(الأخفياءفقد كنت تأملت، ونظرت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الزهد قوله:
(إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي).
ولقد تأملت قوله صلى الله عليه وسلم (الخفي) فمازالت تلك الهواجس والأفكار والأسئلة تدور في الخاطر المكدود؛
من هو هذا العبد الخفي ؟
من الخفي الذي أحبه الله سبحانه وتعالى؟
من هم الأخفياء ؟
قلت ربما هم الذين عرفوا ربهم وعرفهم فأحبوه وأحبهم وحرسوا أن يكون بينهم وبينه أسرار وأسرار، والله سبحانه وتعالى يعلم إسرارهم فكان خيرا لهم.
وقلت ولربما هم الأنقياء الأتقياء، فما اجتهدوا في إخفاء أعمالهم إلا لخوفهم من ربهم، وخوفهم من فساد أعمالهم بالعجب والغرور وهجمات الرياء، وطلب الثناء والمحمدة من الناس.
وقلت ربما هم الجنود المجهولون الناصحون العاملون، الذين قامت على سواعدهم هذه الصحوة المباركة، فكم من ناصح ، وكم من مرب وكم من داع للحق لا يعرف، وكم من رسالة وكم من شريط طار في كل مطار، وسارت به الركبان، كان خلفه أخفياء وأخفياء فهنيئا لهم.
وقلت أيضا ربما هم الساجدون الراكعون في الخلوات، فكم من دعوة في ظلمة الليل شقت عنان السماء،وكم من دمعة بللت الأرض، فبهذه الدمعات وبهذه السجدات حفظنا وحفظ أمننا، ورزقنا وسقينا ربنا.
وقلت فلربما أن الأخفياء هم اللذين يسعون في ظلمة الليل ليتحسسوا أحوال الضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام، لإطعام الطعام، وبذل المال ليفكوا كربة مكروه، وليفرجوا هم أرملة ضعيفة، شديدة الحال، كثير العيال.
وقلت فلربما أن الأخفياء هم أولئك اللذين لا يعرفهم الناس أو اللذين لا يعرفوا أعمالهم الناس، ولكن الله سبحانه وتعال يعرفهم، وكفا بالله شهيد، فهنيئا لهم .
ثم قلت وما الذي يمنع أن يكون أولئك جميعا؟
وما الذي يمنع أن تكون هذه الصفات كلها صفات لأولئك الأخفياء؟
ولذلك ترددت كثيرا في الحديث عن هذا الموضوع، فما كان لمثلي أن يتحدث عن مثلهم، وأستغفر الله جل وعلا.
ونحن أعرف بأنفسنا من جرأتنا مع قصورنا وتقصيرنا، وقد قالها عبد الله بن المبارك.
لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم........ليس صحيح إذا مشى كا المقعد
رحمك الله يا بن المبارك، عندما قلت هذا لبيت، تعني به نفسك.
فماذا نقول إذا نحن عن أنفسنا؟
ورحم الله القائل :
أحب الصالحين ولست منهم.......لعلي أن أنال بهم شفاعة
كان الحديث عن الأخفياء لأني ولربما لأنك أيضا نظرت الحال أولئك الرجال الذين نسمع قصصهم ونرى أثارهم ومصنفاتها ونرى أنهم أحياء، أحياء بذكرهم وبعلمهم وبنفعهم وإن كانوا في بطن الأرض أمواتا بتلك الأجساد الطيبة الطاهرة.
فأسأل وتتساءل معي، ما هو السر في حياة أولئك الرجال؟
السر هو توجه القلب كل القلب لله جل وعلا، توجهت قلوب أولئك الرجال فنالوا ما نالوا ووصل سمعهم إلى عصرنا الحاضر.
فكان القلب علمه وعمله لله سبحانه وتعالى.
وكان حبه وبغضه لله.
وقوله وفعله لله.
حركاته وسكناته لله.
دقه وجله لله.
سره وعلانيته لله.
يوم أن كانت الآيات هي الشعارات التي ترفع، وهي الكلمات التي تتردد بالقلب قبل اللسان، وفي كل مكان:
] قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين [.
هكذا كانت الآيات ترفع فامتلأت بها القلوب.
أما اليوم، فتعال وأنظر لحالنا يا أخي الكريم، أنظر لحالنا كأفراد؛
فقلوبنا شذر مذر.
