"
" مشهد عظيم " عباد الله ..
يقول الحق تبارك وتعالى : ﴿ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾ ..يعني : والسماء رفعها ووضع الميزان : أي وضع العدل وجعله أساس كل شيء ..
كما قال سبحانه : ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ ..
وكذا قال : ﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾..
فأمر الله بالعدل في كل شيء ..
وهو العدل سبحانه الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين الخلق محرماً ..
ومن عدله سبحانه أنه ينصب للعباد يوم القيامة ميزاناً توزن فيه أعمالهم والحكمة من ذلك إظهار عدله جل في علاه ..
قال شارح الطحاوية رحمه الله : ويا لخيبة من ينفي وضع الميزان القسط يوم القيامة كما أخبر الشارع وذلك لخفاء الحكمة عليه ويقدح في النصوص بقوله لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال ، وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزناً ، ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده فإنه لا أحد أحب إليه العذر إلى الله ومن أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين فيكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا إطلاع لنا عليه ..انتهى رحمه الله ..
والميزان عباد الله ..
اسم للآلة التي يوزن بها الأشياء ..
أو هو ما تقدر بها الأشياء خفة وثقلاً ..
وفي الشرع ..
هو ما يضعه الله يوم القيامة لوزن أعمال العباد ..
دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع ..
فقال تعالى في كتابه : ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ ..
وقال سبحانه : ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ﴾ ..
وقال جل في علاه : ﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ ..
وثبت ذلك أيضاً في السنة الصحيحة فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((كلمتان ..
خفيفتان على اللسان ..
ثقيلتان فيالميزان..
حبيبتان إلى الرحمن :
سبحان الله العظيم ، سبحان اللهوبحمده ))..
فثقلوا موازينكم عباد الله بهذه الكلمات العظيمة ..
أخرج الحاكم وصحهه من حديث سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه أنه قال :
(( يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعهن ..
فتقول الملائكة : يا رب لمن يزن هذا ؟..
فيقول : لمن شئت من خلقي ..
فتقول الملائكة : ما عبدناك حق عبادتك ))..
أما دليل ذلك من الاجماع ..
فلقد أجمعت الأمة على ثبوت الميزان يوم القيامة لوزن أعمال العباد ..
عباد الله ..
وجاء لفظ الميزان مفرداً وجمعاً ..
كقوله تعالى : ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ﴾ ..
وقوله : ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ﴾ ..
وكقوله صلى الله عليه وسلم :
(( ثقيلتان في الميزان ))..
فكيف نجمع ونوفق بين الجمع الافراد ..
قال ابن عثيمين رحمه الله :
إنها جمعت باعتبار الموزون حيث أنه متعدد ..
وأفردت باعتبار ان الميزان واحد ..
وقوله : ثقيلتان في الميزان : أي في الوزن ..
فالذي يظهر _ يقول رحمه الله _ فالذي يظهر والله أعلم أن الميزان واحد وأنه جمع باعتبار الموزون بدليل قوله : ﴿ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ ..
ثم قال رحمه الله : ولكن يتوقف الإنسان هل يكون ميزاناً واحداً لجميع الأمم أو لكل أمة ميزان ..
لأنَّ الأمم كما دلت عليه النصوص تختلف باعتبار أجرها واختلاف أعمارها أيضاً ..
فكانت أمة محمد ..
من أقصر الأمم أعماراً ..
لكنها من أكثرها أجوراً ..
عباد الله ..
هل الميزان حسي أو معنوي ؟..
قال في لمعة الاعتقاد : والميزان الذي توزن به الأعمال حسي حقيقي له كفتان ولسان ..
وقال في الطحاوية : والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان ..
روى أحمد من حديث أبي عبد الرحمن الحبلي قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعونسجلاً ، كل سجل مد البصر ..
ثم يقول الله : أتنكر من هذا شيئاً ؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ ..
فيقول : لا يا رب ..
فيقول : ألك عذر أو حسنة ؟ ..
فيبهت الرجل فيقول : لا يا رب ..
فيقول الله : بلى إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم عليك اليوم ، فتُخرج له بطاقة فيها :
أشهد أنلا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
فيقول : أحضروه ..
فيقول العبد : يا ربوما عسى أن تصنع هذهالبطاقةمع هذه السجلات ؟!.. أو مع هذه الجبال من السيئات ..
فيقال : إنك لا تظلم ..
قال : فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة..
