
ثمرة الدعاء
الأول: أن يترصّد لدعائه الأوقات الشريفة،
كيوم عرفة من السنة ورمضان من الأشهر والجمعة من أيام الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل.
قال تعالى: {وبالأسحار هم يستغفرون}،
وقال
وقيل إن يعقوب
فقيل إنه قام في وقت السحر يدعو وأولاده يؤَمّنون خلفه فأوحى الله عز وجل إني قد غفرت لهم وجعلتهم أنبياء.

الثاني: أن يغتنم الأحوال الشريفة.
قال أبو هريرة رضي الله عنه : إن أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلوات المكتوبة فاغتنموا الدعاء فيها
وقال مجاهد: إن الصلاة جعلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصفوف،
وقال
وقال
وبالحقيقة يرجع شرف الأوقات إلى شرف الحالات أيضًا إذ وقت السحر وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المهوشات.
ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة الله عز وجل فهذا أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من أسرار لا يُطَّلعُ عليها، وحالة السجود أيضًا أجدر بالإجابة
قال أبو هريرة رضي الله عنه : قال النبي
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي
قمن: جدير.

الثالث: أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه بحيث يُرى بياضُ إبطيه أو يرفع يديه قبالة وجهه أو نحو ذلك أو يرفع إصبعه السبّابة،
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله
وقال سلمان رضي الله عنه : قال رسول الله
وعن أنس رضي الله عنه أنه
وعن أبو هريرة رضي الله عنه أنه
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : ارفعوا هذه الأيدي قبل أن تُغلَّ بالأغلال
وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان
فهذه هيئات اليد، ولا يرفع بصره إلى السماء، قال

الرابع: خفض الصوت بين المخافتة والجهر
لما ورد أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قدمنا مع رسول الله
فقال النبي
وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله عز وجل: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} أي: بدعائك
وقد أثنى الله عز وجل على نبيه زكريا
وقال عز وجل: {ادعو ربكم تضرعًا وخفية}.

الخامس: أن لا يتكلف السّجع في الدعاء،
فإن حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرع، والتكلف لا يناسبه،
قال
وقد قال عز وجل: {ادعو ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين} قبل معناه التكلف للأسجاع، والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة، فإنه قد يتعدى في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، فما كلُّ أحد يحسن الدعاء،
ولذلك روي عن معاذ رضي الله عنه : إن العلماء يُحتاج إليهم في الجنة إذ يقال لأهل الجنة تمنوا فلا يدرون كيف يتمنَّون حتى يتعلموا من العلماء،
وفي الخبر: سيأتي قوم يعتدون في الدعاء والطهور،
ومر بعض السلف بقاص يدعو بسجع فقال له: أعلى الله تبالغ؟ أشهد لقد رأيت حبيبًا العجمي يدعو وما يزيد على قوله: اللهم اجعلنا جيّدين، اللهم لا تفضحنا يوم القيامة، اللهم وفقنا للخير، والناس يدعون من كل ناحية وراءه وكلٌ يعرف بركة دعائه.
وقال بعضهم: ادع بلسان الذّلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق.
ويقال إن العلماء لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات فما دونها، ويشهد له آخر سورة البقرة، فإن الله تعالى لم يخبر في موضع من أدعية عباده أكثر من ذلك.
واعلم أن المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام، فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله
كقوله
وأمثال ذلك، فليقتصر على المأثور من الدعوات أو ليلتمس بلسان التضرع والخشوع من غير سجع وتكلف فالتضرع هو المحبوب عند الله عز وجل.

السادس: التضرع والخشوع والرغبة والرهبة
قال الله تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا}
وقال عز وجل: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفية}.

السابع: أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاؤه فيه.
قال رسول الله
وقال رسول الله
وقال
وقال: غريب، وقال سفيان ابن عيينةً: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلمُ من نفسه فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله إذ قال: {رب فانظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين}.

الثامن: أن يُلحَّ في الدعاء ويكرره ثلاثًا
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "كان
وينبغي أن لا يستبطئ الإجابة لقوله
وقال بعضهم: إني سألت الله عز وجل منذ عشرين سنة حاجة وما أجابني وأنا أرجو الإجابة، سألت الله أن يوفقني لترك ما لا يعيني.