ونفوسنا عجب وكبر.
وأفعالنا تزين وإظهار.
وأقوالنا لربما كانت طلب للاشتهار.
وهمومنا في الملذات.
وحديثنا في الشهوات.
وصدق صلى الله عليه وسلم في قوله:
( إن الله كره لكم ثلاثة؛ قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال).
وانظر حالنا كأمة؛
ذل ومهانة وهوان واحتقار.
ولا داعي لأن أواصل هذا الكلام عن حال هذه الأمة في هذا العصر، ولكني أسوق لك دليلا قريبا، في شهر رمضان ثلاثة مذابح للمسلمين:
مذبحة السوق في ساراييفو.
ومذبحة الإبراهيمي في فلسطين.
ومذبحة في السودان.
أكان ذلك يكون لو كانت القلوب متوجهة إلى الله بصدق؟ لا والله.
أقولها ثقة بالله سبحانه وتعالى، لا والله لا يكون هذا الذل وهذا الاحتقار لهذه الأمة، لو توجهت قلوب أصحابها، وتوجهت قلوب المسلمين جميعا إلى الله جل وعلا.
رب ومعتصماه انطلقت......ملء أفواه الصبايا اليتم
ثم أيضا سبب آخر ومهم جدا للحديث عن الأخفياء.
فيا أخي ويا أختي المسلمة:
إن فقدت الأعمال والأقوال – أيا كان نوعها – إن فقدت خلوص النية لله جل وعلا، انطلقت من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات والعياذ بالله.
ألم تسمع لذلك الحديث المفزع للقلوب الذي كما أراد أبو هريرة – رضي الله عنه وأرضاه –أن يرويه لنا، أو يرويه لأصحابه، وقع مغشيا عليه.
يفعل ذلك ثلاثة مرات أو أربع، لهول ذلك الحديث المفزع.
حديث أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة:
(قارئ القرآن والمجاهد، والمتصدق بماله).
أفضل الطاعات، وأفضل القربات إلى الله جل وعلا، يوم صرفت لغير الله أصبحت أحد المخالفات، بل أصبحت هي التي تقود أصحابها إلى النار والعياذ بالله.
وهذا الحديث لما سمعه معاوية رضي الله عنه وأرضاه قال:
(قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بعدهم؟، أو فكيف بمن بقي من الناس؟)
ثم بكى معاوية. رضي الله عنه وأرضاه بكاءً شديداً.ة يقول الراوي حتى ضننا أنه هالك.
انظروا صحابة رسول الله، يخشون على أنفسهم عندما يسمعون الحديث.
فماذا نقول نحن عن أنفسنا؟
يقول الراوي: حتى ضننا أنه هالك، ثم أفاق معاوية،.ومسح وجهه ودمعه بيده. رضي الله تعالى عنه، وقال صدق الله ورسوله:
ولا شيء يحطم الأعمال مثل الرياء ومثل التسميع، بأن يقول فلان:
سمعت وعلمت وفعلت وجئت وذهبت، مسمعا للناس بأفعاله عياذا بالله.
التزام التخلص من كل الشوائب التي تشوب هذه النية، كحب الظهور أو التفوق على الأقران، أو الوصول لأغراض وأغراض من جاه أو مال أو سمعة أو طلب لمحمدة وثناء الناس، فإن هذه وأمثالها قاسمة للظهر متى شابت النية.
ولذلك كان النظر لحياة الأخفياء ولأحوالهم ومدارسة أمورهم من أعظم الأسباب لوصول إلى طريق المخلصين، جعلني الله وإياك منهم .
]الخفاء في الكتاب والسنة[
والخفاء منهج شرعي، ولذلك اسمع أيها المحب لقول الحق جل وعلا:
] وإن تخفوها وتأتوها الفقراء فهو خير لكم[.
هذه الآية الكريمة – كما يقول الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى:
ظاهرة في تفضيل صدقة السر وإخفائها.
ويقول سبحان :
] ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين [.
ويقول المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال:
(ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه).
أنظر لدقة الخفاء في هذه الصدقة، وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
وقال أيضا الحافظ ابن حجر:
( وهو من أقوى الأدلة على أفضلية إخفاء الصدقة ).
وفي الحديث نفسه صورة أخرى يذكرها صلى الله عليه وآله وسلم:
( ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ).
