نافلة من نوافلالعبادات الجليلة.. بها تكفر السيئات مهما عظمت.. وبها تقضى الحاجات مهما تعثرت.. وبها يُستجاب الدعاء.. ويزول المرض والداء.. وترفع الدرجات في دار الجزاء..
نافلة لا يلازمها إلا الصالحون، فهي دأبهم وشعارهم وهي ملاذهم وشغلهم..
تلكالنافلة هي: قيام الليل.
وقد كان رسول الله صلى اللهعليه وسلم يحثُّ أصحابه على القيام ويبين لهم فضله وثوابه في الدنيا والآخرة؛تحريضاً لهم على نيل بركاته.. والظفر بحسناته..
قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بقيام الليل، فإنَّه تكفير للخطايا والذنوب، ودأب الصالحين قبلكم، ومطردةللداء عن الجسد".(رواه الترمذي والحاكم).
* فما هي فضائل القيام ، وماأسباب التوفيق إليه؟
* ثمرات قيام الليل :
منثمراته: دعوة تُستجاب.. وذنب يُغفر.. ومسألة تُقضى.. وزيادة في الإيمان والتلذذبالخشوع للرحمن.. وتحصيل للسكينة.. ونيل الطمأنينة.. واكتساب الحسنات.. ورفعةالدرجات.. والظفر بالنضارة والحلاوة والمهابة.. وطرد الأدواء من الجسد.
فمنمنَّا مستغن عن مغفرة الله وفضله؟! ومن منَّا لا تضطره الحاجة؟! ومن منَّا يزهد فيتلك الثمرات والفضائل التي ينالها القائم في ظلمات الليل لله؟!
* وهذهتوجيهات نبوية تحض على نيل هذا الخير:
فعن عمرو بنعبسة رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أقرب ما يكونالرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممَّن يذكر الله في تلكالليلة فكن" (رواه الترمذي وصححه).
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنهقال: قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، ودبر الصلواتالمكتوبات" (رواه الترمذي وحسَّنه).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماءالدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه،من يستغفرني فأغفر له" (رواه البخاري ومسلم).
وعن عثمان بن أبي العاصرضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تفتح أبواب السماء نصف الليلفينادي مناد: هل من داع فيُستجاب له، هل من سائل فيُعطى، هل من مكروب فيفرج عنه،فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله تعالى له، إلا زانية تسعى بفرجها، أوعشاراً" (رواه الترمذي وحسَّنه).
فيا ذات الحاجةها هو الله جلَّ وعلاينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة.. يقترب منا.. ويعرض علينا رحمته واستجابته.. وعطفهومودته.. وينادينا نداء حنوناً مشفقاً: هل من مكروب فيفرج عنه.. فأين نحن من هذاالعرض السخي!
قم أيها المكروب.. في ثلث الليل الأخير.. وقول: لبيكوسعديك.. أنا يا مولاي المكروب وفرجك دوائي.. وأنا المهموم وكشفك سنائي.. وأناالفقير وعطاؤك غنائي.. وأنا الموجوع وشفاؤك رجائي..
قم.. وأحسن الوضوء.. ثم أقيمركعات خاشعة.. أظهر فيها لله ذلَّكِ واستكانتكِ له.. وأطلعه على نية الخير والرجاءفي قلبك.. فلا تدع في سويدائه شوب إصرار.. ولا تبيت فيه سوء نية.. ثم تضرَّع وابتهلإلى ربكِ
شاكي إليه كربك.. راجي منه الفرج.. وتيقَّن أنكِ موعود بالاستجابة.. فلا تعجل ولا تَدَع الإنابة.. فإنَّ الله قد وعدك إن دعوته أجابك، فقال سبحانه: )أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..( ثم وعدك أنَّهأقرب إليكِ في الثلث الأخير، فتمَّ ذلك وعدان، والله جلَّ وعلا لا يخلفالميعاد.
أتهـــــزأ بالدعــاء وتزدريه
ولا تدري ماصنع الدعاء
سهام الليل لا تخطيء ولكن
لها أمـــد وللأمـــدانقضاء
قوم يا ذا الحاجة.. ولا تستكبر عن السؤال.. فقد دعاك مولاكإلى التعبد له بالدعاء فقال سبحانه: ) وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ..(.. وخيروقت تسألينه فيه هو ثلث الليل الأخير.