قال : فطاشت السجلات ، وثقلتالبطاقة، فطاشت السجلات ، وثقلتالبطاقة ..
فلا يثقل مع اسم الله شيء ))..
فأكثروا عباد الله ..
أكثروا عباد الله من قول :
لا إله إلا الله بصدق وإخلاص ويقين ..
فإنها من أعظم الحسنات ..
وفي سياق آخر :
توضع الموازين يوم القيامة فيؤتي بالرجل فيوضع في كفة ..
قال : وفي هذا السياق فائدة جليلة وهي أن العامل يوزن مع عمله ويشهد لهذا ما روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة )) ..
(( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح
بعوضة ، وقال : اقراوا إن شئتم : ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾ ))..
فقيمة العبد عند ربه ليس بحسبه ولا بنسبه ..
ولكن ..
بتقواه ..
وإيمانه ..
وحسن خلقه ..
ولقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )) ..
فلا أنساب ولا أحساب ..
ولكن تقوى وأخلاق وإيمان ..
فلا أنساب ولا أحساب ..
ولكن تقوى واخلاق وإيمان ..
بها تثقل الأوزان ..
روى الإمام احمد عن ابن مسعود بسند حسن أنه كان يجني سواك من الأراك وكان دقيق الساقين فجلعت الريح تكفأه فضحك القوم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( ممَ تضحكون ؟!))
قالوا يا نبي الله من دقة ساقيه ، فقال :
(( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد )) ..
(( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد )) ..
وقد جاء مما يثقل الميزان الأخلاق الحسنة والأخلاق الفاضلة ..
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله يبغض الفاحشالبذيء )) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ..
والبذئ : هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الجنة فقال :
(( تقوى الله وحسن الخلق ))..
وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال :
(( الفم والفرج )) )) رواه الترمذي وقال صحيح ..
وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم )) رواه أبو داود ..
فحسنوا أخلاقكم عباد الله ..
حسنوا أخلاقكم عباد الله تثقل موازينكم عند لقاء ربكم ..
فلا تحقرن من الأعمال شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ..
فالابتسامات إذا كانت لله ثقلت في الميزان يوم الندامة والحسرات ..
قال شارح الطحاوية رحمه الله : والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان ..
لكن سؤال آخر :
ما الذي يوزن في الميزان أيضاً ؟..
الجواب ..
هو أن الذي يوزن هو أعمال العباد فهي وإن كانت أعراضاً إلا أن الله عز وجل يقلبها أجساماً فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة ..
قال البغوي رحمه الله : روي نحو هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن (( البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامةغمامتانأو غيايتان ، أوفرقان من طير صواف تظلان صاحبهما ))..
وفي رواية ((يحاجان عن أهلهما يوم القيامة ))..
والغيايتان : ما أظلك من فوقك ..
والفرق : القطعة من الشيء ..
والصواف : المصطفة المتضامة ..
وفي الصحيح (( أن القرآن يأتي صاحبه يوم القيامة في صورة شاب شاحب اللون ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا القرآن .. أنا القرآن ..
أنا الذي أسهرت ليلك ..
وأظمأت نهارك ))..
وفي حديث البراء (( أن العبد المؤمن في قبره يأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح طيب الشمائل ..
فيقول : من أنت فوجهك لا ياتي إلا بالخير !..
فيقول : أبشر بالذي يسرك .. أبشر بالذي يسرك .. أنا عملك الصالح ..
أما العبد الفاجر فيأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الرائحة ..
فيقول : من أنت فوجهك لا يأتي إلا بالشر ..
فيقول : أبشر بالذي يسؤوك أنا عملك السيء ))..
فالأعمال تجسم وتوزن في الميزان ..
وجاءت أدلة تبين أن الذي يوزن صاحب العمل أيضاً كما ذكرنا من خبر ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه ..
قال ابن عثيمين رحمه الله :
والجمع بين هذه النصوص بأن الجميع يوزن ..
وأن الوزن حقيقة بالصحائف ..
وحيث أنها تخف وتثقل بحسب الأعمال المكتوبة ..
فصار الوزن كأنه للأعمال ..
وأما صاحب العمل ..
فالمراد به قدره وحرمته وهذا جمع حسن والله أعلم ..
قال شارح الطحاوية : فثبت وزن الأعمال والعامل ، وصحائف الأعمال ..
وثبت أن الميزان له كفتان والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات ..
فعلينا عباد الله الإيمان بالغيب كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان ..
