خطب رائعة ومؤثرة قرأتها وأردت أن انقلها اليكن
ايقاظ القلوب من غفلتها وقسوتها
إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه، ونَستَعينُه، ونَستَغفِرُه، ونَعوذُ بِالله مِن شُرورِ أنفُسِنا، ومِن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يَهدِهِ اللهُ فَلا مُضلَّ له، ومَن يُضلِلْ فَلا هادِي لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدهُ لا شَريكَ لهُ وَأشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون).
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
(يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَولاً سَديدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظيمًا).
أما بعدُ:
فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وشرَّ الأُمورِ مُحدَثاتُها، وكُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعةٌ، وكُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ، وكلَّ ضَلالةٍ في النَّار أما بعد:
عبادَ اللهِ: مع كثرةِ الفِتَنِ التي حدثتْ في الآونَةِ الأَخيرةِ، وانْشِغالِ كَثيرٍ مِنَّا بِتتبُّعِ الأَخبارِ مِن هُنا وهُناكَ، وتَرصُّدِ الأَنباءِ؛ أصابتِ القُلوبَ غَفلةٌ وقَسوةٌ: غَفلةٌ عنِ المَقصدِ الذي خُلِقْنا لَهُ، وغَفلةٌ عن المَصيرِ الذي سَنَؤُول إليهِ؛ فكانَ لا بُدَّ -عِبادَ اللهِ- مِن مَوعِظَةٍ وذِكرَى تُوقِظُ القُلوبَ مِن غَفلَتِها وسَكْرَتِها وقَسوَتِهَا، مَوعظَةٍ عن مَصيرِ كُلِّ حَيٍّ ومَآلِ كُلِّ مَخلوقٍ.
عبادَ اللهِ: هل سَألَ الواحِدُ مِنَّا نَفْسَهُ هَل تَدومُ هَذهِ الدُّنيا لأَحَدٍ عَلى حالٍ ؟
هل سَألنا أَنفُسَنا عَن مَصيرِنا ومَآلِنا؟
في كُلِّ يومٍ نَسمَعُ ونَفقِدُ أخًا وحَبيبًا وقَريبًا ليَشْهَدَ بِمَوتِهِ على دَناءَةِ الدُّنْيا وسُرعَةِ انْقِضائِها، ولِيدُلَّ كَذَلِكَ عَلى تَفَرُّدِ الرَّبِّ العَلِيِّ -جَلَّ جَلالُهُ- بِالحياةِ الدَّائِمَةِ الَّتي لَم يَسْبِقْهَا عَدَمٌ ولا يَلحَقُها زَوالٌ وَلا مَوتٌ -تَقَدَّسَ اسمُ ربِّنا-.
عبادَ اللهِ: هل سأَلْنا أَنفُسَنا يَومًا عنِ الجَنائِزِ والموتى إِلى أينَ هُم ذاهِبُونَ ؟
وماذا يُفعَلُ بِهِم ؟
وما هُو مَصيرُهُم ؟
عبادَ اللهِ: آخرُ محطَّةٍ في هذهِ الدَّارِ، وأوَّلُ مَنازِلِ الآخِرَةِ: هُو القَبْرُ.. هُو القَبْرُ؛ ومَا أَدْراكُمْ ما القَبْر ؟!
يَكفِيكَ وَاعِظًا مِنْهُ -يا عَبْدَ اللهِ- اسْمُهُ: القَبْر!
عبادَ اللهِ: لقَد ضمَّتِ القُبورُ الأَوائِلَ وَالأَواخِرَ، لقَدْ ضمَّتِ القُبورُ الآباءَ وَالأجدادَ، لَقَد دخَلَها الأَصاغِرُ وَالأكابِرُ، وامْتَلأَتْ بِالمأْمُورِ وَالآمِرِ، ضَمَّتِ الأَنبِياءَ والعُلَماءَ، والصَّالِحينَ والشُّهَداءَ، وَالبَرَرَةَ وَالأَتْقِياءَ، وَالفُجَّارَ وَالأَشْقِياءَ، وفِيها الأَغْنِياءُ والفُقَراءُ، الرِّجالُ وَالأَطفالُ والنِّساءُ، فيها مَن اغْتَرَّ بِالدُّنيا والْتَهَى بِها، وفِيها مَن عَمِلَ لِلآخِرَةِ..
القَبرُ بَابٌ وكُلُّ النَّاسِ داخِلُهُ.
فيَا لَيتَ شِعري! بعدَ القَبْرِ ما الدَّارُ!
