ماذا كانت العقوبة التي حلت بهم؟؟ أستمع إلى العقوبة إن الدنيا ليست دارُ جزاء ولكن دارُ عمل، وأما الآخرةُ فهي دارُ جزاء ولا عمل.
نعم قد يعجلُ اللهُ العقوبة لبعضِ المتمردين لحكمةٍ يعلمها.
فأهلك قومَ نوحٍ، وقوم هود وقوم صالح، أهلك أمما، وأهلك أفرادا.
أهلك فرعون وقارون وهامان وأبا جهل وأبي ابن خلف.
ولكن هذا تعجيل لبعض العقوبة، وقد يتخلف هذا التأجيل فتدخر العقوبةُ كلُها ليوافي المجرم يوم القيامة فإذا عقوبته كاملة لم يعجل له منها شيء.
ولكن كل ما قارفَه في الدنيا، وإن عاش في الدنيا كما يعيش الناس، وتمتع في الدنيا كما يتمتع الناس، ثم مات ميتة طبيعية كما يموت الناس فإن كل ما فعله لم يكن يتم في غفلة من الله:
وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا
يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي
رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43)".
نعم قد يعجلُ اللهُ العقوبة لبعضِ المتمردين لحكمةٍ يعلمها.
فأهلك قومَ نوحٍ، وقوم هود وقوم صالح، أهلك أمما، وأهلك أفرادا.
أهلك فرعون وقارون وهامان وأبا جهل وأبي ابن خلف.
ولكن هذا تعجيل لبعض العقوبة، وقد يتخلف هذا التأجيل فتدخر العقوبةُ كلُها ليوافي المجرم يوم القيامة فإذا عقوبته كاملة لم يعجل له منها شيء.
ولكن كل ما قارفَه في الدنيا، وإن عاش في الدنيا كما يعيش الناس، وتمتع في الدنيا كما يتمتع الناس، ثم مات ميتة طبيعية كما يموت الناس فإن كل ما فعله لم يكن يتم في غفلة من الله:
وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا
يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي
رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43)".
هنا نعلم أنه ليس بالحتم أن تحلَ العقوبةُ بالظالمينَ في الدنيا.
ليس بالحتم أن يعجلوا بالعقوبة.
ولكن الذي نحن منه على يقين أن ظلمَهم واجترائَهم على الله، وانتهاكَهم لحرماتِ الله،لم يجري في غفلةٍ من الله.
ثم ليست كلُ عقوبةٍ لابد أن تكون ماثلةً للعيان، فهناك عقوباتُ تدبُ وتسرب إلى المعاقبينَ بخفية، تسري فيهم وتمضي منهم وتتمكن من هؤلاء وهم لمكر الله بهم لا يشعرون.
قد يملي اللهُ لظالمِ ولكن ليزدادَ من الإثمِ وليحيطَ به الظلمُ، ثم يوافي اللهَ بآثام كلِها وجرائمهِ كلِها ليوافي حينئذٍ جزاءه عند ربٍ كان في الدنيا مطلعاً عليه شهيداً عليه رقيبا عليه.
وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ
لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ
مُّهِينٌ
ليزدادوا إثما، وأنظر إلى عقوبة أخرى:
وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ
آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (
76)فماذا كانت العقوبة ؟
هل احترقت أموالهم؟
هل قصمت أعمارهم؟
هل نزلت عليهم قارعة من السماء؟
هل ابتلعتهم الأرض:
ماذا كانت العقوبة التي حلت بهم؟؟ أستمع إلى العقوبة
{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا
أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ}
كان الجزاء أن أعقبهم الله نفاقا مستحكما في القلوب إلى يوم يلقونه، فهو حكم عليهم بسوء الخاتمة.
كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
(بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ
هذه عقوبات تسرب إلى القلوب في غفلة من الناس ومن الظالمِ نفسه، ولكنها عقوبات بالغة الخطورة.