قال الله : ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ، فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ، وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ ﴾ ..
اعلم بارك الله فيك ..
أن الناس عند الميزان على ثلاثة أحوال ..
منهم من ..
رجحت حسناته على سيئاته مثقال حبة فيدخل الجنة ..
ومنهم من ..
رجحت سيئاته على حسناته مثقال حبة فيدخل النار ..
ومنهم من ..
تستوي حسناته وسيئاته فأولئك أصحاب الأعراف وفيها نظر وأقوال وخلاف ..
أما الكفار ..
فكفرهم أحبط أعمالهم فيدخلون النار من غير حساب ولا ميزان ..
وقيل أن حسناتهم توزن فتخفف عنهم العذاب في النار ..
أما الجنة فمحرمة عليهم كما قال القهار : ﴿ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ ..
وهناك عباد الله ..
من يدخلون الجنة بلا حساب ولا ميزان ..
وهناك عباد الله ..
من يدخلون الجنة بلا حساب ولا ميزان ..
قال صلى الله عليه وسلم :
(( أعطيت من أمتي سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب )) ..
وفي رواية (( فاستزدتربي، فزادني مع كل واحد سبعين ألفا )) ..
اللهم لا تحرمنا فضلك ..
قال أبو حامد رحمه الله : والسبعون ألف الذين يدخلون بلا حساب لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفاً ..
إنما هي براءات مكتوبة إلى الجنة ..
اعلموا عباد الله ..
اعلموا عباد الله ..
ان الميزان إذا نصب للعبد فهو من أعظم الأهوال يوم القيامة ..
لأن العبد إذا نظر إلى الميزان ..
انخلع فؤاده ..
وكثرت خطوبه ..
وعظمت كروبه ..
فلا تهدأ روعة العبد حتى يرى أيثقل ميزانه أم يخف ..
فإن ثقل ميزانه ..
فقد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً ..
وإن خف ميزانه ..
فقد خسر خسراناً مبيناً ولقي من العذاب أمراً عظيماً ..
" عباد الله ..
يقول الحق تبارك وتعالى : ﴿ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾ ..يعني : والسماء رفعها ووضع الميزان : أي وضع العدل وجعله أساس كل شيء ..
كما قال سبحانه : ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ ..
وكذا قال : ﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾..
فأمر الله بالعدل في كل شيء ..
وهو العدل سبحانه الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين الخلق محرماً ..
ومن عدله سبحانه أنه ينصب للعباد يوم القيامة ميزاناً توزن فيه أعمالهم والحكمة من ذلك إظهار عدله جل في علاه ..
قال شارح الطحاوية رحمه الله : ويا لخيبة من ينفي وضع الميزان القسط يوم القيامة كما أخبر الشارع وذلك لخفاء الحكمة عليه ويقدح في النصوص بقوله لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال ، وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزناً ، ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده فإنه لا أحد أحب إليه العذر إلى الله ومن أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين فيكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا إطلاع لنا عليه ..انتهى رحمه الله ..
والميزان عباد الله ..
اسم للآلة التي يوزن بها الأشياء ..
أو هو ما تقدر بها الأشياء خفة وثقلاً ..
وفي الشرع ..
هو ما يضعه الله يوم القيامة لوزن أعمال العباد ..
دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع ..
فقال تعالى في كتابه : ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ ..
وقال سبحانه : ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ﴾ ..
وقال جل في علاه : ﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ ..
وثبت ذلك أيضاً في السنة الصحيحة فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((كلمتان ..
خفيفتان على اللسان ..
ثقيلتان فيالميزان..
حبيبتان إلى الرحمن :
سبحان الله العظيم ، سبحان اللهوبحمده ))..
فثقلوا موازينكم عباد الله بهذه الكلمات العظيمة ..
أخرج الحاكم وصحهه من حديث سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه أنه قال :
(( يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعهن ..
فتقول الملائكة : يا رب لمن يزن هذا ؟..
فيقول : لمن شئت من خلقي ..
فتقول الملائكة : ما عبدناك حق عبادتك ))..
أما دليل ذلك من الاجماع ..
فلقد أجمعت الأمة على ثبوت الميزان يوم القيامة لوزن أعمال العباد ..
عباد الله ..
وجاء لفظ الميزان مفرداً وجمعاً ..
كقوله تعالى : ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ﴾ ..
وقوله : ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ﴾ ..
وكقوله صلى الله عليه وسلم :
(( ثقيلتان في الميزان ))..