ثم حديث الرجل الذي تصدق ليلا على سارق وعلى زانية وعلى غني وهو لا يعلم بحالهم، والحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
ووجه الدلالة في هذا الحديث على أن الخفاء منهج شرعي.
إن الصدقة المذكورة وقعت في الليل، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث:
( فأصبحوا يتحدثون). بل وقعت رواية أو لفظا صريحا كما في مسلم، يقول صلى الله عليه وآله وسلم على لسان الرجل: (لأتصدقن الليلة).
فدل ذلك على أن صدقته كانت سرا في الليل، إذا لو كانت هذه الصدقة بالجهر نهارا لما خفى عنه حال الغني، بخلاف حال الزانية وحال السارق فالغني ظاهرة حاله، فلذلك كانت الصدقة سرا في الليل .
وأيضا حديث النافلة، صلاة النافلة في البيوت.
فمن حديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه وأرضاه – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة).
وروى الطبراني من حديث صهيب بن النعمان قالَ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس، كفضل المكتوبة على النافلة).
أنظر الشاهد حيث يراه الناس إذا فالاختفاء عن الناس في صلاة النافلة لا شك أنه أفضل.
ومن حديث جندب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه ، كما اخرج البخاري ومسلم، قال : قال النبي صلة الله عليه وآله وسلم :
(من سّمع سمّع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به).
ومن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( من سمع الناس بعلمه سمع الله به مسامع خلقه ، وصغره وحقره ).
أخرجه احمد في مسنده ، والطبراني ، والبيهقي ، وإسناده صحيح.
وذكر الذهبي في السير في ترجمة عبد الله بن داود الخريبي، أنه رضي الله عنه قال:
(كان يستحبون ( أي السلف الصالح) أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها).
وذكر وقيع بن الجراح في كتابه الزهد، والإمام هناد ابن السري في كتاب الزهد، أن الزبير بن العوام قال: (من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل ).
(إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي).
ولقد تأملت قوله صلى الله عليه وسلم (الخفي) فمازالت تلك الهواجس والأفكار والأسئلة تدور في الخاطر المكدود؛
من هو هذا العبد الخفي ؟
من الخفي الذي أحبه الله سبحانه وتعالى؟
من هم الأخفياء ؟
قلت ربما هم الذين عرفوا ربهم وعرفهم فأحبوه وأحبهم وحرسوا أن يكون بينهم وبينه أسرار وأسرار، والله سبحانه وتعالى يعلم إسرارهم فكان خيرا لهم.
وقلت ولربما هم الأنقياء الأتقياء، فما اجتهدوا في إخفاء أعمالهم إلا لخوفهم من ربهم، وخوفهم من فساد أعمالهم بالعجب والغرور وهجمات الرياء، وطلب الثناء والمحمدة من الناس.
وقلت ربما هم الجنود المجهولون الناصحون العاملون، الذين قامت على سواعدهم هذه الصحوة المباركة، فكم من ناصح ، وكم من مرب وكم من داع للحق لا يعرف، وكم من رسالة وكم من شريط طار في كل مطار، وسارت به الركبان، كان خلفه أخفياء وأخفياء فهنيئا لهم.
وقلت أيضا ربما هم الساجدون الراكعون في الخلوات، فكم من دعوة في ظلمة الليل شقت عنان السماء،وكم من دمعة بللت الأرض، فبهذه الدمعات وبهذه السجدات حفظنا وحفظ أمننا، ورزقنا وسقينا ربنا.
وقلت فلربما أن الأخفياء هم اللذين يسعون في ظلمة الليل ليتحسسوا أحوال الضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام، لإطعام الطعام، وبذل المال ليفكوا كربة مكروه، وليفرجوا هم أرملة ضعيفة، شديدة الحال، كثير العيال.
وقلت فلربما أن الأخفياء هم أولئك اللذين لا يعرفهم الناس أو اللذين لا يعرفوا أعمالهم الناس، ولكن الله سبحانه وتعال يعرفهم، وكفا بالله شهيد، فهنيئا لهم .
ثم قلت وما الذي يمنع أن يكون أولئك جميعا؟
وما الذي يمنع أن تكون هذه الصفات كلها صفات لأولئك الأخفياء؟
ولذلك ترددت كثيرا في الحديث عن هذا الموضوع، فما كان لمثلي أن يتحدث عن مثلهم، وأستغفر الله جل وعلا.
