أنواع الحسد: - أضرار الحسد: علاج الإصابة من الحسد والعين
الحسد نوعان: حسد مذموم، وحسد محمود.
أولاً: الحسد المذموم:
المقصود بالحسد المذموم هو أن يرى الإنسان نعمة على إنسان آخر فيكره ذلك ويتمنى زوالها عنه وانتقالها إليه. وهذا النوع من الحسد ذَمَّه اللَّه وحَرَّمه في كتابه وحذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة.
قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (109)سورة البقرة.
قال ابن كثير رحمه اللَّه: يحذر اللَّه تعالى عباده المؤمنين من سلوك الكفار من أهل الكتاب، ويُعْلِمُهم بعداوتهم لهم في الظاهر والباطن، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين. [تفسير ابن كثير جـ2 ص18].
وقال سبحانه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} (54) سورة النساء.
قال القرطبي: قوله تعالى: أم يحسدون يعني: اليهود، وقوله تعالى: الناس يعني النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: حسدوه على النبوة، وأصحابه على الإيمان به.[تفسير القرطبي جـ5 ص252].
وللحسد المذموم مراتب منها :
المرتبة الأولى: أن يحب الإنسان زوال النعمة عن الغير، وأن تنتقل إليه، ولذا يسعى بكافة السُّبُل المحرَّمة إلى الإساءة إليه ليحصل على مقصوده، كأن يحصل على داره، أو يجعله يطلِّق امرأته ليتزوجها، أو يكون صاحب منصب، فيحب أن يحصل عليه بدلاً من ذلك الغير. وهذه المرتبة هي الغالبة بين الحُساد.
المرتبة الثانية: أن يحب الإنسان زوال النِعْمة عن الغير، وإن كانت هذه النعمة لا تنتقل إليه، وهذه المرتبة في غاية الخُبْث ولكنها دون المرتبة الأولى.
المرتبة الثالثة: أن لا يحب الإنسان نفس هذه النعمة لنفسه، ولكنه يشتهي أن يكون لديه مثلها، فإن عجز عن الحصول على مثلها، أحب زوال هذه النعمة عن الغير كي لا يظهر التفاوت بينهما. [الإحياء للغزالي جـ3 ص298].
يروى عن ابن عمرـ رضي الله عنهما ـ : إن إبليس قال لنوح، اثنتان أهلك بهما بنى آدم، الحسد وبالحسد لُعِنْتُ وجُعِلْت شيطاناً رجيماً، والحرص وقد أُبيح لآدم الجنة كلها، فأصبت حاجتي منه بالحرص . ( أخرجه ابن أبي الدنيا ).
ويقول ابن القيم كما في التفسير القيم صـ 584: للحسد ثلاث مراتب:
أحداها: بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها.
والثانية: تمنى استصحاب عدم النعمة . فهو يكره أن يُحدث الله لعبده نعمة، بل يحب أن يبقى على حاله من جهله، أو فقره، أو ضعفه، أو شتات قلبه عن الله، أو قلة دينه . فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص وعيب، فهذا حسد على شيء مٌقَدّر، والأول حسد على شيء محقق . وكلاهما حاسد، وعدو نعمة الله، وعدو عباده، وممقوت عند الله تعالى، وعند الناس، ولا يسود أبداً، ولا يواسى فإن الناس لا يُسوِّدون عليهم إلا من يريد الإحسان إليهم، فأما عدو نعمة الله عليهم فلا يُسوِّدونه باختيارهم أبداً إلا قهراً، يعدونه من البلاء و المصائب التي ابتلاها الله بها، فهم يبغضونه وهو يبغضهم.
والثالثة: حسد الغبطة، وهو تمني أن يكون له مثل حال المحسود من غير أن تزول النعمة عنه، فهذا لا بأس به، ولا يعاب صاحبه، بل هذا قريب من المنافسة . وقد قال تعالى:{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } (المطففين: 26) , وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال:" لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً وسلطه على هَلَكَتْه في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضى بها ويعلمها الناس " ( متفق عليه ).
قال عروة بن أذينة:
لا يبعد الله حسادي وزادهم * * * حتى يموتوا بداء غير مكنون
إني رأيتهم في كل منزلةٍ * * * أجل فقداً من اللائي أحبوني
ثانيا: الحسد المحمود:
المقصود بالحسد المحمود هو أن يرى الإنسان نعمة على غيره، فيتمنى أن يكون له مثلها دون أن يكرهها أو يتمنى زوالها عن ذلك الغير. ( النهاية لابن الأثير جـ 1 صـ 383 ).
وهذا الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري:" لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتى فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل أتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتى فلان فعملت مثل ما يعمل "( البخاري حديث 5026 ).
ويسمى هذا النوع من الحسد المحمود بالغبطة أو المنافسة، ومن المعلوم أن المنافسة في عمل الخيرات وطلب الآخرة أمر حثنا عليه الله في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة ,قال تعالى: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } ( الحديد: 21),وقال سبحانه: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } (المطففين: 26) ,روى أبو داود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما أبقيت لأهلك؟ " قلت: مثله. وأتي أبو بكر بكل ما عنده. فقال:" يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: والله لا أسابقك إلى شيء أبداً" ( صحيح أبي داود للألباني حديث 1472).
يقول عمر رضي الله عنه هذا الكلام وليس في قلبه شيء؛ لأن المؤمن التقى النقي هو الذي لا يحسد أحداً أبداً على ما أعطاه ربنا المعبود في هذا الوجود، فالمؤمن يغبط ومَنْ في إيمانه خلل يحسد .
وقد أثنى الله – عز وجل – على الأنصار لأنهم لا يحسدون أحداً على نعمة أنعم الله بها عليه فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ( الحشر: 9 ).
ولقد وصف الله تعالى هؤلاء الناس بقوله: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا } (الحشر:10) .
4- أضرار الحسد
والحسد من أفعال القلوب؛ لأنه مجرد تمني زوال النعمة عَمَّن حدثت له، أو عدم حصوله عليها، أو الفرح لزوالها عنه، أو الحزن لحصوله عليها، أو الحرص القلبي على عدم حصوله عليها، وكل هذه من أفعال القلوب.
قال ابن عباس وعائشة - رضي الله عنهما - : لما كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قربت إليه اليهود ، فلم يزالوا حتى أخذوا مشاطة من أثر النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه ، فأعطاه اليهود؛ ليسحروه بها صلى الله عليه وسلم وتولى ذلك ابن الأعصم ، رجل من اليهود .
