٍ )( 2 )
*( صِياَمُ يَومِ عَرَفَة أَحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ والسَّنَةَ التي بَعْدَهُ ، وصِيَامُ يومِ عَاشُورَاء أَحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَه )( 3 )
* ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمضَان شَهرُ اللهِ المحرم )( 4 )
* ( أوصاني خليلي بثلاث : صومِ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهر ... ) ( 1 )
* ( كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيامَ الاثنين والخميس ) ( 2 )
أسمعتَ هذه المواسم ؟ إِذَنْ فلا تَقْعُد عنها .
رابعاً : قمتَ رمضان إيماناً واحتساباً _ وأحسبُك كذلك _ وها قد انقضى شهرُ القيام . فلا تَقْصُر عنه سائرَ العام . فخذ بالجدِّ فيه ، ( واعلم أنَّ شرفَ المؤمنِ قيامُه بالليل )( 3 )
ذكرَ الخطيبُ البغدادي رحمه الله : " عن عاصم البَيْهَقِي قال : بتُّ ليلةً عند الإمام أحمد بن حنبل ، فجاء بماءٍ فوضعَهُ ، فلما أصبح نَظر إلى الماءِ بحاله ، فقال : سبحانَ الله ! رجلٌ يطلبُ العلمَ لا يكونُ له وِرْدٌ بالليل "( 1 )
ثُمَّ أَيْنَك من ذاك الصغير الصالح ، فقد ذكر أهلُ التَّارِيخِ والسِّيَرِ : أنَّ أبا يزيد طَيْفُور بن عيسى قال لأبيه : يا أبتِ مَنْ الذي يقول الله له هذا ؟ قال يا بُنَيَّ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا أَبَتِ مالَكَ لا تصنعُ كما صَنَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ؟ قال : يا بُنَيَّ إنَّ قيامَ الَّليْلِ خُصِّصَ به النبي صلى الله عليه وسلم بافتراضه دون أمته .
قال قلتُ : يا أبتِ إني أسمعُ أنَّ طائفةً كانوا يقومون الليل ، فمَنْ هذه الطائفة ؟ قال : يا بُنَيَّ هؤلاء الصحابةُ رضوان الله عليهم . قلتُ : يا أبتِ فأيُّ خَيرٍ في تَرْكِ ما عَمِلَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابُهُ ؟ قال : صَدَقْتَ يا بُنَيَّ .
فكان أبوهُ بعدَ ذلك يَقومُ مِنْ الَّليلِ وَيتوَضَّأ ويُصلِّي ، فاستيقظَ أبو يزيدٍ ليلةً فإذا أَبُوهُ يُصلِّي . قال : يا أَبَتِ عَلِّمْني كيف أَتوضَّأُ وأُصلِّي معك . فقال أبوه : يا بُنَيَّ ارقدْ فإنَّك صغيرٌ !
قال : يا أَبَتِ إذا كان يومَ يَصدرُ النَّاسُ أشتاتاً لِيُروا أعمالهَم أقولُ لربي : قلتُ لأبي كيفَ أتطهرُ لأُصَلِّيَ معك فأَبَى ! وقال ارْقُد فإنَّك صغيرٌ بَعْدُ ، أتحبُّ هذا ؟ فقال أبوه : لا والله يا بُنَيَّ ما أحبُّ هذا ، فعلَّمه فكان يُصَلَّي معه .
فإيَّاك إيَّاك .. أنْ يَسْبِقَكَ الدِّيكُ ! فيكونَ أَكْيسَ منْك يُسبِّحُ وأنت نائم ؟!
خامساً : ختمتَ القرآنَ مرةً ، أو بعض مرةٍ ، وعزفتَ عن الشواغل حتى لا تهجُره في شهره ، أيحسنُ بك أنْ تُقَدِّمَ الشواغلَ عليه وهو كلامُ الملك ! هلاّ عزمتَ على صَرْفِها مرات ؛ لتَحْظَى بِخَتَمَات .
قال ابن قيِّم الجوزيَّة رحمه الله ذاكراً أولَ الأسبابِ الموجبةِ لمحبة الله :
" قراءةُ القُرآنِ بالتَّدَبُّرِ والتَّفَهُمِ لمعَانِيْهِ ، وما أُرِيدَ بِهِ ، كتَدَّبُرِ الكِتَابِ الذي يحفَظُهُ العبدُ ويَشرحُهُ ليَتَفَهَّمَ مُرادَ صَاحِبهِ مِنْهُ " ( 1 )
فأينَ المتشوِّقُونَ ، وأَيْنَك من قوله حين يُقالُ لصَاحِب القُرْآن : " اقرأ وارْتَقِ ورَتِّلْ كما كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا فإنَّ منزلَتَك عِنْدَ آخرِ آيةٍ تَقْرَؤُهَا "( 1 )
يقول ابنُ قيِّم الجوزيَّة رحمه الله :
" وبالجُمْلَةِ ؛ فلا شيءَ أنفعُ للقَلبِ من قراءةِ القرآنِ بالتَّدبُّرِ والتَّفكُّرِ ؛ فإنَّهُ جامعٌ لجميعِ منازلِ السَّائرينَ وأحوالِ العاملينَ ومقاماتِ العارفينَ ، وهو الذي يُورِثُ المحبَّةَ والشوقَ والخوفَ والرَّجاءَ والإنابةَ والتَّوكُّلَ والرِّضا والتَّفويضَ والشُّكرَ والصَّبرَ وسائرَ الأحوالِ التي بها حياةُ القلبِ وكمالُهُ ...
فلو عَلِمَ النَّاسُ ما في قراءةِ القرآنِ بالتَّدبُّرِ لاشتَغلوا بها عن كلِّ ما سواها ، فإذا قرأَهُ بتفكُّرٍ حتى مرَّ بآيةٍ هو مُحتاجٌ إليها في شفاءِ قَلبهِ كرَّرَها ولو مِئةَ مرَّة ، ولو ليلةً ، فقراءةُ آيةٍ بتفكُّرٍ وتَفهُّمٍ خَيرٌ من قراءةِ خِتْمَةٍ بغيرِ تَدبُّرٍ وتَفهُّمٍ ، وأَنفعُ للقلبِ وأَدْعَى إلى حُصولِ الإيمانِ وذَوْقِ حلاوَةِ القرآن."( 1 )
سادساً : حافظتَ قدْرَ الطاقةِ على قلبِك من غَوائلِ الهوى النَّزَّاعةِ للشوى ، صُنْتَ سَمْعكَ ، وبَصَركَ ، وفؤادَكَ عما لا ينبغي في شهرِ الصيامِ رجاءَ كماله ، ولكنْ لتعلمَ أنَّ صيامَ الجوارحِ لا يَنْقَضي بغروبِ شمسِ آخرِ ليلةٍ من رمضان ، فشرْعُ الله دائمٌ على مَرِّ العام
سابعاً : تخلَّقتَ بأخلاقِ الإسلام في رمضان ، فكنت تقولُ لمن سَبَّك أو شَتَمَك ( إِني صَائمٌ )( 1 ) فهلاّ عَلَّمَك الصَّيامُ أنَّ ذلكَ الإمساكَ هو للأخلاقِ مَلاك ، وتَذكَّر : ( أقربُكُم مِنِّي مَجْلِساً يَومَ القِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ خُلُقاً )( 2 )
ثامناً : أَرْحَامُك ، إخْوَانُك ، جِيْرَانُك ، أَحْيَيْتَ وَصْلَهُمْ في رمضان ، فلا تَعُدَّهم في الموْتَى بعد رحيله ! أَلَمْ يَأْنِ لكَ أنْ تَعْلمَ أنْ وَصْلَهُمْ سيبقى حَيَّاً سائرَ الأيام ، تَفكَّرْ في قوله سبحانه ،وهو يقول للرحمِ : ( ألا يُرْضيكِ أنْ أصلَ مَنْ وصلَكِ وأقطعَ مَْن قَطَعَكِ )( 3 ) وصَلَنَا الله بحبل مرضاته وبلَّغنا أريج نفحاته .
تاسعاً : كنتَ في شَهْرِكَ جَواداً ، كريماً ، وربُّك الغنيُ الأكرم ، أَلا تَحْنُو على عبادِهِ اليَتَامَى والمساكين ، فتَجُودُ وتُكْرِم ، عَسَى أنْ يَجُودَ عليكَ بنعيم الجِنَان ، ويصونَك عن لهيب النِّيرَان .
عاشراً : عَهِدتُكَ حَياً حيِّيَّاً في شهرِ الصيام ، ألا أريتَ الله من نفسك خيراً سائر العام ، فحافظتَ على الطاعة وتعاهدِها ، وقد كان نَبِّيُك صلى الله عليه وسلم يعاهدُ ربه على الطاعة في كل ساعة قبيل الليل وعند طُلوع النهار ، ألا تَمْتَثِلُ ذلك ، وتَذْكُرَ قوله : " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنِى وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِى ، فاغْفِرْ لِى ، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ "( 1 )
تلك عشرةٌ كاملة قبيل التمام ، فلْنلزمها علَّنا أنْ ندخل الجنة بسلام .
وفي نهاية المطاف ..
وقبل أنْ تفرحَ بالعيد ..
وتُهيئ الملبسَ الجديد ..
ارمُقْ معي تلكَ البُنَيَّةَ اليتيمة في بلاد المسلمين ، وهي تَهْتِفُ بِتِلْكُم الكلمات المكْلُومة نحو الهلال ، تشكو له حالها .
فهل تفرحُ كما تفرحُ بُنَيَّاتُ المسلمين بالحلْوى والثياب الجديدة ؟
أنَّى لها بالفرح ! فما لها إلَّا الهلالُ لتَبُثََّ حُزْنَهَا له فتناديهِ بقولها :
غِبْ يا هِلال ..
قالوا ستجلِبُ نحوَنا العيدَ السعيد .. عيدٌ سعيد ؟!
والأرضُ ما زالت مبللةَ الثرى بدمِ الشهيد ..
والحربُ ملَّت نفسَها وتقززتْ ممن تُبيد !
عيدٌ سعيدٌ في قصور المترفين !!
عيدٌ شقيٌ في خيام الَّلاجئين !!
هَرِمت خُطانا يا هلال ..
ومَدَى السعادةِ لم يزلْ عنَّا بعيد !
غِبْ يا هِلال ..
لا تأتِ بالعيدِ السعيدِ مع الأنين ؟ لا تأتِ بالعيدِ السعيدِ مع الأنين ؟ أنا لا أريدُ العيدَ مقطوعَ الوتين ..
أتظنُّ أنَّ العيدَ في حَلْوى وأثوابٍ جديدة ؟!
أتظنُّ أنَّ العيدَ تهنئةٌ تُسطَّرُ في جريدة ؟!
غِبْ يا هِلال ..
واطلَع علينا حين يبتسمُ الزمن .. وتموتُ نيرانُ الفتن ..
اطلَع علينا حين يُورِقُ في ابتسامتنا المساء ..
ويذوبُ في طرقاتنا ثلجُ الشتاء..
اطلَع علينا بالشّذى .. بالعِزِّ .. بالنصر المبين .
اطلَع علينا بالْتئامِ الشملِ بين المسلمين ..
هذا هو العيد ..
هذا هو العيدُ السعيد ..
وسواهُ ليس لنا بعيد !!
غِبْ يا هِلال ..
حتى نَرى راياتِ أمتِنَا تُرفرفُ في شَمَمْ..
فهناك عيد .. أيُّ عيد ؟
هناك .. يبتسمُ الشقيُ مع السعيد ! غِبْ يا هِلال..c..( 1 )
فيَا شَهْرَ رَمَضانَ تَرَفَّق ، دُمُوع المحبِّين تَدَفَّق ، قُلُوبُهم من أَلَمِ الفِراقِ تَشَقَّق ، عَسَى وَقفةٌ للودَاعِ تُطْفِئُ مِنْ نَارِ الشَّوقِ ما أَحْرَق ، عَسَى ساعةَ تَوبَةٍ وإقلاعٍ تَرْفُو مِنْ الصِّيامِ كُلَّ ما تَخرَّق ، عَسَى منقطعٌ عن ركب المقبولين يَلْحق ، عَسَى أسيرُ الأوزارِ يُطلَق ، عَسَى من استوجبَ النار يُعْتَق ، عسى رحمةُ المولى لها العاصي يُوفَّق .( 1 )
اللهُمَّ إنَّ هذا الشَّجنَ مما نفحَ به الخاطرُ ، وزكّاهُ الضميرُ ، وسالتْ به العبراتُ ، فهي دمعاتُ مُحِبٍّ ، وحديثُ أُنْسٍ ، وصَدقةُ قائمٍ ، ومَشاعرُ صائمٍ ، وشَهادةٌ تُؤدَّى يومَ تُكْتبُ شهادتُهم ويسألون .