قوم.. ولا تيأس مهما اشتدَّ اضطرارك.. فربَّكِ قدير لا يعجزه شيء، وإنَّما أمره إذا قضى شيئاً أن يقول له كن فيكون.. وتذكري أنَّ الله سبحانه من جميل رحمته قد حرَّم عليكِ سوء الظن به، كما حرَّمعليكِ اليأس من رحمته، فقال سبحانه: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِإِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).
قم.. وأحسن الظن بربك.. وتحنن إليه بجميلأوصافه.. وسعة رحمته.. وجميل عفوه.. وعظيم عطفه ورأفته.. فحاجتك ستقضى.. وكربكسيزول.. وليلك سيفجر.. فلا تيأس واطلب في محاريب القيام الفرج !
وياصاحب وصاحبة الذنب
قد جاءتك فرصة الغفران.. تعرض كل ليلة.. بل هي أمامككل حين، ولكنها في الثلث الأخير أقرب إلى الظفر والنيل.
فعن أبي موسى بن قيسالأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله يبسط يده بالليلليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها" (رواه مسلم).
وقد تقدم في الحديث أنَّ الله جلَّ وعلا ينزل في الثلث الأخير منالليل إلى سماء الدنيا فيقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ منيستغفرني فأغفر له" (رواه البخاري ومسلم).
ويد الله سبحانه مبسوطةللمستغفرين بالليل والنهار.. ولكن استغفار الليل يفضل استغفار النهار بفضيلة الوقتوبركة السحر؛ ولذلك مدح الله جلّ وعلا المستغفرين بالليل فقال سبحانه: ** وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}.
وذلك لأنَّ الاستغفار بالسحر فيهمن المشقة ما يكون سبباً لتعظيم الله له.. وفيه من عنت ترك الفراش ولذاذة النوموالنعاس ما يجعله أولى بالاستجابة والقبول.. لا سيما مع مناسبة نزول المولى جلَّوعلا إلى سماء الدنيا وقربه من المستغفرين.. فلا شكَّ أنَّ لهذا النزول بركة تفيضعلى دعوات السائلين وتوبة المستغفرين وابتهالات المبتهلين.
فيا من أسرفعلى نفسه بالذنوب.. حتى ضاقت بها نفسه.. وشقّ عليه طلب العفو والغفران؛ لما تراه مننفسه في نفسه من عظيم العيوب.. وكبائر السيئات.. قوم لربك في ركعتين خاشعتين.. فقدعرض عليك بهما الغفران.. فقال لك: "من يستغفرني فأغفر له".
قم.. واهمسفي سجودك بخضوع وخشوع تقول: "أستغفرك اللهمَّ وأتوب إليك.. ربَّ اغفر لي وارحمنيوأنت خير الراحمين.. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.. اللهم إني ظلمتنفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنكأنت الغفور الرحيم".
وياصاحب و صاحبة النعمة
أقبل على ربكبالليل وأديِّ حقّ الشكر له، فإنَّ قيام الليل أنسب أوقات الشكر، وهل الشكر إلا حفظالنعمة وزيادتها؟!
تأمَّل في رسول الله، لمَّا قام حتى تفطَّرت قدماه،فقيل له: يا رسول الله، أما غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: "أفلاأكون عبداً شكوراً" (رواه البخاري).
ففي هذا الحديث دلالة قوية على أنَّقيام الليل من أعظم وسائل الشكر على النعم.. ومن منَّا لم ينعم الله عليه؟! فنعمهسبحانه تلوح في الآفاق.. وتظهر علينا في كل صغيرة وكبيرة؛ في رزقنا وعافيتناوأولادنا وحياتنا بكلّ مفرداتها، وما خفي علينا أكثر وأكثر.. ولذلك فإنَّ حق شكرهاواجب علينا لزاماً في كل وقت وحين، وأحقّ الناس بالزيادة في النعمة هم أهل الشكر.. وأنسب أوقات الشكر حينما يقترب المنعم وينزل إلى السماء الدنيا.. ولذلك كان رسولالله صلى الله عليه وسلم يعلل قيامه ويقول: "أفلا أكون عبداً شكوراً". أي: أفلاأشكر الله عزَّ وجلَّ.