قال الإمام ابن القيم رحمه اللَّه: لا ريب أن اللَّه سبحانه خَلَقَ في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها خواص، وكيفيات مُؤَثرة، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام، فإنه أمرٌ مُشَاهَد محسوس. فأنت ترى الوجه كيف يَحْمرُّ حُمْرة شديدة إذا نظر إليه من يستحي منه ويصْفر صُفْرة شديدة عند نظر من يخافه إليه. وقد شاهد الناس من يَسْقم من النظر وتضعف قواه، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح ولشدة ارتباطها بالعين يُنسبُ الفعل إليها وليست هي الفاعلة، وإنما التأثير للروح.والأرواح مختلفة طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذًى بَيْنًا، ولهذا أمر اللَّه سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من شره، وتأثير الحسد في أذى المحسود أمرٌ لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين، فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة، وتقابلُ المحسود، فتؤثر فيه بتلك الخاصية، وأشبه الأشياء بذلك الأفعى، فإن السُّمَّ كامن فيها بالقوة، فإذا قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين، ومنها ما تؤثر في طَمْس البصر.زاد المعاد لابن القيم جـ4 ص166].
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وأبو داود عن الزبير بن العوام t قال:عن الحسن البصري حيث قال ـ رحمة الله عليه ـ: " هلاك الناس من ثلاث: الكبر، والحرص، والحسد، فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس، والحرص هلاك النفس وبه أُخرج آدم من الجنة، والحسد رائد الشر وبه قتل قبيل أخاه هابيل " .
قال بعض الحكماء : الحاسد بارز ربَّه من خمسة أوجه :
أحدها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره .
وثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه ، كأنه يقول : لم قسمت إلي هذه القسمة .
وثالثها : أنه ضاد الله ، أي : أن فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهو يبخل بفضل الله .
ورابعها : أنه خذل أولياء الله ، أو يريد خذلانهم ، وزوال النعمة عنهم .
وخامسها : أنه أعان عدوه إبليس .
وقيل : الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة ، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء ، ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً ، وغمًّا ، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً ، واحتراقاً ، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً .ابن عادل : تفسير اللباب 19/3.
وللحسد آثار وأضرار على الحاسد وعلى المجتمع منها :
1 - حلق الدين :
روى الترمذي عن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تَحْلِقُ الشعر ولكن تحلق الدين». [صحيح الترمذي 2038 وصحيح الجامع (3361) صحيح لغيره).قال المباركفوري : " تَحْلِق الدِّين أي َتَسْتَأْصِلهُ كَمَا يَسْتَأْصِل الْمُوسَى الشَّعْر" عون المعبود 9/297.
2 - انتفاء الإيمان الكامل:
روى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمعان في قلب عبدٍ: الإيمان والحسد». [صحيح النسائي 2912].
وقال صلى الله غليه وسلم(لا يجتمع في جوف عبد غبار في سبيل الله وفيح جهنم ، ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد) رواه ابن حبان والبيهقي و إسناده حسن، وأخرجه النسائي 6/12-13، والطبراني في "الصغير" 410 وصححه الحاكم 2/72.
3- ضياع الحسنات :
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ) (أخرجه أبو داود في السنن: 4/276 رقم (4903) وابن ماجه 2/1408 رقم (4210) إسناده ضعيف فيه عيسى بن أبي عيسى ضعفه أحمد وغيره) .
4 - رفع الخير وانتشار البغضاء في المجتمع:
يقول صلى الله عليه وسلم(لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا) رواه الطبراني. روى الشيخان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد اللَّه إخوانًا».[البخاري حديث 6076، ومسلم حديث 2559].
ذكر عكرمة هذه القصة التي تبين أن الحسد من الممكن أن يقلب الحقائق ويصير الحق باطلاً والباطل حقاً، قال: كانت القضاة ثلاثة - يعني: في بني إسرائيل - فمات واحد فجعل الآخر مكانه، فقضوا ما شاء الله أن يقضوا فبعث الله ملكا على فرس فمر على رجل يسقي بقرة معها عجل، فدعا الملك العجل فتبع العجل الفرس، فجاء صاحبه ليرده فقال: يا عبد الله ! عجلي وابن بقرتي، فقال الملك: بل هو عجلي وابن فرسي، فخاصمه حتى أعيا، فقال: القاضي بيني وبينك.
قال: لقد رضيت، فارتفعا إلى أحد القضاة، فتكلم صاحب العجل فقال له: مر بي على فرس فدعا عجلي فتبعه فأبى أن يرده، قال: ومع الملك ثلاث درات لم ير الناس مثلها، فأعطى القاضي درة، وقال: اقض لي، فقال: كيف يسوغ هذا؟ فقال: نرسل العجل خلف الفرس والبقرة فأيهما تبعها فهو ابنها، ففعل ذلك فتبع الفرس فقضى له.
فقال صاحب العجل: لا أرضى، بيني وبينك القاضي الآخر، ففعلا مثل ذلك، ثم أتيا الثالث فقصا عليه قصتهما، وناوله الملك الدرة الثالثة فلم يأخذها، وقال: لا أقضي بينكما اليوم، فقالا: ولم لا تقضي بيننا؟ فقال: لأني حائض، فقال الملك: سبحان الله !! رجل يحيض !؟.فقال القاضي: سبحان الله ! وهل تنتج الفرس عجلا؟ فقضى لصاحب البقرة.فقال الملك: إنكم إنما ابتليتم، وقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك. ( ابن كثير : البداية والنهاية 9/ 274) .
قال الكميت الأسدي:
5 - مقت الناس للحاسد وعدواتهم له:
كما أن الحاسد يغض الناس ويستكثر نعمة الله عليهم ؛ فإن الناس كذلك تبغضه لسوء خلقه وفساد طويته عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ:أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟قَالُوا: بَلَى، إِنْ شِئْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:فَإِنَّ شِرَارَكُمُ الَّذِي يَنْزِلُ وَحْدَهُ، وَيَجْلِدُ عَبْدَهُ، وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ، قَالَ:أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ؟قَالُوا: بَلَى إِنْ شِئْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:مَنْ يُبْغِضُ النَّاسَ وَيُبْغُضُونَهُ، قَالَ: أَوَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ؟قَالُوا: بَلَى إِنْ شِئْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:الَّذِينَ لا يَقْبَلُونَ عَثْرَةً، وَلا يَقْبَلُونَ مَعْذِرَةً، وَلا يَغْفِرُونَ ذَنْبًا، قَالَ: أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ؟قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:مَنْ لا يُرْجَى خَيْرُهُ، وَلا يُؤْمَنُ شَرُّهُ. أخرجه الطبراني (10/318 ، رقم 10775) والحديث فيه ضعف .
قال محمود الورّاق:
6 –الغم والهم :
قال السمرقندي : ليس شيء من الشر أضر من الحسد ، لأنه يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل إلى المحسود مكروه : غم لا ينقطع , مصيبة لا يؤجر عليها , مذمة لا يحمد عليها , يسخط عليه الرب , تغلق عليه أبواب التوفيق ( الإبشيهي : المستطرف 1/458).