التاسع: أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل فلا يبدأ بالسؤال.
قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: "ما سمعت رسول الله
قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي

العاشر: وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة: التوبة ورد المظالم والإقبال على الله عز وجل بكُنه الهمة
فذلك هو السبب القريب في الإجابة،
فيروي عن كعب الأحبار رضي الله عنه أنه قال: أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى رسول الله
وقال سفيان الثوري: بلغني أن بني إسرائيل قُحِطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة من المزابل وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون، فأوحى الله عز وجل إلى أنبيائهم عليهم السلام لو مشيتم بأقدامكم حتى تحفى رُكبكُم وتبلغ أيديكم عنان السماء وتكِلَّ ألسنتكم عن الدعاء فإني لا أجيب لكم داعيًا ولا أرحم لكم باكيًا حتى تردوا المظالم إلى أهلها ففعلوا فمُطروا من يومهم.
وقال مالك بن دينار: أصاب الناس في بني إسرائيل قحطٌ فخرجوا مرارًا فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إليّ بأبدان نجسة وترفعون إلي أكُفًا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بطونكم من الحرام، الآن قد اشتد غضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلا بعدًا.
وقال أبو الصديق الناجي: خرج سليمان
وقال الأوزاعي: خرج الناس يتستقون فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر من حضر ألستم مقرّين بالإساءة؟ فقالوا: اللهم نعم، فقال" اللهم إنا قد سمعناك تقول: {ما على المحسنين من سبيل} وقد أقررنا بالإساءة فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا، اللهم فاغفر لنا وارحمنا واسقنا، فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا.
وقيل لمالك بن دينار: ادع لنا فقال: إنكم تستبطئون المطر وأنا استبطئ الحجارة.
ورُوي أن عيسى صلوات الله عليه وسلامه خرج يستسقي فلما ضجروا قال لهم عيسى
وقال يحيى الغساني: أصاب الناس قحط على عهد داود
وقال عطاء السلمي: منعنا الغيث فخرجنا نستسقي فإذا نحن برجل بين المقابر فنظر إليّ فقال: يا عطاء أهذا يوم النشور أو بُعثِر ما في القبور؟ فقلت: لا ولكنا منعنا الغيث فخرجنا نستسقي، فقال: يا عطاء بقلوب أرضِيَّة أم بقلوب سماوية؟ فقلت: بل بقلوب سماوية فقال: هيهات يا عطاء، قل للمُتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقد بصير، ثم رمق السماء بطرفٍ وقال: إلهي وسيدي ومولاي لا تهلك بلادك بذنوب عبادك ولك بالسر المكنون من أسمائك إلا ما سقيتنا ماء غدقًا فُراتًا تحيي العباد وتروي به البلاد، يا من هو على كل شيء قدير. قال عطاء: فما استتم الكلام حتى أرعدت السماء وأبرقت وجادت بمطر كأفواه القِرب.
وقال ابن المبارك: قدمت المدينة في عام شديد القحط فخرج الناس يستسقون فخرجت معهم إذ أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش قد اتزر بإحداهما وألقى الأخرى على عاتقه فجلس إلى جنبي فسمعته يقول: إلهي أخلقت الوجوه عندك كثرةُ الذنوب ومساوي الأعمال وقد حبست عنا غيث السماء لتؤدب عبادك بذلك، فأسألك يا حليمًا ذا أناة يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل أن تسقيهم الساعة الساعة، فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام وأقبل المطر من كل جانب،
قال ابن المبارك: فجئت إلى الفضيل فقال: ما لي أراك كئيبًا؟ قلت : أمر سبقنا إليه غيرُنا فتواله دوننا، وقصصت عليه القصة فصاح الفضيل وخرّ مغشيًا عليه.
ويُروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس رضي الله عنهما فلما فرغ عمر من دعائه قال العباس: اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك

آداب الدعاء وهي :
1- الطهارة.
2- استقبال القبلة.
3- تحرِّي الأوقات والحالات الفاضلة، كالسجود والصيام والسفر ولقاء العدو وجوف الليل وبين الأذان والإقامة ويوم الجمعة....
4- رفع اليدين وبسط الكفَّين.
5- إظهار الفقر والمسكنة.
6- التضرُّع والخشوع.
7- اختيار أحسن الألفاظ وأنبلها وأجمعها للمعاني وأبينها.
8- الإعراب ومجانبة اللحن، ما أمكن إلى ذلك سبيلا.
9- افتتاحه بالحمد والثناء على الله -عزَّ وجلَّ- بما هو أهله، والصلاة على النبي.
10- تقديم التوبة والإستغفار والاعتراف بالذنب والإخلاص في الدعاء.
11- التوسُّل بالأسماء الحسنى والصفات العليا، قال تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [الأعراف: 180].
12- التوسُّل بالأعمال الصالحة.
13- الإلحاح على الله فيه بتكرير ذكر ربوبيته، وهو أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء.
14- التأمين بعده، فهو كالخاتم له.
15- ملازمة الطلب، وعدم اليأس من الإجابة.ـ
منقول من موقع منهج
تعليق