الحمد لله و كفى ، و صلاة و سلاماً على عباده الذين اصطفى
اللهم صل و سلم على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين
أخواتي في الله ،
لربما أثار انتباهكن عنوان موضوعي ... و تساءلتن عن السر وراءه ... و لكنني لن أخفيكن سراً ... أنا عاصية لله تعالى ...
ستقول إحداكن : كلنا نذنب ، و كلنا ننصاع وراء الشهوات ،
و لكن أقول لها : الصالحة فينا من تعود و تتوب بسرعة ...
أما أنا ، فمن أولئك الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم ... و بعدما جربوا كل أنواع المعاصي ، لم يبق إلا أن تحقق قول الله تعالى فيهم : "و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا " .... من أولئك الذين لا يعودون عن طيب خاطر ، بل يعودون ذليلين تائهين لا يدرون من أين البدء ، و لا كيف يستمرون و لا أين سينتهي بهم المطاف ...
قصتي كقصة كل فتاة "عادية " ... نشأت في بيئة عادية علمتني معنى الحياة العادية المادية : عليّ أن أدرس جاهداً كي يكون لي مركز مرموق و يشار إلي بالبنان ، و أن أجمع ثروة هائلة تمكنني من عيش حياتي طولاً و عرضاً من تبضع بالمحالات الراقية إلى السفر إلى أجمل البلدان السياحية ... كما حثتني تلك البيئة على أن أراقب منظري عن كثب ، و أن يكون هو همي الشاغل بعد الدراسة ، فعلي أن أراقب طريقة كلامي ، و أن أزهد في اللغة العربية مقابل النهل من كل لغات العالم و التكلم بها بفصاحة ، و أن يكون ملبسي لافتا للأنظار ، و أن يكون قوامي رشيقا و رفيعا كتلك العارضات على التلفزيون . هكذا تربيت .
و لم يكن الجانب الديني مما يثار بالبيت إلا في المناسبات ، و لم أكن أستشعر الإسلام في بيتنا إلا في رمضان ، حيث كنا نصوم و نصلي .
ثم بدأت المرحلة الثانوية بمصائبها ، دخل مفهوم الشباب إلى حياتي ، و دخلت الأغاني و الأفلام و المسلسلات في حساباتي الترفيهية، إلى أن عرفت بالإسلام صدفةً . نعم : عَلِمْتُ أنني مسلمة منذ صغري و كنت مواظبة على الصلاة و لكنني لم أكن أعرف غيرها و الصيام في ديني ... لا ، حينها علمت بالحجاب الذي كنت أظن أنه من الأعراف الاجتماعية ، و علمت بحكم الغناء و المسلسلات و الأفلام ، و علمت بحرمة الاختلاط و غيرها من الأحكام الذي لا يصعب على أي عاقل أن يعلم أنها خلاف ما نحن فيه قطعاً. و بدأت أطبق ما تنص عليه هذه الأحكام جاهدة و كلي صراعات ، بين ما أحبه و ما يمليه عليّ ضميري ، و استطعت كبت رغباتي سنة كاملة .
نعم ، لم يكن باستطاعتي أن أصبر أكثر من ذلك ... بدأت أعود تدريجيا إلى ما كنت عليه بالسابق ، لكنني كنت أندم على هذا الخيار و أحاول البعد عن المحرمات ... تذبذب مستمر بمعدل أسبوع أو أسبوعين . و لم أعد أعلم ماذا أريد ؟ أريد الدنيا أم الآخرة ؟ أريد السهل أم الصعب ؟ أم ماذا بالتحديد ؟
و لم أختر إلا الخيار الخطأ ، قررت أن أنهي معاناتي بإسكات ضميري و عقلي و أن أعمل ما يحلو لي و هكذا لم يعرف قلبي إلا النهاية المنطقية : قسوة ما بعدها قسوة ...
نعم هذا حالي الآن :
أجر ورائي ذكريات بداية الالتزام ، حين ارتديت حجاب الموضة ـ الذي كنت أظن أنه الحجاب ــ و كلي فرح ، حين كنت أؤدي النوافل ، حين كنت أصوم الاثنين و الخميس و حين أقلعت عن كل ما يغضب الله تعالى ... ذكريات حلوة أصبحت جزءاً من ماضٍ بعيد .
و أجر معي آلام الحاضر ، بين ما أعلمه و هو حجة عليّ ، و بين ما ترغبه نفسي التي لم تعد ترضى و لا تشبع إلا بالشهوات حتى أنها تتمنى لو أنها لم تكن تعلم ما تعلمه و العياذ بالله
أستيقظ كل يوم و لا أحدد وجهة محددة ، تمر الساعات الطوال بدون عمل مجدي ، أو في المعاصي التي لا حصر لها . حالتي النفسية غريبة جدا ، خمول ما بعده خمول ، و أحاسيس حسرة مخدرة ... لم أعد أسمع الآذان ، و صعب علي استحمال سماع القرآن ، و باتت كل الشرائع الدينية سراباً بعيد الوصول ، بل مستحيل الوصول. لم تعد للمعاصي حتى تلك اللذة الخدّاعة ، بل أصبحت مملة لا أدري حتى لمَ أرتكبها . لم أعد أجد للحياة معنى و لا أدري ما شعوري عندما أفكر في الآخرة ...
نعم ،هذه هي النهاية المأساوية لمن يستصغر الذنوب ، و لا يتوب عما قريب ... نهاية من يغره حلم الله عليه ، و لا يرى في أسمائه سبحانه إلا الغفور الرحيم ... نهاية من يغره شبابه و صحته وفراغه ، و ينسى أنها نقمة على من لم يستغلها ...
نعم يا أخواتي ،
هذه معاناة فتاة عاصية
تعليق