فقومي ياأختي ـ وقم ياأخي- ليلك.. بنية ذكرالله.. ونية الاستغفار.. ونية الشكر.. تبسط لك النعم.. ويبارك لك في مالك وعافيتكوأهلك وولدك وبيتك وشأنك كله.
ما يعينك على القيام :
أولاً: الإقلال من الطعام: فإنَّ كثرة الطعام مجلبة للنوم، ولا يخف قيام الليل إلا على منقلَّ طعامه، ولقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدود الشبع وآدابه، فقال: "ماملأ آدمي وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محاولةفثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه" (رواه أحمد والترمذي، وهو في صحيح الجامعبرقم: 5550).
قال عبد الواحد بن زيد: "من قوي على بطنه قوي على دينه،ومن قوي على بطنه قوي على الأخلاق الصالحة، ومن لم يعرف مضرَّته في دينه من قبلبطنه فذاك رجل من العابدين أعمى".
وقال وهب بن منبه: "ليس من بني آدم أحبّ إلىالشيطان من الأكول النوَّام".
وقال سفيان الثوري: "عليكم بقلة الأكل تملكوا قيامالليل".
وجدت الجوع يطرده رغيف
وملء الكفء من ماءالفرات
وقِلُّ الطُّعْمِ عـــــون للمصلي
وكثر الطعم عونللسُّــــــبات
ثانياً: الاستعانة بالقيلولة: فإنَّ رسول اللهصلى الله عليه وسلم قد وجَّه إلى الاستعانة بها ومخالفة الشياطين بها، فقالوا: "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل" (رواه الطبراني وهو في السلسلة الصحيحة برقم: 2647).
ومرَّ الحسن بقوم في السوق فرأى صخبهم ولغطهم، فقال: أما يقيل هؤلاء؟قالوا: لا، قال: "إني لأرى ليلهم ليل سوء".
وقال إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة: "القائلة من عمل أهل الخير، وهي مجمَّة للفؤاد، مقواة على قيامالليل".
ثالثاً: الاقتصاد في الكدّ نهاراً: والمقصود به عدم إتعاب النفسبما لا ضرورة منه، ولا مصلحة راجحة، كفضول الأعمال والأقوال ونحوها، أمَّا مايستوجبه الكسب والحياة من الضروريات، ولا غنى للمرء عن الكد لأجله؛ فيقتصد فيه بحسبما تتحقق به المصالح.
رابعاً: اجتناب المعاصي وتركها: فالمعصية تقعس عنالطاعة، وتوجب التشاغل عن العبادات، وتحرم المؤمن التوفيق إلى النوافل والفضائل،ولذلك تواتر عن السلف القول بأنَّ المعاصي تحرم العبد من القيام.
قال رجل للحسنالبصري: يا أبا سعيد: إني أبيت معافى، وأحبّ قيام الليل، وأعد طهوري، فما بالي لاأقوم؟ فقال: "ذنوبك قيدتك".
وقال الثوري: "حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنبأذنبته". قيل: وماهو؟ قال: رأيت رجلاً يبكي، فقلت في نفسي: "هذا مُراء".
وقالرجل لإبراهيم بن أدهم: إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟ قال:" لا تعصهبالنهار، وهو يقيمك بين يديه بالليل، فإنَّ وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف،والعاصي لا يستحق ذلك الشرف".
خامساً: سلامة القلب عن الأحقاد علىالمسلمين ومن البدع وفضول هموم الدنيا، فإنَّ ذلك يشغل القلب ويضغط عليه فلا يكاديهتم بشيء سواه.
سادساً: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل، فإنَّه إذاتفكَّر أهوال الآخرة ودركات جهنَّم طار نومه وعظم حذره.
سابعاً: الوقوفعلى فضائل القيام وثمراته فإنَّها تهيج الشوق وتعلي الهمة وتحيي في النفس الطمع فيرضوان الله وثوابه، وقد تقدَّم ذكر أهمها.
ثامناً: وهو أشرف البواعث: حبَّ الله وقوة الإيمان؛ لأنَّه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج به ربه ومطلععليه، مع مشاهدة ما يخطر بقلبه، وأنَّ تلك الخطرات من الله تعالى خطاب معه، فإذاأحببت الله تعالى أحبّ لا محالة الخلوة به وتلذذ بالمناجاة؛ فتحمله لذة المناجاةللحبيب على طول القيام.
