إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المرأة والتغريب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المرأة والتغريب

    لا تظنوا أن قضية المرأة هي وليدة الساعة، أو أنها أتى بها المستغربون، أو من يزعمون النهضة والتقدم ونحو ذلك، المرأة صنو الرجل، والمرأة جزء من الحياة، والمرأة ركن شاء الله عز وجل لها ذلك، وأعطاها من المسئولية وحفظ لها من الحقوق ما للرجل، ولهذا سوف أستعرض معكم آيات من كتاب الله عز وجل، وعليكم أن تستصحبوا أن قرآننا تنزل على قلب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرناً، وعليكم أن تتفكروا كيف كان العالم قبل ألف وأربعمائة سنة أو ما يزيد عن ألف وأربعمائة سنة، كيف كان اليونان؟ كيف كان الصينيون؟ كيف كان الهنود؟ كيف كان الرومان؟ كيف كانت أوروبا بأجناسها؟ كيف كان اليابانيون؟ كيف كان الفرس، كيف كان العالم؟!
    لا يكاد ينظر في شيء، ولا تكاد تكون حضارة محفوظة ومكتوبة ومدونة كحضارتنا أهل الإسلام أبداً، إنما رءوس أقلام، وخطوط باهتة عن بعض الشخصيات كـأفلاطون ، أو بعض الملوك ونحو ذلك ككسرى وقيصر، لا تكاد تجد شيئاً مكتوباً يمثل حضارةً متقدمة تقدماً علمياً، وبخاصة في قضايا المرأة، في قضايا الحقوق.
    وأما كتاب ربنا فتنزل بهذا الحديث المستفيض عن الحياة كلها، عن المستويات فيها، بقطع النظر عن كلام الآخرة فهذا شيء جلي وليس محل حديثنا، حديثنا عن القرآن والسنة؛ قرآن نبينا الذي تنزل على قلبه صلى الله عليه وسلم وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم وسيرته في قيام هذه الحياة برجلها وامرأتها، أتى دينٌ كامل، وفصل كل قضايا الحياة ودقائقها، بما في ذلك قضية المرأة، فلا يظن الظانون حينما نتحدث عن المرأة في هذا العصر الذي يزعمونه عصر نهضة وتقدم؛ أننا ندافع، أو أننا في الموقف الضعيف، أو أننا كنا في الظلمات.
    القضية كبيرة: أوروبا كانت في عهد ظلمات وفي القرون الوسطى، وكنا في عصور النهضة، كان ديننا هو القائد، وكان ديننا هو الحاكم، وكانت حضارتنا هي التي تغطي العالم، وحكمنا لا تغيب عنه الشمس؛ بعدل ونور وعدالة، وحقوق بينه للرجال والأطفال والنساء، والحيوان والحجارة والأشجار، وحقوق المسلمين وغير المسلمين من الرهبان والشيوخ والصبيان، فإذا كانوا يتحدثون عن عصر ظلمات فهو في حقهم هم.
    إذاً: فحينما نتحدث عن قضية المرأة فنحن لا نتحدث من موقف ضعف ولا لأننا محل شبهة، نحن نقول: قال الله وقال رسوله في وحي تنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنوعية القرآن والسنة منذ أربعة عشر قرناً.
    أولاً: من المعلوم في أسلوب اللغة العربية أن الخطاب للذكر هو خطاب للأنثى من باب التغليب، وهذا أسلوب في لغة العرب، بل حتى في اللغات الأخرى وهو ما يسمى بالجنس، فحين يقول: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ[الانفطار:6] ليس المقصود الذكر وحده، وحينما يقول الله عز وجل: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ[العصر:1-2] معلوم أنه لا يراد به الذكر وحده، وحينما يقول: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا[العصر:3] بالاستثناء لا يريد به الرجال وحدهم، وهذا كثير، ومعروف في اللغة وعند الفقهاء رحمهم الله، فأي حكم فهو للرجال والنساء؛ هذا جانب.
