إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ما من عبد آثر هواي على هواه إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما من عبد آثر هواي على هواه إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عي

    ما من عبد آثر هواي على هواه إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته،ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عينيه، واستجرت له من وراء كل فاجر" . وهاهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيح- بين أصحابه فيقول: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل تنفض لحيته من آثار الوضوء، ثم قالها في اليوم الثاني، فطلع نفس الرجل، ثم قالها في اليوم الثالث فكان هو الرجل، فلحق به بعض صحابة رسول الله، وجلسوا معه أيامًا فلم يرَ في هذا الرجل كثير صلاة ولا صيام، فقال له بعد ثلاث ليال: لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول كذا وكذا، ولم أرَك تعمل كثير عمل، قال: والله هو ما رأيت، غير أني لا أنام ليلة من الليالي وأنا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّشا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، قال: بذلك بلغت ما بلغت، وتلك التي لا تُطاق -أو كما قال-، إنه الإيمان. [الإمام الشافعي] -عليه رحمة الله- عوتب من قِبَل بعض المغرضين على زيارة [الإمام أحمد]، وهو أكبر منه سنًا، فقال ردًا على هؤلاء:
    قالوا يزورك أحمد وتزوره *** قلت الفضائل لا تغادر منزله
    إن زارني فلفضله أو زرته *** فلفضله فالفضل في الحالين له
    رد على المعرضين، وكأنه يقول : كمدًا من مات من غيره منهم له كفن إنه الإيمان وكفى. ومن آثار الإيمان على حياة الناس أنه عصمة وحجاب عن المعاصي والشهوات والشبهات. يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح-:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" إن المؤمن يا أيها الأحبة يقدِّم مراد الله على شهواته وعلى لذ ائذه، فييسر الله أمره، ويعصمه سبحانه وبحمده. ففي الأثر أن الله -سبحانه عز وجل- قال: "وعزتي وجلالي، ما من عبد آثر هواي على هواه - أي قدم مراد الله على شهوات نفسه وهواها - إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عينيه، واستجرت له من وراء كل فاجر" الإيمان عصمة من الوقوع في المعاصي
    هاهو الشاب القوي الحيِّي العالم، الذي يبلغ ثلاثين سنة؛ إنه [الربيع بن خُثَيْم]، يتمالى عليه فُسَّاق لإفساده، فيأتون بغانية جميلة، ويدفعون لها مبلغًا من المال قدره ألف دينار، فتقول: علام؟ قالوا: على قبلة واحدة من الربيع بن خثيم، قالت: ولكم فوق ذلك أن يزني؛ لأنه نقص عندها منسوب الإيمان، فما كان منها إلا أن تعرضت له في ساعة خلوة، وأبرزت مفاتنها له، فما كان منه إلا أن تقدم إليها يركض ويقول: يا أَمَة الله؛ كيف بك لو نزل ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك يوم يسألك منكر ونكير؟ أم كيف بك يوم تقفين بين يدَيْ الرب العظيم؟ أم كيف بك إن شقيتي يوم تُرْمَين في الجحيم؟ فصرخت وولَّت هاربة تائبة إلى الله، عابدة زاهدة حتى لقِّبت بعد ذلك بعابِدَة الكوفة، وكان يقول هؤلاء الفُسَّاق: لقد أفسدها علينا الربيع. ما الذي ثبَّت الربيع أمام هذه الفتنة؟ هل قلة شهوة؟ إنها الشهوة العظيمة وفي سن هو أوج الشهوة وعظمتها هو سن الثلاثين، ومع ذلك ما الذي ثبته هنا، وما الذي عصمه بإذن الله؟ إنه الإيمان بالله –الذي لا إله إلا هو- .
    فالإيمان –يا أيها الأحبة- كالجمرة متى ما نفخت بها أضاءت واشتعلت؛ فأصبحت إضاءتها عظيمة عظيمة، وحين ينقص منسوب الإيمان يقع الإنسان في الفواحش والآثام، يغرق في الشهوات، ثم يقع بعد ذلك في الموبقات. هاهو شاب من شباب هذه الأمة، كان له صديق سوء، وجاءه في ليلة من الليالي في منتصف الليل وهو نائم ليطرق عليه الباب، طرق عليه الباب في تلك الساعة، وكان نائمًا لم يسمعه، فقامت أمه وفتحت له الباب، وقال: أريد فلانًا، قالت: إنه نائم لا أريد أن أوقظه الآن، قال: أريده لغرض ضروري، ألحَّ عليها فاستجابت حياءً منه، وذهبت وأخرجت هذا الشاب من فراشه، فخرج إلى هذا الرجل، فقال له قرين السوء: نريد الليلة أن ننتهك حرمة البيت الفلاني نريد أن نصعد لذاك البيت، ولنا منه الليلة صيدة –كما يقول-، فما كان من هذا –وقد نقص منسوب الإيمان عنده إن لم يكن قد انعدم- إلاَّ أن دخل وأخذ المسدس، وخرج من نصف الليل، وكان نائمًا، خرج مع قرين السوء يغدوان إلى المعصية لأنهما ما حملا الإيمان كما ينبغي أن يحمل، برجليهما يذهبان إلى الفاحشة، ذهبوا إلي بيت آمن وفي منتصف الليل ليأتي هذا الذي جاء وأيقظه ليصعد الجدار، وينتهك حرمة البيت بسقوطه في وسط البيت، ويبقى ذلك حارسًا بمسدسه خارج البيت، ويسمع صاحب البيت ويقوم، ويأخذ عصى غليظة، ويأتي وراء هذا الرجل يطارده، فيهرب منه ويأتي إلى هذا الحارس؛ صاحب المسدس؛ والذي كان نائمًا في نومته، فيضربه بالعصا ضربة آلمتْه، فما كان منه إلاّ أن أخذ المسدس، ثم قتل هذا الرجل، يا لله ما أعظمها من جريمة! في وسط الليل تنتهك حرمة بيت من بيوت المسلمين، وتقتل -أيضًا- صاحب البيت، ثم بعد ذلك ما النتيجة؟ يأتي رجال الأمن ويقبضون على هذا الرجل، ويقول: إنني لست المجرم الحقيقي، إن المجرم الحقيقي هو فلان، جاءني واستخرجني من دار أمي، وهو الذي أغراني بهذا، فيأخذوه ويذهبون ليبحثون عن الثاني، وإذا بالثاني يذهب إلى جماعة نقص منسوب الإيمان عندها، فيأخذهم شهود زور، يشهدون أنه في تلك الليلة كان نائمًا معهم في القرية الفولانية، ويبقى هذا في السجن، كل ليلة جمعة ينتظر متي ينادي المنادي أن اخرج لتقتل، وأمه تتجرع الغصص، كل ذلك لأنه ما حمل الإيمان كما ينبغي فوقع. "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" ليس هذا فحسب، إليكم هذا الحدث الذي ذكره الشيخ [سلمان العودة] في كتابه جلسة على الرصيف وأنصح باقتناء هذا الكتيب ليبين لك أثر الإيمان في موت القلوب، أثر نقص الإيمان في موت القلوب، ذكر أن فتاة تبلغ العشرين عامًا جاءت إلى إحدى المستشفيات وهي حامل، فوضعت مولودًا في أحسن صحة وأتمِّ حال، لكنها كانت في قلق دائم شديد، وارتباك ظاهر، مسودة الوجه، كثيرة البكاء، بها من الهمِّ ما بها، وبها من الغمِّ ما بها، طلبوا منها بعد أيام من أيام الولادة أن تبعث لوليها ليخرجها من المستشفى، فارتبكت وبكت بكاءً مرًا مستمرًا حتى كاد يغمى عليها من شدة البكاء، فانفردوا بها في غرفة مستقلَّة وسألوها عن الأمر، ما الأمر؟ وما الخطب؟ وما الحدث؟ وبعد جهد جهيد قالت لهم بصوت متقطع وبقلب مليء بالحسرات والهموم والغموم قالت: إن والد هذا الطفل هو أبوها نفسه، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ما أفظع الأمر! وما أفجعه! والله لو قيل إن هذا وقع في الأمم السابقة لاستفظعناه ولاستبشعناه، ولقلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله لو كان في بلاد الكفر والعهر لاستعظمناه، فكيف إذا علمنا أنه في بيتٍ أهله ربما نطقوا بالشهادتين في كل يوم، وربما سمعوا آيات الله ثم انسلخت قلوبهم منها، فلم يعرفوا معروفًا، ولم ينكروا منكرًا؟! لا تستبعد مثل هذا أخي المسلم؛ فلربما كانت البداية بنظرة خائنة هيَّجت الشهوة في نفسه، فوقع على ابنته. ولربما كان ذلك بأغنية ماجنة هيَّجت الشهوة في نفسه، فوقع على ابنته. ولربما كان ذلك بمشاهدة تمثيلية فاجرة هيجت الشهوة في نفسه، فوقع على ابنته. ولربما كان بشربة خمر أفقدته عقله فوقع على ابنته. وهكذا فالمعاصي يجر بعضها بعضًا، والسقوط شيئًا فشيئًا
    ورحلة النيل تبدأ بخطوة واحدة *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
    والإيمان هو الزمام والفيصل. ومن آثاره على الحياة سعادة البيوت والأسر، بيت يدخله الإيمان بيت سعيد لا يُخْرج إلا السعداء بإذن رب الأرض والسماء؛ استعاض أهله عن الغناء بترتيل القرآن آناء الليل وأطراف النهار، واستغنوا عن المجلات الماجنة بتقليب المصحف وكتب السُّنة والكتب المفيدة، واستغنوا عن السجائر وما في حكمها من الخبائث بالسواك فطهروا أفواههم وأرضوا ربهم. سعادة وأي سعادة، نساء هذا البيت مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات متحجبات ممتثلات لأمر رب الأرض والسماوات، يخرج الزوج المؤمن من البيت المؤمن فتقول الزوجة: اتق الله فينا ولا تطعمنا إلا حلالا؛ فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النار. هذا بيت [الإمام أحمد] –عليه رحمة الله- يتربى على الإيمان، فاسمع إليه يوم يقول بعد أن توفيت زوجته [أم صالح] يقول: رافقتني أم صالح – يعني زوجته- ثلاثين عامًا، والله ما اختلفت معها في كلمة واحدة. إنه الإيمان يا أيها الأحبة، البيت المتربي على الإيمان ليس هذا فحسب، إن البيت المتربي على الإيمان يدرك الأطفال هذا الإيمان، فيدخل إلى قلوبهم السعادة ولو كانوا لم يحظوا من الدنيا بقليل ولا كثير. إن [الإمام أحمد] كان دخله في الشهر سبعة عشر درهمًا فيأتي أبناؤه ويقولون: يا أبتاه لا تكفينا، قال: أيام دون أيام، طعام دون طعام، وشراب دون شراب، ولباس دون لباس حتى نلقى الله الواحد الأحد. حذاؤه تبقى في رجله ثمانية عشر عامًا –كما ذكر ابنه عبد اله]- كلما انخزمت خطفها، وأعادها إلى رجله؛ لأنه ركل زخارف الدنيا وهو يعلم أن مناديل [سعد بن معاذ] في الجنة خير من هذا.