فكيف نجمع ونوفق بين الجمع الافراد ..
قال ابن عثيمين رحمه الله :
إنها جمعت باعتبار الموزون حيث أنه متعدد ..
وأفردت باعتبار ان الميزان واحد ..
وقوله : ثقيلتان في الميزان : أي في الوزن ..
فالذي يظهر _ يقول رحمه الله _ فالذي يظهر والله أعلم أن الميزان واحد وأنه جمع باعتبار الموزون بدليل قوله : ﴿ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ ..
ثم قال رحمه الله : ولكن يتوقف الإنسان هل يكون ميزاناً واحداً لجميع الأمم أو لكل أمة ميزان ..
لأنَّ الأمم كما دلت عليه النصوص تختلف باعتبار أجرها واختلاف أعمارها أيضاً ..
فكانت أمة محمد ..
من أقصر الأمم أعماراً ..
لكنها من أكثرها أجوراً ..
عباد الله ..
هل الميزان حسي أو معنوي ؟..
قال في لمعة الاعتقاد : والميزان الذي توزن به الأعمال حسي حقيقي له كفتان ولسان ..
وقال في الطحاوية : والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان ..
روى أحمد من حديث أبي عبد الرحمن الحبلي قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعونسجلاً ، كل سجل مد البصر ..
ثم يقول الله : أتنكر من هذا شيئاً ؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ ..
فيقول : لا يا رب ..
فيقول : ألك عذر أو حسنة ؟ ..
فيبهت الرجل فيقول : لا يا رب ..
فيقول الله : بلى إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم عليك اليوم ، فتُخرج له بطاقة فيها :
أشهد أنلا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
فيقول : أحضروه ..
فيقول العبد : يا ربوما عسى أن تصنع هذهالبطاقةمع هذه السجلات ؟!.. أو مع هذه الجبال من السيئات ..
فيقال : إنك لا تظلم ..
قال : فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة..
قال : فطاشت السجلات ، وثقلتالبطاقة، فطاشت السجلات ، وثقلتالبطاقة ..
فلا يثقل مع اسم الله شيء ))..
فأكثروا عباد الله ..
أكثروا عباد الله من قول :
لا إله إلا الله بصدق وإخلاص ويقين ..
فإنها من أعظم الحسنات ..
وفي سياق آخر :
توضع الموازين يوم القيامة فيؤتي بالرجل فيوضع في كفة ..
قال : وفي هذا السياق فائدة جليلة وهي أن العامل يوزن مع عمله ويشهد لهذا ما روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة )) ..
(( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح
بعوضة ، وقال : اقراوا إن شئتم : ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾ ))..
فقيمة العبد عند ربه ليس بحسبه ولا بنسبه ..
ولكن ..
بتقواه ..
وإيمانه ..
وحسن خلقه ..
ولقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )) ..
فلا أنساب ولا أحساب ..
ولكن تقوى وأخلاق وإيمان ..
فلا أنساب ولا أحساب ..
ولكن تقوى واخلاق وإيمان ..
بها تثقل الأوزان ..
روى الإمام احمد عن ابن مسعود بسند حسن أنه كان يجني سواك من الأراك وكان دقيق الساقين فجلعت الريح تكفأه فضحك القوم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( ممَ تضحكون ؟!))
قالوا يا نبي الله من دقة ساقيه ، فقال :
(( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد )) ..
(( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد )) ..
وقد جاء مما يثقل الميزان الأخلاق الحسنة والأخلاق الفاضلة ..
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله يبغض الفاحشالبذيء )) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ..
والبذئ : هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الجنة فقال :
(( تقوى الله وحسن الخلق ))..
وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال :
(( الفم والفرج )) )) رواه الترمذي وقال صحيح ..
وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم )) رواه أبو داود ..
فحسنوا أخلاقكم عباد الله ..
حسنوا أخلاقكم عباد الله تثقل موازينكم عند لقاء ربكم ..
فلا تحقرن من الأعمال شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ..
فالابتسامات إذا كانت لله ثقلت في الميزان يوم الندامة والحسرات ..
قال شارح الطحاوية رحمه الله : والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان ..
لكن سؤال آخر :
ما الذي يوزن في الميزان أيضاً ؟..
الجواب ..
هو أن الذي يوزن هو أعمال العباد فهي وإن كانت أعراضاً إلا أن الله عز وجل يقلبها أجساماً فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة ..