ولكن العبرة بالمصير، بالمصير يوم يفضي هذا الظالم إلى الله جل جلاله فيوافي عقوبة لا يستطيع أحدا من البشر، من الخلق الذين كانوا في الدنيا يحبونه، ويوالونه وينصرونه، لا يستطيع أحد منهم أن ينصره أو يكفيه أو يتحمل عنه شيئا من العذاب.
كانوا في الدنيا يقولون له نحن فداك، نحن نكفيك.
لكن في الآخرة لا فداء لأن الفداء نار تلظى، لأن الفداء نار شديدة محرقة وخلود فيها، فمن الذي يفدي؟
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ
وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ( 12 ) وَفَصِيلَتِهِ
الَّتِي تُؤْوِيهِ ( 13 ) وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (
يود ذلك! لكن يأتي الجواب ..كلا:
(كَلا إِنَّهَا لَظَى(15)نَزَّاعَةً لِلشَّوَى(16)تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ فمن الذي عنده استعداد للفداء.
أمة الإسلام، أيها المؤمنون بالله ولقائه نفضي من هذا كله إلى وقفات سريعة:
الوقـفة الأولى:
أنا إذا رأينا أملا اللهِ للظالمين وتمكينه للمجرمين فينبغي أن نعلم باليقين وإلا فنحن نعلم بالإيمان أن الجزاءَ مدخرٌ هناك، ولذا فلا دعي للبحث عن كوارث دنيوية تحل بهم.
إنك تشفق على بعض الطيبين عندما تراهم يجهدون أنفسهم في البحث عن عقوبة دنيوية حلت بهذا الظالم أو ذاك المجرم، حتى إذا لم يجدوا شيئا قالوا الموت هو العقوبة.. كلا.
لقد مات الأطهار والأبرار والرسل الكرام، ولكن العبرة هناك في دار الجزاء.
الوقـفة الثانية:
أن لا يغترَ أحدُ بأي مظهرٍ من مظاهر القوةِ أُتيها، فمظاهرُ القوةِ في الدنيا نسبية، ولكنها كلها على تفاوتها تتعطل حينما يوقفُ العبدُ بين يدي اللهَ جل جلاله.
إن الرجل يتمتع بقوة نسبية على المرأة تلك التي لا تملك إلا الدموع تستنصر بها.
لكن عليه أن يتذكر أنه إن ظلمها فلم تستطع أن تنتصر منه في الدنيا ومشى أمام الناس بطوله ورجولته فهناك موعد تذهب فيه قوته وقوامته ويتم القِصاص منه للمظلوم ولو كان ضعيفا.
يتذكر شرطي المرور أو الدوريات:
أنه عندما يأمر بمسكين إلى التوقيف، ثم يوقف ذلك المسكين دون أن يسائل هو، وإن سؤل فهو المصدق، ثم يذهب هو إلى بيته ويجلس إلى أهله ويتناول طعامه.
وذاك في التوقيف يحاول الاتصال بأهله هاتفيا وقد لا يستطيع.
ليتذكر أن هذه القوة الدنيوية ستنمحي، ستنمحي وسيوقف هو وهذا الذي ظلمه فلم يجد في الدنيا من ينتصر له، سيوقف هو وإياه بين يدي من ينتصر له.
ليتذكر الكفيل غربة العامل وحاجة العامل:
فيجور عليه ويكلفه بما ليس من عمله ويماطله في حقه، ليتذكر أن هذه الفوارق ستنتهي.
وهذه القوة الجزئية التي يتمتع بها ستنمحي.
وهذا الضعف الذي يهيمن على هذا العامل الآن سيذهب.
وسيوقفان جميعا بين يدي رب لا يظلم أحدا، وليس أمامه تمايز في القوى.
إن القوة التي تستمدها من جنسيتك أو بلدك ستذهب لأنك ستحشر ولك ليس في بلدك وستوقف أمام الله وليست معك جنسيتك، ولكن بين يدي رب لا يظلم أحدا.
ليتذكر المسؤول الإداري مهما كانت منزلته، مهما كانت مسئوليته:
أنه عندما يجور على موظف بنقل تعسفي.
أو جور إداري وهو مطمئن إلى أن هذا الموظف لا يستطيع أن ينتصف منه في الدنيا.