    البيوت المؤمنة تُخْرج أشبال الإيمان، والأسر التي تربت على الإيمان تخرج أشبال الإيمان، وإليكم هذا المثل:
    [عمر بن عبد العزيز] -عليه رحمة الله ورضوانه- في يوم العيد، وهو خليفة المسلمين يدخل رجال المسلمين ليهنئونه ويدعون له بقبول الصيام والقيام، ثم يذهب الرجال ويدخل الأطفال؛ أطفال الرعية فدخلوا في هيئة حسنة وجميلة، وبينهم طفل من أطفال عمر ثيابه خَلِقَة وثيابه بالية، وميزانية الأمَّة كلها تحت يديه، ومع ذلك ركل الدنيا تحت قدميه، وربَّى في أهله الإيمان، ففازوا بأعظم حُلة؛ إنها حلة الإيمان، يوم رأى ابنه في يوم العيد بين أطفال الرعية وهم في هيئة حسنة وهو في تلك الهيئة، طأطأ رأسه وبكى، فقال هذا الطفل الصغير، والذي تربى على الإيمان: أبتاه ما الذي طأطأ بك رأسك وأبكاك، قال: يا بني -والله- ما من شيء إلا أني خشيت أن ينكسر قلبك يوم العيد بين أطفال الرَّعية، وأنت بهذه الهيئة وهم بتلك الهيئة، فردَّ ردَّ الرجال المؤمنين، قال: أبتاه إنما ينكسر قلب من عصى ربه ومولاه، وعقَّ أمه وأباه، أما أنا فلا والله. ما الذي علَّم هذا الطفل إلاّ الله الذي رزقه الإيمان من صغره فتربى على الإيمان، فكان منه ما كان

    ومن آثاره -أعني الإيمان- على الفرد الولاء الخالص للمؤمنين، والعداء لأعداء الدين ولو كانوا آباءً وأبناءً أو إخوانًا أو عشيرة، ناهيك عن أن يكونوا من المغضوب عليهم والضالين والمجوس والذين أشركوا، وكلهم ضالون.
    (لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)
    هاهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حققوا هذا الأثر، فظهر في تصرفاتهم، وظهر في كلماتهم ومقالاتهم. يقول [ابن عمر]: والله لو أنفقت أموالي كلها في سبيل الله، وصمت النهار لا أفطر، وقمت الليل لا أنام، ثم لم أصبح وأنا أحب أهل الطاعة، وأبغض أهل المعصية لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار ولا يبالي [وخبيب] -رضي الله عنه وأرضاه- يُقدَّم تضرب عنقه في ذات الله، فيقال له: أتحب أن محمدًا مكانك الآن، وأنك آمن في أهلك، فيقول -وقد والى الله-: والله ما أحب أن محمدًا يشاك بشوكة وأني آمن في أهلي.