قال ابن المعتز:الحسد داء الجسد. وقال الأصمعي: قلت لأعرابي:ما أطول عمرك؟ قال: تركت الحسد فبقيت. والحاسد يُقتل غمّاً بصبر المحسود. قال بعض الحكماء: يكفيك من الحاسد أنه يغتمّ في وقت سرورك. وقيل في منثور الحكم: عقوبة الحاسد من نفسه. وقال بعض الأدباء: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحسود نفس دائم وهمّ لازم وقلب هائم فأخذه بعض الشعراء فقال:
قال معاوية رضي الله عنه: ليس في خصال الشر أعدل من الحسد يقتل الحاسد قبل أن يصل للمحسود.
قال رجل لشريح القاضي: إني لأحسدك على ما أرى من صبرك على الخصوم ووقوفك على غامض الحكم. فقال: ما نفعك الله بذلك ولاضرني.
وقال علي : لا راحة لحسود ، ولا إخاء لملول .والحسود لا يسود.
قال بعض الحكماء : ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد .
وقال بعضهم : لله درُّ الحسدِ ما أعدلَه ، بدأ بصاحبهِ فقتلَه .
قال الشاعر :
قال معاوية لابنه : يا بني ، إياك والحسد ، فإنه يتبين فيك قبل أن يتبين في عدوك .
وعن سفيان بن دينار : قال قلت لأبي بشر : أخبرني عن أعمال من كان قبلنا ؟ قال : كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً ؟ قال : قلت : ولم ذاك ؟ قال : لسلامة صدورهم .
وشتم رجل ابن عباس ، فقال له:إنك لتشتمني وفيّ ثلاث خصال: إني لآتي على الآية في كتاب الله – فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم ، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به – ولعلي لا أقاضي إليه أبداً ، وإني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلداً من بلدان المسلمين فأفرح به ، ومالي به سائمة .وقال معاوية : كل الناس أقدر على رضاه ، إلا حاسد نعمة ، فإنه لا يرضيه إلا زوالها ولذا قيل :
قال الشاعر :
لا زلت يا سبط الكرام محسَّداً *** والتافه المسكين غير محسدِ
قال الجاحظ : ( الحسد أبقاك الله داء ينهك الجسد ويفسد الود ، علاجه عسر ، وصاحبه ضجر، وهو باب غامض ، وأمر متعذر ، فما ظهر منه فلا يداوى ، وما بطن منه فمداويه في عناء) رسالة الحاسد والمحسود (ص : 8).
حكي أن رجلا من العرب دخل على المعتصم فقربه وأدناه وجعله نديمة وصاريدخل على حريمه من غير استئذان وكان له وزير حاسد فغار من البدوي وحسده وقال فينفسه إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله أخذ بقلب أمير المؤمنين وأبعدني منه فصاريتلطف بالبدوي حتى أتى به إلى منزله فطبخ له طعاما وأكثر فيه من الثوم فلما أكلالبدوي منه قال له احذر أن تقترب من أمير المؤمنين فيشم منك فيتأذى من ذلك فإنهيكره رائحته ثم ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين فخلا به وقال يا أمير المؤمنين إنالبدوي يقول عنك للناس إن أمير المؤمنين أبخر وهلكت من رائحة فمه فلما دخل البدويعلى أمير المؤمنين جعل كمه على فمه مخافة إن يشم منه رائحة الثوم فلما رآه أميرالمؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال إن الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح فكتب أميرالمؤمنين كتابا إلى بعض عماله يقول فيه إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله ثمدعا البدوي ودفع إليه الكتاب وقال له امض به إلى فلان وائتني بالجواب فامتثل البدويما رسم به أمير المؤمنين وأخذ الكتاب وخرج به من عنده فبينما هو بالباب إذ لقيهالوزير فقال أين تريد قال أتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان فقال الوزير فينفسه إن هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مال جزيل فقال له يا بدوي ما تقول فيمنيريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك ويعطيك ألفي دينار فقال أنت الكبير وأنتالحاكم ومهما رأيته من الرأي أفعل قال أعطني الكتاب فدفعه إليه فأعطاه الوزير ألفيدينار وسار بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصده فلما قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبةالوزير فبعد أيام تذكر الخليفة في أمر البدوي وسأل عن الوزير فأخبر بأن له أياما ماظهر وأن البدوي بالمدينة مقيم فتعجب من ذلك وأمر بإحضار البدوي في فحضر فسأله عنحاله فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها فقال له أنت قلتعني للناس إني أبخر فقال معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أتحدث بما ليس لي به علموإنما كان ذلك مكرا منه وحسدا وأعلمه كيف دخل به إلى بيته وأطعمه الثوم وما جرى لهمعه فقال أمير المؤمنين قاتل الله الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله ثم خلع علىالبدوي واتخذه وزيرا وراح الوزير بحسده. ابن حجة الحموي: ثمرات الأوراق 196.
5- علاج الحسد:
قال ابن القيم: يندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب:
السبب الأول: التعوذ بالله من شره والتحصن به، والالتجاء إليه .
السبب الثاني: تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه . وقال في حق الصديق يوسف صلى الله عليه وسلم:": { لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ( يوسف: 24 ) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لعبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: " واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك،ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك " ( أخرجه الإمام أحمد والترمذي ).
السبب الثالث: الصبر على عدوه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلاً.
السبب الرابع: التوكل على الله، فمن يتوكل على الله فهو حسبه .
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه.
السبب السادس: وهو الإقبال على الله، والإخلاص له .
السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه .
السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه .
السبب التاسع: هو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذى بالإحسان إليه.
قال عز وجل: { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ{34} وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{35} وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ( فصلت: 34 – 36 ) .
السبب العاشر : التوحيد الخالص لله . ابن القيم كما في التفسير القيم صـ 585، 594.
علاج الإصابة من الحسد والعين :
1ـ ستر محاسن من يخشى عليه الإصابة بالعين:
قال ابن القيم – رحمه الله – : ومن علاج ذلك أيضاً والاحتراز منه: ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه. كما ذكر البغوى في كتاب ( شرح السنة): إن عثمان رضي الله عنه رأى صبياً مليحاً فقال: دَسِّموا نونته، لئلا تصيبه العينثم قال في تفسيره: ومعنى دَسِّموا نونته: أي سودوا نونته، ـ والنونة: النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير وهي محل الحسن . ( شرح السنة:13/116).