قال البغوي رحمه الله : روي نحو هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن (( البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامةغمامتانأو غيايتان ، أوفرقان من طير صواف تظلان صاحبهما ))..
وفي رواية ((يحاجان عن أهلهما يوم القيامة ))..
والغيايتان : ما أظلك من فوقك ..
والفرق : القطعة من الشيء ..
والصواف : المصطفة المتضامة ..
وفي الصحيح (( أن القرآن يأتي صاحبه يوم القيامة في صورة شاب شاحب اللون ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا القرآن .. أنا القرآن ..
أنا الذي أسهرت ليلك ..
وأظمأت نهارك ))..
وفي حديث البراء (( أن العبد المؤمن في قبره يأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح طيب الشمائل ..
فيقول : من أنت فوجهك لا ياتي إلا بالخير !..
فيقول : أبشر بالذي يسرك .. أبشر بالذي يسرك .. أنا عملك الصالح ..
أما العبد الفاجر فيأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الرائحة ..
فيقول : من أنت فوجهك لا يأتي إلا بالشر ..
فيقول : أبشر بالذي يسؤوك أنا عملك السيء ))..
فالأعمال تجسم وتوزن في الميزان ..
وجاءت أدلة تبين أن الذي يوزن صاحب العمل أيضاً كما ذكرنا من خبر ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه ..
قال ابن عثيمين رحمه الله :
والجمع بين هذه النصوص بأن الجميع يوزن ..
وأن الوزن حقيقة بالصحائف ..
وحيث أنها تخف وتثقل بحسب الأعمال المكتوبة ..
فصار الوزن كأنه للأعمال ..
وأما صاحب العمل ..
فالمراد به قدره وحرمته وهذا جمع حسن والله أعلم ..
قال شارح الطحاوية : فثبت وزن الأعمال والعامل ، وصحائف الأعمال ..
وثبت أن الميزان له كفتان والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات ..
فعلينا عباد الله الإيمان بالغيب كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان ..
قال الله : ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ، فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ، وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ ﴾ ..
اعلم بارك الله فيك ..
أن الناس عند الميزان على ثلاثة أحوال ..
منهم من ..
رجحت حسناته على سيئاته مثقال حبة فيدخل الجنة ..
ومنهم من ..
رجحت سيئاته على حسناته مثقال حبة فيدخل النار ..
ومنهم من ..
تستوي حسناته وسيئاته فأولئك أصحاب الأعراف وفيها نظر وأقوال وخلاف ..
أما الكفار ..
فكفرهم أحبط أعمالهم فيدخلون النار من غير حساب ولا ميزان ..
وقيل أن حسناتهم توزن فتخفف عنهم العذاب في النار ..
أما الجنة فمحرمة عليهم كما قال القهار : ﴿ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ ..
وهناك عباد الله ..
من يدخلون الجنة بلا حساب ولا ميزان ..
وهناك عباد الله ..
من يدخلون الجنة بلا حساب ولا ميزان ..
قال صلى الله عليه وسلم :
(( أعطيت من أمتي سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب )) ..
وفي رواية (( فاستزدتربي، فزادني مع كل واحد سبعين ألفا )) ..
اللهم لا تحرمنا فضلك ..
قال أبو حامد رحمه الله : والسبعون ألف الذين يدخلون بلا حساب لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفاً ..
إنما هي براءات مكتوبة إلى الجنة ..
اعلموا عباد الله ..
اعلموا عباد الله ..
ان الميزان إذا نصب للعبد فهو من أعظم الأهوال يوم القيامة ..
لأن العبد إذا نظر إلى الميزان ..
انخلع فؤاده ..
وكثرت خطوبه ..
وعظمت كروبه ..
فلا تهدأ روعة العبد حتى يرى أيثقل ميزانه أم يخف ..
فإن ثقل ميزانه ..
فقد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً ..
وإن خف ميزانه ..
فقد خسر خسراناً مبيناً ولقي من العذاب أمراً عظيماً ..
" مشهد عظيم " عباد الله ..
يقول الحق تبارك وتعالى : ﴿ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾ ..يعني : والسماء رفعها ووضع الميزان : أي وضع العدل وجعله أساس كل شيء ..
كما قال سبحانه : ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ ..
وكذا قال : ﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾..
فأمر الله بالعدل في كل شيء ..
وهو العدل سبحانه الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين الخلق محرماً ..