    إذا خصت المرأة بخطاب، وهذا هو الذي سوف نستعرضه فيما بين يدي من آيات، فهي في الكلام عن المرأة.
    وأعيد مرة أخرى أن قضية المرأة قضية مبحوثة في ديننا بكل جوانبها، لا لأننا من موقف ضعف، وإنما فعلاً لأن الدين جاء لإقامة الحياة على وجهها بذكرها وأنثاها، ولهذا حاولت أن أحصر الكلام في أربعة موضوعات هي في بعض آيات كتاب الله:
    أولها: آيات في المساواة في الخلق والتكوين والأصل.
    ثانياً: آيات في خطاب التكليف والمسئولية.
    ثالثاً: آيات في أحوال الاستضعاف. رابعاً: آيات في الجزاء والثواب.......

    فمثلاً: في آيات المساواة في الخلق والتكوين والأصل، ولا أقول: المساواة في الأحكام، المساواة في الأحكام قد لا يتسع له هذا المقام، وإن كان في أصل العناصر التي عندي، ولكن لا أستطيع، وعلى كل فهن لا يساوين الرجال في الأحكام لأن الله عز وجل يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ [البقرة:228] ولم يقل: ولهن مثل الذي على الرجال. فالحقوق مقابل الواجبات، والمساواة أصلاً غير مطلوبة، ولا تستقيم الحياة بالمساواة، ليس بين الرجل والمرأة وإنما حتى ما بين الرجل والرجل؛ لأن الثواب على قدر المسئولية، فالعسكري غير المدني والطبيب غير الأستاذ وغير المهندس، والجاهل غير العالم والحاكم غير المحكوم كلٌ له منزلة ومقام، فالتفرقة ليس لأجل الخلقة وإنما لأن المسئوليات التي ترتبت تقتضي اختلافاً في الثواب والجزاء، وخاصة الثواب الدنيوي.
    أما الأخروي فمتساوون، ولا بأس أن نخرج قليلاً إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: {النساء ناقصات عقل ودين } نقص دينها أنها لا تصلي إذا حاضت، لكن ليس ثوابها ناقص وقتئذٍ بمعنى: أن الرجل يصلي في الشهر ثلاثين يوماً والمرأة تصلي ثلاثاً وعشرين يوماً إذا كان عادتها سبعة أيام والثواب واحد، فنقص دينها لا لنقص ثوابها ثم إن الشرع نهاها أن تصلي، وكذلك الصيام لا تصوم لكنها تقضي، فليس هناك في الآخرة نقص إنما نقص بقدر المسئولية مقابل الحق، ولهذا قال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ [البقرة:228] ولم يقل: ولهن مثل الذي للرجال.
    فالرجال لهم امتيازات بقدر ما عليهم من مسئولية -هذا كما قلت للإخوة الموظفين- وإنما أتكلم على المساواة في الخلق والتكوين والأصل، الله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى [الحجرات:13] إذاً متساوون. وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] ذكراً كان أم أنثى، ويقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1]. إذاً: كلهم مخلوقون من نفس واحدة فلا تفرقة في هذا الأصل هو الذي هَو الذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:189] وجعل منها: (من) هنا تبعيضية، أي: فلا تمايز في هذا الباب، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً [الروم:21] أي: خلقها من نفسك، فأريد أن تسترجعوا معي أننا نتحدث عن قرآن نزل منذ أربعة عشر قرناً، فنحن كما قلت: لا ندافع، ولسنا في موقف ضعف، وإنما إذا كان الناس في عمى، أو كنا قد غفلنا عن ديننا وقرآننا حصل ما حصل وإلا فنحن ما أتينا بشيء اخترعناه من عندنا.