لك الله يا رمضان ، وقد تصرَّمت لياليك .
اللهُمَّ يا سامعَ كلِّ نجوى ، ويا منتهى كلِّ شكوى ، يا عظيمَ المنِّ ، يا واسعَ المغفرةِ ، يا باسطَ اليدين بالرحمة ، تقبلْ مِنَّا الصيامَ والقيام . واجعلنا ممن قبلْتَهُ ورضيتَهُ ونعمت عمله فوهبت له الأجرَ والمغنم .
أسألُ اللهَ جل في علاه أنْ يغفر لنا يوم نلقاه .
اللهُمَّ إنك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا .
اللهُمَّ إنك عفوٌ كريمٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا .
اللهُمَّ اعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار .
اللهُمَّ أعز الإسلام وانصر المسلمين .
اللهُمَّ ارفع الذل والضَّيْم عن إخواننا وأخواتنا المستضعفين والمستضعفات في كل مكان .
اللهُمَّ انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان ، في فلسطين ، وفي العراق ، وأفغانستان ، والشيشان ، وفي كل مكان يذكر فيه اسمك يا رب العالمين .
اللهُمَّ احفظ علينا في بلدنا وكل بلاد المسلمين نعمة الأمن والأمان ، ونسألك الهدى والتُّقَى والعفاف والإيمان .
اللهُمَّ اجبر كَسْر قلوبنا على فراق شهرنا ، اللهُمَّ أعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ، وكل عامٍ وأنتم إلى الرحمن أقرب .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
والله أعلم .
( 1 ) روح الصيام ومعانيه ، للشيخ الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل ، من إصدارات مجلة البيان رقم ( 85 ) صـ ( 135 ) فهو بحق كتاب متميز جزى الله الشيخَ خير الجزاء . ( بتصرف وزيادة )
( 1 ) من مقدمة شيخِنا العلَّامة محمد العثيمين رحمه الله في مجالس شهر رمضان ( 85 ) بتصرف
( 1 ) شعرٌ : للشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي أكرمه الله .
( 1 ) بدموع الأحزان نودِّع شهر رمضان ، للمفرج صـ( 6 )
( 1 ) لطائف المعارف لابن رجب رحمه الله ( 375 )
( 1 ) جاء الخبرُ الصَّادقُ في ذلك من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : قال اللهُ تعالى : " كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصِّيام فإنَّهُ لي وأنا أجزي به " أخرجه البخاري : كتاب الصوم ، باب هل يقول إني صائم إذا شُتِمَ ، ( 1904 ) ومسلمٌ : كتاب الصيام ، باب فضل الصيام ، ( 1151 )
( 2 ) لطائف المعارف ( 347 )
( 1 ) بدموع الأحزان نودِّع شهر رمضان ، للمفرج صـ( 12 )
( 1 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله ( 7 / 107 )
( 2 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله ( 3 / 497 )
( 3 ) انظر في ترجمتها : سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله ( 8 / 241 )
( 4 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله ( 11 / 177 )
( 5 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله ( 8 / 378 )
( 6 ) أمَّا هذا العالم الربَّاني المجاهد فقد صُنِّفَتْ فيه تصانيف كثيرة ، من تلاميذه ومحبيه ، وحتى عصرنا هذا ، فقد جعل الله له لسان صدقٍ في الآخرين ؛ لنصرته الإسلام ومحاربته أعداء المِلَّة من الأمم الضالة والفرق الزائغة عن الحق . ومن أجمع وأحسن المصنَّفات _ والله أعلم _ : الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون . للشيخين محمد شمس وعلي العمران حفظهم الله .
( 1 ) هو العالمُ العلّامةُ المجاهدُ محمد البشير بن محمد السعدي الإبراهيمي ، من كبار علماء الجزائر ، ولد في بلدة ( سطيف ) يوم الخميس الموافق 13 / 10 / 1306هـ صاحب تصانيف رائعة ، شاعرٌ إسلاميٌّ مُبْدِعٌ ، ومن روائع شعره :
وله ملحمةٌ طويلة جداً في تاريخ الإسلام ، بلغتْ حوالي ستة وثلاثين ألف بيت ، قال عنه الشيخُ المجاهد عبد الحميد بن باديس رحمه الله : ( عجبتُ لشعبٍ أنجب مثلَ الشيخِ الإبراهيمي أنَ يضِلَّ في دين ، أو يَخزى في دُنْيا ، أو يَذلَّ لاستعمارٍ ) جُمعت آثاره في خمسة مجلدات كبار ، جمعها نجله الدكتور أحد طالب الإبراهيمي وطبعت في دار الغرب ، وهي كنوز ودرر جدُّ نفيسة . تُوفِّي هذا العالمُ المجاهدُ وهو في الإقامة الجبرية في منزله يوم 20 / 5 / 1965 م فرحمة الله عليه .
انظر : من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة ، للعقيل ( 83 ) .
( 2 ) هو العلَّامةُ الأديبُ المجاهدُ سَيِّد قُطب رحمه الله الشخصيةُ العجيبةُ الفريدةُ ، والمفَكِّرُ الرائدُ ، والداعيةُ المجاهد ، الإمامُ الشهيدُ كما يقول عنه شيخُنا العلَّامة الدكتور صلاح الخالدي _ حفظه الله _ ولد سيد في ( موشة ) إحدى قرى محافظة أسيوط في 9 / 10 / 1906م وأُعْدِمَ ونال الشهادةَ في يوم الإثنين 29 / 8 / 1966م فرحمه الله رحمةً واسعة .
وانظر في أَرْوَعِ رسالةٍ كُتِبَتْ عنه في رِسَالةٍِ عِلْمِيَّةٍٍ سَطَّرَتْها يَراعُ شيخِنا العلاَّمة المفَسِّر الدُّكتور صلاح الخالدي حفظه الله ، والموسومة بـ: ( سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ) فحتماً ولا ريب ستَحْظَى بنفائس كثيرة جداً ، فانظرها .
( 1 ) هو الشيخُ العالمُ المجاهدُ الدكتور مصطفى السباعي من مواليد حمص في سوريا عام 1915م له مُؤَلَّفاتٌ كثيرة ، ومِنْ أشهرها : السنَّة ومكانتها في التشريع ، وهكذا علَّمتني الحياة ، والسيرةُ النبويَّةُ دروسٌ وعِبرْ ، والقلائدُ من فرائدِ الفوائد . وغيرها
قال عنه الشيخُ محمد أبو زهرة رحمه الله : ( إنني لم أرَ في بلاد الشام أعلى من السباعي همةً ، وأعظمَ نفساً ، وأشدَّ منه على الإسلام والمسلمين حُرقةً وألماً ) تُوفَّي رحمه الله في يوم السبت الموافق 3 / 10 / 1964م بعد عناءٍ وألمٍ بمرضه الذي استمر ثماني سنوات فضربَ أَرْوَعَ آياتِ الصَّبرِ على البلاء . كَتب عنه الأستاذُ حُسني جرَّار كتاباً قيماً : ( مصطفى السباعي قائدُ جيلٍ ورائدُ أمةٍ ) .
انظر : من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية ، للعقيل ( 537 ) .
( 2 ) هو الشاعرُ الإسلاميُّ الكبيرُ المعروفُ محمد إقبال ، ولد في سَيالكوت في البنجاب عام 1873م وهي مدينةٌ خرَّجت علماءَ ومحدثين كِبَار ، كان سبب توبته أنَّ شارباً للخمر نصرانياً شَتم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يشرب معه ! فغضب جداً ، فقام وضربه على وجهه وقال له : ( نحن نشرب نعم ، ولكن أن تشتم نَبِيَّنَا فلا وألف لا ) فما شَرِبَ بعدها أبداً وتاب الله عليه ، وحمل همَّ الإسلام في روحه ، وكان أوَّلَ من نَادَى بضرورة انفصال المسلمين عن الهندوس ، تُوفِّي الدكتور محمد إقبال سنة 1938م ودفن في لاَهَور . انظر : الفكر الإسلامي الحديث للدكتور محمد البهي ( 333 )
( 3 ) هو الشيخُ العلَّامةُ المجاهدُ قامعُ الفِرَقِ الضَّالةِ إحسان إلهي ظهير ، ولد في سَيالكوت من مدن باكستان سنة 1945م ألَّف وصنَّف كثيراً في مقارعة الفِرَقِ الضَّالة ، كان قويَّ الحُجَّة ، صحيحَ الاستدلال ، موفقاً في عِلْمِهِ وهمته للإسلام . جُهوده عظيمةٌ ومشكورةٌ في الرَدِّ على الرافضةِ ، والصُّوفيَّةِ المنحرفةِ ، والإسماعيليَّةِ الباطنيةِ ، والقَادْيَانِيَّة ، والبَهَائِيَّة ، والبَرْيَلَويَّة ، والبَابِيَّة . فنفع الله بها ، واهتدى بسببها خلق لا يُحْصون كثرة ، وانظر في التَّعريفِ بهذهِ الفِرَقِ : ( الموسوعة الميسرة ) =
= قال عنه شيخُ شيوخِنا الإمامُ عبد العزيز بن باز رحمه الله : ( صاحبُ الفضيلةِ الشيخُ إحسان إلهي ظهير رحمه الله معروفٌ لدينا ، وهو حَسَنُ العقيدةِ ، وقد قرأتُ بعضَ كتُبِهِ فسرَّني ما تَضَمَّنَتْهُ من النُّصْحِ للهِ ولعبادِهِ ، والرّدِّ على خُصُومِ الإسلام )
تُوفِّي هذا العالمُ المجاهدُ في يوم الإثنين الأول من شعبان سنة 1987م بعد انفجارٍ دُبِّر له في محاضرةٍ له عن السيرة النبوية ، فنُقِلَ من لاَهَور إلى الرياض بطلبٍ من سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله للعلاج . ولقد كَتب عن جهودهِ وآثارهِ الشيخُ محمد إبراهيم الشيباني في رسالته : ( إحسان إلهي ظهير الجهاد والعلم من الحياة إلى الممات ) . ثُمَّ طُبعتْ رسالةٌ علميةٌ عن حياةِ الشيخِ إحسانِ فجاءت حافلةً شاملةً عَطِرةً نال بها الدكتور علي بن موسى الزهراني درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز بعنوان : ( الشيخُ إحسان إلهي ظهير منهجه وجهوده في تقرير العقيدة والردِّ على الفرق المخالفة ) فجزاه الله خيراً.
( 1 ) هو شيخُنا العلَّامةُ الفقيهُ محمد الصالح العثيمين ، إمامُ أهلِ نجدٍ في وقته ، ولد رحمه الله في عنيزة _ القصيم يوم الجمعة في السابع والعشرين من شهر رمضان عام 1347هـ وهي مدينةٌ أنجبتْ الكثيَر من العلماءِ والدُّعاةِ ، ولا زالتْ . كان مَرجعَ النَّاس في الفتوى ، له باعٌ كبيرٌ وطويلٌ في الفقهِ ، والتفسيرِ ، والعقيدةِ ، واللغةِ ، وأصولِ الدِّين ، وعُلومِ الشريعة . فهو بحرٌ وحبرٌ .
تُوفِّي رحمه الله يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال سنة 1421هـ وعمره أربعةٌ وسبعون عاماً شَهِدْتُ جَنازته في المسجد الحرام ، فما رأيتُ أعظمَ منها ألبتَّة ، إلَّا ما كان من جَنازة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمهما الله تعالى .
تَرْجَم لشيخِنا الكثير ، وكُتبت عنه مُؤلَّفات ، وتناول طلبةُ الدِّراساتِ العُليَا جوانبَ من حياتِهِ وعِلْمِِهِ لتكونَ مشروع رسائلهم ، فالفقهيَّة ، والعَقَدية ، والُّلغوية ، والتفسيريَّة ، والتَّربويَّة ، والدعويَّة ، وممَّا كُتِبَ عنه ، ما كَتبه تلميذُهُ شيخي وأستاذِي وليد الحسين رئيس تحرير مجلة الحكمة العلمية = = فكتبَ عنه ترجمةً يسيرةً في المجلد الثاني من أعدادِ المجلَّةِ ، ثُمَّ أفرد له بالتصنيفِ والترجمةِ مجلداً خاصَّاً به من ضمن إصدارات المجلةِ وهو الإصدار التاسع . ووسمه بـ: ( الجامع في سيرة الشيخ محمد العثيمين وحياته العلمية والعملية ) ، وكتبَ عنه أيضاً أحدُ تلاميذِهِ وهو عصام المرَّي في كتابه الماتع ( الدُّر الثمين في ترجمة فقيه الأمة العلامة ابن عثيمين ) . رحمه الله تعالى .