    وهكذا يفعل الإيمان. وإذا نقص منسوب الإيمان وإذا تدني منسوب الإيمان تدنى معه الشخص، تدنى إلى مرحلة البهيمية، فأصبح ولاء الإنسان تافهًا حقيرًا مهينًا. يذكر [ابن تيميه]- عليه رحمة الله- أن رجلا تعلق ب ،امرأة سوداء فأحبها حبًا جمًّا، فكان يقول يوم نقص منسوب الإيمان عنده:
    عدو لمن عادت وسِلْم لأهلها *** ومن قرَّبت كان أحب وأقربَ
    ليس هذا فحسب، بل قال مرة أخرى:
    أحب لحبها السودان حتى *** أحب لحبها سود الكلاب.
    صار الحب فيها، والبغض فيها، والولاء لها، والعداء لأعدائها، مع أن الأصل من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان ولن ينال عبد طعم الإيمان وإن صلَّى وصام حتى يكون كذلك ومن آثار الإيمان على حياة الناس أنه يكسب العزة التي تجعل الإنسان يمشي نحو هدفه مرفوع القامة والهامة، لا يحني رأسه لمخلوق، ولا يطأطأ رقبته لجبروت أو طغيان أو مال أو جاه، فهو سيد في الكون هذا وعبد لله وحده.
    لا غرو إذا رأينا مؤمنًا أعرابيًا مثل [ربعي بن عامر] حين باشرت قلبه بشاشة الإيمان، وأضاءت فكره آيات القرآن، يقف أمام [رستم] في سلطانه وإيوانه غير مكترث له ولا عابئ به حتى إذا سأله رستم من أنتم وما الذي جاء بكم؟ حقق في الإيوان وأجاب إجابة في عزة مؤمنة خلدها التاريخ فقال: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلي سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. عزة وأي عزة! إنها لا توجد إلاّ في ظلال الإيمان
    أمَّة الصحراء يا شعب الخلود *** من سواكم حل أغلال الورى؟
    أي داعي قبلكم في ذا الوجود *** صاح لا كسرى هنا لا قيصر؟
    من سواكم في قديم أو حديث *** أطلع القرآن صبحًا للرشاد؟
    هاتفًا في مسمع الكون العظيم *** ليس غير الله ربًا للعباد
    فكِّروا في عصركم وانتبهوا *** طالما كنتم جَمَالا للعُصُر
    وابعثوا الصحراء عزمًا وابعثوا *** مرة أخري بها روح عمر
    هاهو أخر قد آمن بالله حقًا، فأكسبه ذلك الإيمان عزة، جعل يتكلم في [هشام بن عبد الملك] الخليفة كلامًا غليظًا جافيًا، فأمر هشام بإحضاره، فلما وقف بين يديه جعل يتكلم، فقال هشام له: وتتكلم أيضًا في مجلسي؟! فقال: يقول الله –جل وعلا-: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا) أفنجادل الله جدالا، ولا نكلمك يا هشام؟! فما كان من هشام إلا أن قال: قل ما شئت، ثم انصرف راشدًا، فقال ما شاء وانصرف راشدًا بعزة المؤمن (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) إنها العزّة، أثر إيماني يظهر صاحبه الحق، لا يخشى دون الله أحدًا، ليس هذا فحسب. هاكم مثلا آخر، ذلكم الشيخ [سعيد الحلبي] عالم الشام في عصره، كان في درس من دروسه مادًا رجله في مسجد من مساجد الشام، فدخل [إبراهيم] باشا ابن [محمد على] باشا والي مصر آنذاك، فقام الناس كلهم إلاّ هذا الشيخ، بقي مادًّا رجله في حلقته يلقي قال الله، وقال رسوله- صلى الله عليه وسلم- فتأثر ذلك الطاغية، وأثَّر ذلك في نفسه إذ لم يقم له هذا الشيخ، فقال في نفسه هذا: لأتينه من باب لطالما أوتي طلبة العلم من هذا الباب. فذهب وأضمر له ما أضمر، وأحضر ألف ليرة ذهبية –في وقت الشيخ قد لا يجد ليرة واحدة-، وقال لأحد جنوده: اذهب إلي الشيخ وأعطه هذه، فأخذ هذا الجندي ذلك المبلغ، وذهب به إلى الشيخ ولا زال مادًّا رجله في حلقته يدرس قال الله، وقال رسوله –صلى الله عليه وسلم-، ويكتسب العزة من خلال قال الله وقال رسوله، جاء إليه وقال: إن إبراهيم باشا يقول: خذ هذه الألف الليرة الذهبية، فما كان منه إلا أن نظر إليه بعزة المؤمن، وتبسم تبسم المغضب، وقال: ردها له، وقل له: إن الذي يمد رجله لا يمد يده، إن الذي يمد رجليه لا يمد يديه، أنا أقول ربما يكون الشيخ في تلك اللحظة لا يملك ليرة ذهبية واحدة، لكن كنز الإيمان أعظم وأغلى من أن يباع بألف ليرة أو بليرة أو بأقل أو بأكثر، وهكذا يكون المؤمنون. (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) وإن نسيت أيها الأحبة فلا أنسى [سيدًا] -رحمه الله وتجاوز عني وعنه-، الذي اعتزَّ بإيمانه، فصدع بكلمة الحق بلا استحياء ولا خجل، فحكم عليه بالقتل، وطلبوا منه أن يقدم استرحامًا حتى يخفف عنه الحكم، ولكنه أبى -رحمه الله- وقال قولته الشهيرة: إن كنت حوكمت بحق فأنا أرضى بالحق، وإن كنت حوكمت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل، إن إصبعي السبابة التي تشهد لله بالوحدانية مرات في اليوم لترفض أن تكتب كلمة واحدة تقر بها حكم طاغية. ماذا كان سيفعل سيد لولا الإيمان؟ يا للعزة! ويا للثبات!. (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) ومن آثار الإيمان: سعة الرزق لأهل الإيمان والبركة فيه. المؤمن –أيها الأحبة- لا يذهب منه ريال في شراء ما يغضب الله –جلا وعلا- لا يذهب منه ريال في شراء دخان، وما في حكم الدخان من الخبائث، لا يذهب منه ريال في شراء فيلم مفسد أو مجلة أو جريدة مفسدة؛ لأنه يعلم أنه مسؤول أمام الله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، فيصون رزقه عن الربا وعن الغش وعن الحِيَل، وعن المكر والخداع، ويجند رزقه فيما يرضي الله –جل وعلا- فيرزقه الله ويبارك الله له. (وَمَن يَتَّقِِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ )



  • #2
    رد: ما من عبد آثر هواي على هواه إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بي

    درس جميل ومفيد
    جزاك الله خيرا

    تعليق


    • #3
      رد: ما من عبد آثر هواي على هواه إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بي

      المشاركة الأصلية بواسطة نقاء* مشاهدة المشاركة
      درس جميل ومفيد
      جزاك الله خيرا
      جزاك الله خيرا ونفع بكم تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال جعلنا الله وإياكم من اهل الفردوس الأعلى


      تعليق


      • #4
        رد: ما من عبد آثر هواي على هواه إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بي

        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        جزاكِ الله خيراً ونفع بكِ

        الْحَافِـظُ الْمُتْقِـنُ قَـدْ سَــاوى الْمَـلَـكْ .....
        فَاسْتَعْمِـلِ الْـجِـدَّ فَـمَـنْ جَــدَّ مَـلَـكْ
        :rose::rose::rose:
        القرآن كلام الله ..... خطاب الملك....القرآن عزيز ...... مطلوب وليس طالب
        إذا تركته تركك ..... وإذا ذهبت عنه ذهب

        من تعاهدني ..... ويكون قلبـــــها القرآن ؟

        تعليق


        • #5
          رد: ما من عبد آثر هواي على هواه إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بي

          المشاركة الأصلية بواسطة الروح والريحان مشاهدة المشاركة
          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
          جزاكِ الله خيراً ونفع بكِ
          جزاك الله خيرا ونفع بكم تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال جعلنا الله وإياكم من اهل الفردوس الأعلى


          تعليق


          • #6
            رد: ما من عبد آثر هواي على هواه إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بي

            لا إله إلا الله
            نعذو بالله من الخذلان
            ونعوذ بالله من اتباع الهوى
            اللهم أرنا الأشياء على حقيقتها

            جزاكم الله خيرا



            جزاكم الله خيرا ونفع بكم


            قال ابن القيم رحمه الله || كيف يكون عاقلا من باع الجنّة بما فيها بشهوة ساعة ؟
            [الفوائد]

            تعليق

            يعمل...
            X