    لا شك أن وضع المرأة المسلمة في العصور المتأخرة كان فيه من السوء والظلم والغم ما لا يخفى ولا ينازع فيه، وأهل العلم والرأي والعقل في المجتمع مدركون بأن هذا الوضع للمرأة وللمجتمع ليس من الإسلام، فوجدت بعض الممارسات والأخطاء التي لا تقر، ونوع من الاحتقار، ونوع من غمط الحقوق، بل قد تمنع من الميراث، وقد تجبر في زواج، بل حتى إذا جاء ذكرها في بعض الديار يقال: (أكرمكم الله) حتى ولو كانت أمه، وهذا ليس من الدين في شيء، وليس من الغيرة، وليس من الحشمة، فهذه قضايا لا شك أنها ليست من الإسلام، وإنما هي عادات بالية وتقاليد أكثر ما أملاها الجهل، وقد يحصل تقصير من طلبة العلم في بيان هذا الحق، وكان ينبغي أن تكون هناك تدخلات من أصحاب القرار في سبيل رفع مثل هذا النوع من المظالم، ولهذا فلا شك طبعاً أن المطالبة بالإصلاح، وتحسين وضع المرأة، ورفع هذه الصور من الظلم عنها، لا شك أنه حق، بل إنه ليكتسب من القوة والمشروعية والقبول بقدر ما وقع على المرأة من ظلم وانتقاص.
    هذا كما قلنا أمر لا ينازع فيه، والسبب في ذلك أن ديننا واضح، وكما أوردنا الآيات السابقة، فكذلك الأحكام ظاهرة، وخطاب المرأة في العبادات وفي الحقوق والواجبات واضح، وأي لبس وتشويش فإزالته بالرجوع إلى كتاب الله، وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإلى فهوم أهل العلم الصحيحة السليمة، ولا نحتاج إلى استيراده من أي جهة. لا أستطرد في هذا لأنتقل إلى شعار تحرير المرأة.

    شعار تحرير المرأة هو منطلق مما سبق من الظلم الذي وقع على المرأة، فجعلوا ذلك الجزء المظلم مدخلاً، ولهذا نقول في شعار تحرير المرأة: إذا كان وضع المرأة المسلمة في العصور المتأخرة قد أصابه ما أصابه من ظلم وتعسف وغمط، فلا شك أن دعوة تحرير المرأة من مثل هذه الأوضاع حق، فالأمة لا ترفض أبداً تحرير المرأة في ذاته، وبمضمونه الإسلامي؛ من حرية الفكر والشعور والرأي والتملك ونحوها، وكل ما يرفع عنها المظالم، ويحفظ لها حقوقها في حدود شرع الله الذي يحكم كلاً من الذكر والأنثى، ولكن الذي حصل ومع الأسف أن شعار تحرير المرأة قد ارتبط بالدعوة إلى السفور والتبرج والاختلاط المحرم والتحلل، حتى إن جماهير الأمة اليوم لا يذكر عندها اصطلاح تحرير المرأة إلا ويقع في خاطرها على الفور معنى تبرجها وسفورها، وأصبح وصف المرأة بأنها متحررة مرادف تماماً لوصفها بالتبرج والسفور والتحلل، رغم أن وصف الحرية في جوهره لا يؤدي إلى ذلك المعنى وما كان ينبغي له أن يؤدي إلى ذلك أبداً، بل لقد أصبح شعار تحرير المرأة مثيراً للقلق والاشمئزاز لدى المسلمين المخلصين الغيورين كافة، ويترتب على ذلك أن رفض المسلمين لهذا المفهوم المنحرف ( تحرير المرأة ) اعتبر عداءً لحرية المرأة. إذاًَ: هذا مع الأسف هو قضية الوقفة التي يسمح بها المقام عن معنى أو مصطلح شعار تحرير المرأة.

    ولهذا أنتقل بعده إلى قضية فكرة الصراع بين الرجل والمرأة.
    إن الذي أدى إليه المفهوم المغلوط لتحرير المرأة هو أنهم صوروا أن الرجل متسلط، وأنه مستبد، نعم هذا قد يكون موجوداً حقيقة إما في ممارسة خاطئة، وإما عند أمم غير إسلامية، لكنهم استطاعوا أن يدخلوا -كما قلت- من هذا الجزء المظلم إلى النفخ في قضية الصراع بين الرجل والمرأة، فهذه الفكرة ترى العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة صراع لا علاقة مودة ورحمة، والقوامة الشرعية استبداد وظلم وتسلط، لا تنظيم ورعاية وتوزيع للمسئوليات.