2ـ قراءة فاتحة الكتاب وآية الكرسي:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَقَالَ هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ فَسَلَّمَ وَقَالَ أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِىٌّ قَبْلَكَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلاَّ أُعْطِيتَهُ.أخرجه مسلم 2/198(1828) و"النَّسَائي" 2/138 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سِنَامًا ، وَسِنَامُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ، فِيهَا آيَةٌ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ ، لاَ تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ فِيهِ شَيْطَانٌ إِلاَّ خَرَجَ مِنْهُ ، آيَةُ الْكُرْسِيِّ. أخرجه عَبْد الرَّزَّاق (6019) و"التِّرمِذي" 2878 .
3ـ قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين:
عن عبد الله بن حبيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:":" اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسى وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء " أبو داود( 5082 والترمذي( 3575 ).
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات ( الشيخان ).
4ـ المحافظة على أذكار الصباح والمساء:
ومنها : عما روي عن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَا مِنْ عَبْدٍ ، يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ ، وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ : بِسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ ، فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ.أخرجه أحمد 1/62(446) و"البُخَارِي" ، في "الأدب المفرد"660 و"ابن ماجة"3869 .
5ـ الرقية الشرعية والدعاء.:
والرقية الشرعية هي التي تكون بآي القرآن الكريم فتقرأ: الحمد،وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة، والمعوذات تعيدها ثلاث مرات، والقرآن كله شفاء بلا شك وكذا الأدعية المأثورة مع البعد عن البدع والشركيات , وتعليق التمائم والخرز وغير ذلك .
فإن من شروط الرقية الشرعية :
1- أن تكون من القرآن أو الأذكار أو الأدعية الشرعية.
2- أن تكون باللسان العربي.
3- أن يعتقد أنها سبب والله هو المؤثر.
4- أن لا يعتمد عليها، وإنما يعتمد على الله { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [المائدة: 23].
5- أن يكون الراقي ليس من أهل الشعوذة.
قال تعالي: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } (النمل:62) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : "أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم:" فقال: يا محمد اشتكيت؟ فقال: نعم، قال: باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك". مسلم(5664).
6- الصبر على كيد الحسود :
لو وقف المسلم عند كل كلمة تقال له , وعند كل نظرة ينظر بها إليه , لما سلم , ولقضى عمره كله في هم ونكد, فرضا الناس غاية لا تدرك , سألَ موسى ربَّ أنْ يكفَّ ألسنةَ الناسِ عنهُ ، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : (( يا موسى ، ما اتخذتُ ذلك لنفسي ، إني أخلقُهم وأرزقُهُمْ ، وإنهم يسبُّونَنِي ويشتُموننِي )) !!.
قال الشاعر :
اصبر على كيد الحسود * * * فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل نفسها * * * إن لم تجد ما تأكله
وقال آخر :
أحرص على جمع الفضائل واجتهد * * وتجافي عمن حمل الضغينة والحسد
اصبر على كيد الحسود مدارياً * * يا صاح بعد الموت ينقطع الحسد
وقول بشارة بن برد:
إِنْ يَحْسُدُونِي فَإِنِّي غَيْرُ لاَئِمِهِم* * * قَبْلِي مِنَ النَّاسِ أَهْلُ الفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا
فَدَامَ لِي وَلَهُمْ مَابِي وَمَا بِهِمُ* * * وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُوا
6- الاغـتـســـال :
وذلك إذا تأكدنا أن أحد الناس حسد آخر بالعين، فإننا نطلب من الحاسد أن يتوضأ في إناء، ثم نأخذ هذا الماء ونصبه على رأس وظهر المحسود من خلفه فيبرأ بإذن الله تعالى.
فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة بسند صحيح صححه الألباني في صحيح الجامع (3908) من حديث أَبي أُمَامَةَ بن سَهل بن حُنَيفٍ ، أَنُّ أَبَاهُ حدثه ،أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ، خَرَجَ ، وَسَارُوا مَعَهُ نَحوَ مَكةَ ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعبِ الخَرارِ مِنَ الجُحفَةِ اَغْتَسَلَ سَهْلُ بن حُنَيف ، وَكَانَ رَجُلاَ أبيَضَ ، حَسَنَ الجِسمِ وَالجِلْدِ ، فَنَظَرَ إِلَيهِ عَامِرُ بْنِ رَبِيعَةَ أَخُو بني عَدِي بْنِ كَعبٍ وَهُوَ يَغتَسِلُ ، فَقَالَ : مَا رَأَيتُ كَاليوم وَلاَ جِلدَ مُخبَأَةِ ، فَلُبِطَ بِسَهل ، فَاُتِيَ رَسُولُ أللًهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ الله ، هَل لَكَ فِي سَهْلٍ ؟ وَالله مَا يرفَعُ رَأسَهُ ، وَمَا يُفِيقُ. قَالَ : هَل تَتهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدِ ؟ قَالُوا : نَطَرَ إِلَيهِ عامِرُ بن رَبِيعَةَ ، فَدَعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ، عَامِرا فَتَغَيظَ عَلَيهِ وَقَالَ : عَلاَمَ يَقتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلأ إِذَا رَأَيْتَ مُا يُعجِبُكَ بَركتَ ، ثُم قَالَ لَهُ : أغتَسِل لَهُ ، فَغَسَلَ وَجهَهُ ، ويديه ، ومرفقيه , وركبتيه , وأطراف رجليه , وَدَاخِلَةَ إِزَارِه فِي قَدَحِ ، ُثم صُب ذَلِكَ المَاءُ عَلَيهِ ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلفِهِ ، ثُمُّ يُكْفِىُء القَدَحَ وَرَاءَهُ ، فَفَعَلَ بِهِ ذَالِكَ ، فَرَاحَ سَهل مَعَ الناسِ لَيسَ بِهِ بأس.أخرجه أحمد3/486(16756 و"النَّسَائي" في "عمل اليوم والليلة" 209.
وفي رواية أخرى عند أحمد في سنده: فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه، يصبه رجلٌ على رأسه وظهره من خلفه ثم يكفيء القدح وراءه ففعل ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس .
وفي رواية عن أحمد وهي في صحيح الجامع (1/212): " إذا رأى أحدكم من أخيه أو نفسه أو من ماله ما يعجبه فليدع بالبركة فإن العين حق ".
وقانا الله وإياكم من شر الحسد والحاسدين والحقد والحاقدين, وطهر قلوب المؤمنين , وجعلهم أخوة في الله متحابين متآلفين.
الحسد نوعان: حسد مذموم، وحسد محمود.
أولاً: الحسد المذموم:
المقصود بالحسد المذموم هو أن يرى الإنسان نعمة على إنسان آخر فيكره ذلك ويتمنى زوالها عنه وانتقالها إليه. وهذا النوع من الحسد ذَمَّه اللَّه وحَرَّمه في كتابه وحذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة.
قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (109)سورة البقرة.
قال ابن كثير رحمه اللَّه: يحذر اللَّه تعالى عباده المؤمنين من سلوك الكفار من أهل الكتاب، ويُعْلِمُهم بعداوتهم لهم في الظاهر والباطن، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين. [تفسير ابن كثير جـ2 ص18].
وقال سبحانه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} (54) سورة النساء.
قال القرطبي: قوله تعالى: أم يحسدون يعني: اليهود، وقوله تعالى: الناس يعني النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: حسدوه على النبوة، وأصحابه على الإيمان به.[تفسير القرطبي جـ5 ص252].
وللحسد المذموم مراتب منها :
المرتبة الأولى: أن يحب الإنسان زوال النعمة عن الغير، وأن تنتقل إليه، ولذا يسعى بكافة السُّبُل المحرَّمة إلى الإساءة إليه ليحصل على مقصوده، كأن يحصل على داره، أو يجعله يطلِّق امرأته ليتزوجها، أو يكون صاحب منصب، فيحب أن يحصل عليه بدلاً من ذلك الغير. وهذه المرتبة هي الغالبة بين الحُساد.
المرتبة الثانية: أن يحب الإنسان زوال النِعْمة عن الغير، وإن كانت هذه النعمة لا تنتقل إليه، وهذه المرتبة في غاية الخُبْث ولكنها دون المرتبة الأولى.
المرتبة الثالثة: أن لا يحب الإنسان نفس هذه النعمة لنفسه، ولكنه يشتهي أن يكون لديه مثلها، فإن عجز عن الحصول على مثلها، أحب زوال هذه النعمة عن الغير كي لا يظهر التفاوت بينهما. [الإحياء للغزالي جـ3 ص298].
يروى عن ابن عمرـ رضي الله عنهما ـ : إن إبليس قال لنوح، اثنتان أهلك بهما بنى آدم، الحسد وبالحسد لُعِنْتُ وجُعِلْت شيطاناً رجيماً، والحرص وقد أُبيح لآدم الجنة كلها، فأصبت حاجتي منه بالحرص . ( أخرجه ابن أبي الدنيا ).
ويقول ابن القيم كما في التفسير القيم صـ 584: للحسد ثلاث مراتب:
أحداها: بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها.
والثانية: تمنى استصحاب عدم النعمة . فهو يكره أن يُحدث الله لعبده نعمة، بل يحب أن يبقى على حاله من جهله، أو فقره، أو ضعفه، أو شتات قلبه عن الله، أو قلة دينه . فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص وعيب، فهذا حسد على شيء مٌقَدّر، والأول حسد على شيء محقق . وكلاهما حاسد، وعدو نعمة الله، وعدو عباده، وممقوت عند الله تعالى، وعند الناس، ولا يسود أبداً، ولا يواسى فإن الناس لا يُسوِّدون عليهم إلا من يريد الإحسان إليهم، فأما عدو نعمة الله عليهم فلا يُسوِّدونه باختيارهم أبداً إلا قهراً، يعدونه من البلاء و المصائب التي ابتلاها الله بها، فهم يبغضونه وهو يبغضهم.
والثالثة: حسد الغبطة، وهو تمني أن يكون له مثل حال المحسود من غير أن تزول النعمة عنه، فهذا لا بأس به، ولا يعاب صاحبه، بل هذا قريب من المنافسة . وقد قال تعالى:{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } (المطففين: 26) , وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال:" لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً وسلطه على هَلَكَتْه في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضى بها ويعلمها الناس " ( متفق عليه ).
قال عروة بن أذينة:
لا يبعد الله حسادي وزادهم * * * حتى يموتوا بداء غير مكنون
إني رأيتهم في كل منزلةٍ * * * أجل فقداً من اللائي أحبوني
ثانيا: الحسد المحمود:
المقصود بالحسد المحمود هو أن يرى الإنسان نعمة على غيره، فيتمنى أن يكون له مثلها دون أن يكرهها أو يتمنى زوالها عن ذلك الغير. ( النهاية لابن الأثير جـ 1 صـ 383 ).
وهذا الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري:" لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتى فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل أتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتى فلان فعملت مثل ما يعمل "( البخاري حديث 5026 ).
ويسمى هذا النوع من الحسد المحمود بالغبطة أو المنافسة، ومن المعلوم أن المنافسة في عمل الخيرات وطلب الآخرة أمر حثنا عليه الله في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة ,قال تعالى: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } ( الحديد: 21),وقال سبحانه: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } (المطففين: 26) ,روى أبو داود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما أبقيت لأهلك؟ " قلت: مثله. وأتي أبو بكر بكل ما عنده. فقال:" يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: والله لا أسابقك إلى شيء أبداً" ( صحيح أبي داود للألباني حديث 1472).
يقول عمر رضي الله عنه هذا الكلام وليس في قلبه شيء؛ لأن المؤمن التقى النقي هو الذي لا يحسد أحداً أبداً على ما أعطاه ربنا المعبود في هذا الوجود، فالمؤمن يغبط ومَنْ في إيمانه خلل يحسد .
وقد أثنى الله – عز وجل – على الأنصار لأنهم لا يحسدون أحداً على نعمة أنعم الله بها عليه فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ( الحشر: 9 ).
ولقد وصف الله تعالى هؤلاء الناس بقوله: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا } (الحشر:10) .
4- أضرار الحسد
والحسد من أفعال القلوب؛ لأنه مجرد تمني زوال النعمة عَمَّن حدثت له، أو عدم حصوله عليها، أو الفرح لزوالها عنه، أو الحزن لحصوله عليها، أو الحرص القلبي على عدم حصوله عليها، وكل هذه من أفعال القلوب.
قال ابن عباس وعائشة - رضي الله عنهما - : لما كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قربت إليه اليهود ، فلم يزالوا حتى أخذوا مشاطة من أثر النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه ، فأعطاه اليهود؛ ليسحروه بها صلى الله عليه وسلم وتولى ذلك ابن الأعصم ، رجل من اليهود .
قال الإمام ابن القيم رحمه اللَّه: لا ريب أن اللَّه سبحانه خَلَقَ في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها خواص، وكيفيات مُؤَثرة، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام، فإنه أمرٌ مُشَاهَد محسوس. فأنت ترى الوجه كيف يَحْمرُّ حُمْرة شديدة إذا نظر إليه من يستحي منه ويصْفر صُفْرة شديدة عند نظر من يخافه إليه. وقد شاهد الناس من يَسْقم من النظر وتضعف قواه، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح ولشدة ارتباطها بالعين يُنسبُ الفعل إليها وليست هي الفاعلة، وإنما التأثير للروح.والأرواح مختلفة طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذًى بَيْنًا، ولهذا أمر اللَّه سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من شره، وتأثير الحسد في أذى المحسود أمرٌ لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين، فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة، وتقابلُ المحسود، فتؤثر فيه بتلك الخاصية، وأشبه الأشياء بذلك الأفعى، فإن السُّمَّ كامن فيها بالقوة، فإذا قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين، ومنها ما تؤثر في طَمْس البصر.زاد المعاد لابن القيم جـ4 ص166].