( 1 ) لطائف المعارف ( 387 )
( 1 ) أخرجه الترمذي : كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ، باب ومن سورة المؤمنون ، ( 3175 ) . وابن ماجه : كتاب الزهد ، باب التوقي على العمل ، ( 4198 )
وأحمد في مسنده ( 24735 ) والحاكم في مستدركه ( 2 / 427 ) عن عائشة رضي الله عنها ، وهو صحيح .
( 2 ) تفسير ابن جرير الطبري ( 18 / 32 )
( 3 ) لله دَرُّه : قال ابن منظور في اللسان ( 4 / 279 ) : قال " ابن الأَعرابـي : الدَّرُّ : العملُ من خيرٍ أَو شَرٍّ . ومنه قولهم : للَّه دَرُّكَ ، يكون مَدْحاً ويكون ذَمّاً ، وقالوا : دَرُّكَ أَي عملك ، يقال هذا لـمن يمُدح ويُتعجب من عملِهِ ؛ فإِذا ذُمَّ عَملُهُ قـيل: لا دَرَّ دَرُّهُ ، أَيْ : لا كثر خَيرُهُ .
قال ابنُ سِيْدَه : وأَصْلُهُ أَنَّ رجلاً رأَى آخر يحلب إِبلاً فتعجب من كَثْرَةِ لبَنها فقال : دَرُّك ! "
( 1 ) لطائف المعارف ( 377 )
( 2 ) الزهد لابن المبارك رحمه الله ( 95 )
( 3 ) لطائف المعارف ( 376 )
( 1 ) لطائف المعارف ( 376 )
( 2 ) المصدر السابق ( 387 )
( 1 ) إلا من ثلاث كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " من صَدقةٍ جارية ، أو عِلمٍ ينتفع به ، أوْ ولدٍ صالحٍ يَدْعو له " رواه مسلمٌ : كتاب الوصية ، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته ، ( 1631 )
( 2 ) الزهد لابن المبارك ( 7 )
( 3 ) الفوائد لابن قيم الجوزية رحمه الله ( 49 )
( 1 ) لطائف المعارف ( 452 )
( 2 ) سباق نحو الجنان ، خالد أبو شادي ( 28 )
( 1 ) أخرجه البخاري : كتاب الطب ، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو ،
( 5705 ) عن عمران بن حصين رضي الله عنه
( 2 ) حادي الأرواح لابن قيم الجوزيَّة رحمه الله ( 79 )
( 1 ) أخرجه الترمذي : كتاب فضائل القرآن عن رسول الله ، باب ما جاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر ، ( 2914 ) وقال أبو عيسى : هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح .
وأبو داود : كتاب الصلاة ، باب استحباب الترتيل في القراءة ، ( 1464 ) وأحمد في المسند
( 6760 ) وصَحَّحَهُ الشيخ ناصر الدين في صحيح الجامع برقم ( 8122 ) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .
( 2 ) أخرجه البخاري : كتاب الأذان ، باب الاستهام في الأذان ، ( 615 ) ، ومسلم : كتاب الصلاة : باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول فيها ، ( 437 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه .
( 1 ) أخرجه مسلم : كتاب الزكاة ، باب من جمع الصدقة وأعمال البر ، ( 1028 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه
( 2 ) سباق نحو الجنان ( 13 )
( 3 ) المصر السابق ( 13 )
( 1 ) إحياء علوم الدين ( 4 / 436 ) عن سباق نحو الجنان ( 15 )
( 1 ) مدارج السالكين ( 1 / 331 )
( 2 ) أخرجه مالك في الموطَّأ : كتاب الجنائز ، باب النهي عن البكاء على الميت ، ( 522 )
وأحمد في المسند ( 23241 ) وأبو داود : كتاب الجنائز ، باب في فضل من مات في الطاعون ، (3111 ) والنسائي : كتاب الجنائز ، باب النهي عن البكاء على الميت ، ( 1846 ) عن جابر بن عتيك رضي الله عنه ، وصحَّحهُ الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم ( 1791 )
( 1 ) أخرجه البخاري : كتاب المغازي ، باب نزول النبي الحجر ، ( 4423 ) عن أنس رضي الله عنه ، ومسلم : كتاب الإمارة ، باب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر ، ( 1911 ) عن جابر رضي الله عنه .
( 1 ) روح الصيام ومعانيه ، للشيخ الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل ، من إصدارات مجلة البيان رقم ( 85 ) صـ ( 135 ) فهو بحق كتاب متميز جزى الله الشيخَ خير الجزاء . ( بتصرف وزيادة )
( 2 ) أخرجه النسائي : كتاب الصيام ، باب ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب ، ( 2230 ) وابن ماجه : كتاب الصيام، باب ما جاء في فضل الصيام ، ( 1639 ) وأحمد في المسند (15839 ) عن عثمان بن العاص رضي الله عنهوصحَّحهُ الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( 3879).
( 1 ) أخرجه مسلم : كتاب الصيام ، باب استحباب صيام ستة أيام من شوال اتِّبـاعاً لرمضان ،
( 1164 ) عن أبي أيوب رضي الله عنه
( 2 ) أخرجه البخاري : كتاب الجمعة ، باب فضل العمل في أيام التشريق ، ( 969 ) مختصراً ، وتمامه عند الترمذي : كتاب الصوم عن رسول الله ، باب ما جاء في العمل في أيام العشر ، ( 757 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما .
( 3 ) أخرجه مسلم : كتاب الصيام ، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة ، ( 1162 ) عن أبي قتادة رضي الله عنه
( 4 ) أخرجه مسلم : كتاب الصيام ، باب فضل صوم المحرم ، ( 1163 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه
( 1 ) أخرجه البخاري : كتاب الجمعة ، باب صلاة الجمعة في الحضر ، ( 1178 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه وهي الأيام الثلاثة البيض ، وهي ( 13 ، 14 ، 15 )
( 2 ) أخرجه الترمذي : كتاب الصوم عن رسول الله ، باب ما جاء في صوم الاثنين والخميس ،
( 745 ) وقال حسنٌ غريب من هذا الوجه ، والنسائي : كتاب الصيام ، باب صوم النبي وذكر اختلاف الناقلين ، ( 2360 ) وابن ماجه : كتاب الصيام ، باب صيام الاثنين والخميس ( 1739 ) وأحمد في المسند ( 23987 ) عن عائشة رضي الله عنها ، وصحَّحَهُ ابن حجر في الفتح (4/ 236 ) وفي التلخيص الخبير ( 2 / 214 ) والألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( 4897 ) .
( 3 ) أخرجه الحاكم في المستدرك ( 4 / 360 ) وصححَّه ، وفيه بُعْد . والطبراني في الأوسط ( 4 / 306 ) والبيهقي في الشعب ( 7 / 349 ) عن سهل بن سعد رضي الله عنه، وحسنَّه العراقي رحمه الله كما في كشف الخفاء ( 2 / 70 ) وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( 73 ) ، وانظر : السلسلة الصحيحة ( 4 / برقم 1904 )
( 1 ) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( 1 / 143 )
( 1 ) مدارج السالكين ( 3 /17 ) وقال ابنُ تيميَّة رحمه الله : " المطلوبُ من القرآنِ : فَهْمُ معانيِهِ والعَملُ بهِ ، فإنْ لَمْ تكنْ هذهِ همَّة حافظِهِ لَمْ يكنْ منْ أهلِ العِلْمِ والدِّين " المجموع ( 23 / 54 )
( 1 ) سبق تخريجه صـ ( 24 )
فائدة : ينبغي للمسلم _ والمسلمة _ أن يكون له مع كتاب ربِّه ثلاث وقفات :
الأولى : كثرة تلاوته وختمه ، مع إقامة حروفه وأحكام تلاوته .
الثانية : تَدَبُّرِه والتفكَّر في معانيه ، والنظر في أحكامه ومدارسته .
الثالثة : العمل به ، والتخلُّق بأوامره ، واجتناب نواهيه .
ومن أروع الكتب في هذا الباب كتابان : ( قواعد التدبُّر الأمثل لكتاب الله عز وجل ) للشيخ عبد الرحمن الميداني رحمه الله ، وكذا كتاب ( تدبُّر القرآن الكريم ) للشيخ سليمان السنيدي حفظه الله ، من إصدارات المنتدى الإسلامي .
( 1 ) مفتاح دار السعادة ( 1 / 553 ) بتصرف
( 1 ) أخرجه البخاري : كتب الصوم ، باب فضل الصوم ، ( 1894 ) عن أبي هريرةرضي الله عنه
( 2 ) رواه أحمد في المسند ( 6696 ) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما . وهو صحيح .
( 3 ) أخرجه البخاري : كتاب تفسير القرآن ، باب وتقطعوا أرحامكم ، ( 4832 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه
( 1 ) أخرجه البخاري : كتاب الدَّعوات ، باب أفضل الاستغفار ، ( 6303 ) عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه
( 1 ) شعرٌ : للشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي أكرمه الله
( 1 ) لطائف المعارف ( 388 )
( 2 )المصدر السابق ( 323 )
الحمدُ لله الذي يغفرُ الزللَ ويصفح ، ويَمْحُو الخطأَ ويَسْمح ، كلُّ من لاَذَ به أفلح ، وكلُّ من عَامَلَهُ يَرْبح ، رفعَ السماءَ بغيرِ عمدٍ فتأمَّلْ والْمح ، وأنزلَ القَطْر فإذا الزَّرْعُ في الماءِ يَسْبح ، أَغْنَى وأَفْقَرْ وربَّما كان الفقرُ أَصْلح .
هذا قارون ! مَلَكَ الكثيرَ لكنَّهُ بالقَليلِ لَمْ يَسْمح ، نُبَّهَ فَلَمْ يَستيْقِظ ، ولِيْمَ فلَمْ ينفعْهُ الَّلومْ إذْ قالَ له قَومُهُ لا تَفْرح .
وأَشْهدُ أنَّ لا إِلَه إلَّا الله مَنَّ بالعَطاءِ الوَاسِعِ وأَفْسحَ ، وأَشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أَبَان الدِّينَ وأَوْضحَ .
صَلَّى اللهُ عَليْه ، وعَلى صَحَابَتِه ..
أبي بكرٍ الذي لازَمَه حَضَراً وسفراً ولَمْ يَبْرَح .
وعَلى عمرَ الذي لَمْ يَزلْ في إِعْزازِ الدِّين يَكْدح .
وعَلى عثمانَ الذي أَنْفقَ الكثيرَ وأَصْلَح .
وعَلى عليٍّ وأَبْرأُ مِمَّنْ يَغلُو فيهِ أوْ يَقْدح .
وعلى صَحابَتِهِ الكرام ما أَمْسَى النَّهارُ وما أَصْبحْ .( 1 ) أمَّا بعد ..
بين يَدَيْ الوداع :
أقبلتَ يا عيدُ والأحزانُ أحزانُ وفي ضميرِ القَوافي ثَار بُركانُ
أقبلتَ يا عيدُ والظَّلماءُ كاشفةٌ عن رأسِهَا وفؤادُ البدرِ حَيرانُ
من أين نفرحُ يا عيدَ الجراحِ وفي قلوبنا من صُنُوف الـهمِّ ألوانُ
من أين نفرحُ والأحداثُ عاصفةٌ وللـدُّمى مُقَلٌ تـرْنُو وآذانُ
من أين والمسجدُ الأقصى مُحَطمةٌ آمالهُ وفـؤادُ القُدسِ وَلْـهَانُ
من أين نفرحُ يا عيدَ الجراحِ وفي دُروبنا جُـدُرٌ قامتْ وكُثْبانُ
من أين والأمـةُ الـغرَّاءُ نائمةٌ على سَريرِ الهوى والليلُ نَشْوانُ
من أينَ والذُّلُ يَبْنِي أَلْفَ مُنْتَجَعٍ في أرضِ عِزّتِنا والربحُ خُسْرانُ
من أين نفرحُ والأحبابُ ما اقتربوا مِنَّا ولا أَصْبَحوا فينا كما كانوا( 1 )
دارَ الزمانُ دَورته .. وتصرَّمت الأيامُ تِلْوَ الأيام .. وهَا هُو شهُرنا رحل .. وأَفَلَ نجمُهُ بعد أنْ سَطَعْ.
فجَبَرَ اللهُ مُصِيبَتَنا في رمضان .
القلبُ يمتلئ لوعةً وأَسَى ، والعينُ تُسطِّر بمدَادِها لحنَ الخلود .