ونحن أعرف بأنفسنا من جرأتنا مع قصورنا وتقصيرنا، وقد قالها عبد الله بن المبارك.
لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم........ليس صحيح إذا مشى كا المقعد
رحمك الله يا بن المبارك، عندما قلت هذا لبيت، تعني به نفسك.
فماذا نقول إذا نحن عن أنفسنا؟
ورحم الله القائل :
أحب الصالحين ولست منهم.......لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي..........ولو كنا سواء في البضاعة
]لماذا الحديث عن الأخفياء؟[كان الحديث عن الأخفياء لأني ولربما لأنك أيضا نظرت الحال أولئك الرجال الذين نسمع قصصهم ونرى أثارهم ومصنفاتها ونرى أنهم أحياء، أحياء بذكرهم وبعلمهم وبنفعهم وإن كانوا في بطن الأرض أمواتا بتلك الأجساد الطيبة الطاهرة.
فأسأل وتتساءل معي، ما هو السر في حياة أولئك الرجال؟
السر هو توجه القلب كل القلب لله جل وعلا، توجهت قلوب أولئك الرجال فنالوا ما نالوا ووصل سمعهم إلى عصرنا الحاضر.
فكان القلب علمه وعمله لله سبحانه وتعالى.
وكان حبه وبغضه لله.
وقوله وفعله لله.
حركاته وسكناته لله.
دقه وجله لله.
سره وعلانيته لله.
يوم أن كانت الآيات هي الشعارات التي ترفع، وهي الكلمات التي تتردد بالقلب قبل اللسان، وفي كل مكان:
] قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين [.
هكذا كانت الآيات ترفع فامتلأت بها القلوب.
أما اليوم، فتعال وأنظر لحالنا يا أخي الكريم، أنظر لحالنا كأفراد؛
فقلوبنا شذر مذر.
ونفوسنا عجب وكبر.
وأفعالنا تزين وإظهار.
وأقوالنا لربما كانت طلب للاشتهار.
وهمومنا في الملذات.
وحديثنا في الشهوات.
وصدق صلى الله عليه وسلم في قوله:
( إن الله كره لكم ثلاثة؛ قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال).
وانظر حالنا كأمة؛
ذل ومهانة وهوان واحتقار.
ولا داعي لأن أواصل هذا الكلام عن حال هذه الأمة في هذا العصر، ولكني أسوق لك دليلا قريبا، في شهر رمضان ثلاثة مذابح للمسلمين:
مذبحة السوق في ساراييفو.
ومذبحة الإبراهيمي في فلسطين.
ومذبحة في السودان.
أكان ذلك يكون لو كانت القلوب متوجهة إلى الله بصدق؟ لا والله.
أقولها ثقة بالله سبحانه وتعالى، لا والله لا يكون هذا الذل وهذا الاحتقار لهذه الأمة، لو توجهت قلوب أصحابها، وتوجهت قلوب المسلمين جميعا إلى الله جل وعلا.
رب ومعتصماه انطلقت......ملء أفواه الصبايا اليتم
لا مست أسماعهم لكنها......لم نلامس نخوة المعتصم
إذا فالسر في حياة أولئك التوحيد، التوحيد لله، ليس التوحيد قولا، فكلنا نقول لا إله إلا الله ولكنه التوحيد القلبي، يوم أن تكون الأفعال والأقوال محركات القلب وسكناته كلها لله سبحانه وتعالى عرف هذا السر أولئك الأخفياء، فكانت الدنيا لهم، والآخرة دارهم.ثم أيضا سبب آخر ومهم جدا للحديث عن الأخفياء.
فيا أخي ويا أختي المسلمة:
إن فقدت الأعمال والأقوال – أيا كان نوعها – إن فقدت خلوص النية لله جل وعلا، انطلقت من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات والعياذ بالله.
ألم تسمع لذلك الحديث المفزع للقلوب الذي كما أراد أبو هريرة – رضي الله عنه وأرضاه –أن يرويه لنا، أو يرويه لأصحابه، وقع مغشيا عليه.
يفعل ذلك ثلاثة مرات أو أربع، لهول ذلك الحديث المفزع.
حديث أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة:
(قارئ القرآن والمجاهد، والمتصدق بماله).
