إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

على أمل اللقـاء ...،قصة قصيـرة,

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • على أمل اللقـاء ...،قصة قصيـرة,




    على أمل اللقـاء ...،




    وقفت في الشرفة تتأمل ضياء القمر الذي انعكس بريقه على عينيها السودايين
    ليضفي إلى جمالها الأسمر جمالا ، أحست ببرودة تسري في جسدها ، حملت مذكرتها
    ، أقفلت الشبابيك ثم دلفت إلى حجرتها لترتمي فوق سريرها بذهن شارد تصارع
    النعاس ، لكن ، هيهات أن تنعم بغفوة قصيرة تطفئ نار الاشتياق .
    تذكرت حبيبها الغائب الحاضر ؛ تذكرت رفقته في ليالي الشتاء الباردة يرقبان
    كويرات البرد تطرق شباك الشرفة ، تذكرت بسمته في صبيحات الصيف المشرقة ،
    تذكرت ساعات قضتها بين أحضانه الدافئة ، تذكرت شعرا و غزلا نظمه في حقها .
    إنها الثانية بعد منتصف الليل ، تتقلب أرقا علها تنعم بغمضة عين و إذا بالهاتف يرن ، خفق قلبها فزعا و انسابت دمعة حارة على وجنتيها الممتلئتين ؛ إنه الخوف الذي يتملكها كلما هتف هاتف .
    حملت السماعة بيد مرتجفة :
    ـ السلام عليكم ، من معي ؟
    ـ أنا أحمد ، اشتقت إليك يا علياء .
    تنفست الصعدات و احمرت وجنتيها .
    ـ أحمد حبيبي ، اشتقت إليك أيضا ، كيف حالك ؟
    ـ أنا بخير الحمد لله و أنت ما أخبارك ؟
    ـ بخير ما دمت أنت بخير ، لكن عتبي عليك أنك تطلبني في هدة الساعة المتأخرة من الليل ، لم أعتد منك ذلك ، خلت أني سأصعق ...
    قاطعها قائلا :
    لا داعي لهذا الحديث الآن ، لقد سنحت لي الفرصة بالاتصال فلم أود إلا أن استغلها لأطمئن عليك فكما تعلمين ...
    قاطعته بدورها : نعم ، نعم ، أعلم الشبكات مقطوعة إلا نادرا .
    سكتت برهة ثم أردفت بنبرة حزينة :
    ـ متى ستعود يا أحمد ؟
    أجاب قائلا :
    ـ أظن أننا تحدثنا بخصوص هذا الموضوع مرار و تكرارا ،فلم تفتحين هذه السيرة مجددا ؟
    ردت بعصبية :
    ـ لأني قد ضقت ذرعا بالانتظار ، لم أعد أتحمل الوحدة ، أنسيت أني حامل و بحاجة إلى قربك ؟
    أجاب محاولا تهدئة أعصابها :
    ـ لا لم أنسى حبيبتي ، لكن ما باليد حيلة ، لقد تطورت الأوضاع هنا و الحرب على أوطارها و الأمور على أشدها ، أو يرضيك أن أتنازل عن رجولتي و أغادر الثكنة و أهجر البلاد و الجهاد ؟
    ردت باكية :
    ـ و أنا أين وسط كل هذا ؟
    ـ إن حبك حقا شغف قلبي لكن شوقي للشهادة أشد و أقوى و قد صارحتك بالأمر منذ بداية زواجنا فلم تقلبي المواجع يا علياء ؟
    ردت و آهة تدوي من أعماقها :
    ـ آآآآآه ، أبوح لك بهمي فمالي حبيب سواكـ
    رد ملطفا الجو :
    ـ و مالي حبيبة سواك ، أريد أن أشفع لك فهل من حب أكبر و أصدق من هذا ؟!
    أجابت بعبرات مخنوقة :
    ـ إن كان هذا ما يرضيك فإنه حتما يرضيني آملة في موعد اللقاء هنا أو هناكـ .
    رد أحمد بيقين :
    ـ هناكـ لقاء الأحبة الأبدي ، هناكـ الخلود و النعيم ، هناكـ نغرف من الحوض الشريف ، هناكـ تحلو الساعات و الأيام ، هناكـ لن أتركك و لن تغيبي عن عيني لحظة فصبرا جميلا إن الله مع الصابرين و إن العاقبة للمتقين .
    ـ الحمد لله ، أسأل الله أن يعيدك إلى أحضاني سالما غانما و إن لم يكتب لنا اللقاء هـنا فليكن هناكـ بإذن الله .
    سكتت للحظات بانتظار رده لكن ما من مجيب .
    ـ ألو ، أحمد ، أتسمعني ، أحمد ، أحمد ...
    پيــــپ ،پيــــپ ،پيــــپ...
    ـ أووووه انقطعت المكالمة ، يظهر أن الرصيد قد نفذ أو أن الشبكة انقطعت من جديد .
    وضعت السماعة و خيبة أمل مرسومة على محياها فكم تمنت أن يطول الحديث علها تقرأ على مسمعه بعض ما تحويه مذكراتها الحزينة لكن قدر الله و ما شاء فعل .
    أطفأت المصباح ، استلقت على مخدتها الوردية الناعمة ترسم محيا الحبيب لتطرد وحشة الظلمة الحالكـة .