    واسمع بعض عباراتهم الاستفزازية إن صح التعبير وفرقوا بين ما يقوله أحدهم وهو كاتب مسلم عربي، وبين ما سمعتموه من آيات كتاب الله خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1] قال: وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189] وقال: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً [الروم:21] هل تأملتم الفرق بين قوله: لتسكنوا إليها، ولم يقل: لتسكنوا عندها، ولا: لتسكنوا معها، فسكن الشيء إلى الشيء بمعنى: اطمأن وارتاح وأحس فعلاً بالأمان الداخلي؛ هذه هي العلاقة التي يبنيها الإسلام بين الزوجين في عش الزوجية، ناهيك أيضاً بالعلاقة مع الأم والعلاقة مع الأخت وصلة الأرحام وكلها علاقات مودة وبر وإحسان، والعاق لوالديه ومدمن الخمر لا يدخلان الجنة، لكن هؤلاء أرادوا أن يجعلوا القضية قضية صراع، يقول هذا الكاتب: فالمرأة القوية بفكرها، أو القوية بخبرتها وبمعرفتها، تجد في تلك القوة منافذ متعددة لدفع الأذى عنها، فلا تحتاج كثيراً إلى ذلك السبيل الذي تطرقه العاجزات، فالمرأة التي ترى نفسها نداً للرجل لا تبكي عندما تصطدم به، فهي تملك من تنوع الأسلحة ما تستطيع أن تواجه به تنوع أسلحته، إذاً القضية قضية أسلحة وليست مثلما يقول: أسلحة نووية وجرثومية بين الرجل والمرأة، لكن المرأة التي لا تجد لنفسها مكاناً في ظل الرجل أو خلفه تجعل من نفسها امرأة مقيدة اليدين والرجلين مكممة الفم.
    بالله عليكم إذا كنا نربي نساءنا وبناتنا على أن الحياة صراع، وأن الحقوق نهب، فكيف ستكون الحياة؟ فهو اختلاق صراع مرير بين المرأة والرجل تمخض عنه محاولات دءوبة لتكوين جمعيات نسائية لقيادة هذا الصراع، يجسد ذلك مع الأسف إلحاح في بعض وسائل الإعلام على ضرورة أن تنتزع المرأة حقوقها ولا تنتظر من يهبها تلك الحقوق، بينما هم يؤكدون أن العلاقة مودة ورحمة وأنها حقوق وواجبات، ومسئوليات كلٌ عليه مسئولياته، وكلٌ له حقوق بقدر ما عليه من مسئوليات.......

    نأتي إلى قضية تعليم المرأة وعملها: وهذه قد أقف عندها وقفات ونحن نتحدث عن التغريب.