أفضل الطاعات، وأفضل القربات إلى الله جل وعلا، يوم صرفت لغير الله أصبحت أحد المخالفات، بل أصبحت هي التي تقود أصحابها إلى النار والعياذ بالله.
وهذا الحديث لما سمعه معاوية رضي الله عنه وأرضاه قال:
(قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بعدهم؟، أو فكيف بمن بقي من الناس؟)
ثم بكى معاوية. رضي الله عنه وأرضاه بكاءً شديداً.ة يقول الراوي حتى ضننا أنه هالك.
انظروا صحابة رسول الله، يخشون على أنفسهم عندما يسمعون الحديث.
فماذا نقول نحن عن أنفسنا؟
يقول الراوي: حتى ضننا أنه هالك، ثم أفاق معاوية،.ومسح وجهه ودمعه بيده. رضي الله تعالى عنه، وقال صدق الله ورسوله:
] من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون[.
لأنهم فعلوا ذلك ليقال قارئ، وليقال متصدق، وليقال جريء.ولا شيء يحطم الأعمال مثل الرياء ومثل التسميع، بأن يقول فلان:
سمعت وعلمت وفعلت وجئت وذهبت، مسمعا للناس بأفعاله عياذا بالله.
التزام التخلص من كل الشوائب التي تشوب هذه النية، كحب الظهور أو التفوق على الأقران، أو الوصول لأغراض وأغراض من جاه أو مال أو سمعة أو طلب لمحمدة وثناء الناس، فإن هذه وأمثالها قاسمة للظهر متى شابت النية.
ولذلك كان النظر لحياة الأخفياء ولأحوالهم ومدارسة أمورهم من أعظم الأسباب لوصول إلى طريق المخلصين، جعلني الله وإياك منهم .
]الخفاء في الكتاب والسنة[
والخفاء منهج شرعي، ولذلك اسمع أيها المحب لقول الحق جل وعلا:
] وإن تخفوها وتأتوها الفقراء فهو خير لكم[.
هذه الآية الكريمة – كما يقول الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى:
ظاهرة في تفضيل صدقة السر وإخفائها.
ويقول سبحان :
] ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين [.
ويقول المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال:
(ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه).
أنظر لدقة الخفاء في هذه الصدقة، وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
وقال أيضا الحافظ ابن حجر:
( وهو من أقوى الأدلة على أفضلية إخفاء الصدقة ).
وفي الحديث نفسه صورة أخرى يذكرها صلى الله عليه وآله وسلم:
( ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ).
ثم حديث الرجل الذي تصدق ليلا على سارق وعلى زانية وعلى غني وهو لا يعلم بحالهم، والحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
ووجه الدلالة في هذا الحديث على أن الخفاء منهج شرعي.
إن الصدقة المذكورة وقعت في الليل، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث:
( فأصبحوا يتحدثون). بل وقعت رواية أو لفظا صريحا كما في مسلم، يقول صلى الله عليه وآله وسلم على لسان الرجل: (لأتصدقن الليلة).
فدل ذلك على أن صدقته كانت سرا في الليل، إذا لو كانت هذه الصدقة بالجهر نهارا لما خفى عنه حال الغني، بخلاف حال الزانية وحال السارق فالغني ظاهرة حاله، فلذلك كانت الصدقة سرا في الليل .
وأيضا حديث النافلة، صلاة النافلة في البيوت.
فمن حديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه وأرضاه – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة).
وروى الطبراني من حديث صهيب بن النعمان قالَ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس، كفضل المكتوبة على النافلة).
أنظر الشاهد حيث يراه الناس إذا فالاختفاء عن الناس في صلاة النافلة لا شك أنه أفضل.
ومن حديث جندب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه ، كما اخرج البخاري ومسلم، قال : قال النبي صلة الله عليه وآله وسلم :
(من سّمع سمّع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به).
ومن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( من سمع الناس بعلمه سمع الله به مسامع خلقه ، وصغره وحقره ).
أخرجه احمد في مسنده ، والطبراني ، والبيهقي ، وإسناده صحيح.
وذكر الذهبي في السير في ترجمة عبد الله بن داود الخريبي، أنه رضي الله عنه قال:
(كان يستحبون ( أي السلف الصالح) أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها).
وذكر وقيع بن الجراح في كتابه الزهد، والإمام هناد ابن السري في كتاب الزهد، أن الزبير بن العوام قال: (من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل ).
تعليق