واليدُ تَأْبَى أنْ تكتُب ؟ وما عساها أنْ تكتب ؟
أتكتبُ حالَ الرحيل ؟!
أتقيِّدُ مَوْقِفَ الوداع ؟!
أَتَنْقشُ ألَمَ الفراق ؟!
أحقاً انقضى رمضان ..!
أَذَهبَ ظَمَؤُ الصِّيامِ وانطفأَ نورُ القيام ..!
يا وَلَهِي عليه ..
أَذَهَبَ رمضانُ وغابَ هلالُهُ ..؟
هل قُوِّضتْ خِيامُه ..وتقطَّعتْ أوتادُه .. ؟
أيُّ حال للمؤمنِ والمؤمنةِ بَعْدَ رَحِيْلِ رمضان ..؟
يا راحـلاً وجمـيلُ الصَّبْرِ يَتْبعُهُ هلْ مِنْ سَبيلٍ إلى لُقْيَاكَ يَتَّفِقُ
ما أَنْصَفتْكَ دُمُوعِي وهي دَامِيةٌ ولا وَفَى لكَ قَلْبي وهو يَحْتَرقُ( 1 )
مَنْ الذي لا تُؤلِم نفسَهُ لحظاتُ الفراق ؟
من مِنَّا لا تَجْرحُ مشاعرَهُ ساعاتُ الغياب ؟
بالأمسِ القريب ، بَارَك بعضُنا لبعْضٍ استقبالَ رمضان ، فَسُكِبَتْ العبراتُ فرحاً واستبشاراً به ، وطرِبَتْ القُلُوب ، وشُنِّفَت الأسماع بصدى تراويحه .
واليوم .. له لونٌ غريبٌ من الدُّموع !
فانهملتْ على الخدود .. وجادَتْ بأغلى ما لديها ..
يا عيوناً أرسلتْ أدْمُـعَـها ما بِذا بأسٌ لو أَرْسَلْتِ الدّمَـا
رمضانُ .. شاهدٌ لنا أو علينا مما أَوْدَعْنَاهُ من الأعمال ..
فَمْن أودعه صالحاً فلْيَحمدِ الله ، وليُبْشِرْ بحسن الثواب ، واللهُ لا يُضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً .
ومَنْ أَوْدَعَهُ سَيِّئاً فليَسْكُبِ الدَّمعَ الغزير ، وليأتِ ما بقي من القليل .
فكم من جاء بالقليل وتُوِّجَ بالقَبول ! وكمْ منْ جاء بالكثيرِ فَمُنِيَ بالحرمان .
غداً تـوفَّى النفـوسُ ما كسبت ويحصدُ الزارعونَ ما زرعوا
إنْ أَحْسَنوا فقد أَحْسَنوا لأنفُسِهِم وإنْ أساؤُوا فبِئْسَ ما صنعوا( 1 )
أيُّ شهرٍ كان رمضان ..؟
شهرٌ عظَّمه اللهُ وكرَّمه ، فشرَّف صُوَّامه وقوَّامه ، مَنَحَهُمْ من الأجورِ ما ليس لغيرِهِ من الشُّهُور ، فجعل أجرَ صائميه متجاوزاً العشرةَ أضعاف ، بلْ والسبعمئةِ ضعف مما لا يُحدُّ ولا يُعدّ ، كلُّ ذلك لأنَّ الصيامَ له وهو سبحانه الذي يَجزي به( 1 ) ، وكفى بهذا شَرَفاً وفَخْراً للمؤمن .
أيُّ شهرٍ كان رمضان ..؟
وفيه يُمنحُ المؤمنُ أكرمَ ما يحمله بين جَنَباتِ صَدْرِهِ
وأعظمَ ما يفتخرُ به في قلبِهِ هي عمادُ العملِ .
وميزانُ الكَرَمِ :
فكُلَّمَا تَرقّى المرءُ في مَدارجِ الشَّرفِ بالصُّعودِ في مَعارجِ التَّقوى ، زادتْ أجورُ أَعْمالِهِ الصَّالحة : وهل رمضانُ إلا تعبُّدٌ بالصبر ؟!
إذا المرءُ لَمْ يَلبسْ ثِياباً من التُّقَى تقلَّبَ عُرْياناً وإنْ كان كَاسِيا( 2 )
وهو مِضْمَارٌ واسعٌ للتَّنافُسِ في الخيراتِ ، تَنَوَّعتْ فيه الطَّاعات ، فيه سِرٌّ بين الطَّائِعينَ وبينَ رَبِهِم في أيَّامِهِ المعدودات ، والمُحِبُّونَ يَغارُونَ من اطَّلاعِ الأَغْيَارِ على الأَسْرَار .
لا تُذِعِ السِّرَّ المصونَ فإنَّني أغارُ على ذِكْرِ الأحبةِ مِنْ صَحْبِي
أيُّ شهرٍ كان رمضان ..؟
كان موسماً لمضاعفة الأعمالِ والغُفْران ، ومُنَبِّهاً لذوي الغَفَلاتِ والنِّسْيَان ، محفوفاً بفضيلةِ تلاوةِ القرآن ، حين فيوضات الجودِ والكَرمِ من المنَّان .
شهرُ رمضان ..
نهارُهُ مصونٌ بالصيام ، وليلُهُ معمورٌ بالقيام ، هبَّت فيه رياحُ الأنسِ بالله ، وجَادَتْ الأنفسُ بما عندها نحو الله .
لكَ الله يا شهراً أفاءتْ بِظِلِّهِ قلوبٌ على حَقل الخطيئَاتِ تُزهِرُ
ألا أيُّهذا الشهرُ أغدِق فَضَائلاً على كُلِّ مسْكينٍ على العَدمِ يُفْطِرُ
فقُولُوا لي بِرَبِّكُمْ :
كيفَ لا تَفيضُ دُموعُ المؤمنِ على رَحيلِ رمضان ، ولا يَدري أيدركُ تلكَ الفضائلَ والمزايا مِنْ عَامٍِ ثَان ؟
كيف لا تَجْري دموعُ المُخْبتةِ على فراقِ رمضان ، ولا تَعْلم أَحَظِيَتْ بالقَبولِ والغُفْران ، أَمْ رُمِيَتْ بالطَّردِ والحِرْمَان ؟
دَعِ البكاءَ على الأطْـلالِ والدَّارِ واذكُرْ لمنْ بَانَ من خِلٍّ ومِنْ جَـارِ
أَذْرِ الدُّموعَ نحيباً وابْكِ من أسفٍ على فِـرَاقِ لَـيالٍ ذاتِ أَنْــوارِ
على لَيالٍ لشهرِ الصَّومِ ما جُعِلَتْ إلا لِتَـمْـحِيـصِ آثــامٍ وأَوْزارِ
يا لائِمِي في البُكَا زِدْنِي به كَلَـفَاً واسمعْ غريبَ أحاديثٍ وأَخْبارِ( 1 )
أيُّ شهر كان رمضان .. وفيه ليلةُ القَدْر ؟ لك اللهُ يَا رَمَضَان .
يا أيُّها الشهرُ الذي فِيكَ أَشْهرٌ ويا أيُّها الدَّهرُ الذي فيك أَدْهُرُ
رَحلَ رمضانُ وانقضى ، فما حالُنا مع هذا الرَّحيل ؟
ألا نَأْتَسِي بِعِلْيَةِ القومِ كيفَ يكونُ حالهم ؟
ألا نَتفكَّرُ حالَ وداعِ المحبِّين ؟
أَنَعْرفُ كيف يُوَدِّعُ أبو بكرٍ ، وعمرُ ، وعثمانُ ، وطَلْحةُ ، والزبيرُ ، وأبو عُبَيْدةَ _ رضوان الله عليهم _ رمضان ؟
أَخَطرَ في خُلْدِنا شَأْنُ الإمامِ الأوزاعيِّ( 1 )، وصِلَةِ بن أَشْيَم( 2 )، ورَابعةِ العَدويَّة ( 3 )، والإمامِ أحمد( 4 )، وابنِ المبارك ( 5 )، وشيخِ الإسلام ابن تيميَّة( 6 )_ رحمهم الله _ في وَدَاعِهِم لرَمَضان ؟
ألا نتوقَّف لِنَنْظُرَ و نتَّعِظُ كيفَ يَعْملُ بشيرُ الجزائرِ ( 1 )؟
وقُطْبُ مصر ( 2 )؟
وسباعيُّ الشام( 1 ) ؟ وإقبالُ بنجاب( 2 ) ؟ وظهيرُ باكستان ( 3 )؟
وعُثَيْمِينُ نجد( 1 ) في رَحيلِ رَمَضَان ؟
أولئكَ آبائِي فجئني بمثلِهُم إذا جمعتْنا يا جريرُ المجامعُ
فيالله .. ما أروعَ الخطبَ وما أجلّ الموقفَ ! وما أحسنَ تلكَ الدموع وهي تقفُ تُوَدِّعُ الضيفَ الحبيبَ وقد سالتْ على الخدودِ ! وما أطربَ شجي الآهاتِ لوداعِهِ !
يالله .. كمْ أناسٍ صَلُّوا في هذا الشهر التراويح ، وأَوْقَدوا في المساجدِ طََلَباً للأجر المصابيح ، نَسَخَوا بإحسانِهم كلَّ فعلٍ قبيح ، وقبلَ التَّمام سَكَنَوا الضريح .
وهانحنُ اليومَ أَوْشَكْنا على التمام ، فكيف وَداعُ المحبِّين ؟ وما أمرُ المخْبِتِيْن ؟
تفيضُ عيوني بالدُّمُوعِ السَّواكِبِِ وماليَ لا أَبْكِي على خَيْرِ ذَاهبِ
كيف سيكونُ حالُنا ؟ وما مصيرُ العمل ؟ أَيُقْبَلُ أَمْ يُرَدُّ ويُطْرَح ؟
تَذكـرْتُ أيـاماً مضتْ ولياليا خَلَتْ فَجَرتْ من ذِكرهنَّ دموعُ
أَلا هلْ لها يوماً من الدَّهر عَوْدةٌ وهلْ لي إلى وقتِ الوِصَال رُجوعُ
فما حالُ السَّلفِ في وَدَاعِ رَمَضَان ؟
وكيف يكونُ الجيلُ القُرآنيُّ الفريدٌ في إِشْفَاقِهِم في قَبولِ العَملِ بَعدَ رَحيلِ رَمَضَان ؟
فعن عائشة رضي الله عنها ، قلتُ : يا رسولَ اللهِ ، قولُ اللهِ تعالى : والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون {[ سور المؤمنون : 60 ]
أَهُمْ الذين يَشربونَ الخمرَ ويَسرقونَ ويَزنونَ ؟ قال : لا يا ابنةَ الصديق ! ولكنَّهم الذين يَصومونَ ، ويُصلُّونَ ، ويَتصدَّقُونَ ، وهم يخافون ألا يُقْبَلَ منهم ، أؤلئك الذين يُسارعونَ في الخيْرَات ! ".( 1 )
قال الحسنُ رحمه الله : عَمِلُوا واللهِ بالطَّاعاتِ واجتَهدُوا فيها وخافوا أنْ تُرَدَّ عليهم ، إنَّ المؤمنَ جمع إحساناً وخشية ، وإنَّ المنافقَ جمع إساءة وأمناً.( 2 )
آيةٌ عظيمة أرَّقَتْ قلوبَ الخائفين وقَصَمَتْ ظهورَ الصالحين ، فلله دَرُّهُمْ( 3 )
رُوِيَ عن علي رضي الله عنه: أنَّه كان ينادي في آخرِ ليلةٍ من رمضان : ياليتَ شعري ! من المقبولُ فنهنَّيه ؟ ومن المحرومُ فنعزَّيه ؟
وذا ابنُ مسعودِ رضي الله عنهيقول : أيها المقبولُ هنيئاً لك ، ويا أيها المردودُ جَبَرَ اللهُ مصيبتَك !( 1 )
وهذا عامرُ بن قيس رحمه الله : يبكى ! فقيل له ما يبكيك ؟
فقال : والله ما أبكي حرصاً على الدنيا أو متاع ، أبكي على ذهابِ ظَمَأِ الهواجر ، وعلى قيام ليالي الشتاء !( 2 )
وتأمَّلْ حالَ العالمِ الورعِ الزاهد ، عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله ، حين خرج يوم الفطر ليخطب فقال : أيُّها الناس .. صُمتمْ للهِ ثلاثينَ يوماً ، وقُمتمْ ثلاثينَ ليلةً ، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أنْ يَتَقبَّلَ منكم ما كان ! وكان بعضُ السلفِ يَظْهَرُ عليه الحزنُ يومَ عيدِ الفطرِ ، فيُقَالَ له : إنَّه يومُ فرحٍ وسرور ، فيقول : صَدَقْتُمْ ؛ ولكني عبدٌ أمرني مولاي أنْ أعملَ لَهُ عملاً ، فلا أَدْرِي أَيْقبَلُهُ مِنِّي أَمْ لا ؟( 3 )
قال ابنُ رجب رحمه الله : ولقد كان السلفُ رحمهم الله يَدْعُون الله ستةَ أشهرٍ أنْ يُبلّغهم شهرَ رمضان ، ثم يَدْعُون الله ستةَ أشهرٍ أنْ يَتقبَّله منهم .
