وفي القصة صورتان من صور التوكل الصادق .عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم ()
الحديث اليوم عن قصةٍ رواها البخاريُّ رحمه الله في مواضعَ عديدةٍ من صحيحه .. والقصة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال :«إنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ ([1]) أَلْفَ دِينَارٍ . فَقَالَ : ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ . فَقَالَ : كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا . قَالَ : فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ . قَالَ : كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا . قَالَ : صَدَقْتَ . فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا ، فَأَخَذَ خَشَبَةً ، فَنَقَرَهَا ([2]) ، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ([3]) ، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ ، فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ : كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ : كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا ، فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ .
فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا ، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ . قَالَ : هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ ؟ قَالَ : أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ . قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا».
هذه قصة لولا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها لصَعُب تصديقها ..
وفي القصة فوائد :
منها : مشروعية الدين . ولا خلاف في ذلك . والمقرض له أجر كبير ، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد عن بُرَيْدَةَ بن الحصيب قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ» ، قَالَ : ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» . قُلْتُ : سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ» ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» ؟ قَالَ : «لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» .
منها : أنّه ينبغي على الإنسان أن يُوثِّقَ دينه ويحافظ على ماله ، فذاك الرجل كان يداين الناس ويطلبُ كفيلاً ، وفي هذا حفظٌ للحقوق .
ومنها : جواز الأجل في القرض .
فإن حلّ الأجل وجب الوفاء .
قال النبي صلى الله عليه وسلم :«مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته» ..
فإن لم يجد المدين ما يدفعه للدائن فلا أقلَّ من الذهاب إليه وإخباره بعبارة لطيفة بدلاً من التخفي منه .
فإذا اطلع الدائن على حال صاحبه فعليه أن يُنظره لقول الله تعالى :}وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{ .
ومنها : التَّحَدُّث عَمَّا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل وَغَيْرهمْ مِنْ الْعَجَائِب لِلِاتِّعَاظِ ، وإلا لكان الكلام لغواً لا فائدة فيه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم منزه عن مثل ذلك .
وفيها : بيان ثمرة التوكل على الله ببذل الأسباب ..
وفي القصة صورتان من صور التوكل الصادق ..
توكل الدائن على الله ورضي بالله شهيداً وكفيلاً ..
وتوكل المدين على ربه لما دفع المال في البحر ، واتخذ ما يقدِر عليه من الأسباب : كالدعاء ونقر الخشبة ثم وضعِ المال في جوفها ، ثم إصلاحِ ثقبها .. وقد قال تعالى :} ومن يتوكل على الله فهو حسبه{ ، فكل أمورك لله ، واتخذ ما تحت يدك من الأسباب ، ولا تُعلِّق بها قلبك ، والله ولي أمرك .. ومَنْ صَحَّ تَوَكُّله أفلح سعيه .
ومن الفوائد : أنه ينبغي الحرص على إرجاع الحقوق ..
وأريد منك أن تتأمل هذه القصة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم ورجل من أصحابه ..
عن رجل من العرب : زَحَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ وَفِى رِجْلِى نَعْلٌ كَثِيفَةٌ ، فَوَطِئْتُ بِهَا عَلَى رِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَنَفَحَنِى نَفْحَةً بِسَوْطٍ فِى يَدِهِ وَقَالَ :« بِسْمِ اللَّهِ أَوْجَعْتَنِى ». قَالَ : فَبِتُّ لِنَفْسِى لاَئِماً أَقُولُ أَوْجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَ : فَبِتُّ بِلَيْلَةٍ كَمَا يَعْلَمُ اللَّهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا رَجُلٌ يَقُولُ : أَيْنَ فُلاَنٌ؟ قَالَ قُلْتُ : هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي كَانَ مِنِّى بِالأَمْسِ - قَالَ - فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مُتَخَوِّفٌ ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّكَ وَطِئْتَ بِنَعْلِكَ عَلَى رِجْلِى بِالأَمْسِ فَأَوْجَعْتَنِى ، فَنَفَحْتُكَ نَفْحَةً بِالسَّوْطِ ، فَهَذِهِ ثَمَانُونَ نَعْجَةً فَخُذْهَا بِهَا »([4]) .
إنّ المرء ليعجب من أناس يقسمون بالله كاذبين ليأكلوا أموال الناس .. أوما علم أولئك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» . فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ :«وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» [خرجه مسلم] .
وفي القصة أنّ من أحسن الظن بربه كان الله عند ظنه .
وفيها بيان قدرة الله .
وفيه فضل الأمانة ، وهي أول ما يُضَيَّع ، وقد بوب البخاري في صحيحه باب : رفعِ الأمانه ، وساق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فَيُقَالُ : إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا » . ولا أدري أجاء هذا الزمان أم لا . ولقد أضاعها كثير من الخاصة فكيف بغيرهم . إنك لتجد المرء من أحسن الناس صلاةً ، وربما تصدر للخطابة والحديث ، فإذا عاملته بالمال بان لك حقيقة أمره ، والله المستعان ، وإليه المشتكى . وقد قال تعالى :}إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا{ وقال النبي صلى الله عليه وسلم :«اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ : اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» [خرجه الإمام أحمد] .
