إثارة الحافز وتكوين الإستعداد
بسم الله الرحمن الرحيم
إضافة المحرم 1428 هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد؛ حبيبي في الله
هل أنت مدرك – حقيقةً – حجم الخطر الذي يداهمك إن استمر بك الحال على ما أنت عليه ؟
إن بقيَتْ -في باطنك وأفكارك وأحوالك- كل تلك الرواسب الجاهلية المقيتة فستُفسد دينك، ولن تستقيم حياتك!
إخوتاه
لابد أن تفيقوا !
إلى متى هذا الرُّقاد وهذا الموات ؟!
انتبهوا ! تيقظوا ! تحركوا ! تخلَّصوا !
نعم.. لابد من استعداد، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46].. إذا أردت أن تخرج من دائرة الجاهلية إلى الإسلام والالتزام، فلا بد أن يكون عندك حافز واستعداد داخلي، يدفعك للعمل والبذل والتضحية.. لابد من إثارة الحافز وتكوين الاستعداد
سل: كيف؟ وأقول لك:
أولاً: بالخوف
اعلم أن الخوف من أكبر محفزات الهمم، كما قال بعض السلف: "الخوف أفضل سائق إلى الله تعالى".
فإذا وجدت في نفسك تكاسلا، وعدم رغبة في الإصلاح، وإلفاً للمعاصي ووَحلها، وعدم أنفةٍ منها، واستمراء لحياة الباطل، إذا وجدت همتك دانية، والفتور يدخل عليك من كل باب حين تهُم بالإصلاح، وألفَيْتَهَا لا تبغي أن تضحي بهذه المعيشة الضنك..
ووجدتها تقول لك:
لماذا كل هذا العنت؟! وما الذي أجرَمتَ حتى تَبذُلَ مهجتك وتبخع نفسك.. ؟! رواسب جاهلية..!! معاصٍ وذنوب..!!
تقول لك نفسك: "لا تُضَخِّم الأمور، أما ترى فلاناً وفلاناً.. يعيشون ويمرَحون ويُغدَق عليهم بالنعم، مع أنهم ربما اجترحوا من السيئات ما هو أكثر منك، فلماذا كل هذا الظلم لنفسك؟! "
إذا وجدت في نفسك ذلك – وإنك والله واجده لا محالة – فقل لها:
"تالله إن سِرتُ وراءك فسترديني؛ فإنك تهنئين براحة ساعة وتنسين عذاب الخلد، فما عساك حينها تفعلين؟ لماذا لا تنظرين لعيبك؟! أما تعلمين أن نفساً بهذه الحال لا تصلح أن تنعم بمنَن ذي الجلال؟!..
ومالك مغرورة بلطف الله عليك؟! أما تعلمين أن بطشه شديد؟! {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (*) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [البروج: 12، 13] ، وبطشه لا يُرَد: {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 147]، لا أحد عزيزٌ إن عصاه ولو كان نبياً مرسلا؛ قال تعالى: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (*) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (*) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (*) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44- 47] "
إخوتاه.. الله هو القاهر جل جلاله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18]، وهو الغني عنا وعن أعمالنا الصالحة، لكنه يحب الطاعة وأهلها: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ} [الزمر: 7]، فالذي يعامله فقط على صفات الجمال من رحمة وعطف وجود ولطف وإنعام، قد عطل صفات جلاله من عظمة وكبرياء وقهر وجبروت.. أوليس هو المخبر عن نفسه بذلك، فأمرنا أن نحذر سوطه وعقابه، فقال عز من قائل سبحانه: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28]، وأمرنا بخشيته وتقواه، فقال سبحانه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]، وأمرنا أن نعلم عنه هذا، فقال سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98]، وقال سبحانه: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (*) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49، 50]، ثم أنت بعد ذلك لا يتحرك فيك ساكن، ولا تعلو لديك همة..
أما تخشى نزول النقم؟! أما تخاف من فجأة الموت وحسرة الفوت؟! .. أما ترتعد فرائصك؟! فلعلك تكون ممن يعاملهم الله بالاستدراج! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" [متفق عليه].
فيا ليتنا نعرف عظمة ربنا، ونعرف شدة عذابه، وعزته وقهره..
يا ليتنا نعرف أنه غيور على أن تنتهك محارمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أغير من الله ،ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن
ثانيا: بمعرفة حقيقة المصير
مما يثير الهمم ويحفزها أيضا، ويساعد في توليد الاستعداد والقابلية أن تعلم حقيقة المصير..