وقال عبد العزيز بن رَوَّاد رحمه الله : أدركتُهُم _ الصَّحابَة _ يجتهدون في العملِ الصالح ، فإذا فعلوه وقعَ عليهم الهمُّ أيقبلُ منهم أو لا ؟
وقال الحسنُ رحمه الله : إنَّ اللهَ جعلَ شهرَ رمضانَ مضماراً لخلقه يَسْتبِقُون فيه بطَاعَتِهِ إلى مَرْضَاتِهِ ، فَسَبَقَ قومٌ فَفَازُوا ، وتَخَلَّفَ آخرونَ فَخَابُوا ، فالعجبُ من الَّلاعِبِ الضَّاحِكِ في اليَومِ الذي يَفُوزُ فيه المُحْسِنُون ، ويَخْسَرُ فيهِ المُبْطِلُون . ثُمَّ يَبْكي رحمه الله .( 1 )
اسمـعْ أنينَ العاشقين إنِ استطعتَ له سَماعا
راحَ الحبيبُ فَشَيَّعَـتْهُ مَـدامعي تَهْمِي سِراعا
لو كُلِّف الجبلُ الأصمُّ فِراقَ إِلْفٍ ما استطاعا( 2 )
فبالله عليكم .. أَرَأَيْتُمْ صُورةً أحلى من صُورةِ المحبِّين في الوَدَاعِ كهَذِهِ ؟
أَقَرأْتُمْ عن رَوعةِ الحنين للقاء ؟
إنهَّم القومُ فَقِهُوا عَن اللهِ وَوَعوْا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حازوا قصَبَ السَّبْقِ في كلِّ شيء ، واسْتَولوا على معالي الأمورِ ، فهم مَشعلٌ من مَشاعِل العِلمِ والإيمانِ والهدى ، فالسعيدُ من اتَّبعَ طريقهم ، واقتفى أثرَهُمْ ، والشقيُّ من عدَلَ عن طريقِهِم ولَمْ يَبلغْ مَنْهَجَهُم ، " فأيُّ خِطَّةِ رُشْدٍ لم يَسْتَولُوا عليها ، وأيُّ خِصْلةِ خيرٍ لَمْ يَسْبِقُوا إليها ، تالله ؛ لقد ورَدُوا يَنْبوعَ الحياةِ عَذْباً صَافياً زُلَالَا ، فوطّدوا قواعدَ الدِّينِ فلمْ يَدَعُوا لأحدٍ بَعْدَهُم مَقَالا "
فكان ما أنتَ سامعٌ ولا عَجَبْ !
قَومٌ عندهم لذةُ العبوديِّةِ فوقَ كلِّ لذةٍ !
قَومٌ وطَّنوا أَنْفُسَهُم على اكتسابِ الذِّخرِ البَاقي والتجارة الرابحة .
فأين أنتَ من تلك المناقبِ الزَّاهية ، و المراتب العالية ؟
ترحَّلت يا شهرَ الصيامِ بصومِنا وقـدْ كنتَ أنواراً بكلِّ مكانِ
لئنْ فَنِيَتْ أيامُك الزُّهرُ بَغتـةً فما الحزنُ مِنْ قلبي عليك بِفَانِ
عليكَ سلامُ الله كن شاهداً لنا بخـيرٍ رعاكَ الله مِنْ رمـضانِ
لئِنْ رحلَ رمضانُ ، فإنَّ العملَ لنْ يرحل يا صاحِ.
لئِنْ انقضى رمضانُ فالسيرُ نحو الله لن ينقضي يا أُخَيَّتي .
فيا أُخَيَّ .. بَادِرْ ، وسَابِقْ ، ونَافِسْ في الخَيْرَات .
فالعمل لا يتوقف إلا بانقطاع الأجل ، و إذا ماتَ ابنُ آدم انقطعَ العمل( 1 ) فابْقِ لكَ أَثَراً صَالِحَاً قَبْلَ الرَّحِيْل .
قال الحسنُ البصريُ رحمه الله : أيْ قوم ، المداومَةَ المداومة ، فإنَّ اللهَ لَمْ يجعلْ لعملِ المؤمنِ أَجَلاً دُونَ الموت .( 2 )
فيا رعاك الله .." اشترِ نفسَكَ اليوم . فإنَّ السوقَ قائمةٌ ، والثمنَ موجودٌ ، والبضائعَ رخيصةٌ ، وسيأتي على السوقِ والبضائعِ يومٌ لا تصلُ فيه إلى قليلٍ ولا إلى كثير " ( 3 )، فهؤلاء القوم لم يكونوا شَعْبَانِيِّين ، أو رمضانيِّين !
لا وربي ، بل ربَّانِيُّون .. وما أَدْرَاكَ ما الرَّبانِيَّة ؟
فهذه الأعوامُ والشُّهورُ ، وتلكَ الليالي كلُّها مقاديرُ الآجال ، ومواقيتُ الأعمالِ ، ثُمَّ تَنْقَضِي سَرِيْعاً ، وتَمْضِي بَعِيْداً ، والذي أَوْجَدَها وخَلَقَها وخَصَّها بالفَضَائِلِ باقٍ لا يَزُول ، ودَائمٌ لا يَحُوْل ، إلهٌ وَاحِد ، ولأَعْمَالِ عبادِهِ مُراقبٌ مُشَاهِد .( 1 )
قيل لِبِشْرِ الحَافِي رحمه الله : إنَّ قَوماً يَتعبَّدون ويجتَهِدُون في رمضان ؟ فقال : بِئْسَ القومُ قومٌ لا يَعرفُونَ للهِ حَقَّاً إلَّا في شَهْرِ رَمَضَان ، إنَّ الصَّالحَ الذي يَتَعَبَّدُ ويَجْتَهِدُ السَّنَة كلَّها .
وسُئِلَ الشِّبْلِيُّ رحمه الله : أيُّهما أفضلُ : رَجبٌ أو شَعْبَان ؟ فقال : كُنْ ربَّانِيَّاً ولا تَكُنْ شَعَبَانِيَّاً !( 2 )
وإذا كانَ ذَلِكَ كَذَلِك ، فيَنْبَغِي عليكَ أنْ تَدْخُلَ السِّبَاقَ ، ولا تَظُنَّ أنَّ العَدَدَ محدودٌ ، وأنَّه قد انتهى من عَصْرِ الصَّحابَةِ والقُرُونُ المفضَّلةِ ! فالحقيقةُ يا صاحِ أنَّ السِّباقَ فسيحُ الأرجاءِ ولَمْ يُحدِّدْهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بزمانٍ أو مكان ، بلْ
بشََّرَ بِفَوزِ بعَضِ الفَائِزِينَ ( سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَة ) ( 1 )، وتركَ المجالَ لك فَسِيْحاً ، فَهَلاَّ شَمَّرتَ عن سَاعدِ الجدِّ ؟ وأخذتَ في بلوغِ العزائمِ وتَنَافَسْتَ نحو اللهِ والدَّارِ الآخرة كما كانُوا يَفْعلُون ، وفيه يتنافسون ، فأين المُشَمِّرُون؟ أتحبُّ أنْ تُدْرك قافلةَ عُكَاشَة وتَلْحق الركب ؟
قال ابن قيِّم الجوزيَّة رحمه الله : " السَّابِقُونَ في الدُّنْيا إلى الخَيْراتِ هُمْ السَّابِقُونَ يومَ القَيامةِ إلى الجنَّات " ( 2 )
لقد حَفِلتْ أحاديثُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بنماذجَ عَدِيدَةٍ من شَحْذِ الهمم واسْتِحْثَاثِهَا في الخيراتِ والطَّاعات .
أبَلَغَك قولُهُ لقَارئ القرآن : " اقرأْ وارْتَقِ ورَتِّلْ كما كنتَ تُرَتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلَتَك عند آخرِ آيةٍِ تقرؤها "( 1 ) ؟
أَمَا عَلِمْتَ حَثَّهُ صلى الله عليه وسلم على الصفِّ الأوَّلِ حينَ قال :" لو يَعْلمُ النَّاسُ ما في النِّداءِ والصفِّ الأَوَّلِ ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَليهِ لاسْتَهَمُوا "( 2 ) ؟
أَرَأَيْتَ تَشْويقاً أروعَ منْ قَولِهِ صلى الله عليه وسلم لهم ذَاتَ غَداة : من أَصْبحَ منكم صَائِماً ؟ قال أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا ، قال : من تَبِعَ منْكُم اليومَ جَنازةً ؟ قال أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا ، قال : فمن عَاد منْكُم مَريضاً ؟ قال أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا ، فقال صلى الله عليه وسلم :
" ما اجْتَمَعْنَ في امرئٍ إلا دَخل الجنَّة "( 1 ) ؟
فَقُلْ لي بِرَبِّك ..
تُرى بأيِّ حَالٍ عادَ صَحابةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى بيوتهم بعد سَماعِ هذه البِشَارة ؟ حتماً عَادُوا بِعَزْمٍ جَديد ، وسَعْيٍ حثيث ، يَبْغُون به إدراكَ ما أَدْرَك أبو بكرٍ ، واغتنام ما اغتنم .( 2 )
كيف وهُمْ قَدْ نَذروا أَرْوَاحهُم مَهراً للجنَّة ؟! .
الله أكبر .. أرأيتَ كيف كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَبعثُ رُوحَ التَّنافسِ بين أَصْحَابِهِ ، فتَشْتَعِلُ شَرارةُ العَزْمِ ، لتَحرِقَ مَخْزونَ الكَسَلْ ، ويَبزُغَ فجرُ العمل ، فيُشْرِقَ نُورُ الأَمَل ( 3 ).
أتعْقِلُ مَعِيَ قولَ أبي مُسْلمٍ الخَوْلَانِي رحمه الله حين قال : " أَيَظُنُّ أصْحابُ محمدٍ أنْ يَسْتَأثِرُوا بِهِ دُونَنَا ؟ كَلَّا واللهِ ، لَنُـَزاحِمَنَّهُم عَليِهِ زِحَامَاً حتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهم قَدْ خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ رِجَالاً " ( 1 )؟
فما وَصِيَّتِي لَكَ إلَّا :
}إِنِ استطعتَ أَنْ لا يَسْبِقك إِلى اللَّهِ أَحَدٌ فافعَل{
فيا من رعاك الله ..
ويا أيتها العفيفة ..
إنَّما السيرُ سيرُ القلبِ نحو اللهِ ، لا سَيْر الأَبْدان .
فكمْ منْ واصلٍ ببِدنِهِ إلى البيتِ وقلْبُهُ منقطعٌ عنْ رَبِّ البيت !
وكمْ مِنْ قاعدٍ على فراشهِ في بيتِهِ وقلْبُهُ متصلٌ بالملأِ الأعلى .
يقول ابن قيِّم الجوزيَّة رحمه الله :
" إنَّ الأعمالَ لا تَتَفاضَلُ بِصُوَرِها وعَدَدِها ،وإنَّما التَّفاضُلُ بِتَفاضُلِ مَا في القُلُوبِ ، فتكونُ صُورَةُ الَعملِ واحدةً ، وبينَهُما في التَّفاضلِ كمَا بَيْن السَّماءِ والأَرْض "( 1 )
و انظروا لعبد الله بن ثابت رضي الله عنهلَمَّا ماتَ _ على فراشِهِ _ قالت ابنتُهُ : والله إنْ كنتُ لأرْجُو أنْ تكونَ شَهِيْدَاً ، فإنَّك كنتَ قد أَتْمَمْتَ جِهَازَكَ ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ أوقعَ أجرَهُ على قَدْرِ نِيَّتِه "( 2 )
فيا سبحان الله !
الشهادةُ بلَغها متسابقٌ بقلبِهِ وهو على فراشه !
وما نالهَا من فُصِل رأسُهُ عن جسدهِ في الميدان ؟
فبالله عليكم ، مَنْ الذي رَفع هذا ، ووَضَعَ ذاك ؟
إلَّا سيرُ القلبِ نحو اللهِ والدَّارِ الاخرة .