نافلة لا يلازمها إلا الصالحون، فهي دأبهم وشعارهم وهي ملاذهم وشغلهم..
تلكالنافلة هي: قيام الليل.
وقد كان رسول الله صلى اللهعليه وسلم يحثُّ أصحابه على القيام ويبين لهم فضله وثوابه في الدنيا والآخرة؛تحريضاً لهم على نيل بركاته.. والظفر بحسناته..
قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بقيام الليل، فإنَّه تكفير للخطايا والذنوب، ودأب الصالحين قبلكم، ومطردةللداء عن الجسد".(رواه الترمذي والحاكم).
* فما هي فضائل القيام ، وماأسباب التوفيق إليه؟
* ثمرات قيام الليل :
منثمراته: دعوة تُستجاب.. وذنب يُغفر.. ومسألة تُقضى.. وزيادة في الإيمان والتلذذبالخشوع للرحمن.. وتحصيل للسكينة.. ونيل الطمأنينة.. واكتساب الحسنات.. ورفعةالدرجات.. والظفر بالنضارة والحلاوة والمهابة.. وطرد الأدواء من الجسد.
فمنمنَّا مستغن عن مغفرة الله وفضله؟! ومن منَّا لا تضطره الحاجة؟! ومن منَّا يزهد فيتلك الثمرات والفضائل التي ينالها القائم في ظلمات الليل لله؟!
* وهذهتوجيهات نبوية تحض على نيل هذا الخير:
فعن عمرو بنعبسة رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أقرب ما يكونالرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممَّن يذكر الله في تلكالليلة فكن" (رواه الترمذي وصححه).
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنهقال: قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، ودبر الصلواتالمكتوبات" (رواه الترمذي وحسَّنه).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماءالدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه،من يستغفرني فأغفر له" (رواه البخاري ومسلم).
وعن عثمان بن أبي العاصرضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تفتح أبواب السماء نصف الليلفينادي مناد: هل من داع فيُستجاب له، هل من سائل فيُعطى، هل من مكروب فيفرج عنه،فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله تعالى له، إلا زانية تسعى بفرجها، أوعشاراً" (رواه الترمذي وحسَّنه).
فيا ذات الحاجةها هو الله جلَّ وعلاينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة.. يقترب منا.. ويعرض علينا رحمته واستجابته.. وعطفهومودته.. وينادينا نداء حنوناً مشفقاً: هل من مكروب فيفرج عنه.. فأين نحن من هذاالعرض السخي!
قم أيها المكروب.. في ثلث الليل الأخير.. وقول: لبيكوسعديك.. أنا يا مولاي المكروب وفرجك دوائي.. وأنا المهموم وكشفك سنائي.. وأناالفقير وعطاؤك غنائي.. وأنا الموجوع وشفاؤك رجائي..
قم.. وأحسن الوضوء.. ثم أقيمركعات خاشعة.. أظهر فيها لله ذلَّكِ واستكانتكِ له.. وأطلعه على نية الخير والرجاءفي قلبك.. فلا تدع في سويدائه شوب إصرار.. ولا تبيت فيه سوء نية.. ثم تضرَّع وابتهلإلى ربكِ
شاكي إليه كربك.. راجي منه الفرج.. وتيقَّن أنكِ موعود بالاستجابة.. فلا تعجل ولا تَدَع الإنابة.. فإنَّ الله قد وعدك إن دعوته أجابك، فقال سبحانه: )أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..( ثم وعدك أنَّهأقرب إليكِ في الثلث الأخير، فتمَّ ذلك وعدان، والله جلَّ وعلا لا يخلفالميعاد.
أتهـــــزأ بالدعــاء وتزدريه
ولا تدري ماصنع الدعاء
سهام الليل لا تخطيء ولكن
لها أمـــد وللأمـــدانقضاء
قوم يا ذا الحاجة.. ولا تستكبر عن السؤال.. فقد دعاك مولاكإلى التعبد له بالدعاء فقال سبحانه: ) وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ..(.. وخيروقت تسألينه فيه هو ثلث الليل الأخير.