    وكما كان اللبس في مفهوم تحرير المرأة كذلك كان اللبس في تعليم المرأة، فإن من حق المرأة أن تتعلم، وكما قلنا: أي خطاب للرجال هو خطاب للنساء، وقال الله عز وجل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5] الرجل والمرأة، وهَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] الرجال والنساء، فأي خطاب كما قلنا فهو موجه للرجال والنساء، ولا شك أن هناك ضوابط مأخوذة من الدين أيضاً، وإلا فقول النبي صلى الله عليه وسلم: {طلب العلم فريضة على كل مسلم }، ليس في الحديث مسلمة لكن لفظه مسلم تشمل الرجل والمرأة، إلا أنه لا شك أن هناك ضوابط تتعلق بطبيعة المسئوليات التي بها تستقيم الحياة استقامة حقيقية يترتب عليها نوع التعليم، ولهذا نقول: وكما كان الخلل واللبس في مفهوم تحرير المرأة كذلك حصل اللبس والخلل في مفهوم تعليم المرأة، إذ لا شك أن تعليم المرأة حقٌ، وحينما جاء الحديث الشريف: {طلب العلم فريضة على كل مسلم } فإن المراد به كل مسلم ومسلمة؛ لأن الخطاب كما قلنا للجميع، وهذا معروف في نصوص الكتاب والسنة، وكذلك في أسلوب اللغة، ولكن الانحراف الذي حصل في هذا المفهوم، أو هذا الشعار أنهم ربطوا ذلك باختلاط الفتيان والفتيات، وربطوا ذلك بالتبرج في اللباس، وربطوا ذلك بأمور كثيرة، فكأنهم حرصوا على أن يضعوا حينما جاء التعليم -طبعاً في غير ديارنا ولله الحمد- لكن نحن نتحدث فعلاً عن قضايا التغريب، فكأنهم حرصوا على أن يضعوا الأسرة المسلمة في الاختلاط وأمام مأزق الدين نفسه، فإما أن يعلموا بناتهم، وإما أن يحفظوا عليهن خلقهن ودينهن، من غير تعليم، وفي الواقع هناك ارتباط بين التعلم في كثير من الصور المعاصرة وبين التفسخ الأخلاقي، مع الأسف أن هذا الذي ينكره يماري مماراة ويجادل في أشياء لها برهان كالشمس في كثير من قنوات التعليم.
    إذاً: حينما ربطوا بين التعليم والاختلاط، وبين التعليم والتفسخ، وبين التعليم وأنواع اللباس، كأنهم حرصوا أن يضعوا الأسرة المسلمة أمام مفترق طرق، أو مأزقٍ ديني ونفسي، فإما أن يعلموا بناتهم، وإما أن يحفظوا عليهن خلقهن ودينهن، إما أن يبقين بلا علم، وإما أن يفرطن في التزاماتهن الدينية والخلقية والتربوية، وأنت تعلم عقلاً وحساً أنه ليس ثمة تلازم بين التعليم والاختلاط، ولم يقل أحدٌ بأن البنت إذا تلقت العلم مع زميلتها وشقيقتها سيسوء فهمها ويتأخر تعليمها، ولكن مع الأسف ورغم وضوح ذلك فقد حرصت الدعوات المشبوهة والمنحرفة بمعونة مؤسسات من الداخل والخارج على ربط تعليم المرأة بالاختلاط مما أساء في نهضة المرأة المسلمة، فلمصلحة من تلزم الأسرة المسلمة بما لا يلزمها؟ وهل النهضة لا تكون إلا بترسيخ مبدأ علماني غربي في ديار الإسلام ليس له أي مردود نهضوي أو عقلاني في مسيرة الأمة نحو السبق الحضاري الراشد؟ والنتيجة لقد أخرجوها من بيت وليها أباً أو زوجاً أو غيرهما بشتى الحيل بل وأهونها، فكان ذلك بدايات المحذورات جميعاً، وتركت المرأة جهادها الكريم في بيتها، وانصرفت إلى نضال مدنس أو على الأقل ثانوي؛ سعياً وراء تحصيل علم بزعمهم، وتحقيق الكيان الاجتماعي بحسب تعبيراتهم، وإثبات الشخصية والوظيفة المرموقة، وباسم العلم والنور والتقدم أخرجوا نماذج نسوية تمرست وتقلبت في معتركات التعليم ومجالات العمل ومسارح الاختلاط المختلفة خلفت وراءها رسالتها الحقيقية وبخاصة سياسة البيت، فنبتت المشكلات الأسرية والزوجية، وتفككت الأسرة، وضاعت المسئولية، ومع الأسف أن هذا فيما يتعلق بالتعليم المختلط، أو حتى عموم تعليم المرأة. ونحن نتكلم بشكل عام، ولكن الحمد الله بلادنا ليس فيها اختلاط ولله الحمد، والأمر لدى مسئولينا أمر واضح، وسياسة التعليم عندنا واضحة، والجهات المسئولة عن تعليم البنات تعرف كل ذلك وتعيه ولله الحمد.