يُصَدِّقُ ذلك : " إنّ بالمدينةِ أقواماً ما سِرْتُم مَسِيراً ، ولا قطعتُم وَادِياً ، إلَّا كانوا معكُم فيه وهُمْ بالمدينةِ ، حبَسَهُمُ العذر "( 1 )
يا سَائرينَ إلى البَيْتِ العَتيقِ لَقدْ سِرْتُم جُسوماً وسِرْنَا نحنُ أَرْوَاحَا
فيا مَنْ يريدُ فِكاكَ نفسِهِ .. ويا مَنْ تَبْغِي نجاةَ نفسِها ..
رحمةُ اللهِ واسعةٌ ، وأبوابُ الخيرِ كثيرةٌ ، فإذا وجدتَ أحدَ الأبوابِ مُغْلقاً ، فقد فَتحَ لك أَبْواباً ، وإذا ضَاقتْ بك سَبِيلٌ وَسِعَتْك سُبُلٌ ، فافتحْ هذه الأبوابَ ، ووَاصِل السَّير نحو الملِكِ الوهَّاب
فما العهدُ بعدَ رمضان ( 1 ):
النِّعمُ سابغةٌ ، والرحمةُ واسعةٌ ، ولا يَنْبَغِي للمؤمنِ ولا للمؤمنةِ أنْ يُبْدِلَ بالنِّعْمَةِ نقمة ، ويَخرجَ من الغُفْران إلى العصيان ، وها قد حَان الانتهاء ، فيحسنُ بك أنْ تتحلَّى بما عهدتُكَ وأحسبُكَ كذلك ، واللهُ حسيبك :
أولاً : بمثل ما استقبلت رمضانَ من الطاعة ، وَدِّعْهُ واستقبلْ ما يتلوه من الشهور فكلُّها أيامُ الله ، فاعمُرْها بما عَمَرْتَها في رمضان .
ثانياً : حافظتَ على الصلاةِ بخشوعها وخضوعها ، ذرفتَ الدمعَ بين يدي ربك ، فهلاّ بَقِيْتَ على هذه الحالة بقيةَ عمرك وفي سائر عملك فالصلاةُ عمودُ الإسلام ، ولا حظَّ في الإسلام لمن ضَيَّع الصلاة .
ثالثاً : كان الصومُ لك جُنَّةً من أعدائك ، وحِصْناً حَصِيْناً من شياطين الإنس والجن ، ( الصيامُ جُنَّةٌ كجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنْ القِتَال )( 2 ) فهل تَأْمنْ على نفسك بقيةَ العامِ بلا حصنٍ ولا عُدة . فالصومُ باقٍ بقاءَ العام ، فَطِبْ نفساً بِمَوَاسِمِ الصِّيَام ، فدُونَك هِيْ :
* ( مَنْ صَامَ رَمَضَان ، ثُمَّ أَتْبعهُ ستاً مِنْ شَوَّالٍ كانَ كصِيَامِ الدَّهْر )( 1 )
* ( ما مِنْ أيامٍ العَملُ الصَّالحُ فيْهَا أَحَبُّ إلى اللهِ منْ هذِهِ العَشْر ( أيْ عَشْر ذِي الحِجَّة ) قالوا : ولا الجِهَادُ في سَبِيْلِ اللهِ ، قالَ : ولا الجِهَادُ في سَبِيْلِ اللهِ ، إلا رَجُلٌ خَرَجَ بَنَفْسِهِ ومَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ منْ ذَلك بِشَيءٍ )( 2 )
*( صِياَمُ يَومِ عَرَفَة أَحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ والسَّنَةَ التي بَعْدَهُ ، وصِيَامُ يومِ عَاشُورَاء أَحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَه )( 3 )
* ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمضَان شَهرُ اللهِ المحرم )( 4 )
* ( أوصاني خليلي بثلاث : صومِ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهر ... ) ( 1 )
* ( كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيامَ الاثنين والخميس ) ( 2 )
أسمعتَ هذه المواسم ؟ إِذَنْ فلا تَقْعُد عنها .
رابعاً : قمتَ رمضان إيماناً واحتساباً _ وأحسبُك كذلك _ وها قد انقضى شهرُ القيام . فلا تَقْصُر عنه سائرَ العام . فخذ بالجدِّ فيه ، ( واعلم أنَّ شرفَ المؤمنِ قيامُه بالليل )( 3 )
ذكرَ الخطيبُ البغدادي رحمه الله : " عن عاصم البَيْهَقِي قال : بتُّ ليلةً عند الإمام أحمد بن حنبل ، فجاء بماءٍ فوضعَهُ ، فلما أصبح نَظر إلى الماءِ بحاله ، فقال : سبحانَ الله ! رجلٌ يطلبُ العلمَ لا يكونُ له وِرْدٌ بالليل "( 1 )
ثُمَّ أَيْنَك من ذاك الصغير الصالح ، فقد ذكر أهلُ التَّارِيخِ والسِّيَرِ : أنَّ أبا يزيد طَيْفُور بن عيسى قال لأبيه : يا أبتِ مَنْ الذي يقول الله له هذا ؟ قال يا بُنَيَّ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا أَبَتِ مالَكَ لا تصنعُ كما صَنَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ؟ قال : يا بُنَيَّ إنَّ قيامَ الَّليْلِ خُصِّصَ به النبي صلى الله عليه وسلم بافتراضه دون أمته .
قال قلتُ : يا أبتِ إني أسمعُ أنَّ طائفةً كانوا يقومون الليل ، فمَنْ هذه الطائفة ؟ قال : يا بُنَيَّ هؤلاء الصحابةُ رضوان الله عليهم . قلتُ : يا أبتِ فأيُّ خَيرٍ في تَرْكِ ما عَمِلَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابُهُ ؟ قال : صَدَقْتَ يا بُنَيَّ .
فكان أبوهُ بعدَ ذلك يَقومُ مِنْ الَّليلِ وَيتوَضَّأ ويُصلِّي ، فاستيقظَ أبو يزيدٍ ليلةً فإذا أَبُوهُ يُصلِّي . قال : يا أَبَتِ عَلِّمْني كيف أَتوضَّأُ وأُصلِّي معك . فقال أبوه : يا بُنَيَّ ارقدْ فإنَّك صغيرٌ !
قال : يا أَبَتِ إذا كان يومَ يَصدرُ النَّاسُ أشتاتاً لِيُروا أعمالهَم أقولُ لربي : قلتُ لأبي كيفَ أتطهرُ لأُصَلِّيَ معك فأَبَى ! وقال ارْقُد فإنَّك صغيرٌ بَعْدُ ، أتحبُّ هذا ؟ فقال أبوه : لا والله يا بُنَيَّ ما أحبُّ هذا ، فعلَّمه فكان يُصَلَّي معه .
فإيَّاك إيَّاك .. أنْ يَسْبِقَكَ الدِّيكُ ! فيكونَ أَكْيسَ منْك يُسبِّحُ وأنت نائم ؟!
خامساً : ختمتَ القرآنَ مرةً ، أو بعض مرةٍ ، وعزفتَ عن الشواغل حتى لا تهجُره في شهره ، أيحسنُ بك أنْ تُقَدِّمَ الشواغلَ عليه وهو كلامُ الملك ! هلاّ عزمتَ على صَرْفِها مرات ؛ لتَحْظَى بِخَتَمَات .
قال ابن قيِّم الجوزيَّة رحمه الله ذاكراً أولَ الأسبابِ الموجبةِ لمحبة الله :
" قراءةُ القُرآنِ بالتَّدَبُّرِ والتَّفَهُمِ لمعَانِيْهِ ، وما أُرِيدَ بِهِ ، كتَدَّبُرِ الكِتَابِ الذي يحفَظُهُ العبدُ ويَشرحُهُ ليَتَفَهَّمَ مُرادَ صَاحِبهِ مِنْهُ " ( 1 )
فأينَ المتشوِّقُونَ ، وأَيْنَك من قوله حين يُقالُ لصَاحِب القُرْآن : " اقرأ وارْتَقِ ورَتِّلْ كما كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا فإنَّ منزلَتَك عِنْدَ آخرِ آيةٍ تَقْرَؤُهَا "( 1 )
يقول ابنُ قيِّم الجوزيَّة رحمه الله :
" وبالجُمْلَةِ ؛ فلا شيءَ أنفعُ للقَلبِ من قراءةِ القرآنِ بالتَّدبُّرِ والتَّفكُّرِ ؛ فإنَّهُ جامعٌ لجميعِ منازلِ السَّائرينَ وأحوالِ العاملينَ ومقاماتِ العارفينَ ، وهو الذي يُورِثُ المحبَّةَ والشوقَ والخوفَ والرَّجاءَ والإنابةَ والتَّوكُّلَ والرِّضا والتَّفويضَ والشُّكرَ والصَّبرَ وسائرَ الأحوالِ التي بها حياةُ القلبِ وكمالُهُ ...
فلو عَلِمَ النَّاسُ ما في قراءةِ القرآنِ بالتَّدبُّرِ لاشتَغلوا بها عن كلِّ ما سواها ، فإذا قرأَهُ بتفكُّرٍ حتى مرَّ بآيةٍ هو مُحتاجٌ إليها في شفاءِ قَلبهِ كرَّرَها ولو مِئةَ مرَّة ، ولو ليلةً ، فقراءةُ آيةٍ بتفكُّرٍ وتَفهُّمٍ خَيرٌ من قراءةِ خِتْمَةٍ بغيرِ تَدبُّرٍ وتَفهُّمٍ ، وأَنفعُ للقلبِ وأَدْعَى إلى حُصولِ الإيمانِ وذَوْقِ حلاوَةِ القرآن."( 1 )
سادساً : حافظتَ قدْرَ الطاقةِ على قلبِك من غَوائلِ الهوى النَّزَّاعةِ للشوى ، صُنْتَ سَمْعكَ ، وبَصَركَ ، وفؤادَكَ عما لا ينبغي في شهرِ الصيامِ رجاءَ كماله ، ولكنْ لتعلمَ أنَّ صيامَ الجوارحِ لا يَنْقَضي بغروبِ شمسِ آخرِ ليلةٍ من رمضان ، فشرْعُ الله دائمٌ على مَرِّ العام
يا أذنُ لا تسمعي غيرَ الهدى أبداً إنَّ استماعك للأوزارِ أوزارُ
فأمْسِكْ عليك لسانَك .. ولْيَسَعْكَ بَيْتُكَ .. وابْكِ على خطيئَتِكَ
ثامناً : أَرْحَامُك ، إخْوَانُك ، جِيْرَانُك ، أَحْيَيْتَ وَصْلَهُمْ في رمضان ، فلا تَعُدَّهم في الموْتَى بعد رحيله ! أَلَمْ يَأْنِ لكَ أنْ تَعْلمَ أنْ وَصْلَهُمْ سيبقى حَيَّاً سائرَ الأيام ، تَفكَّرْ في قوله سبحانه ،وهو يقول للرحمِ : ( ألا يُرْضيكِ أنْ أصلَ مَنْ وصلَكِ وأقطعَ مَْن قَطَعَكِ )( 3 ) وصَلَنَا الله بحبل مرضاته وبلَّغنا أريج نفحاته .
تاسعاً : كنتَ في شَهْرِكَ جَواداً ، كريماً ، وربُّك الغنيُ الأكرم ، أَلا تَحْنُو على عبادِهِ اليَتَامَى والمساكين ، فتَجُودُ وتُكْرِم ، عَسَى أنْ يَجُودَ عليكَ بنعيم الجِنَان ، ويصونَك عن لهيب النِّيرَان .
عاشراً : عَهِدتُكَ حَياً حيِّيَّاً في شهرِ الصيام ، ألا أريتَ الله من نفسك خيراً سائر العام ، فحافظتَ على الطاعة وتعاهدِها ، وقد كان نَبِّيُك صلى الله عليه وسلم يعاهدُ ربه على الطاعة في كل ساعة قبيل الليل وعند طُلوع النهار ، ألا تَمْتَثِلُ ذلك ، وتَذْكُرَ قوله : " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنِى وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِى ، فاغْفِرْ لِى ، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ "( 1 )
تلك عشرةٌ كاملة قبيل التمام ، فلْنلزمها علَّنا أنْ ندخل الجنة بسلام .
وفي نهاية المطاف ..
وقبل أنْ تفرحَ بالعيد ..
وتُهيئ الملبسَ الجديد ..
ارمُقْ معي تلكَ البُنَيَّةَ اليتيمة في بلاد المسلمين ، وهي تَهْتِفُ بِتِلْكُم الكلمات المكْلُومة نحو الهلال ، تشكو له حالها .