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وأبو داود عن الزبير بن العوام t قال:عن الحسن البصري حيث قال ـ رحمة الله عليه ـ: " هلاك الناس من ثلاث: الكبر، والحرص، والحسد، فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس، والحرص هلاك النفس وبه أُخرج آدم من الجنة، والحسد رائد الشر وبه قتل قبيل أخاه هابيل " .
قال بعض الحكماء : الحاسد بارز ربَّه من خمسة أوجه :
أحدها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره .
وثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه ، كأنه يقول : لم قسمت إلي هذه القسمة .
وثالثها : أنه ضاد الله ، أي : أن فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهو يبخل بفضل الله .
ورابعها : أنه خذل أولياء الله ، أو يريد خذلانهم ، وزوال النعمة عنهم .
وخامسها : أنه أعان عدوه إبليس .
وقيل : الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة ، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء ، ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً ، وغمًّا ، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً ، واحتراقاً ، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً .ابن عادل : تفسير اللباب 19/3.
وللحسد آثار وأضرار على الحاسد وعلى المجتمع منها :
1 - حلق الدين :
روى الترمذي عن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تَحْلِقُ الشعر ولكن تحلق الدين». [صحيح الترمذي 2038 وصحيح الجامع (3361) صحيح لغيره).قال المباركفوري : " تَحْلِق الدِّين أي َتَسْتَأْصِلهُ كَمَا يَسْتَأْصِل الْمُوسَى الشَّعْر" عون المعبود 9/297.
2 - انتفاء الإيمان الكامل:
روى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمعان في قلب عبدٍ: الإيمان والحسد». [صحيح النسائي 2912].
وقال صلى الله غليه وسلم(لا يجتمع في جوف عبد غبار في سبيل الله وفيح جهنم ، ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد) رواه ابن حبان والبيهقي و إسناده حسن، وأخرجه النسائي 6/12-13، والطبراني في "الصغير" 410 وصححه الحاكم 2/72.
3- ضياع الحسنات :
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ) (أخرجه أبو داود في السنن: 4/276 رقم (4903) وابن ماجه 2/1408 رقم (4210) إسناده ضعيف فيه عيسى بن أبي عيسى ضعفه أحمد وغيره) .
4 - رفع الخير وانتشار البغضاء في المجتمع:
يقول صلى الله عليه وسلم(لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا) رواه الطبراني. روى الشيخان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد اللَّه إخوانًا».[البخاري حديث 6076، ومسلم حديث 2559].
ذكر عكرمة هذه القصة التي تبين أن الحسد من الممكن أن يقلب الحقائق ويصير الحق باطلاً والباطل حقاً، قال: كانت القضاة ثلاثة - يعني: في بني إسرائيل - فمات واحد فجعل الآخر مكانه، فقضوا ما شاء الله أن يقضوا فبعث الله ملكا على فرس فمر على رجل يسقي بقرة معها عجل، فدعا الملك العجل فتبع العجل الفرس، فجاء صاحبه ليرده فقال: يا عبد الله ! عجلي وابن بقرتي، فقال الملك: بل هو عجلي وابن فرسي، فخاصمه حتى أعيا، فقال: القاضي بيني وبينك.
قال: لقد رضيت، فارتفعا إلى أحد القضاة، فتكلم صاحب العجل فقال له: مر بي على فرس فدعا عجلي فتبعه فأبى أن يرده، قال: ومع الملك ثلاث درات لم ير الناس مثلها، فأعطى القاضي درة، وقال: اقض لي، فقال: كيف يسوغ هذا؟ فقال: نرسل العجل خلف الفرس والبقرة فأيهما تبعها فهو ابنها، ففعل ذلك فتبع الفرس فقضى له.
فقال صاحب العجل: لا أرضى، بيني وبينك القاضي الآخر، ففعلا مثل ذلك، ثم أتيا الثالث فقصا عليه قصتهما، وناوله الملك الدرة الثالثة فلم يأخذها، وقال: لا أقضي بينكما اليوم، فقالا: ولم لا تقضي بيننا؟ فقال: لأني حائض، فقال الملك: سبحان الله !! رجل يحيض !؟.فقال القاضي: سبحان الله ! وهل تنتج الفرس عجلا؟ فقضى لصاحب البقرة.فقال الملك: إنكم إنما ابتليتم، وقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك. ( ابن كثير : البداية والنهاية 9/ 274) .
قال الكميت الأسدي:
إن يحسدونني فإني غير لائمهم * * * قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم * * * ومات أكثرنا غيظاً بما يجد
أنا الذي يجدوني في صدورهم * * * لا أرتقي صدراً منها ولا أرِدُ
كما أن الحاسد يغض الناس ويستكثر نعمة الله عليهم ؛ فإن الناس كذلك تبغضه لسوء خلقه وفساد طويته عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ:أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟قَالُوا: بَلَى، إِنْ شِئْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:فَإِنَّ شِرَارَكُمُ الَّذِي يَنْزِلُ وَحْدَهُ، وَيَجْلِدُ عَبْدَهُ، وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ، قَالَ:أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ؟قَالُوا: بَلَى إِنْ شِئْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:مَنْ يُبْغِضُ النَّاسَ وَيُبْغُضُونَهُ، قَالَ: أَوَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ؟قَالُوا: بَلَى إِنْ شِئْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:الَّذِينَ لا يَقْبَلُونَ عَثْرَةً، وَلا يَقْبَلُونَ مَعْذِرَةً، وَلا يَغْفِرُونَ ذَنْبًا، قَالَ: أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ؟قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:مَنْ لا يُرْجَى خَيْرُهُ، وَلا يُؤْمَنُ شَرُّهُ. أخرجه الطبراني (10/318 ، رقم 10775) والحديث فيه ضعف .
قال محمود الورّاق:
أعطيت كل الناس من نفسي الرضا * * * إلا الحسود فإنه أعياني
ما إن لي ذنباً إليه علمته * * * إلا تظاهر نعمة الرحمن
وأبى فما يرضيه إلا ذلتي * * * وذهاب أموالي وقطع لساني
قال السمرقندي : ليس شيء من الشر أضر من الحسد ، لأنه يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل إلى المحسود مكروه : غم لا ينقطع , مصيبة لا يؤجر عليها , مذمة لا يحمد عليها , يسخط عليه الرب , تغلق عليه أبواب التوفيق ( الإبشيهي : المستطرف 1/458).