    نأتي إلى قضية عمل المرأة.
    قضية الحط من العمل المنزلي.
    ما كان ينبغي أن يكون عمل المرأة مشكلة، لأنه مع الأسف إذا قالوا: عمل المرأة أو إذا قالوا: المرأة العاملة فإنهم لا يعترفون بعمل المرأة إلا إذا كان خارج بيتها، ومع الأسف حاولوا أن يرسخوا هذا المصطلح، وهذا من التغريب؛ فإذا قال لك: المرأة العاملة، وظروف المرأة العاملة، وتهيئة ظروف المرأة العاملة، ومساعدة المرأة العاملة، فالمرأة في بيتها عندهم ليست عاملة، ولهذا كان توجههم الأول هو الحط من العمل المنزلي.
    نحن لا ننكر أن المرأة قد تحتاج إلى أن تعمل خارج بيتها، هذا لا شك أنه مقدر ومأذون فيه بضوابطه، لكن منطلقهم وهو الذي نركز عليه هو الحط من العمل المنزلي، واعتبار أنه إذا كانت المرأة في بيتها فإن نصف المجتمع معطل، والمجتمع كما يقولون أو كما يعبرون: يتنفس من رئة واحدة.
    وأنا أريد أن نتحدث في هذا عن نوع من الخطاب الرقمي، أو الإحصائيات فيما يتعلق بعمل المرأة في منزلها، وهو ما يسمونه: بالإنتاج القومي، أو المردود الاقتصادي، لأن هذه معاييرهم، أما قضية الحشمة، وقضية الأدب، وقضية تربية الأولاد؛ فهذه ليست في حسابهم أبداً، صحيح أنهم يتكلمون نظرياً عن المرأة وتربية الأولاد، لكن الواقع إلحاحهم على إخراج المرأة، وعلى إلغاء أهمية العمل المنزلي هذه هي القاصمة وهذه هي الطامة، ولهذا فهم يصرون على إخراج عمل المرأة في بيتها من مفهوم العمل، ولهذا تجد في عباراتهم الشائعة: أن المرأة إذا لم تعمل خارج منزلها فإن المجتمع يكون نصف معطل، أو هو مجتمع يتنفس من رئة واحدة، وبنظرة علمية عاقلة بحسب مقاييسهم تدرك أن هذه الدعوة لا يسندها أي حجة، مثلاً: هذا اقتصادي معروف لكن بطبيعتي لا أحب ذكر الأسماء في مثل هذه الجموع والمرجع والصفحة مثبت عندي، يقول: إن إهمال تقدير خدمات وأعمال ربات المنازل عند حساب الناتج القومي يؤدي إلى كثير من المغالطات، وفي تقرير للأمم المتحدة صدر عام خمسة وثمانين ميلادية، يعني: أربعمائة وخمسة تقريباً حول القيم الاقتصادية لعمل المرأة في المنزل، يقول: لو أن نساء العالم تلقين أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية. طبعاً نساء العالم بما في ذلك أوروبا ، وأوروبا المرأة العاملة فيها بالبيت قليلة جداً، وأغلب النساء التي تعمل في المنازل من نساء العالم الثالث، والعالم الثالث هو الذي يعاني الفقر، فإذا خرجت المرأة من بيتها كيف ستكون ميزانية الدول، لاحظ ماذا يقول التقرير، يقول: لو أن نساء العالم تلقين أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية لبلغ ذلك نصف الدخل القومي لكل بلد. بمعنى: أن المرأة في بيتها قد وفرت على الدولة نصف دخلها القومي، فما بالك بدول العالم الثالث الفقيرة أو التي مستواها قريب من الفقر؛ فإنها ستفقد نصف دخلها القومي، يعني: يزيد فقرها فقراً، ولا تكسل لأنها لا تأخذ من بيت المال أو من ميزانية الدولة إذا عملت، هذا بمقاييس مادية ومقاييس رقمية.