فهل تفرحُ كما تفرحُ بُنَيَّاتُ المسلمين بالحلْوى والثياب الجديدة ؟
أنَّى لها بالفرح ! فما لها إلَّا الهلالُ لتَبُثََّ حُزْنَهَا له فتناديهِ بقولها :
غِبْ يا هِلال ..
قالوا ستجلِبُ نحوَنا العيدَ السعيد .. عيدٌ سعيد ؟!
والأرضُ ما زالت مبللةَ الثرى بدمِ الشهيد ..
والحربُ ملَّت نفسَها وتقززتْ ممن تُبيد !
عيدٌ سعيدٌ في قصور المترفين !!
عيدٌ شقيٌ في خيام الَّلاجئين !!
هَرِمت خُطانا يا هلال ..
ومَدَى السعادةِ لم يزلْ عنَّا بعيد !
غِبْ يا هِلال ..
لا تأتِ بالعيدِ السعيدِ مع الأنين ؟ لا تأتِ بالعيدِ السعيدِ مع الأنين ؟ أنا لا أريدُ العيدَ مقطوعَ الوتين ..
أتظنُّ أنَّ العيدَ في حَلْوى وأثوابٍ جديدة ؟!
أتظنُّ أنَّ العيدَ تهنئةٌ تُسطَّرُ في جريدة ؟!
غِبْ يا هِلال ..
واطلَع علينا حين يبتسمُ الزمن .. وتموتُ نيرانُ الفتن ..
اطلَع علينا حين يُورِقُ في ابتسامتنا المساء ..
ويذوبُ في طرقاتنا ثلجُ الشتاء..
اطلَع علينا بالشّذى .. بالعِزِّ .. بالنصر المبين .
اطلَع علينا بالْتئامِ الشملِ بين المسلمين ..
هذا هو العيد ..
هذا هو العيدُ السعيد ..
وسواهُ ليس لنا بعيد !!
غِبْ يا هِلال ..
حتى نَرى راياتِ أمتِنَا تُرفرفُ في شَمَمْ..
فهناك عيد .. أيُّ عيد ؟
هناك .. يبتسمُ الشقيُ مع السعيد ! غِبْ يا هِلال..c..( 1 )
فيَا شَهْرَ رَمَضانَ تَرَفَّق ، دُمُوع المحبِّين تَدَفَّق ، قُلُوبُهم من أَلَمِ الفِراقِ تَشَقَّق ، عَسَى وَقفةٌ للودَاعِ تُطْفِئُ مِنْ نَارِ الشَّوقِ ما أَحْرَق ، عَسَى ساعةَ تَوبَةٍ وإقلاعٍ تَرْفُو مِنْ الصِّيامِ كُلَّ ما تَخرَّق ، عَسَى منقطعٌ عن ركب المقبولين يَلْحق ، عَسَى أسيرُ الأوزارِ يُطلَق ، عَسَى من استوجبَ النار يُعْتَق ، عسى رحمةُ المولى لها العاصي يُوفَّق .( 1 )
يا نفسُ فازَ الصالحون بالتُّقَى وأبصرُوا الحقَّ وقلبي قد عَمِي
يا حسنَهُمْ والَّليْلُ قـدْ جنَّهُمْ ونورُهُمْ يَـفُوقُ نورَ الأنْجُمِ
تَرنَّمـوا بالـذِّكْر في ليْلِهِمُ فعيشُهُم قـدْ طابَ بالـتَّرنُّمِ
قلوبُهم للذِّكْر قدْ تفرَّغـت دموعُهُم كَلُـؤْلُـؤٍ مُنْتَظِـمِ
أسحارهُم بهم لهم قد أشرقَتْ وخِلَعُ الغُـفْرانِ خَيرُ القِـسَمِ
ويْحَـك يا نفسُ ألا تَيَقُّـظٌ ينفعُ قبـل أنْ تَـزِلَّ قـدمِي
مَضَى الزَّمانُ في توانٍ و هوىً فاسْتَدْرِكي ما قدْ بَقي واغْتَنِمِي( 2 )
اللهُمَّ إنَّ هذا الشَّجنَ مما نفحَ به الخاطرُ ، وزكّاهُ الضميرُ ، وسالتْ به العبراتُ ، فهي دمعاتُ مُحِبٍّ ، وحديثُ أُنْسٍ ، وصَدقةُ قائمٍ ، ومَشاعرُ صائمٍ ، وشَهادةٌ تُؤدَّى يومَ تُكْتبُ شهادتُهم ويسألون .
لك الله يا رمضان ، وقد تصرَّمت لياليك .
فعدْ مثلما قد جِئتَ ضَيفاً مُكْرماً تُعَمِّـرُ من بُنْياننا ما تُعَمِّرُ
لك اللهُ يا رافداً مِنَ الله للـورى وبحراً من الغفرانِ لِلْخلْقِ يَغمُرُ
فمثْلُكَ شهرٌ لا تُوفَّى حُـقُوقُه وعن مَدْحِه كلُّ الأقاويلِ تقصُرُ
أسألُ اللهَ جل في علاه أنْ يغفر لنا يوم نلقاه .
اللهُمَّ إنك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا .
اللهُمَّ إنك عفوٌ كريمٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا .
اللهُمَّ اعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار .
اللهُمَّ أعز الإسلام وانصر المسلمين .
اللهُمَّ ارفع الذل والضَّيْم عن إخواننا وأخواتنا المستضعفين والمستضعفات في كل مكان .
اللهُمَّ انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان ، في فلسطين ، وفي العراق ، وأفغانستان ، والشيشان ، وفي كل مكان يذكر فيه اسمك يا رب العالمين .
اللهُمَّ احفظ علينا في بلدنا وكل بلاد المسلمين نعمة الأمن والأمان ، ونسألك الهدى والتُّقَى والعفاف والإيمان .
اللهُمَّ اجبر كَسْر قلوبنا على فراق شهرنا ، اللهُمَّ أعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ، وكل عامٍ وأنتم إلى الرحمن أقرب .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
والله أعلم .
( 1 ) روح الصيام ومعانيه ، للشيخ الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل ، من إصدارات مجلة البيان رقم ( 85 ) صـ ( 135 ) فهو بحق كتاب متميز جزى الله الشيخَ خير الجزاء . ( بتصرف وزيادة )
( 1 ) من مقدمة شيخِنا العلَّامة محمد العثيمين رحمه الله في مجالس شهر رمضان ( 85 ) بتصرف
( 1 ) شعرٌ : للشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي أكرمه الله .
( 1 ) بدموع الأحزان نودِّع شهر رمضان ، للمفرج صـ( 6 )
( 1 ) لطائف المعارف لابن رجب رحمه الله ( 375 )
( 1 ) جاء الخبرُ الصَّادقُ في ذلك من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : قال اللهُ تعالى : " كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصِّيام فإنَّهُ لي وأنا أجزي به " أخرجه البخاري : كتاب الصوم ، باب هل يقول إني صائم إذا شُتِمَ ، ( 1904 ) ومسلمٌ : كتاب الصيام ، باب فضل الصيام ، ( 1151 )
( 2 ) لطائف المعارف ( 347 )
( 1 ) بدموع الأحزان نودِّع شهر رمضان ، للمفرج صـ( 12 )
( 1 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله ( 7 / 107 )
( 2 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله ( 3 / 497 )
( 3 ) انظر في ترجمتها : سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله ( 8 / 241 )
( 4 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله ( 11 / 177 )
( 5 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله ( 8 / 378 )
( 6 ) أمَّا هذا العالم الربَّاني المجاهد فقد صُنِّفَتْ فيه تصانيف كثيرة ، من تلاميذه ومحبيه ، وحتى عصرنا هذا ، فقد جعل الله له لسان صدقٍ في الآخرين ؛ لنصرته الإسلام ومحاربته أعداء المِلَّة من الأمم الضالة والفرق الزائغة عن الحق . ومن أجمع وأحسن المصنَّفات _ والله أعلم _ : الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون . للشيخين محمد شمس وعلي العمران حفظهم الله .
( 1 ) هو العالمُ العلّامةُ المجاهدُ محمد البشير بن محمد السعدي الإبراهيمي ، من كبار علماء الجزائر ، ولد في بلدة ( سطيف ) يوم الخميس الموافق 13 / 10 / 1306هـ صاحب تصانيف رائعة ، شاعرٌ إسلاميٌّ مُبْدِعٌ ، ومن روائع شعره :
لا نرْتضي إِمَامَنا في الصفِّ مالمْ يكن أَمامَنا في الصفِّ
انظر : من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة ، للعقيل ( 83 ) .
( 2 ) هو العلَّامةُ الأديبُ المجاهدُ سَيِّد قُطب رحمه الله الشخصيةُ العجيبةُ الفريدةُ ، والمفَكِّرُ الرائدُ ، والداعيةُ المجاهد ، الإمامُ الشهيدُ كما يقول عنه شيخُنا العلَّامة الدكتور صلاح الخالدي _ حفظه الله _ ولد سيد في ( موشة ) إحدى قرى محافظة أسيوط في 9 / 10 / 1906م وأُعْدِمَ ونال الشهادةَ في يوم الإثنين 29 / 8 / 1966م فرحمه الله رحمةً واسعة .
وانظر في أَرْوَعِ رسالةٍ كُتِبَتْ عنه في رِسَالةٍِ عِلْمِيَّةٍٍ سَطَّرَتْها يَراعُ شيخِنا العلاَّمة المفَسِّر الدُّكتور صلاح الخالدي حفظه الله ، والموسومة بـ: ( سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ) فحتماً ولا ريب ستَحْظَى بنفائس كثيرة جداً ، فانظرها .
( 1 ) هو الشيخُ العالمُ المجاهدُ الدكتور مصطفى السباعي من مواليد حمص في سوريا عام 1915م له مُؤَلَّفاتٌ كثيرة ، ومِنْ أشهرها : السنَّة ومكانتها في التشريع ، وهكذا علَّمتني الحياة ، والسيرةُ النبويَّةُ دروسٌ وعِبرْ ، والقلائدُ من فرائدِ الفوائد . وغيرها
قال عنه الشيخُ محمد أبو زهرة رحمه الله : ( إنني لم أرَ في بلاد الشام أعلى من السباعي همةً ، وأعظمَ نفساً ، وأشدَّ منه على الإسلام والمسلمين حُرقةً وألماً ) تُوفَّي رحمه الله في يوم السبت الموافق 3 / 10 / 1964م بعد عناءٍ وألمٍ بمرضه الذي استمر ثماني سنوات فضربَ أَرْوَعَ آياتِ الصَّبرِ على البلاء . كَتب عنه الأستاذُ حُسني جرَّار كتاباً قيماً : ( مصطفى السباعي قائدُ جيلٍ ورائدُ أمةٍ ) .
انظر : من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية ، للعقيل ( 537 ) .
( 2 ) هو الشاعرُ الإسلاميُّ الكبيرُ المعروفُ محمد إقبال ، ولد في سَيالكوت في البنجاب عام 1873م وهي مدينةٌ خرَّجت علماءَ ومحدثين كِبَار ، كان سبب توبته أنَّ شارباً للخمر نصرانياً شَتم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يشرب معه ! فغضب جداً ، فقام وضربه على وجهه وقال له : ( نحن نشرب نعم ، ولكن أن تشتم نَبِيَّنَا فلا وألف لا ) فما شَرِبَ بعدها أبداً وتاب الله عليه ، وحمل همَّ الإسلام في روحه ، وكان أوَّلَ من نَادَى بضرورة انفصال المسلمين عن الهندوس ، تُوفِّي الدكتور محمد إقبال سنة 1938م ودفن في لاَهَور . انظر : الفكر الإسلامي الحديث للدكتور محمد البهي ( 333 )
( 3 ) هو الشيخُ العلَّامةُ المجاهدُ قامعُ الفِرَقِ الضَّالةِ إحسان إلهي ظهير ، ولد في سَيالكوت من مدن باكستان سنة 1945م ألَّف وصنَّف كثيراً في مقارعة الفِرَقِ الضَّالة ، كان قويَّ الحُجَّة ، صحيحَ الاستدلال ، موفقاً في عِلْمِهِ وهمته للإسلام . جُهوده عظيمةٌ ومشكورةٌ في الرَدِّ على الرافضةِ ، والصُّوفيَّةِ المنحرفةِ ، والإسماعيليَّةِ الباطنيةِ ، والقَادْيَانِيَّة ، والبَهَائِيَّة ، والبَرْيَلَويَّة ، والبَابِيَّة . فنفع الله بها ، واهتدى بسببها خلق لا يُحْصون كثرة ، وانظر في التَّعريفِ بهذهِ الفِرَقِ : ( الموسوعة الميسرة ) =
= قال عنه شيخُ شيوخِنا الإمامُ عبد العزيز بن باز رحمه الله : ( صاحبُ الفضيلةِ الشيخُ إحسان إلهي ظهير رحمه الله معروفٌ لدينا ، وهو حَسَنُ العقيدةِ ، وقد قرأتُ بعضَ كتُبِهِ فسرَّني ما تَضَمَّنَتْهُ من النُّصْحِ للهِ ولعبادِهِ ، والرّدِّ على خُصُومِ الإسلام )
تُوفِّي هذا العالمُ المجاهدُ في يوم الإثنين الأول من شعبان سنة 1987م بعد انفجارٍ دُبِّر له في محاضرةٍ له عن السيرة النبوية ، فنُقِلَ من لاَهَور إلى الرياض بطلبٍ من سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله للعلاج . ولقد كَتب عن جهودهِ وآثارهِ الشيخُ محمد إبراهيم الشيباني في رسالته : ( إحسان إلهي ظهير الجهاد والعلم من الحياة إلى الممات ) . ثُمَّ طُبعتْ رسالةٌ علميةٌ عن حياةِ الشيخِ إحسانِ فجاءت حافلةً شاملةً عَطِرةً نال بها الدكتور علي بن موسى الزهراني درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز بعنوان : ( الشيخُ إحسان إلهي ظهير منهجه وجهوده في تقرير العقيدة والردِّ على الفرق المخالفة ) فجزاه الله خيراً.