وأن المسؤول الأعلى وإن علا مصدق له مكذب للموظف المسكين.
ليتذكر أن هذا يدور في أرض لا يعزب عن الله فيها شيء، وأن هذا التفاوت في القوة سينتهي وينمحي وستوقف أنت وإياه بين يدي رب لا يظلم أحد.
قد لا تفضي إليك العقوبة في الدنيا، قد تنال ترقياتك كاملة ورواتبك موفاة وتنال تقاعدك أو تأمينك بانتظام، بل وتموت من غير عاهة مستعصية، ولكن كل ذلك لا يعني أنك قد أفلت من عقوبة.
التاجر الذي يستغل ذكائه التجاري فيدلس على محتاج أتى إلى سلعة:
ويستغل عبارة ركيكة مكتوبة في آخر الوصفة (البضاعة التي تشترى لا ترد ولا تستبدل).
ينبغي أن يتذكر أن هناك موقفا لا تجديه فيه هذه الورقة، ولا ينفعه فيه الذكاء التجاري لأنه موقف بين يدي علام الغيوب المطلع على السر وأخفى.
ليتذكر كل من يتمتع بأي مظهر من مظاهر هذه القوة:
أن هذه القوة وإن كثرت وقويت فهي تنتهي سريعا وتمضي جميعا.
والعبرة بالمثول بين يدي رب تنتهي كل موازين القوى أمامه جل وتقدس وتعالى.
أما أنت أيها المظلوم فتذكر أن الله ناصرك لا محالةَ لأنك في ملكِ من حرم الظلمَ على نفسه، وحرمَه بين عباده، وسينتهي بك المصيرُ إلى يومٍ يقتصُ اللهُ فيه للشاة الجماء من الشاة القرناء، فكيف بك أنت!
لن يفوت شيء من حقك في الآخرة وإن فات في الدنيا.
الوقفة الثالثة:
أن هذا المعنى وهو انتظار الجزاء الأخروي كما هو دافع رهبة فهو دافع رغبة.
توفي زين العابدين على أبن الحسين، فلما وضع على لوح الغسل وجد المغسلون في أكتافه ندوبا سوداء، فتفكروا ! مما أتت هذه الندوب في ظهر هذا الرجل الصالح؟
وأكتشف الأمر بعد، لقد كان هذا العابد يستتر بظلمة الليل وحلكة الظلام ينقل أكياس الطعام إلى أسر فقيرة لا يدرون من الذي كان يأتيهم بها، عرفوا بعدما مات فانقطعت تلك الصلة من الطعام.
ما الذي يحمل زيد العابدين على أن يتوارى بعمل الخير ويستتر به ؟
إن الذي يحمله على ذلك انتظار الجزاء الأخروي، يريد أن يوافي ربه بأجره موفورا.
وكذا كل منا عليه أن يجعل بينه وبين ربه معاملة خاصة سر بينه وبين الله يجهد جهده أن لا يطلع عليها أحد من الخلق حتى يوافي ربه بعمل يستوفي جزاءه منه.
الوقفة الأخيرة:
وما هي بأخيرة، أن في استحضار هذا الأمر مدد للسائرين في طريق العمل للدين والدعوة إلى الله.
إن الذي يشخص ببصره إلى الجزاء الأخروي ينظر إلى العوائق فإذا هي يسيرة.
وإلى الصعوبات فإذا هي هينة.
وإلى الضيق فإذا هو سعة لأنه ينتظر جزاء أتم وأوفى.
قتل مصعب أبن عمير، وقتل حمزة أبن عبد المطلب فلم يوجد ما يوارى به أحدهم إلا بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه وإن غطيت بها رجلاه بدأ رأسه، فأمر نبيك (صلى الله عليه وسلم) أن تغطى رؤوسهما وأن يوضع على أرجلهما من ورق الشجر.
هكذا انتهت حياة العمل للدين من غير أن يتعجل شيء من أجورهم أو يروا شيئا من جزائهم.
ولكن عند الله الموعد وعنده الجزاء الأوفى.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
……………….
