بسمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحيمِ
السَّلامُ عَليْكم ورَحمَةُ الله وبَرَكاتُه
الحجابُ وعلاقتُه بالغيرَةِ
لمَّا انعَدَمتِ الغيرَةُ
رَجُلٌ يترُكُ امْرَأتَه دونَ حجابٍ ويَنْظُرُ إليها مَنْ ينظُر ويتَغزَّل فيها مَن يتغزَّل، فكيف له بهذه الغيرَةِ؟
رَجُلٌ يَترُكُ امْرَأتَه تعمَلُ بين الرِّجالِ وتُخالِطُهُم وتُمضِي معَهُم أكثَر مِمَّاتُمضِي معَه من الوقْتِ، فكيف له بهذه الغِيرَةِ؟
رَجُلٌ ضاعَتْ حتَّى غِيرَتُه على نفسِه عندما أخَذَ يسْمَعُ السَّبابَ والشَّتائِمَ من أصْدقائِه على أنَّها مُزاحٌ، فكيف له بهذه الغِيرَةِ؟
رَجُلٌ اهْتَمَّ بالغِناءِ والرَّقْصِ وألوانِ الفِسْقِ والفُجورِ، فكيف له بهذه الغِيرَةِ؟
رَجُلٌ باعَ دِينَهُ بالكُلِّيَّةِ من أجْلِ شَهَواتِهِ، فمن أينَ له بهذه الغِيرَةِ؟
حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيل
الغَيْرَةُ غَرِيزَةٌ أو شُعورٌ معنوِيٌّ رَكَّبها الله في العبْدِ، قوَّةٌ رُوحيَّةٌ تدفعُ الرَّجلَ لصِيانَةِ المرأةِ والحفاظِ على عِرْضِها من كلِّ فاسِقٍ أو فاجِرٍ يُحاوِلُ النَّيْلَ من شرَفِها وعِفَّتِها.
قال النُّحاسُ: "الغِيرَةُ هي أنْ يحمِيَ الرَّجلُ زوجتَهُ وغيرِها من قرابَتِه، أنْ يدخُلَ عليهِنَّ أو يراهُنَّ غيرُ محرَمٍ" (زاد المسلم،5/158).
الغيرةُ في الإسلامِ خلُقٌ محمودٌ، والغيرةُ على المحارِمِ تعتبرُ جِهاداً مشرُوعاً، عن سعيدٍ بنِ زيدٍ رضي اللهُ عنه قالَ سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ:" مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهَيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " (رواه الترميذي رقم:1421،1418)، فَمَنْ ماتَ دِفاعاً عن عِرضِه فهو بمنزلَةِ الشَّهِيدِ بنصِّ هذا الحدِيثِ. وعنِ المغِيرة بن شعبة رضي اللهُ قالَ: "قالَ سَعْدُ بنُ عبادة: لو رأيتُ رجُلاً مع امْرَأتي لَضرَبْتُه بالسَّيْفِ غيرِ مُصفَّحٍ، فبَلَغَ ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالَ:تَعْجَبُونَ مِنْ غِيرَةِ سَعْدٍ؟ واللهِ لأنَا أغْيَرُ مِنْهُ، واللهُ أغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أجْلِ غِيرَةِ اللهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" (رواه البخاري،12/181).
قالَ الشَّيْخُ مُحمَّد أحمد إسماعِيل مقدم حَفِظَهُ اللهُ: "وإنَّ من ضُروبِ الغيرةِ المحمودةِ: أُنْفَةُ المُحِبِّ وحِمْيَتُه أنْ يُشارِكَه في محبُوبِه غَيْرُه، ومن هنا كانتْ الغيرةُ نوعاً من أنواعِ الأثَرَةِ، لابُدَّ منه لحِياطَةِ الشَّرفِ وصِيانَةِ العِرْضِ، وكانتْ مُثارَ الحِمْيَةِ والحَفيظَةِ فيمَنْ لا حِمْيَةَ له ولا حَفيظَة".
فالحِجاب يُولِدُ الإحْساسَ بِالغيرةِ في نُفوسِ الرِّجالِ المسلِمينَ والنِّساءِ المُسلِماتِ على حدٍّ سواء، غيرَةُ المُؤمنينَ على محَارِمِ المؤمِنينَ من أنْ تُنالَ الحُرُماتُ أو تُخْدشَ بما يَجرحُ كَرامتَها وعِفَّتها وطَهارَتها ولو بنظْرَةِ أجْنبِيٍّ، وغيرةُ النِّساءِ على أعْراضِهِنَّ وشَرَفِهِنَّ
وضدُّ الغيرة الدَّياثة، وضدُّ الغَيور الدَّيُّوث، وهو الَّذي يُقِرُّ الخَبَثَ في أهلِه، قالَ العلماءُ: "الدَّيُّوثُ الَّذي لا غِيرَةَ له على أهْلِ بِيْتِهِ" (النهاية في غريب الحديث،21/147)، وقد وَرَدَ الوَعِيدُ الشَّديدُ في حَقِّه، عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله ُ عنهما قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، العَاقُّ لِوَالِدَيْهِ،والمَرْأةُ المُتَرَجِّلَةُ، والدَّيُّوثُ" (أخرجه النسائي1/357، والإمام أحمد2/134، وابن خزامة في التوحيد 235، وابن حبان56، وصححه العلامة أحمد شاكر6180-9/34).
وقالَ مُحمَّد أحمد إسماعيل المقدم حَفِظَه الله: إنَّ الغيرَةَ على حُرْمةِ العِفَّةِ ركنُ العُروبَةِ وقوامُ أخْلاقِها في الجاهِلِيَّةِ والإسلامِ، لأنَّها طبيعةُ الفِطْرَةِ البَشرِيَّةِ الصَّافِيَّةِ النَّقيَّةِ ولأنَّها طبيعةُ النَّفسِ الحُرَّةِ الأبِيَّةِ، وهذا الخُلُقُ رأيْناه يسْتقِرُّ في نفُوسِ الجاهِليِّينَ الَّذين تذوَّقوا معاني تلك الفَضائِلِ وتَحلَّوْا بها فإذا هُم يَغارُونَ على عِرْضِ جيرَانهم من هَوى أنْفُسِهِم ذاتِهِمْ، فاستمِعْ إلى عنترة يقولُ مفتَخِراً بنفسِه:
وأغُضُّ طَرْفَيْ إنْ بَدَتْ لي جارَتِي ...... حتَّى يُوارِي جارَتي مَأواهَا
وفي عصر الإسلامِ يقُولُ مسكين الدَّرامي:
نَاري ونارُ الجارِ واحِدَةٌ ........ وإلَيْهِ قَبْلِي تَنْزِلُ القِدْرُ
ما ضَرَّ جارِي إذْ أجاوِرُهُ ........ أنْ لا يَكونَ لِبَيْتِهِ سِتْرُ
أعْمَى إذا ما جارَتِي خَرَجَتْ ........ حتَّى يُوارِي جَارَتِي الخِدْرُ
ويَقولُ آخَر في جَارَتِه أيضاً:
ولَمْ أكُنْ طَلاَّباً أحادِيثَ سِرِّها ........ ولا عَالِماً إذا ما مَرَّتْ أيُّ جِنْسٍ ثِيابِها
_____________
المرجع
كتاب "عودة الحجاب" للشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم
اللهم بلغنا رمضان
تعليق