القَبرُ -يا عبادَ اللهِ- مَنظَرُهُ فَظيعٌ فَظيعٌ! فكيفَ سُكْنَاهُ؟! قال -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: ( ما رَأَيْتُ مَنْظَرًا إِلاَّ القَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ ).
عبادَ اللهِ: القَبرُ مُظلِمٌ إِلا عَلى مَن نَوَّرَهُ اللهُ عليهِ؛ قال -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-:
( إِنَّ هَذِهِ القُبورَ مُظْلِمَةٌ عَلَى أَهْلِهَا يُنَوِّرُها اللهُ بِصَلاتِي عَلَيْهِمْ ).
وَكانَ هِشامُ الدَّسْتُوائيُّ إِذا انْطَفَأَ السِّراجُ لَيلاً هامَ عَلى وَجْهِهِ وَهَرَبَ، فَتَسْأَلُهُ زَوْجَتُهُ عَنْ عِلَّةِ ذَلكَ؛ فَيُخْبِرُها أنَّهُ تَذَكَّرَ ظُلْمَةَ القَبْرِ.
القَبرُ -يا عبادَ اللهِ-: يُذَكِّرُ بِالآخِرَةِ، ويُزَهِّدُ بِالدُّنْيا، يُذَكِّرُنا بِمَصيرِنا ومَآلِنَا؛ يَقولُ النَّبيُّ -عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: ( كُنتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيارَةِ القُبُورِ أَلاَ فَزُورُوهَا فَإِنَّها تُرَقِّقُ القَلْبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ وَتُذَكِّرُ بِالآخِرَةِ ).
القَبرُ -يا عبادَ اللهِ- يُذَكِّرُ أَهْلَ الغَفْلَةِ، أَهْلَ الاغْتِرارِ بِالدُّنيا..
أيُّها المُغْتَرُّ بِظاهِرِ الدُّنيا: هَلاَّ زُرْتَ القُبورَ فاعْتَبَرْتَ بِمَنْ غُيِّبَ عَنْكَ مِن أَهْلِكَ في بَاطِنِ الأَرْضِ مِمَّنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيا قَبْلَكَ فَحَمَلْتَهُ إِلَى مَصْرَعِهِ وَغَدًا تُحْمَلُ! أَتَدْرِي مَا حَالُنا مَعَ أَهْلِ القُبورِ؟
حَالُنا كَمَا قَالَ بَعضُ السَّلَفِ عَنْ أَهْلِ القُبورِ: ( أَصْبَحَ هَؤُلاءِ زَاهِدِينَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ رَاغِبونَ )، ومَرَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِالقُبورِ؛ فَقَالَ: ( يا تُرابُ! مَا أَسْكَنَ ظَواهِرَكَ وفِي بَاطِنِكَ الدَّواهِي !).
القَبر -عبادَ اللهِ-: لهُ ضَمَّةٌ شَديدةٌ لا يَنجُو مِنْهَا أحدٌ؛ قَالَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: ( لَو نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ القَبْرِ لَنَجَا مِنْها سَعْدُ بنُ مُعاذٍ وَلَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُم روخِي عَنْهُ )، وعائشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنها- تَمُرُّ بِهَا جِنازَةٌ لِصَبِيَّةٍ صَغيرةٍ، فَتَبكِي، فَتُسْأَلُ عَن ذَلِكَ؛ فَتَقولُ إنَّ سَبَبَ بُكائِها رَحْمَةٌ بِهَذِهِ الصَّغيرةِ مِن ضَمَّةِ القَبْرِ، وها هُو نَافِعٌ مَولى ابنِ عُمَرَ يَبكِي لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفاةُ، فيُقالُ لَهُ في ذَلِكَ؛ فيَقولُ: ( ذَكَرْتُ سَعْدًا وضَغطَةَ القَبْرِ ).
القَبرُ -عبادَ اللهِ- وما أَدْراكُمْ مَا القَبْرُ ؟!
فِي القَبْرِ ابْتِلاءٌ، وفِي القَبْرِ فِتْنَةٌ، وفِي القَبْرِ عَذابٌ، فِي القَبْرِ ابْتِلاءٌ؛ كمَا قَال -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: ( إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِها ).
في القَبرِ فِتْنَةٌ وسُؤالُ الْمَلَكَينِ؛ يُسأَلُ العَبدُ فِي قَبْرِهِ عَنْ رَبِّهِ ودِينِهِ ورَسُولِهِ؛ فَيُثَبِّتُ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ.