( 1 ) هو شيخُنا العلَّامةُ الفقيهُ محمد الصالح العثيمين ، إمامُ أهلِ نجدٍ في وقته ، ولد رحمه الله في عنيزة _ القصيم يوم الجمعة في السابع والعشرين من شهر رمضان عام 1347هـ وهي مدينةٌ أنجبتْ الكثيَر من العلماءِ والدُّعاةِ ، ولا زالتْ . كان مَرجعَ النَّاس في الفتوى ، له باعٌ كبيرٌ وطويلٌ في الفقهِ ، والتفسيرِ ، والعقيدةِ ، واللغةِ ، وأصولِ الدِّين ، وعُلومِ الشريعة . فهو بحرٌ وحبرٌ .
تُوفِّي رحمه الله يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال سنة 1421هـ وعمره أربعةٌ وسبعون عاماً شَهِدْتُ جَنازته في المسجد الحرام ، فما رأيتُ أعظمَ منها ألبتَّة ، إلَّا ما كان من جَنازة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمهما الله تعالى .
تَرْجَم لشيخِنا الكثير ، وكُتبت عنه مُؤلَّفات ، وتناول طلبةُ الدِّراساتِ العُليَا جوانبَ من حياتِهِ وعِلْمِِهِ لتكونَ مشروع رسائلهم ، فالفقهيَّة ، والعَقَدية ، والُّلغوية ، والتفسيريَّة ، والتَّربويَّة ، والدعويَّة ، وممَّا كُتِبَ عنه ، ما كَتبه تلميذُهُ شيخي وأستاذِي وليد الحسين رئيس تحرير مجلة الحكمة العلمية = = فكتبَ عنه ترجمةً يسيرةً في المجلد الثاني من أعدادِ المجلَّةِ ، ثُمَّ أفرد له بالتصنيفِ والترجمةِ مجلداً خاصَّاً به من ضمن إصدارات المجلةِ وهو الإصدار التاسع . ووسمه بـ: ( الجامع في سيرة الشيخ محمد العثيمين وحياته العلمية والعملية ) ، وكتبَ عنه أيضاً أحدُ تلاميذِهِ وهو عصام المرَّي في كتابه الماتع ( الدُّر الثمين في ترجمة فقيه الأمة العلامة ابن عثيمين ) . رحمه الله تعالى .
( 1 ) لطائف المعارف ( 387 )
( 1 ) أخرجه الترمذي : كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ، باب ومن سورة المؤمنون ، ( 3175 ) . وابن ماجه : كتاب الزهد ، باب التوقي على العمل ، ( 4198 )
وأحمد في مسنده ( 24735 ) والحاكم في مستدركه ( 2 / 427 ) عن عائشة رضي الله عنها ، وهو صحيح .
( 2 ) تفسير ابن جرير الطبري ( 18 / 32 )
( 3 ) لله دَرُّه : قال ابن منظور في اللسان ( 4 / 279 ) : قال " ابن الأَعرابـي : الدَّرُّ : العملُ من خيرٍ أَو شَرٍّ . ومنه قولهم : للَّه دَرُّكَ ، يكون مَدْحاً ويكون ذَمّاً ، وقالوا : دَرُّكَ أَي عملك ، يقال هذا لـمن يمُدح ويُتعجب من عملِهِ ؛ فإِذا ذُمَّ عَملُهُ قـيل: لا دَرَّ دَرُّهُ ، أَيْ : لا كثر خَيرُهُ .
قال ابنُ سِيْدَه : وأَصْلُهُ أَنَّ رجلاً رأَى آخر يحلب إِبلاً فتعجب من كَثْرَةِ لبَنها فقال : دَرُّك ! "
( 1 ) لطائف المعارف ( 377 )
( 2 ) الزهد لابن المبارك رحمه الله ( 95 )
( 3 ) لطائف المعارف ( 376 )
( 1 ) لطائف المعارف ( 376 )
( 2 ) المصدر السابق ( 387 )
( 1 ) إلا من ثلاث كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " من صَدقةٍ جارية ، أو عِلمٍ ينتفع به ، أوْ ولدٍ صالحٍ يَدْعو له " رواه مسلمٌ : كتاب الوصية ، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته ، ( 1631 )
( 2 ) الزهد لابن المبارك ( 7 )
( 3 ) الفوائد لابن قيم الجوزية رحمه الله ( 49 )
( 1 ) لطائف المعارف ( 452 )
( 2 ) سباق نحو الجنان ، خالد أبو شادي ( 28 )
( 1 ) أخرجه البخاري : كتاب الطب ، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو ،
( 5705 ) عن عمران بن حصين رضي الله عنه
( 2 ) حادي الأرواح لابن قيم الجوزيَّة رحمه الله ( 79 )
( 1 ) أخرجه الترمذي : كتاب فضائل القرآن عن رسول الله ، باب ما جاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر ، ( 2914 ) وقال أبو عيسى : هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح .
وأبو داود : كتاب الصلاة ، باب استحباب الترتيل في القراءة ، ( 1464 ) وأحمد في المسند
( 6760 ) وصَحَّحَهُ الشيخ ناصر الدين في صحيح الجامع برقم ( 8122 ) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .
( 2 ) أخرجه البخاري : كتاب الأذان ، باب الاستهام في الأذان ، ( 615 ) ، ومسلم : كتاب الصلاة : باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول فيها ، ( 437 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه .
( 1 ) أخرجه مسلم : كتاب الزكاة ، باب من جمع الصدقة وأعمال البر ، ( 1028 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه
( 2 ) سباق نحو الجنان ( 13 )
( 3 ) المصر السابق ( 13 )
( 1 ) إحياء علوم الدين ( 4 / 436 ) عن سباق نحو الجنان ( 15 )
( 1 ) مدارج السالكين ( 1 / 331 )
( 2 ) أخرجه مالك في الموطَّأ : كتاب الجنائز ، باب النهي عن البكاء على الميت ، ( 522 )
وأحمد في المسند ( 23241 ) وأبو داود : كتاب الجنائز ، باب في فضل من مات في الطاعون ، (3111 ) والنسائي : كتاب الجنائز ، باب النهي عن البكاء على الميت ، ( 1846 ) عن جابر بن عتيك رضي الله عنه ، وصحَّحهُ الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم ( 1791 )
( 1 ) أخرجه البخاري : كتاب المغازي ، باب نزول النبي الحجر ، ( 4423 ) عن أنس رضي الله عنه ، ومسلم : كتاب الإمارة ، باب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر ، ( 1911 ) عن جابر رضي الله عنه .
( 1 ) روح الصيام ومعانيه ، للشيخ الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل ، من إصدارات مجلة البيان رقم ( 85 ) صـ ( 135 ) فهو بحق كتاب متميز جزى الله الشيخَ خير الجزاء . ( بتصرف وزيادة )
( 2 ) أخرجه النسائي : كتاب الصيام ، باب ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب ، ( 2230 ) وابن ماجه : كتاب الصيام، باب ما جاء في فضل الصيام ، ( 1639 ) وأحمد في المسند (15839 ) عن عثمان بن العاص رضي الله عنهوصحَّحهُ الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( 3879).
( 1 ) أخرجه مسلم : كتاب الصيام ، باب استحباب صيام ستة أيام من شوال اتِّبـاعاً لرمضان ،
( 1164 ) عن أبي أيوب رضي الله عنه
( 2 ) أخرجه البخاري : كتاب الجمعة ، باب فضل العمل في أيام التشريق ، ( 969 ) مختصراً ، وتمامه عند الترمذي : كتاب الصوم عن رسول الله ، باب ما جاء في العمل في أيام العشر ، ( 757 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما .
( 3 ) أخرجه مسلم : كتاب الصيام ، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة ، ( 1162 ) عن أبي قتادة رضي الله عنه
( 4 ) أخرجه مسلم : كتاب الصيام ، باب فضل صوم المحرم ، ( 1163 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه
( 1 ) أخرجه البخاري : كتاب الجمعة ، باب صلاة الجمعة في الحضر ، ( 1178 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه وهي الأيام الثلاثة البيض ، وهي ( 13 ، 14 ، 15 )
( 2 ) أخرجه الترمذي : كتاب الصوم عن رسول الله ، باب ما جاء في صوم الاثنين والخميس ،
( 745 ) وقال حسنٌ غريب من هذا الوجه ، والنسائي : كتاب الصيام ، باب صوم النبي وذكر اختلاف الناقلين ، ( 2360 ) وابن ماجه : كتاب الصيام ، باب صيام الاثنين والخميس ( 1739 ) وأحمد في المسند ( 23987 ) عن عائشة رضي الله عنها ، وصحَّحَهُ ابن حجر في الفتح (4/ 236 ) وفي التلخيص الخبير ( 2 / 214 ) والألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( 4897 ) .
( 3 ) أخرجه الحاكم في المستدرك ( 4 / 360 ) وصححَّه ، وفيه بُعْد . والطبراني في الأوسط ( 4 / 306 ) والبيهقي في الشعب ( 7 / 349 ) عن سهل بن سعد رضي الله عنه، وحسنَّه العراقي رحمه الله كما في كشف الخفاء ( 2 / 70 ) وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( 73 ) ، وانظر : السلسلة الصحيحة ( 4 / برقم 1904 )
( 1 ) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( 1 / 143 )
( 1 ) مدارج السالكين ( 3 /17 ) وقال ابنُ تيميَّة رحمه الله : " المطلوبُ من القرآنِ : فَهْمُ معانيِهِ والعَملُ بهِ ، فإنْ لَمْ تكنْ هذهِ همَّة حافظِهِ لَمْ يكنْ منْ أهلِ العِلْمِ والدِّين " المجموع ( 23 / 54 )
( 1 ) سبق تخريجه صـ ( 24 )
فائدة : ينبغي للمسلم _ والمسلمة _ أن يكون له مع كتاب ربِّه ثلاث وقفات :
الأولى : كثرة تلاوته وختمه ، مع إقامة حروفه وأحكام تلاوته .
الثانية : تَدَبُّرِه والتفكَّر في معانيه ، والنظر في أحكامه ومدارسته .
الثالثة : العمل به ، والتخلُّق بأوامره ، واجتناب نواهيه .
ومن أروع الكتب في هذا الباب كتابان : ( قواعد التدبُّر الأمثل لكتاب الله عز وجل ) للشيخ عبد الرحمن الميداني رحمه الله ، وكذا كتاب ( تدبُّر القرآن الكريم ) للشيخ سليمان السنيدي حفظه الله ، من إصدارات المنتدى الإسلامي .
( 1 ) مفتاح دار السعادة ( 1 / 553 ) بتصرف
( 1 ) أخرجه البخاري : كتب الصوم ، باب فضل الصوم ، ( 1894 ) عن أبي هريرةرضي الله عنه
( 2 ) رواه أحمد في المسند ( 6696 ) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما . وهو صحيح .
( 3 ) أخرجه البخاري : كتاب تفسير القرآن ، باب وتقطعوا أرحامكم ، ( 4832 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه
( 1 ) أخرجه البخاري : كتاب الدَّعوات ، باب أفضل الاستغفار ، ( 6303 ) عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه
( 1 ) شعرٌ : للشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي أكرمه الله
( 1 ) لطائف المعارف ( 388 )
( 2 )المصدر السابق ( 323 )