ومن عدله سبحانه أنه ينصب للعباد يوم القيامة ميزاناً توزن فيه أعمالهم والحكمة من ذلك إظهار عدله جل في علاه ..
قال شارح الطحاوية رحمه الله : ويا لخيبة من ينفي وضع الميزان القسط يوم القيامة كما أخبر الشارع وذلك لخفاء الحكمة عليه ويقدح في النصوص بقوله لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال ، وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزناً ، ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده فإنه لا أحد أحب إليه العذر إلى الله ومن أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين فيكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا إطلاع لنا عليه ..انتهى رحمه الله ..
والميزان عباد الله ..
اسم للآلة التي يوزن بها الأشياء ..
أو هو ما تقدر بها الأشياء خفة وثقلاً ..
وفي الشرع ..
هو ما يضعه الله يوم القيامة لوزن أعمال العباد ..
دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع ..
فقال تعالى في كتابه : ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ ..
وقال سبحانه : ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ﴾ ..
وقال جل في علاه : ﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ ..
وثبت ذلك أيضاً في السنة الصحيحة فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((كلمتان ..
خفيفتان على اللسان ..
ثقيلتان فيالميزان..
حبيبتان إلى الرحمن :
سبحان الله العظيم ، سبحان اللهوبحمده ))..
فثقلوا موازينكم عباد الله بهذه الكلمات العظيمة ..
أخرج الحاكم وصحهه من حديث سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه أنه قال :
(( يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعهن ..
فتقول الملائكة : يا رب لمن يزن هذا ؟..
فيقول : لمن شئت من خلقي ..
فتقول الملائكة : ما عبدناك حق عبادتك ))..
أما دليل ذلك من الاجماع ..
فلقد أجمعت الأمة على ثبوت الميزان يوم القيامة لوزن أعمال العباد ..
عباد الله ..
وجاء لفظ الميزان مفرداً وجمعاً ..
كقوله تعالى : ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ﴾ ..
وقوله : ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ﴾ ..
وكقوله صلى الله عليه وسلم :
(( ثقيلتان في الميزان ))..
فكيف نجمع ونوفق بين الجمع الافراد ..
قال ابن عثيمين رحمه الله :
إنها جمعت باعتبار الموزون حيث أنه متعدد ..
وأفردت باعتبار ان الميزان واحد ..
وقوله : ثقيلتان في الميزان : أي في الوزن ..
فالذي يظهر _ يقول رحمه الله _ فالذي يظهر والله أعلم أن الميزان واحد وأنه جمع باعتبار الموزون بدليل قوله : ﴿ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ ..
ثم قال رحمه الله : ولكن يتوقف الإنسان هل يكون ميزاناً واحداً لجميع الأمم أو لكل أمة ميزان ..
لأنَّ الأمم كما دلت عليه النصوص تختلف باعتبار أجرها واختلاف أعمارها أيضاً ..
فكانت أمة محمد ..
من أقصر الأمم أعماراً ..
لكنها من أكثرها أجوراً ..
عباد الله ..
هل الميزان حسي أو معنوي ؟..
قال في لمعة الاعتقاد : والميزان الذي توزن به الأعمال حسي حقيقي له كفتان ولسان ..
وقال في الطحاوية : والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان ..
روى أحمد من حديث أبي عبد الرحمن الحبلي قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعونسجلاً ، كل سجل مد البصر ..
ثم يقول الله : أتنكر من هذا شيئاً ؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ ..
فيقول : لا يا رب ..
فيقول : ألك عذر أو حسنة ؟ ..
فيبهت الرجل فيقول : لا يا رب ..
فيقول الله : بلى إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم عليك اليوم ، فتُخرج له بطاقة فيها :
أشهد أنلا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
فيقول : أحضروه ..
فيقول العبد : يا ربوما عسى أن تصنع هذهالبطاقةمع هذه السجلات ؟!.. أو مع هذه الجبال من السيئات ..
فيقال : إنك لا تظلم ..
قال : فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة..
قال : فطاشت السجلات ، وثقلتالبطاقة، فطاشت السجلات ، وثقلتالبطاقة ..
فلا يثقل مع اسم الله شيء ))..
فأكثروا عباد الله ..
أكثروا عباد الله من قول :
لا إله إلا الله بصدق وإخلاص ويقين ..
فإنها من أعظم الحسنات ..
وفي سياق آخر :
توضع الموازين يوم القيامة فيؤتي بالرجل فيوضع في كفة ..