فِي القَبْرِ عذابٌ -يا عبادَ اللهِ-.. عَذابٌ كان يَتَعوَّذُ مِنهُ نَبيُّنا -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؛ فَكانَ يَقُولُ فِي صَلاتِهِ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ )، وَكانَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يَدعُو فَيَقولُ: ( اللَّهمَّ ربَّ جِبرائِيلَ ومِيكائِيلَ وَرَبَّ إِسرَافِيلَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ حَرِّ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ )، وكَانَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يَأمُرُ بِالاسْتِعاذَةِ مِن عَذابِ القَبرِ؛ فقَدْ كَانَ يومًا مَعَ أَصْحابِهِ فِي جِنازَةٍ؛ فَقالَ لَهُمْ: ( اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِن عَذابِ القَبْرِ ) يُكَرِّرُها ثَلاثًا، نبيُّنا -عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يَقولُ: ( لَولاَ أَلاَّ تَدافَنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ عَذَابَ الْقَبْرِ ).
القَبرُ -يا عبادَ اللهِ- إمَّا رَوضةٌ مِن رِياضِ الجَنَّةِ أَو حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ.
القَبْرُ -يا عبادَ اللهِ- أَبْكَى نَبِيَّكُم -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وَأَبْكَى الصَّالِحِينَ مِنْ بَعْدِهِ؛ يَقُولُ البَراءُ بنُ عازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: ( كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في جِنازَةٍ، فَجَلَسَ على شَفِيرِ القَبْرِ فَبَكَى حتَّى بَلَّ التُّرابَ، ثُمَّ قَالَ: ( يَا إِخْوانِي لِمِثْلَ هَذَا فَأَعِدُّوا )، يَقولُ هَانِئٌ مَولَى عُثمانَ بنِ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: ( كانَ عُثْمانُ بنُ عفَّانَ إِذا وَقَفَ عَلى قَبْرٍ بَكَى حتَّى يَبلَّ لِحْيَتَهَ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الجنَّةَ والنَّارَ فَلا تَبْكي فَإِذا رَأَيْتَ هَذا بَكَيْتَ؟! فقَال: إنَّ رَسولَ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قالَ: ( إنَّ القَبْرَ أَوَّلُ مَنازِلِ الآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ كَانَ ما بَعدَهُ أَيْسَرَ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ )، وَقال -رَضِي اللهُ عنهُ-: وقال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: ( مَا رَأيتُ مَنْظرًا قَطُّ إِلا وَالقَبْرُ أَفظَعُ مِنْهُ ) ، وهَا هُو ثابِتٌ البنانِيُّ يَدخلُ المَقبَرَةَ فيَبكِي ويَقولُ: ( بَلِيَتْ أجْسامُهُمْ وبَقِيتْ أَخْبارُهُمْ فَالعَهْدُ قَريبٌ واللِّقاءُ بَعيدٌ ) ، ويَقولُ ثابِتٌ البنانِيُّ -أيضًا-: ( كُنَّا نَشهَدُ الجِنازَةَ فَلا نَرَى إِلا مُطْرِقًا بَاكِيًا )..
هذا حالُ سلَفِنا الصَّالِحِ -رضوانُ اللهِ عَليهم-..
وكانَ ابنُ المبارَكِ في جِنازَةٍ في المقبرةِ، فَقامَ لَهُ رَجلٌ فَسَأَلَهُ عن شَيءٍ؛ فقَالَ لَهُ: ( يا هذَا! سَبِّحْ فَإِنَّ صَاحِبَ هَذا السَّرِيرِ مُنِعَ مِنَ التَّسبِيحِ ) رَحِمَهُم الله ورَضِي اللهُ عنهُم.
أمَّا حالُنا في المقابِرِ؛ فَلا تَسَلْ عن حالِنا!! كلامٌ، وضحكٌ وشُربٌ للدُّخانِ وغَفلةٌ ولا اعْتِبارٌ وتَذكُّرٌ!! فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلا بالله.
رأى بَعضُ السَّلَفِ أخًا لَهُ مَاتَ، رآهُ فِي المَنامِ، فَقَالَ لَهُ: (مَا عِنْدَكُمْ؟)؛ فَقالَ لَهُ الميِّتُ: ( ما عِنْدَكُمْ أَكْثَرُ مِنَ الغَفْلَةِ وَمَا عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنَ الحَسْرةِ ).