إما جنة وإما نار
فتعرف ما النار، وتشهد هولها وشدتها وعظمتها وبُعدَ قعرها.. وحينئذٍ كيف بالله يهدأ لك جفن خاصة وأنت تعصاه؟! .. كيف بمن يسمع عنها وعن عذابها ثم لا يعمل اتقاءً لها؟!
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها
أشد ما شعرت به من حر الصيف، أو زمهرير الشتاء فقط مجرد نفس من أنفاسها؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اشتكت النار إلى ربها؛ فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف ،فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير
ونار الدنيا جزء من سبعين جزءًا منها؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم"، قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية ! ، قال : "فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرها
وأشد ما تجد من شقاء وبلاء لا يُقدَّر بغمسة فيها! فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في جهنم صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط ؟هل مر بك نعيم قط ؟فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط" [مسلم].
وانظر إلى أدنى عذابها: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أدنى أهل النار عذاباً ينتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه
إخوتاه..
النار بالغة العمق: عن عتبة بن غزوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصخرة العظيمة لتلقى من شفير جهنم فتهوي بها سبعين عاماً ما تفضي إلى قرارها
سلم يا رب سلم!
وهي لا تشبع؛ قال تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]، وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط بعزتك وكرمك ،ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة" [متفق عليه]
طعام أهلها الزقوم، وما أدراك ما الزقوم!: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن تكون طعامه" [أحمد وصححه الألباني]
إخوتاه..
طاعة الله أهون علينا من النار..
فاعرفوا مصيركم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن يفوت الأوان.. ابكوا على خطاياكم قبل أن تبكوا غداً دماً.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت وإنهم ليبكون الدم" [الحاكم وصححه الألباني]
كان مالك بن دينار يقول: " لو وجدت أعواناً لفرَّقتهم يُنادون في سائر الدنيا كلها: أيها الناس ! النار.. النار".
وكان عطاء السلمي يقول: "إذا ذُكرَت جهنم، ما يَسَعُني طعام ولا شراب".
وكان طاوس يُفرَش له الفُرُش، فيضطجع ويتقلى كما تتقلى الحبة في المقلى، ثم يَثِب فيدرجه ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: " طيَّر ذِكر جهنم نوم الخائفين"
[أنصح إخوتي الشباب بقراءة كتاب (التخويف من النار) لابن رجب الحنبلي رحمه الله ] .
أما الجنة:
فسَلوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. واقرؤا عنها سورة (الإنسان)؛ ففي هذه السورة جاءت أطول صورة حسية لنعيم الجنة في القرآن كله، وتليها مباشرة سورة (الواقعة).. أما النعيم المعنوي فأمثال قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (*) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23].
سلوا عن الجنة سورة (الرحمن) وسورة (الزخرف) وسورة (محمد) وسورة (المطففين).. سلوا عنها القرآن.. سلوا عنها الصحابة.. سلوا عنها العُبَّاد والزهاد.. الذين طاروا شوقاً إليها.
الجنة إخوتاه سلعة الرحمن.. أجمل ما فيها أن ترى الله.. وأن يتكلم معك.. الجنة.. الكلام عنها لا ينتهي.. والشوق إليها لا ينقضي.. فاجعلها على بالك دائماً.. اقرأ كل ما ورد عنها وداوم على ذلك.. فتخيلها وتصور نعيمها، ومدى سعادة أهلها، والراحة التامة من كل الآلام والهموم والمشاكل والأحزان.. ثم الخلود.. وما أدراك ما الخلود !
كل ذلك يستثير عزيمتك ويُحرك سواكنك؛ للاستعداد لكل خير وبر وإصلاح.
إخوتاه..
إن استثارة الهمم الفينة بعد الفينة أمر لابد منه، وعلاج ناجع للفتور؛ فالتحفيز المستمر بالخوف والرجاء- بالجنة والنار- يُجبر النفس على البذل وعدم السكون.. ثم تقديرك للموقف على النحو الصحيح، من شأنه أن يُحفزك للقيام بأي تضحية مهما كانت، للتخلص من أَسرِ تلك الرواسب الجاهلية التي تأكل دينك، وتُضعف إيمانك، وتؤدي بك إلى الهلاك.
اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك
اللهم أيقظ من الغفلة هممنا.. وحرك إليك قلوبنا وأجسامنا
آمين يا رب العالمين
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله والحمد لله رب العالمين
المصدر : موقع الشيخ محمد يعقوب
http://www.yaqob.com/web2/index.php/maqalat/maqal/135
إضافة المحرم 1428 هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد؛ حبيبي في الله
هل أنت مدرك – حقيقةً – حجم الخطر الذي يداهمك إن استمر بك الحال على ما أنت عليه ؟
إن بقيَتْ -في باطنك وأفكارك وأحوالك- كل تلك الرواسب الجاهلية المقيتة فستُفسد دينك، ولن تستقيم حياتك!
إخوتاه
لابد أن تفيقوا !
إلى متى هذا الرُّقاد وهذا الموات ؟!
انتبهوا ! تيقظوا ! تحركوا ! تخلَّصوا !
نعم.. لابد من استعداد، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46].. إذا أردت أن تخرج من دائرة الجاهلية إلى الإسلام والالتزام، فلا بد أن يكون عندك حافز واستعداد داخلي، يدفعك للعمل والبذل والتضحية.. لابد من إثارة الحافز وتكوين الاستعداد
سل: كيف؟ وأقول لك:
أولاً: بالخوف
اعلم أن الخوف من أكبر محفزات الهمم، كما قال بعض السلف: "الخوف أفضل سائق إلى الله تعالى".
فإذا وجدت في نفسك تكاسلا، وعدم رغبة في الإصلاح، وإلفاً للمعاصي ووَحلها، وعدم أنفةٍ منها، واستمراء لحياة الباطل، إذا وجدت همتك دانية، والفتور يدخل عليك من كل باب حين تهُم بالإصلاح، وألفَيْتَهَا لا تبغي أن تضحي بهذه المعيشة الضنك..
ووجدتها تقول لك:
لماذا كل هذا العنت؟! وما الذي أجرَمتَ حتى تَبذُلَ مهجتك وتبخع نفسك.. ؟! رواسب جاهلية..!! معاصٍ وذنوب..!!
تقول لك نفسك: "لا تُضَخِّم الأمور، أما ترى فلاناً وفلاناً.. يعيشون ويمرَحون ويُغدَق عليهم بالنعم، مع أنهم ربما اجترحوا من السيئات ما هو أكثر منك، فلماذا كل هذا الظلم لنفسك؟! "
إذا وجدت في نفسك ذلك – وإنك والله واجده لا محالة – فقل لها:
"تالله إن سِرتُ وراءك فسترديني؛ فإنك تهنئين براحة ساعة وتنسين عذاب الخلد، فما عساك حينها تفعلين؟ لماذا لا تنظرين لعيبك؟! أما تعلمين أن نفساً بهذه الحال لا تصلح أن تنعم بمنَن ذي الجلال؟!..
ومالك مغرورة بلطف الله عليك؟! أما تعلمين أن بطشه شديد؟! {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (*) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [البروج: 12، 13] ، وبطشه لا يُرَد: {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 147]، لا أحد عزيزٌ إن عصاه ولو كان نبياً مرسلا؛ قال تعالى: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (*) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (*) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (*) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44- 47] "
إخوتاه.. الله هو القاهر جل جلاله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18]، وهو الغني عنا وعن أعمالنا الصالحة، لكنه يحب الطاعة وأهلها: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ} [الزمر: 7]، فالذي يعامله فقط على صفات الجمال من رحمة وعطف وجود ولطف وإنعام، قد عطل صفات جلاله من عظمة وكبرياء وقهر وجبروت.. أوليس هو المخبر عن نفسه بذلك، فأمرنا أن نحذر سوطه وعقابه، فقال عز من قائل سبحانه: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28]، وأمرنا بخشيته وتقواه، فقال سبحانه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]، وأمرنا أن نعلم عنه هذا، فقال سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98]، وقال سبحانه: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (*) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49، 50]، ثم أنت بعد ذلك لا يتحرك فيك ساكن، ولا تعلو لديك همة..
أما تخشى نزول النقم؟! أما تخاف من فجأة الموت وحسرة الفوت؟! .. أما ترتعد فرائصك؟! فلعلك تكون ممن يعاملهم الله بالاستدراج! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" [متفق عليه].
فيا ليتنا نعرف عظمة ربنا، ونعرف شدة عذابه، وعزته وقهره..
يا ليتنا نعرف أنه غيور على أن تنتهك محارمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أغير من الله ،ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن
ثانيا: بمعرفة حقيقة المصير
مما يثير الهمم ويحفزها أيضا، ويساعد في توليد الاستعداد والقابلية أن تعلم حقيقة المصير..