قال ابن المعتز:الحسد داء الجسد. وقال الأصمعي: قلت لأعرابي:ما أطول عمرك؟ قال: تركت الحسد فبقيت. والحاسد يُقتل غمّاً بصبر المحسود. قال بعض الحكماء: يكفيك من الحاسد أنه يغتمّ في وقت سرورك. وقيل في منثور الحكم: عقوبة الحاسد من نفسه. وقال بعض الأدباء: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحسود نفس دائم وهمّ لازم وقلب هائم فأخذه بعض الشعراء فقال:
إنّ الحسود الظلوم في كرب * * * يخاله من يراه مظلوماً
ذا نفس دائم على نفس * * * يظهر منها ما كان مكتوماً
قال رجل لشريح القاضي: إني لأحسدك على ما أرى من صبرك على الخصوم ووقوفك على غامض الحكم. فقال: ما نفعك الله بذلك ولاضرني.
وقال علي : لا راحة لحسود ، ولا إخاء لملول .والحسود لا يسود.
قال بعض الحكماء : ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد .
وقال بعضهم : لله درُّ الحسدِ ما أعدلَه ، بدأ بصاحبهِ فقتلَه .
قال الشاعر :
يا حاسداً لي على نعمتي * * * أتدري على من أسأتَ الأدبْ
أسأتَ على الله في فعلهِ * * * لأنكَ لم ترضَ لي ما قسمْ
فأخزاكَ ربي بأنْ زادني* * * وسدَّ عليكَ وجوهَ الطلبْ
وعن سفيان بن دينار : قال قلت لأبي بشر : أخبرني عن أعمال من كان قبلنا ؟ قال : كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً ؟ قال : قلت : ولم ذاك ؟ قال : لسلامة صدورهم .
وشتم رجل ابن عباس ، فقال له:إنك لتشتمني وفيّ ثلاث خصال: إني لآتي على الآية في كتاب الله – فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم ، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به – ولعلي لا أقاضي إليه أبداً ، وإني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلداً من بلدان المسلمين فأفرح به ، ومالي به سائمة .وقال معاوية : كل الناس أقدر على رضاه ، إلا حاسد نعمة ، فإنه لا يرضيه إلا زوالها ولذا قيل :
كلُّ العداواةِ قد تُرجَى إماتتُها * * * إلا عداوةَ من عاداكَ من حسدِ
وشكوت من ظلم الوشاة ولم أجد *** ذا سؤدد إلا أصيب بحُسَّدِ
قال الجاحظ : ( الحسد أبقاك الله داء ينهك الجسد ويفسد الود ، علاجه عسر ، وصاحبه ضجر، وهو باب غامض ، وأمر متعذر ، فما ظهر منه فلا يداوى ، وما بطن منه فمداويه في عناء) رسالة الحاسد والمحسود (ص : 8).
حكي أن رجلا من العرب دخل على المعتصم فقربه وأدناه وجعله نديمة وصاريدخل على حريمه من غير استئذان وكان له وزير حاسد فغار من البدوي وحسده وقال فينفسه إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله أخذ بقلب أمير المؤمنين وأبعدني منه فصاريتلطف بالبدوي حتى أتى به إلى منزله فطبخ له طعاما وأكثر فيه من الثوم فلما أكلالبدوي منه قال له احذر أن تقترب من أمير المؤمنين فيشم منك فيتأذى من ذلك فإنهيكره رائحته ثم ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين فخلا به وقال يا أمير المؤمنين إنالبدوي يقول عنك للناس إن أمير المؤمنين أبخر وهلكت من رائحة فمه فلما دخل البدويعلى أمير المؤمنين جعل كمه على فمه مخافة إن يشم منه رائحة الثوم فلما رآه أميرالمؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال إن الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح فكتب أميرالمؤمنين كتابا إلى بعض عماله يقول فيه إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله ثمدعا البدوي ودفع إليه الكتاب وقال له امض به إلى فلان وائتني بالجواب فامتثل البدويما رسم به أمير المؤمنين وأخذ الكتاب وخرج به من عنده فبينما هو بالباب إذ لقيهالوزير فقال أين تريد قال أتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان فقال الوزير فينفسه إن هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مال جزيل فقال له يا بدوي ما تقول فيمنيريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك ويعطيك ألفي دينار فقال أنت الكبير وأنتالحاكم ومهما رأيته من الرأي أفعل قال أعطني الكتاب فدفعه إليه فأعطاه الوزير ألفيدينار وسار بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصده فلما قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبةالوزير فبعد أيام تذكر الخليفة في أمر البدوي وسأل عن الوزير فأخبر بأن له أياما ماظهر وأن البدوي بالمدينة مقيم فتعجب من ذلك وأمر بإحضار البدوي في فحضر فسأله عنحاله فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها فقال له أنت قلتعني للناس إني أبخر فقال معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أتحدث بما ليس لي به علموإنما كان ذلك مكرا منه وحسدا وأعلمه كيف دخل به إلى بيته وأطعمه الثوم وما جرى لهمعه فقال أمير المؤمنين قاتل الله الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله ثم خلع علىالبدوي واتخذه وزيرا وراح الوزير بحسده. ابن حجة الحموي: ثمرات الأوراق 196.
5- علاج الحسد:
قال ابن القيم: يندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب:
السبب الأول: التعوذ بالله من شره والتحصن به، والالتجاء إليه .
السبب الثاني: تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه . وقال في حق الصديق يوسف صلى الله عليه وسلم:": { لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ( يوسف: 24 ) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لعبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: " واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك،ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك " ( أخرجه الإمام أحمد والترمذي ).
السبب الثالث: الصبر على عدوه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلاً.
السبب الرابع: التوكل على الله، فمن يتوكل على الله فهو حسبه .
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه.
السبب السادس: وهو الإقبال على الله، والإخلاص له .
السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه .
السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه .
السبب التاسع: هو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذى بالإحسان إليه.
قال عز وجل: { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ{34} وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{35} وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ( فصلت: 34 – 36 ) .
السبب العاشر : التوحيد الخالص لله . ابن القيم كما في التفسير القيم صـ 585، 594.
علاج الإصابة من الحسد والعين :
1ـ ستر محاسن من يخشى عليه الإصابة بالعين:
قال ابن القيم – رحمه الله – : ومن علاج ذلك أيضاً والاحتراز منه: ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه. كما ذكر البغوى في كتاب ( شرح السنة): إن عثمان رضي الله عنه رأى صبياً مليحاً فقال: دَسِّموا نونته، لئلا تصيبه العينثم قال في تفسيره: ومعنى دَسِّموا نونته: أي سودوا نونته، ـ والنونة: النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير وهي محل الحسن . ( شرح السنة:13/116).