أيها الناس اتقوا الله حق التقوى، وأعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد (صلى الله عليه وسلم) وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل وعلا:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}) ...
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد النبي الصادق الأمين،
وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وخلفائه الراشدين.
وسائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأحمي حوزة الدين.
وأجعل بلدنا هذا أمنا مطمئنا يأمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
وتقال فيه كلمة الحق لا يخشى قائله في الله لومة لائم.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم أصلح أحوال المسلمين.
اللهم أصلح ولاتهم، اللهم أصلح علمائهم، اللهم أصلح شبابهم، اللهم أصلح نسائهم، اللهم أصلح ذراريهم.
اللهم تولهم في كل أمورهم.
اللهم عليك بكل عدو للإسلام.
اللهم عليك بإخوان القردة والخنازير.
اللهم عليك بالصرب الصليبيين.
اللهم عليك بالرافضة الكائدين.
اللهم أشدد عليهم جميعا وطأتك، وانزع عنهم عافيتك، وأنزل عليهم نقمتك، ومزقهم كل ممزق.
يا رب العالمين.
ربنا آتينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عن ما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
ليس بالحتم أن يعجلوا بالعقوبة.
ولكن الذي نحن منه على يقين أن ظلمَهم واجترائَهم على الله، وانتهاكَهم لحرماتِ الله،لم يجري في غفلةٍ من الله.
ثم ليست كلُ عقوبةٍ لابد أن تكون ماثلةً للعيان، فهناك عقوباتُ تدبُ وتسرب إلى المعاقبينَ بخفية، تسري فيهم وتمضي منهم وتتمكن من هؤلاء وهم لمكر الله بهم لا يشعرون.
قد يملي اللهُ لظالمِ ولكن ليزدادَ من الإثمِ وليحيطَ به الظلمُ، ثم يوافي اللهَ بآثام كلِها وجرائمهِ كلِها ليوافي حينئذٍ جزاءه عند ربٍ كان في الدنيا مطلعاً عليه شهيداً عليه رقيبا عليه.
وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ
لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ
مُّهِينٌ
ليزدادوا إثما، وأنظر إلى عقوبة أخرى:
وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ
آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (
76)فماذا كانت العقوبة ؟
هل احترقت أموالهم؟
هل قصمت أعمارهم؟
هل نزلت عليهم قارعة من السماء؟
هل ابتلعتهم الأرض:
ماذا كانت العقوبة التي حلت بهم؟؟ أستمع إلى العقوبة
{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا
أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ}
كان الجزاء أن أعقبهم الله نفاقا مستحكما في القلوب إلى يوم يلقونه، فهو حكم عليهم بسوء الخاتمة.
كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
(بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ
هذه عقوبات تسرب إلى القلوب في غفلة من الناس ومن الظالمِ نفسه، ولكنها عقوبات بالغة الخطورة.
ولكن العبرة بالمصير، بالمصير يوم يفضي هذا الظالم إلى الله جل جلاله فيوافي عقوبة لا يستطيع أحدا من البشر، من الخلق الذين كانوا في الدنيا يحبونه، ويوالونه وينصرونه، لا يستطيع أحد منهم أن ينصره أو يكفيه أو يتحمل عنه شيئا من العذاب.
كانوا في الدنيا يقولون له نحن فداك، نحن نكفيك.
لكن في الآخرة لا فداء لأن الفداء نار تلظى، لأن الفداء نار شديدة محرقة وخلود فيها، فمن الذي يفدي؟
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ
وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ( 12 ) وَفَصِيلَتِهِ
الَّتِي تُؤْوِيهِ ( 13 ) وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (
يود ذلك! لكن يأتي الجواب ..كلا:
(كَلا إِنَّهَا لَظَى(15)نَزَّاعَةً لِلشَّوَى(16)تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ فمن الذي عنده استعداد للفداء.
أمة الإسلام، أيها المؤمنون بالله ولقائه نفضي من هذا كله إلى وقفات سريعة:
الوقـفة الأولى:
أنا إذا رأينا أملا اللهِ للظالمين وتمكينه للمجرمين فينبغي أن نعلم باليقين وإلا فنحن نعلم بالإيمان أن الجزاءَ مدخرٌ هناك، ولذا فلا دعي للبحث عن كوارث دنيوية تحل بهم.