قوم.. ولا تيأس مهما اشتدَّ اضطرارك.. فربَّكِ قدير لا يعجزه شيء، وإنَّما أمره إذا قضى شيئاً أن يقول له كن فيكون.. وتذكري أنَّ الله سبحانه من جميل رحمته قد حرَّم عليكِ سوء الظن به، كما حرَّمعليكِ اليأس من رحمته، فقال سبحانه: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِإِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).
قم.. وأحسن الظن بربك.. وتحنن إليه بجميلأوصافه.. وسعة رحمته.. وجميل عفوه.. وعظيم عطفه ورأفته.. فحاجتك ستقضى.. وكربكسيزول.. وليلك سيفجر.. فلا تيأس واطلب في محاريب القيام الفرج !
وياصاحب وصاحبة الذنب
قد جاءتك فرصة الغفران.. تعرض كل ليلة.. بل هي أمامككل حين، ولكنها في الثلث الأخير أقرب إلى الظفر والنيل.
فعن أبي موسى بن قيسالأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله يبسط يده بالليلليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها" (رواه مسلم).
وقد تقدم في الحديث أنَّ الله جلَّ وعلا ينزل في الثلث الأخير منالليل إلى سماء الدنيا فيقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ منيستغفرني فأغفر له" (رواه البخاري ومسلم).
ويد الله سبحانه مبسوطةللمستغفرين بالليل والنهار.. ولكن استغفار الليل يفضل استغفار النهار بفضيلة الوقتوبركة السحر؛ ولذلك مدح الله جلّ وعلا المستغفرين بالليل فقال سبحانه: ** وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}.
وذلك لأنَّ الاستغفار بالسحر فيهمن المشقة ما يكون سبباً لتعظيم الله له.. وفيه من عنت ترك الفراش ولذاذة النوموالنعاس ما يجعله أولى بالاستجابة والقبول.. لا سيما مع مناسبة نزول المولى جلَّوعلا إلى سماء الدنيا وقربه من المستغفرين.. فلا شكَّ أنَّ لهذا النزول بركة تفيضعلى دعوات السائلين وتوبة المستغفرين وابتهالات المبتهلين.
فيا من أسرفعلى نفسه بالذنوب.. حتى ضاقت بها نفسه.. وشقّ عليه طلب العفو والغفران؛ لما تراه مننفسه في نفسه من عظيم العيوب.. وكبائر السيئات.. قوم لربك في ركعتين خاشعتين.. فقدعرض عليك بهما الغفران.. فقال لك: "من يستغفرني فأغفر له".
قم.. واهمسفي سجودك بخضوع وخشوع تقول: "أستغفرك اللهمَّ وأتوب إليك.. ربَّ اغفر لي وارحمنيوأنت خير الراحمين.. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.. اللهم إني ظلمتنفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنكأنت الغفور الرحيم".
وياصاحب و صاحبة النعمة
أقبل على ربكبالليل وأديِّ حقّ الشكر له، فإنَّ قيام الليل أنسب أوقات الشكر، وهل الشكر إلا حفظالنعمة وزيادتها؟!
تأمَّل في رسول الله، لمَّا قام حتى تفطَّرت قدماه،فقيل له: يا رسول الله، أما غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: "أفلاأكون عبداً شكوراً" (رواه البخاري).
ففي هذا الحديث دلالة قوية على أنَّقيام الليل من أعظم وسائل الشكر على النعم.. ومن منَّا لم ينعم الله عليه؟! فنعمهسبحانه تلوح في الآفاق.. وتظهر علينا في كل صغيرة وكبيرة؛ في رزقنا وعافيتناوأولادنا وحياتنا بكلّ مفرداتها، وما خفي علينا أكثر وأكثر.. ولذلك فإنَّ حق شكرهاواجب علينا لزاماً في كل وقت وحين، وأحقّ الناس بالزيادة في النعمة هم أهل الشكر.. وأنسب أوقات الشكر حينما يقترب المنعم وينزل إلى السماء الدنيا.. ولذلك كان رسولالله صلى الله عليه وسلم يعلل قيامه ويقول: "أفلا أكون عبداً شكوراً". أي: أفلاأشكر الله عزَّ وجلَّ.