    لو أعطيت نساء العالم أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية لبلغ ذلك نصف الدخل القومي لكل بلد، ولو قامت الزوجات بالإضراب عن القيام بأعمال المنزل لعمت الفوضى العالم، سيسير الأطفال في الشوارع، ويرقد الرضع في أسرتهم جياعاً تحت وطأة البرد القارس، أو السَّموم اللاهب، وستتراكم جبال من الملابس القذرة دون غسيل، ولن يكون هناك طعام للأكل ولا ماء للشرب، ولو حدث هذا الإضراب فسيقدر العالم أجمع القيمة الهائلة لعمل المرأة في البيت.
    ثم يقول التقرير: عمل المرأة في المنزل غير منظور لدى الكثيرين -طبعاً الأمم المتحدة تعتبر حيادية، وتتحدث عن قضايا إحصائية- وإن المرأة لا تتلقى أجراً نظير القيام بهذا العمل، إن هذا العمل حيوي وعلى جانب عظيم من الأهمية؛ غير أن هذه الساعات الطويلة من عناء المرأة في المنزل لا يدركه الكثيرون لأنه بدون أجر.
    هذا كما قلنا قضية رقمية فما بالك بالتربية، ما بالك بالحنان، ما بالك بالاستقرار، ما بالك بالسكن في البيت، بالسكينة والطمأنينة، هذا كله لم يحسم، تصور زوج وزوجته لا يأتون إلا بعد العشاء، أو لا يأتون إلا بعد العصر.
    إذاً: نقول: إن المرأة لو تقاضت أجراً لقاء أعمالها المنزلية لكان أجرها أكثر من أربعة عشر ألفاً وخمس مائة دولار في السنة، إن النساء الآن -وهذا عام خمسة وثمانين- في المجتمعات الصناعية يساهمن بأكثر من (25% إلى 40% ) من منتجات الدخل القومي من أعمالهن المنزلية.
    هذه المجتمعات الصناعية فما بالك بالمجتمعات التي لا تعمل فيها المرأة كثيراً في الخارج؟
    وامرأة سويسرية تركت العمل ورجعت إلى البيت، تقول: لو حسبت أجر المربية والمعلمين الخصوصيين ونفقاتي الخاصة، لو أنني واصلت العمل لوجدتها أكثر مما أتقاضاه بكثير. ولهذا هي فعلاً حسبت لنفسها أنها وفرت على نفسها شيئاً كثيراً، وكما قلت: هي نظرة مادية. وما بالك بالقضايا غير المنظورة وهي أهم؛ كما في قضية التربية والسكن والحشمة، واستقرار النفس بين الزوج والزوجة وأشياء كثيرة.
    مع الأسف أؤكد مرة أخرى على توجهنا الحق من العمل في المنزل، يقول أحدهم: إن مهمة المرأة التي يتم تقييمها على أساسها تنحصر في الحمل والطبخ وتنظيف المنزل والعناية بالزوج. ومع الأسف أن هذه المقولة لأحد أبناء المسلمين، ولو أني قلت له: قال الله وقال رسوله يمكن ألا يستجيب ويقول: هذه أساطير الأولين، لكن لو قلت له: قال فلان وفلان، ولهذا سأقول له: قال برناردشو ؛ لأنه غربي، وأظنه سيسمع كلامه، فأنا أقول: هذا المسكين لو سمع مقالة بعض الغربيين في أهمية الحمل لتغيرت رؤيته، ولو سمع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعنايته بالحمل والحامل والجنين لما تغيرت؛ وهذا من التغريب الذي مسخ الأفكار، ومسخ العقول.
    برناردشو يقول -ولقد سميته مع أني لا أحب -كما قلت- ذكر الأسماء ولكني مضطر لخطاب مثل هؤلاء- يقول: إن العمل الذي تنهض به النساء، العمل الذي لا يمكن الاستغناء عنه هو حمل الأجنة وولادتها؛ لكنهن لا يؤجرن بأموال نقدية، وهذا ما جعل الكثير من الحمقى ينسون أنه عمل على الإطلاق، بل العكس ينظرون أنها حضانة كبهائم وكمجرد تفريخ ونحو ذلك.