قال : وفي هذا السياق فائدة جليلة وهي أن العامل يوزن مع عمله ويشهد لهذا ما روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة )) ..
(( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح
بعوضة ، وقال : اقراوا إن شئتم : ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾ ))..
فقيمة العبد عند ربه ليس بحسبه ولا بنسبه ..
ولكن ..
بتقواه ..
وإيمانه ..
وحسن خلقه ..
ولقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )) ..
فلا أنساب ولا أحساب ..
ولكن تقوى وأخلاق وإيمان ..
فلا أنساب ولا أحساب ..
ولكن تقوى واخلاق وإيمان ..
بها تثقل الأوزان ..
روى الإمام احمد عن ابن مسعود بسند حسن أنه كان يجني سواك من الأراك وكان دقيق الساقين فجلعت الريح تكفأه فضحك القوم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( ممَ تضحكون ؟!))
قالوا يا نبي الله من دقة ساقيه ، فقال :
(( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد )) ..
(( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد )) ..
وقد جاء مما يثقل الميزان الأخلاق الحسنة والأخلاق الفاضلة ..
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله يبغض الفاحشالبذيء )) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ..
والبذئ : هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الجنة فقال :
(( تقوى الله وحسن الخلق ))..
وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال :
(( الفم والفرج )) )) رواه الترمذي وقال صحيح ..
وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم )) رواه أبو داود ..
فحسنوا أخلاقكم عباد الله ..
حسنوا أخلاقكم عباد الله تثقل موازينكم عند لقاء ربكم ..
فلا تحقرن من الأعمال شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ..
فالابتسامات إذا كانت لله ثقلت في الميزان يوم الندامة والحسرات ..
قال شارح الطحاوية رحمه الله : والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان ..
لكن سؤال آخر :
ما الذي يوزن في الميزان أيضاً ؟..
الجواب ..
هو أن الذي يوزن هو أعمال العباد فهي وإن كانت أعراضاً إلا أن الله عز وجل يقلبها أجساماً فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة ..
قال البغوي رحمه الله : روي نحو هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن (( البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامةغمامتانأو غيايتان ، أوفرقان من طير صواف تظلان صاحبهما ))..
وفي رواية ((يحاجان عن أهلهما يوم القيامة ))..
والغيايتان : ما أظلك من فوقك ..
والفرق : القطعة من الشيء ..
والصواف : المصطفة المتضامة ..
وفي الصحيح (( أن القرآن يأتي صاحبه يوم القيامة في صورة شاب شاحب اللون ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا القرآن .. أنا القرآن ..
أنا الذي أسهرت ليلك ..
وأظمأت نهارك ))..
وفي حديث البراء (( أن العبد المؤمن في قبره يأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح طيب الشمائل ..
فيقول : من أنت فوجهك لا ياتي إلا بالخير !..
فيقول : أبشر بالذي يسرك .. أبشر بالذي يسرك .. أنا عملك الصالح ..
أما العبد الفاجر فيأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الرائحة ..
فيقول : من أنت فوجهك لا يأتي إلا بالشر ..
فيقول : أبشر بالذي يسؤوك أنا عملك السيء ))..
فالأعمال تجسم وتوزن في الميزان ..
وجاءت أدلة تبين أن الذي يوزن صاحب العمل أيضاً كما ذكرنا من خبر ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه ..
قال ابن عثيمين رحمه الله :
والجمع بين هذه النصوص بأن الجميع يوزن ..
وأن الوزن حقيقة بالصحائف ..
وحيث أنها تخف وتثقل بحسب الأعمال المكتوبة ..
فصار الوزن كأنه للأعمال ..
وأما صاحب العمل ..
فالمراد به قدره وحرمته وهذا جمع حسن والله أعلم ..
قال شارح الطحاوية : فثبت وزن الأعمال والعامل ، وصحائف الأعمال ..
وثبت أن الميزان له كفتان والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات ..
فعلينا عباد الله الإيمان بالغيب كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان ..
قال الله : ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ، فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ، وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ ﴾ ..
اعلم بارك الله فيك ..
أن الناس عند الميزان على ثلاثة أحوال ..
منهم من ..
رجحت حسناته على سيئاته مثقال حبة فيدخل الجنة ..
ومنهم من ..
رجحت سيئاته على حسناته مثقال حبة فيدخل النار ..
ومنهم من ..