إنك تشفق على بعض الطيبين عندما تراهم يجهدون أنفسهم في البحث عن عقوبة دنيوية حلت بهذا الظالم أو ذاك المجرم، حتى إذا لم يجدوا شيئا قالوا الموت هو العقوبة.. كلا.
لقد مات الأطهار والأبرار والرسل الكرام، ولكن العبرة هناك في دار الجزاء.
الوقـفة الثانية:
أن لا يغترَ أحدُ بأي مظهرٍ من مظاهر القوةِ أُتيها، فمظاهرُ القوةِ في الدنيا نسبية، ولكنها كلها على تفاوتها تتعطل حينما يوقفُ العبدُ بين يدي اللهَ جل جلاله.
إن الرجل يتمتع بقوة نسبية على المرأة تلك التي لا تملك إلا الدموع تستنصر بها.
لكن عليه أن يتذكر أنه إن ظلمها فلم تستطع أن تنتصر منه في الدنيا ومشى أمام الناس بطوله ورجولته فهناك موعد تذهب فيه قوته وقوامته ويتم القِصاص منه للمظلوم ولو كان ضعيفا.
يتذكر شرطي المرور أو الدوريات:
أنه عندما يأمر بمسكين إلى التوقيف، ثم يوقف ذلك المسكين دون أن يسائل هو، وإن سؤل فهو المصدق، ثم يذهب هو إلى بيته ويجلس إلى أهله ويتناول طعامه.
وذاك في التوقيف يحاول الاتصال بأهله هاتفيا وقد لا يستطيع.
ليتذكر أن هذه القوة الدنيوية ستنمحي، ستنمحي وسيوقف هو وهذا الذي ظلمه فلم يجد في الدنيا من ينتصر له، سيوقف هو وإياه بين يدي من ينتصر له.
ليتذكر الكفيل غربة العامل وحاجة العامل:
فيجور عليه ويكلفه بما ليس من عمله ويماطله في حقه، ليتذكر أن هذه الفوارق ستنتهي.
وهذه القوة الجزئية التي يتمتع بها ستنمحي.
وهذا الضعف الذي يهيمن على هذا العامل الآن سيذهب.
وسيوقفان جميعا بين يدي رب لا يظلم أحدا، وليس أمامه تمايز في القوى.
إن القوة التي تستمدها من جنسيتك أو بلدك ستذهب لأنك ستحشر ولك ليس في بلدك وستوقف أمام الله وليست معك جنسيتك، ولكن بين يدي رب لا يظلم أحدا.
ليتذكر المسؤول الإداري مهما كانت منزلته، مهما كانت مسئوليته:
أنه عندما يجور على موظف بنقل تعسفي.
أو جور إداري وهو مطمئن إلى أن هذا الموظف لا يستطيع أن ينتصف منه في الدنيا.
وأن المسؤول الأعلى وإن علا مصدق له مكذب للموظف المسكين.
ليتذكر أن هذا يدور في أرض لا يعزب عن الله فيها شيء، وأن هذا التفاوت في القوة سينتهي وينمحي وستوقف أنت وإياه بين يدي رب لا يظلم أحد.
قد لا تفضي إليك العقوبة في الدنيا، قد تنال ترقياتك كاملة ورواتبك موفاة وتنال تقاعدك أو تأمينك بانتظام، بل وتموت من غير عاهة مستعصية، ولكن كل ذلك لا يعني أنك قد أفلت من عقوبة.
التاجر الذي يستغل ذكائه التجاري فيدلس على محتاج أتى إلى سلعة:
ويستغل عبارة ركيكة مكتوبة في آخر الوصفة (البضاعة التي تشترى لا ترد ولا تستبدل).
ينبغي أن يتذكر أن هناك موقفا لا تجديه فيه هذه الورقة، ولا ينفعه فيه الذكاء التجاري لأنه موقف بين يدي علام الغيوب المطلع على السر وأخفى.