    مرت الأيام رتيبة كئيبة فمنذ أن غادر أحمد انطوت علياء على نفسها و انزوت في عشها البارد من كل دفء بعد أن حلق طائره المغرد .
    استيقظت على صوت المؤذن ينادي لصلاة الفجر ، توضأت ، صلت ثم جلست تناجي، ألقت نظرة سريعة على ساعة الحائط ـ التي طالما ضايق صوتها نوم أحمد الخفيف ـ و قالت محدثة نفسها :
    ـ إنها الثامنة صباحا ، أظن أن أحمد قد استيقظ إن لم يصبه مكروه منذ أن اتصل بي بداية شهر آذار .
    اتجهت نحو المطبخ دون أي رغبة في الأكل لكن تذكرت صحة الجنين الكائن في أحشائها فتناولت شطيرة بالجبن شفقة عليه ، جلست على طاولة الطعام تقضم شطيرتها متأملة الشمس التي شرعت في إسدال خيوطها الذهبية ، أيقظها من سهوها جرس الباب فهرولت نحوه بنفس الخوف الذي يتملكها عند كل جرس .
    ـ صباح الخير علياء ، كيف حـالك ؟
    أخذت نفسا عميقا مرددة :
    ـ صباح الخير حماتي ، أنا بخير الحمد لله تفضلي .
    انزوت أم أحمد في ركن من الصالة ، وجهت نظرها إلى زوجة ابنها قائلة بنبرة عتاب :
    ما بالك لا تسألين عنا ، ألسنا ذويك يا ابنتي ؟
    أجابت في ارتباك :
    ـ بلى مشاغل يا خالتي و كما تعلمين الدراسة و الحمل و...
    قاطعتها :
    ـ بل هو غياب أحمد الذي أفقدك وعيك و أنساك الدنيا و طيباتها ، إلى متى ستقفلين على نفسك هدة الشقة بعيدة عن كل اتصال بالعالم الخارجي ، يا ابنتي إنى أنصحك رفقا بك ، أعلم أن الأمر صعب للغاية فأنا أم و أتقطع شوقا لابني لكن سنة الحياة تفرض علينا أمرها الواقع ، يجب أن نعيش لنمنح الحياة لآخرين ، ختمت حديثها مشيرة بأصبعها إلى بطن علياء التي بدأت في الظهور .
    ردت بحزن عميق :
    ـ معك حق خالتي ، لكن ، لكن ...
    ثم دخلت في نوبة من البكـاء الذي ما برحها منذ فراق الحبيب الغالي .
    هدأت أم أحمد من روعها قائلة : هيا جهزي نفسك لتقيمي عندنا في البيت معززة مكرمة ، لن أتركك وحيدة بعد اليوم ...
    قاطعتها بارتباك : لا خالتي ، لا أريد ، اممم ، أقصد لا أريد أن أثقل عليكم ، إن أحببت تعالي لتبيتي معي بعض الأيام سيسعدني ذلك .
    أومأت أم أحمد برأسها متفهمة وضعها : فكرة طيبة ، ها ألن تضيفيني ، إني سأموت جوعا .
    ثم دخلتا في نوبة من الضحك متجهتين نحو المطبخ لإعداد الطعام ، إذ يقرع الباب بطرقات خفيفة متتالية ، اتجهت علياء بسرعة ملفتة مستعدة لتلقي أي خبر فقد روضت نفسها على ذلك منذ أن هاجر أحمد .
    سلَّم لها ساعي البريد ظرفا ، أمضت ثم انصرف لحاله ، ظلت متمسرة لهنيهة أمم باب الشقة بتفكير متجمد ، أخفت الظرف بين ملابسها ، اصطنعت الابتسامة ثم التحقت بحماتها .
    مر اليوم سريعا بين حديث و طهي و ترتيب، قامت أم أحمد مستأذنة :
    ـ حان وقت الذهاب ، عمك أبو أحمد سيقلق إذا تأخرت أكثر من هذا .
    ـ ألن تبيتي معي الليلة ؟
    ـ أعدك أن تكون لي عودة بإذن الله ، سأرتب أموري .
    ـ سأسعد بذلك ، عمت مساء ، أوصلي سلامي لعمي .
    ـ إن شاء الله ، السلام عليكم
    ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته .



    خيم الصمت من جديد ، أحست بالوحشة فأسرعت إلى غرفتها الملأى بالذكريات ، استلقت فتذكرت الرسالة ، فتحتها بلهفة ممزوجة بخوف و ترقب متمتمة :
    ـ خير إن شاء الله .
    فجاءها الخطاب التالي :

    ’’ "السلام عليكم و رحمة الله و بركاته أختي الفاضلة ما بعد ؛
    أنا نادر زميل أحمد في الثكنة ، حاولت الاتصال بكم مرات متكررة دون أن أفلح لسوء خطوط شبكة الاتصالات فقررت أن أرسل لكم هذا الخطاب لأوافيكم بآخر الأخبار نزولا عند رغبة أحمد .
    لا شك أنكم تعلمون ما وصلت إليه الأوضاع من تأزم فقد شن العدوان على رجالنا قصفا قويا أدى بحياة الكثير منهم أما عن أحمد فيؤسفني أن أخبركم أنه قد أصيب بجرح عميق بترت على إثره رجله اليسرى ، و قد وضع تحت إشراف طاقمنا الطبي ، أطمئنكم إنه الآن بأفضل حال .
    دعواتكم لنا بالنصر المبيـن ."

    أخوكـم نادر .،

    و مع آخر سطر أحست بوخز أليم و مغص شديد ، تحسست بطنها و تمتمت بصوت باك :
    ـ الحمد لله على كل حـال .
    ظلت دون حراك لدقائق ؛ تائهة ، محتارة : حبيبها في كبد ، لا وسيلة للاتصال به ، لا معين سوى الله ففوضت أمرها إلى علام الغيوب .
    استلقت لتأخذ قسطا من الراحة ـ الراحة التي توهم نفسها بها ـ لكن أنى لها بغمضة عين بعد ما وصل من أخبار .
    ارتأت أن لا تخبر أهله فهي تعلم جيدا أن أب خالد رجل مسن و مريض بالقلب فخافت عليه من هول الصدمة .
    انقضت أشهر جديدة دون خبر و لا اتصال ، بينما تتأهب للذهاب إلى الجامعة جاءها رنين الهاتف مدويا ، رفعت السماعة بوجل :
    ـ السلام عليكم و رحمة الله و بركـاته .
    جاءها الصوت بعيدا متقطعا :
    ـ ألـ ... ـو علـ ... ـيـاء ؛ أ... نـا أحـ...ـمد
    ردت بفرحة ممزوجة بقلق :
    ـ لا أسمعك بوضوح يا حبيبي ، حاول أن ترفع صوتك .
    رد و نبرة التعب جلية على صوته :
    ـ لا تخافي يا علياء أنا بخير .
    فأجابت : كيف لي أن لا أخاف بعد ما وصلني من أخبار ، لكن لا بأس يا حبيبي فلو بترت أعضاءك كاملة ما كنت لأتنازل عن حبك ما حييت .
    ـ علياء ، لا تدري متى الأجل فالموت يطاردني في كل حين و إني لسعيد بلقيا ربي و إني لمشغول عليك و على طفلنا ، آثرت بعد تفكير أن أتصل لأودعك ربما ...
    قاطعته :
    ـ لا ، لا ، ماذا تقول ؟ ستعود إلى أحضاني بإذن الله .
    ـ اسمعيني يا علياء رجاء ، أحس أن أجلي قريب فلا أريد أن أفارق صفحات حياتك دون توديعك ، لا تنسي أني كنت ها هنا يوما ، لا تنسي أني أحبك و سأحبك دوما ، لا تنسي أن تخبري أحمد الصغير أني أحببته دون أن أراه .
    قاطعه نحيبها المكتوم وعبراتها المخنوقة و صوتها الذي لا يكاد يسمع منه إلا كلمات مبعثرة .
    ـ لم تبكين يا حمقاء ، حبيبك سيلاقي ربه شهيدا ، تالله إنه لشرف لي و لك و لابننا ، أكيد أنه سيفخر بي كبيرا .
    قبل أن تهم بالرد انقطع الاتصال ، وضعت السماعة مواصلة بكاءها المرير لفراق أعز الناس و أقرب الأقربين ، أيقنت أن اللقاء هنا قد استحال ، قطع حبل تفكيرها جرس الباب ، فتحت بتثاقل قائلة :
    ـ أمـي ......
    ثم هوت أرضا مغشيا عليها .

    نقلت إلى المشتشفى ؛ هناك جاءها المخاض مبكرا و هناكـ جاءها الخبر صاعقا ، غادر الحبيب دون عودة ، ضمت صغيرها إلى صدرها و الدمع لا يفارق الجفون فأحست أنها تضم قطعة لا تتجزأ من أحمد ثم رددت بابتسامة أسى :

    عشت دوما على أمل اللقاء هــنا
    لكن ذلك في الكتاب لم يكتـــبِ
    فسأعيش على أمل اللقاء هنــاك
    و ألاقي في الجنان حبيبي الأحمـدِ

    ...
    ابحث عن اخوات في الله ، نعين بعضنا على ديننا اختكن في حالة فتور شديد

    منتقبة في الخفاء


  • #2
    رد: على أمل اللقـاء ...،قصة قصيـرة,

    اين الردود
    لم يعجبكن قلمي الحزين
    ابحث عن اخوات في الله ، نعين بعضنا على ديننا اختكن في حالة فتور شديد

    منتقبة في الخفاء

    تعليق

    يعمل...
    X