أكتفي بهذا القدر ، وأترككم في حفظ الله ورعايته ، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
[1] / سأله ديناً .
[2] / حفرها .
[3] / سَوَّى مَوْضِع النَّقْر وَأَصْلَحَهُ .
[4] / سنن الدارمي : ((1/48» ، وصححه الألباني في السلسلة برقم ((3043» .
بسم الله الرحمن الرحيم ()
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا ، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ . قَالَ : هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ ؟ قَالَ : أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ . قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا».
هذه قصة لولا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها لصَعُب تصديقها ..
وفي القصة فوائد :
منها : مشروعية الدين . ولا خلاف في ذلك . والمقرض له أجر كبير ، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد عن بُرَيْدَةَ بن الحصيب قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ» ، قَالَ : ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» . قُلْتُ : سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ» ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» ؟ قَالَ : «لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» .
منها : أنّه ينبغي على الإنسان أن يُوثِّقَ دينه ويحافظ على ماله ، فذاك الرجل كان يداين الناس ويطلبُ كفيلاً ، وفي هذا حفظٌ للحقوق .
ومنها : جواز الأجل في القرض .
فإن حلّ الأجل وجب الوفاء .
قال النبي صلى الله عليه وسلم :«مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته» ..
فإن لم يجد المدين ما يدفعه للدائن فلا أقلَّ من الذهاب إليه وإخباره بعبارة لطيفة بدلاً من التخفي منه .
فإذا اطلع الدائن على حال صاحبه فعليه أن يُنظره لقول الله تعالى :}وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{ .
ومنها : التَّحَدُّث عَمَّا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل وَغَيْرهمْ مِنْ الْعَجَائِب لِلِاتِّعَاظِ ، وإلا لكان الكلام لغواً لا فائدة فيه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم منزه عن مثل ذلك .
وفيها : بيان ثمرة التوكل على الله ببذل الأسباب ..
وفي القصة صورتان من صور التوكل الصادق ..
توكل الدائن على الله ورضي بالله شهيداً وكفيلاً ..
وتوكل المدين على ربه لما دفع المال في البحر ، واتخذ ما يقدِر عليه من الأسباب : كالدعاء ونقر الخشبة ثم وضعِ المال في جوفها ، ثم إصلاحِ ثقبها .. وقد قال تعالى :} ومن يتوكل على الله فهو حسبه{ ، فكل أمورك لله ، واتخذ ما تحت يدك من الأسباب ، ولا تُعلِّق بها قلبك ، والله ولي أمرك .. ومَنْ صَحَّ تَوَكُّله أفلح سعيه .
ومن الفوائد : أنه ينبغي الحرص على إرجاع الحقوق ..
وأريد منك أن تتأمل هذه القصة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم ورجل من أصحابه ..
عن رجل من العرب : زَحَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ وَفِى رِجْلِى نَعْلٌ كَثِيفَةٌ ، فَوَطِئْتُ بِهَا عَلَى رِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَنَفَحَنِى نَفْحَةً بِسَوْطٍ فِى يَدِهِ وَقَالَ :« بِسْمِ اللَّهِ أَوْجَعْتَنِى ». قَالَ : فَبِتُّ لِنَفْسِى لاَئِماً أَقُولُ أَوْجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَ : فَبِتُّ بِلَيْلَةٍ كَمَا يَعْلَمُ اللَّهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا رَجُلٌ يَقُولُ : أَيْنَ فُلاَنٌ؟ قَالَ قُلْتُ : هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي كَانَ مِنِّى بِالأَمْسِ - قَالَ - فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مُتَخَوِّفٌ ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّكَ وَطِئْتَ بِنَعْلِكَ عَلَى رِجْلِى بِالأَمْسِ فَأَوْجَعْتَنِى ، فَنَفَحْتُكَ نَفْحَةً بِالسَّوْطِ ، فَهَذِهِ ثَمَانُونَ نَعْجَةً فَخُذْهَا بِهَا »([4]) .
إنّ المرء ليعجب من أناس يقسمون بالله كاذبين ليأكلوا أموال الناس .. أوما علم أولئك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» . فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ :«وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» [خرجه مسلم] .
وفي القصة أنّ من أحسن الظن بربه كان الله عند ظنه .
وفيها بيان قدرة الله .
وفيه فضل الأمانة ، وهي أول ما يُضَيَّع ، وقد بوب البخاري في صحيحه باب : رفعِ الأمانه ، وساق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فَيُقَالُ : إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا » . ولا أدري أجاء هذا الزمان أم لا . ولقد أضاعها كثير من الخاصة فكيف بغيرهم . إنك لتجد المرء من أحسن الناس صلاةً ، وربما تصدر للخطابة والحديث ، فإذا عاملته بالمال بان لك حقيقة أمره ، والله المستعان ، وإليه المشتكى . وقد قال تعالى :}إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا{ وقال النبي صلى الله عليه وسلم :«اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ : اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» [خرجه الإمام أحمد] .
أكتفي بهذا القدر ، وأترككم في حفظ الله ورعايته ، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
[1] / سأله ديناً .
[2] / حفرها .
[3] / سَوَّى مَوْضِع النَّقْر وَأَصْلَحَهُ .
[4] / سنن الدارمي : ((1/48» ، وصححه الألباني في السلسلة برقم ((3043» .
تعليق