2ـ قراءة فاتحة الكتاب وآية الكرسي:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَقَالَ هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ فَسَلَّمَ وَقَالَ أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِىٌّ قَبْلَكَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلاَّ أُعْطِيتَهُ.أخرجه مسلم 2/198(1828) و"النَّسَائي" 2/138 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سِنَامًا ، وَسِنَامُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ، فِيهَا آيَةٌ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ ، لاَ تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ فِيهِ شَيْطَانٌ إِلاَّ خَرَجَ مِنْهُ ، آيَةُ الْكُرْسِيِّ. أخرجه عَبْد الرَّزَّاق (6019) و"التِّرمِذي" 2878 .
3ـ قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين:
عن عبد الله بن حبيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:":" اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسى وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء " أبو داود( 5082 والترمذي( 3575 ).
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات ( الشيخان ).
4ـ المحافظة على أذكار الصباح والمساء:
ومنها : عما روي عن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَا مِنْ عَبْدٍ ، يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ ، وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ : بِسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ ، فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ.أخرجه أحمد 1/62(446) و"البُخَارِي" ، في "الأدب المفرد"660 و"ابن ماجة"3869 .
5ـ الرقية الشرعية والدعاء.:
والرقية الشرعية هي التي تكون بآي القرآن الكريم فتقرأ: الحمد،وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة، والمعوذات تعيدها ثلاث مرات، والقرآن كله شفاء بلا شك وكذا الأدعية المأثورة مع البعد عن البدع والشركيات , وتعليق التمائم والخرز وغير ذلك .
فإن من شروط الرقية الشرعية :
1- أن تكون من القرآن أو الأذكار أو الأدعية الشرعية.
2- أن تكون باللسان العربي.
3- أن يعتقد أنها سبب والله هو المؤثر.
4- أن لا يعتمد عليها، وإنما يعتمد على الله { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [المائدة: 23].
5- أن يكون الراقي ليس من أهل الشعوذة.
قال تعالي: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } (النمل:62) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : "أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم:" فقال: يا محمد اشتكيت؟ فقال: نعم، قال: باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك". مسلم(5664).
6- الصبر على كيد الحسود :
لو وقف المسلم عند كل كلمة تقال له , وعند كل نظرة ينظر بها إليه , لما سلم , ولقضى عمره كله في هم ونكد, فرضا الناس غاية لا تدرك , سألَ موسى ربَّ أنْ يكفَّ ألسنةَ الناسِ عنهُ ، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : (( يا موسى ، ما اتخذتُ ذلك لنفسي ، إني أخلقُهم وأرزقُهُمْ ، وإنهم يسبُّونَنِي ويشتُموننِي )) !!.
قال الشاعر :
اصبر على كيد الحسود * * * فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل نفسها * * * إن لم تجد ما تأكله
وقال آخر :
أحرص على جمع الفضائل واجتهد * * وتجافي عمن حمل الضغينة والحسد
اصبر على كيد الحسود مدارياً * * يا صاح بعد الموت ينقطع الحسد
وقول بشارة بن برد:
إِنْ يَحْسُدُونِي فَإِنِّي غَيْرُ لاَئِمِهِم* * * قَبْلِي مِنَ النَّاسِ أَهْلُ الفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا
فَدَامَ لِي وَلَهُمْ مَابِي وَمَا بِهِمُ* * * وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُوا
6- الاغـتـســـال :
وذلك إذا تأكدنا أن أحد الناس حسد آخر بالعين، فإننا نطلب من الحاسد أن يتوضأ في إناء، ثم نأخذ هذا الماء ونصبه على رأس وظهر المحسود من خلفه فيبرأ بإذن الله تعالى.
فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة بسند صحيح صححه الألباني في صحيح الجامع (3908) من حديث أَبي أُمَامَةَ بن سَهل بن حُنَيفٍ ، أَنُّ أَبَاهُ حدثه ،أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ، خَرَجَ ، وَسَارُوا مَعَهُ نَحوَ مَكةَ ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعبِ الخَرارِ مِنَ الجُحفَةِ اَغْتَسَلَ سَهْلُ بن حُنَيف ، وَكَانَ رَجُلاَ أبيَضَ ، حَسَنَ الجِسمِ وَالجِلْدِ ، فَنَظَرَ إِلَيهِ عَامِرُ بْنِ رَبِيعَةَ أَخُو بني عَدِي بْنِ كَعبٍ وَهُوَ يَغتَسِلُ ، فَقَالَ : مَا رَأَيتُ كَاليوم وَلاَ جِلدَ مُخبَأَةِ ، فَلُبِطَ بِسَهل ، فَاُتِيَ رَسُولُ أللًهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ الله ، هَل لَكَ فِي سَهْلٍ ؟ وَالله مَا يرفَعُ رَأسَهُ ، وَمَا يُفِيقُ. قَالَ : هَل تَتهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدِ ؟ قَالُوا : نَطَرَ إِلَيهِ عامِرُ بن رَبِيعَةَ ، فَدَعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ، عَامِرا فَتَغَيظَ عَلَيهِ وَقَالَ : عَلاَمَ يَقتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلأ إِذَا رَأَيْتَ مُا يُعجِبُكَ بَركتَ ، ثُم قَالَ لَهُ : أغتَسِل لَهُ ، فَغَسَلَ وَجهَهُ ، ويديه ، ومرفقيه , وركبتيه , وأطراف رجليه , وَدَاخِلَةَ إِزَارِه فِي قَدَحِ ، ُثم صُب ذَلِكَ المَاءُ عَلَيهِ ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلفِهِ ، ثُمُّ يُكْفِىُء القَدَحَ وَرَاءَهُ ، فَفَعَلَ بِهِ ذَالِكَ ، فَرَاحَ سَهل مَعَ الناسِ لَيسَ بِهِ بأس.أخرجه أحمد3/486(16756 و"النَّسَائي" في "عمل اليوم والليلة" 209.
وفي رواية أخرى عند أحمد في سنده: فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه، يصبه رجلٌ على رأسه وظهره من خلفه ثم يكفيء القدح وراءه ففعل ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس .
وفي رواية عن أحمد وهي في صحيح الجامع (1/212): " إذا رأى أحدكم من أخيه أو نفسه أو من ماله ما يعجبه فليدع بالبركة فإن العين حق ".
وقانا الله وإياكم من شر الحسد والحاسدين والحقد والحاقدين, وطهر قلوب المؤمنين , وجعلهم أخوة في الله متحابين متآلفين.
تعليق