ليتذكر كل من يتمتع بأي مظهر من مظاهر هذه القوة:
أن هذه القوة وإن كثرت وقويت فهي تنتهي سريعا وتمضي جميعا.
والعبرة بالمثول بين يدي رب تنتهي كل موازين القوى أمامه جل وتقدس وتعالى.
أما أنت أيها المظلوم فتذكر أن الله ناصرك لا محالةَ لأنك في ملكِ من حرم الظلمَ على نفسه، وحرمَه بين عباده، وسينتهي بك المصيرُ إلى يومٍ يقتصُ اللهُ فيه للشاة الجماء من الشاة القرناء، فكيف بك أنت!
لن يفوت شيء من حقك في الآخرة وإن فات في الدنيا.
الوقفة الثالثة:
أن هذا المعنى وهو انتظار الجزاء الأخروي كما هو دافع رهبة فهو دافع رغبة.
توفي زين العابدين على أبن الحسين، فلما وضع على لوح الغسل وجد المغسلون في أكتافه ندوبا سوداء، فتفكروا ! مما أتت هذه الندوب في ظهر هذا الرجل الصالح؟
وأكتشف الأمر بعد، لقد كان هذا العابد يستتر بظلمة الليل وحلكة الظلام ينقل أكياس الطعام إلى أسر فقيرة لا يدرون من الذي كان يأتيهم بها، عرفوا بعدما مات فانقطعت تلك الصلة من الطعام.
ما الذي يحمل زيد العابدين على أن يتوارى بعمل الخير ويستتر به ؟
إن الذي يحمله على ذلك انتظار الجزاء الأخروي، يريد أن يوافي ربه بأجره موفورا.
وكذا كل منا عليه أن يجعل بينه وبين ربه معاملة خاصة سر بينه وبين الله يجهد جهده أن لا يطلع عليها أحد من الخلق حتى يوافي ربه بعمل يستوفي جزاءه منه.
الوقفة الأخيرة:
وما هي بأخيرة، أن في استحضار هذا الأمر مدد للسائرين في طريق العمل للدين والدعوة إلى الله.
إن الذي يشخص ببصره إلى الجزاء الأخروي ينظر إلى العوائق فإذا هي يسيرة.
وإلى الصعوبات فإذا هي هينة.
وإلى الضيق فإذا هو سعة لأنه ينتظر جزاء أتم وأوفى.
قتل مصعب أبن عمير، وقتل حمزة أبن عبد المطلب فلم يوجد ما يوارى به أحدهم إلا بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه وإن غطيت بها رجلاه بدأ رأسه، فأمر نبيك (صلى الله عليه وسلم) أن تغطى رؤوسهما وأن يوضع على أرجلهما من ورق الشجر.
هكذا انتهت حياة العمل للدين من غير أن يتعجل شيء من أجورهم أو يروا شيئا من جزائهم.
ولكن عند الله الموعد وعنده الجزاء الأوفى.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
……………….
أيها الناس اتقوا الله حق التقوى، وأعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد (صلى الله عليه وسلم) وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل وعلا:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}) ...
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد النبي الصادق الأمين،
وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وخلفائه الراشدين.
وسائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأحمي حوزة الدين.
وأجعل بلدنا هذا أمنا مطمئنا يأمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
وتقال فيه كلمة الحق لا يخشى قائله في الله لومة لائم.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم أصلح أحوال المسلمين.
اللهم أصلح ولاتهم، اللهم أصلح علمائهم، اللهم أصلح شبابهم، اللهم أصلح نسائهم، اللهم أصلح ذراريهم.
اللهم تولهم في كل أمورهم.
اللهم عليك بكل عدو للإسلام.
اللهم عليك بإخوان القردة والخنازير.
اللهم عليك بالصرب الصليبيين.
اللهم عليك بالرافضة الكائدين.
اللهم أشدد عليهم جميعا وطأتك، وانزع عنهم عافيتك، وأنزل عليهم نقمتك، ومزقهم كل ممزق.
يا رب العالمين.
ربنا آتينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عن ما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
تعليق