القَبرُ.. القَبرُ -عبادَ اللهِ- هُو الواعِظُ الصَّامِتُ؛ كَفَى بِالموتِ واعِظًا.. عبادَ اللهِ: ألاَ فَزُورُوها؛ فَإِنَّها تُذَكِّرُ الآخِرَةَ؛ فإنَّها تُرقِّقُ القَلبَ وتُذَكِّرُ الآخِرَةَ..
كان أَبُو الدَّرداءِ -رَضِي اللهُ عنه- يجلِسُ إِلى القُبورِ، فَقِيلَ لَهُ في ذَلكَ؛ فَقَال: ( أَجْلِسُ إِلى قَومٍ يُذَكِّرونَنِي مَعادِي وَإِنْ غِبْتُ عَنهُمْ لَمْ يَغْتابُونِي ).
وَقال النَّضرُ بنُ المُنذِرِ لإِخوانِهِ: ( زُورُوا الآخِرَةَ كُلَّ يَومٍ بِقُلوبِكُمْ، وَشاهِدُوا المَوقِفَ بِتوهُّمِكُمْ، وتَوَسَّدُوا القُبورَ بِقُلوبِكُمْ، وَاعْلَمُوا أنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لا مَحالَةَ ).
نسألُ اللهُ -جلَّ جلالُهُ- أن يَقيَنا وإيَّاكُم عَذابَ القَبرِ وفِتنةَ القَبرِ.
أقولُ ما تسمعون وأستَغفرُ الله.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالَمين، وأفضلُ الصَّلاةِ وأتمُّ التَّسليمِ على المبعوثِ رَحمةً للعالَمين، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، وبعدُ:
عبادَ اللهِ: القبرُ مَوعِظَةٌ وذِكرَى لِمَنْ أَرادَ المَوعِظَةَ والانتِفاعَ.
عبادَ اللهِ: قالَ بعضُ السَّلَفِ: ( لِابْنِ آدَمَ بَيْتانِ: بَيتٌ عَلَى ظَهْرِ الأرضِ وبَيتٌ في بَاطِنِ الأرضِ، فَعَمَدَ ابنُ آدمَ إِلى الَّذِي عَلى ظَهرِ الأَرضِ فَزَخْرَفَهُ وزَيَّنَهُ وَجعلَ فيهِ أَبوابًا للشِّمالِ وَأبوابًا للجَنوبِ، ووَضَعَ فيهِ ما يُصْلِحُهُ لِشِتائِهِ وصَيْفِهِ، ثُم عَمَدَ إِلى الَّذي فِي بَطْنِ الأرضِ فَأَخْرَبَهُ ).
عبادَ اللهِ: أَلا هُبُّوا إِلى بُيوتِكُمُ الَّتي في باطِنِ الأَرْضِ؛ فاعْمُرُوهَا وَأَصْلِحُوهَا؛ فَإِنَّ القَبْرَ مَنْزِلٌ بَيْنَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ نَزَلَهُ بِزادٍ ارتَحَلَ بِهِ إِلى الآخِرَةِ؛ إِنْ خَيْرًا فَخَيرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
فالسَّعيدُ -إِخوانِي- مَن عَمَّرَ مَنْزِلَهُ الآخرَ..
السَّعيدُ مَنْ تَابَ وَرَجَعَ واسْتَغْفَرَ..
السَّعيدُ مَنْ رَدَّ مَظلمَ العِبادِ..
السَّعيدُ مَنْ عَمِلَ صالِحًا وَأَقْبَلَ عَلى طَاعَةِ رَبِّهِ وَمَوْلاهُ..
السَّعيدُ مَنْ تَزَوَّدَ لِلآخرِ؛ وَخَيْرُ الزَّادِ التَّقوَى..
السَّعيدُ مَنْ تَجَنَّبَ الغِيبَةَ والنَّمِيمَةَ وظُلْمَ العِبادِ..
السَّعيدُ مَنِ اسْتَعَدَّ لِلِقاءِ اللهِ، فَأَحَبَّ لِقاءَ اللهِ فَأَحَبَّ اللهُ لِقاءَهُ..
فلْنَعمرْ -إخوانِي- قُبورَنا؛ لِتَكُونَ لَنَا رَوضةً مِن رِياضِ الجنَّةِ.
نَسألُ اللهُ -جَلَّ وعلا- أنْ يَقِيَنا وَإيَّاكم عَذابَ القَبْرِ.
قالها وكتبها
أحمد جمال أبو سيف
في مسجد النعيمات / مسجد الشيخ حمزة المجالي
يوم الجمعة الموافق 1/4/2011م
الدولة: الاردن
تعليق