    ولهذا ديننا حاول أن يصور قضية الحمل بشكل: وَهْناً عَلَى وَهْنٍ [لقمان:14] ليبين حقها حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً [الأحقاف:15] كل هذا بيان لأهمية هذا الأمر، والموضوع كبير في هذا. إذاً: هذه القضايا في موضوع تعليم المرأة وشعار تحريرها والعمل كذلك خارج وداخل المنزل هي التي تدور في الساحة، وهي التي يلوكها من يلوكها على هذا النحو من الطرح مع الأسف؛ نوع من السخرية، ونوع من الاستهجان، ولكن أؤكد أنها نظرة غير عاقلة، وإنما هي إما نوع غفلة وجهل، وإما سوء نية وطوية؛ لأنها لا تخدم اقتصاداً، ولا ديناً، ولا خلقاً، ولا تماسك مجتمع، ولا نهضة حقيقية.

    ولعلي أختم بهذه الكلمات: وهي وقفة بين نظرتنا ونظرتهم.
    هل الحرية والحقوق أن تكون المرأة غانية في سوق الملذات والشهوات، يستمتع بها الرجل من طلوع الشمس إلى غروبها، ومن غروبها إلى طلوعها في دور الأزياء، وقاعات السينماء، وشاشات التلفاز، وصالات المسارح، وأغلفة المجلات، وشواطئ البحار والأنهار، وبيوت اللهو والدعارة، والصخب في السيارة، بل ومع الأسف حتى في ردهات المستشفيات والملاحات الجوية، ومن المشين المخجل أن يقال: إن ذلك قد يقع حتى في دور التعليم ومحاضن التربية، هل هذا هو سبيل نيل الحقوق؟ أو هذه هي صورة نيل الحقوق؟ ولكن في الحقيقة إنها البيوت الخربة، والمسئولية الضائعة حين ألقاها الرجل عن كاهله فوقعت تلك النساء حيث وقعن؛ إهمال وتنصل من مسئولية الإنجاب والتربية البيتية، فأصبح الذكر والأنثى لنفسه لا لأهله، للذته لا لكرامته، فمن أجل هذا فأنت ترى أنه كلما سادت هذه المفاهيم رأيت الفساد يستشري، والخراب إلى الديار يسري، إنهم يريدون امرأة نداً للرجل ومماثلاً له ومناوئاً، والمرأة في نظرتنا شقيقة الرجل وشقه ومتممته، الرجل محتفظ برجولته والمرأة متميزة بأنوثتها، إنها في نظرتهم كما أسلفت آلت إلى سلعة في سوق النخاسين وعروض الأزياء، غانية في سوق اللذة والشهوات.
    إن نظرتنا أنه لا يجوز أن يكون تأمين العيش، ولا مكافحة الفقر، ولا محاربة الجهل على حساب العرض والشرف، فما ضياع الشرف إلا ضياع العالم كله إن كانوا يعقلون، ولئن وجد الشاب والشابة في نزواته وصبواته وفترة الطيش من عمره لذة عاجلة أو شهوة عابرة فإن عاقبة ذلك الدمار والتشتت الأسري وانهيار المجتمع كله، وما كانت فتيات المجلات ونجوم المسلسلات إلا نتاج هذا النظام الخاسر. إذاً: هذه إشارات إلى مواقع المرأة والرجل في ديننا، خلقهم الله سبحانه وتعالى من نفس واحدة، العلاقة بينهما علاقة مودة ورحمة وسكن وطمأنينة، لا علاقة صراع ومنافسات غير شريفة، وهذه بعض لمحات وبعض إشارات، والموضوع واسع، والقضية كبيرة، ولكن لعل من مجموع ما سمعتموه مما سبق وما سوف تسمعون إن شاء الله تتكامل النظرة والصورة. وأقول هذا القول وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.......



يعمل...
X