إما جنة وإما نار
فتعرف ما النار، وتشهد هولها وشدتها وعظمتها وبُعدَ قعرها.. وحينئذٍ كيف بالله يهدأ لك جفن خاصة وأنت تعصاه؟! .. كيف بمن يسمع عنها وعن عذابها ثم لا يعمل اتقاءً لها؟!
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها
أشد ما شعرت به من حر الصيف، أو زمهرير الشتاء فقط مجرد نفس من أنفاسها؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اشتكت النار إلى ربها؛ فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف ،فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير
ونار الدنيا جزء من سبعين جزءًا منها؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم"، قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية ! ، قال : "فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرها
وأشد ما تجد من شقاء وبلاء لا يُقدَّر بغمسة فيها! فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في جهنم صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط ؟هل مر بك نعيم قط ؟فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط" [مسلم].
وانظر إلى أدنى عذابها: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أدنى أهل النار عذاباً ينتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه
إخوتاه..
النار بالغة العمق: عن عتبة بن غزوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصخرة العظيمة لتلقى من شفير جهنم فتهوي بها سبعين عاماً ما تفضي إلى قرارها
سلم يا رب سلم!
وهي لا تشبع؛ قال تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]، وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط بعزتك وكرمك ،ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة" [متفق عليه]
طعام أهلها الزقوم، وما أدراك ما الزقوم!: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن تكون طعامه" [أحمد وصححه الألباني]
إخوتاه..
طاعة الله أهون علينا من النار..
فاعرفوا مصيركم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن يفوت الأوان.. ابكوا على خطاياكم قبل أن تبكوا غداً دماً.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت وإنهم ليبكون الدم" [الحاكم وصححه الألباني]
كان مالك بن دينار يقول: " لو وجدت أعواناً لفرَّقتهم يُنادون في سائر الدنيا كلها: أيها الناس ! النار.. النار".
وكان عطاء السلمي يقول: "إذا ذُكرَت جهنم، ما يَسَعُني طعام ولا شراب".
وكان طاوس يُفرَش له الفُرُش، فيضطجع ويتقلى كما تتقلى الحبة في المقلى، ثم يَثِب فيدرجه ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: " طيَّر ذِكر جهنم نوم الخائفين"
[أنصح إخوتي الشباب بقراءة كتاب (التخويف من النار) لابن رجب الحنبلي رحمه الله ] .
أما الجنة:
فسَلوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. واقرؤا عنها سورة (الإنسان)؛ ففي هذه السورة جاءت أطول صورة حسية لنعيم الجنة في القرآن كله، وتليها مباشرة سورة (الواقعة).. أما النعيم المعنوي فأمثال قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (*) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23].
سلوا عن الجنة سورة (الرحمن) وسورة (الزخرف) وسورة (محمد) وسورة (المطففين).. سلوا عنها القرآن.. سلوا عنها الصحابة.. سلوا عنها العُبَّاد والزهاد.. الذين طاروا شوقاً إليها.
الجنة إخوتاه سلعة الرحمن.. أجمل ما فيها أن ترى الله.. وأن يتكلم معك.. الجنة.. الكلام عنها لا ينتهي.. والشوق إليها لا ينقضي.. فاجعلها على بالك دائماً.. اقرأ كل ما ورد عنها وداوم على ذلك.. فتخيلها وتصور نعيمها، ومدى سعادة أهلها، والراحة التامة من كل الآلام والهموم والمشاكل والأحزان.. ثم الخلود.. وما أدراك ما الخلود !
كل ذلك يستثير عزيمتك ويُحرك سواكنك؛ للاستعداد لكل خير وبر وإصلاح.
إخوتاه..
إن استثارة الهمم الفينة بعد الفينة أمر لابد منه، وعلاج ناجع للفتور؛ فالتحفيز المستمر بالخوف والرجاء- بالجنة والنار- يُجبر النفس على البذل وعدم السكون.. ثم تقديرك للموقف على النحو الصحيح، من شأنه أن يُحفزك للقيام بأي تضحية مهما كانت، للتخلص من أَسرِ تلك الرواسب الجاهلية التي تأكل دينك، وتُضعف إيمانك، وتؤدي بك إلى الهلاك.
اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك
اللهم أيقظ من الغفلة هممنا.. وحرك إليك قلوبنا وأجسامنا
آمين يا رب العالمين
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله والحمد لله رب العالمين
المصدر : موقع الشيخ محمد يعقوب
http://www.yaqob.com/web2/index.php/maqalat/maqal/135
تعليق