فقومي ياأختي ـ وقم ياأخي- ليلك.. بنية ذكرالله.. ونية الاستغفار.. ونية الشكر.. تبسط لك النعم.. ويبارك لك في مالك وعافيتكوأهلك وولدك وبيتك وشأنك كله.
ما يعينك على القيام :
أولاً: الإقلال من الطعام: فإنَّ كثرة الطعام مجلبة للنوم، ولا يخف قيام الليل إلا على منقلَّ طعامه، ولقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدود الشبع وآدابه، فقال: "ماملأ آدمي وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محاولةفثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه" (رواه أحمد والترمذي، وهو في صحيح الجامعبرقم: 5550).
قال عبد الواحد بن زيد: "من قوي على بطنه قوي على دينه،ومن قوي على بطنه قوي على الأخلاق الصالحة، ومن لم يعرف مضرَّته في دينه من قبلبطنه فذاك رجل من العابدين أعمى".
وقال وهب بن منبه: "ليس من بني آدم أحبّ إلىالشيطان من الأكول النوَّام".
وقال سفيان الثوري: "عليكم بقلة الأكل تملكوا قيامالليل".
وجدت الجوع يطرده رغيف
وملء الكفء من ماءالفرات
وقِلُّ الطُّعْمِ عـــــون للمصلي
وكثر الطعم عونللسُّــــــبات
ثانياً: الاستعانة بالقيلولة: فإنَّ رسول اللهصلى الله عليه وسلم قد وجَّه إلى الاستعانة بها ومخالفة الشياطين بها، فقالوا: "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل" (رواه الطبراني وهو في السلسلة الصحيحة برقم: 2647).
ومرَّ الحسن بقوم في السوق فرأى صخبهم ولغطهم، فقال: أما يقيل هؤلاء؟قالوا: لا، قال: "إني لأرى ليلهم ليل سوء".
وقال إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة: "القائلة من عمل أهل الخير، وهي مجمَّة للفؤاد، مقواة على قيامالليل".
ثالثاً: الاقتصاد في الكدّ نهاراً: والمقصود به عدم إتعاب النفسبما لا ضرورة منه، ولا مصلحة راجحة، كفضول الأعمال والأقوال ونحوها، أمَّا مايستوجبه الكسب والحياة من الضروريات، ولا غنى للمرء عن الكد لأجله؛ فيقتصد فيه بحسبما تتحقق به المصالح.
رابعاً: اجتناب المعاصي وتركها: فالمعصية تقعس عنالطاعة، وتوجب التشاغل عن العبادات، وتحرم المؤمن التوفيق إلى النوافل والفضائل،ولذلك تواتر عن السلف القول بأنَّ المعاصي تحرم العبد من القيام.
قال رجل للحسنالبصري: يا أبا سعيد: إني أبيت معافى، وأحبّ قيام الليل، وأعد طهوري، فما بالي لاأقوم؟ فقال: "ذنوبك قيدتك".
وقال الثوري: "حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنبأذنبته". قيل: وماهو؟ قال: رأيت رجلاً يبكي، فقلت في نفسي: "هذا مُراء".
وقالرجل لإبراهيم بن أدهم: إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟ قال:" لا تعصهبالنهار، وهو يقيمك بين يديه بالليل، فإنَّ وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف،والعاصي لا يستحق ذلك الشرف".
خامساً: سلامة القلب عن الأحقاد علىالمسلمين ومن البدع وفضول هموم الدنيا، فإنَّ ذلك يشغل القلب ويضغط عليه فلا يكاديهتم بشيء سواه.
سادساً: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل، فإنَّه إذاتفكَّر أهوال الآخرة ودركات جهنَّم طار نومه وعظم حذره.
سابعاً: الوقوفعلى فضائل القيام وثمراته فإنَّها تهيج الشوق وتعلي الهمة وتحيي في النفس الطمع فيرضوان الله وثوابه، وقد تقدَّم ذكر أهمها.
ثامناً: وهو أشرف البواعث: حبَّ الله وقوة الإيمان؛ لأنَّه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج به ربه ومطلععليه، مع مشاهدة ما يخطر بقلبه، وأنَّ تلك الخطرات من الله تعالى خطاب معه، فإذاأحببت الله تعالى أحبّ لا محالة الخلوة به وتلذذ بالمناجاة؛ فتحمله لذة المناجاةللحبيب على طول القيام.
تعليق