تستوي حسناته وسيئاته فأولئك أصحاب الأعراف وفيها نظر وأقوال وخلاف ..
أما الكفار ..
فكفرهم أحبط أعمالهم فيدخلون النار من غير حساب ولا ميزان ..
وقيل أن حسناتهم توزن فتخفف عنهم العذاب في النار ..
أما الجنة فمحرمة عليهم كما قال القهار : ﴿ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ ..
وهناك عباد الله ..
من يدخلون الجنة بلا حساب ولا ميزان ..
وهناك عباد الله ..
من يدخلون الجنة بلا حساب ولا ميزان ..
قال صلى الله عليه وسلم :
(( أعطيت من أمتي سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب )) ..
وفي رواية (( فاستزدتربي، فزادني مع كل واحد سبعين ألفا )) ..
اللهم لا تحرمنا فضلك ..
قال أبو حامد رحمه الله : والسبعون ألف الذين يدخلون بلا حساب لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفاً ..
إنما هي براءات مكتوبة إلى الجنة ..
اعلموا عباد الله ..
اعلموا عباد الله ..
ان الميزان إذا نصب للعبد فهو من أعظم الأهوال يوم القيامة ..
لأن العبد إذا نظر إلى الميزان ..
انخلع فؤاده ..
وكثرت خطوبه ..
وعظمت كروبه ..
فلا تهدأ روعة العبد حتى يرى أيثقل ميزانه أم يخف ..
فإن ثقل ميزانه ..
فقد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً ..
وإن خف ميزانه ..
فقد خسر خسراناً مبيناً ولقي من العذاب أمراً عظيماً ..
" عباد الله ..
يقول الحق تبارك وتعالى : ﴿ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾ ..يعني : والسماء رفعها ووضع الميزان : أي وضع العدل وجعله أساس كل شيء ..
كما قال سبحانه : ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ ..
وكذا قال : ﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾..
فأمر الله بالعدل في كل شيء ..
وهو العدل سبحانه الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين الخلق محرماً ..
ومن عدله سبحانه أنه ينصب للعباد يوم القيامة ميزاناً توزن فيه أعمالهم والحكمة من ذلك إظهار عدله جل في علاه ..
قال شارح الطحاوية رحمه الله : ويا لخيبة من ينفي وضع الميزان القسط يوم القيامة كما أخبر الشارع وذلك لخفاء الحكمة عليه ويقدح في النصوص بقوله لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال ، وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزناً ، ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده فإنه لا أحد أحب إليه العذر إلى الله ومن أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين فيكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا إطلاع لنا عليه ..انتهى رحمه الله ..
والميزان عباد الله ..
اسم للآلة التي يوزن بها الأشياء ..
أو هو ما تقدر بها الأشياء خفة وثقلاً ..
وفي الشرع ..
هو ما يضعه الله يوم القيامة لوزن أعمال العباد ..
دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع ..
فقال تعالى في كتابه : ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ ..
وقال سبحانه : ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ﴾ ..
وقال جل في علاه : ﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ ..
وثبت ذلك أيضاً في السنة الصحيحة فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((كلمتان ..
خفيفتان على اللسان ..
ثقيلتان فيالميزان..
حبيبتان إلى الرحمن :
سبحان الله العظيم ، سبحان اللهوبحمده ))..
فثقلوا موازينكم عباد الله بهذه الكلمات العظيمة ..
أخرج الحاكم وصحهه من حديث سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه أنه قال :
(( يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعهن ..
فتقول الملائكة : يا رب لمن يزن هذا ؟..
فيقول : لمن شئت من خلقي ..
فتقول الملائكة : ما عبدناك حق عبادتك ))..
أما دليل ذلك من الاجماع ..
فلقد أجمعت الأمة على ثبوت الميزان يوم القيامة لوزن أعمال العباد ..
عباد الله ..
وجاء لفظ الميزان مفرداً وجمعاً ..
كقوله تعالى : ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ﴾ ..
وقوله : ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ﴾ ..
وكقوله صلى الله عليه وسلم :
(( ثقيلتان في الميزان ))..
فكيف نجمع ونوفق بين الجمع الافراد ..
قال ابن عثيمين رحمه الله :
إنها جمعت باعتبار الموزون حيث أنه متعدد ..
وأفردت باعتبار ان الميزان واحد ..
وقوله : ثقيلتان في الميزان : أي في الوزن ..
فالذي يظهر _ يقول رحمه الله _ فالذي يظهر والله أعلم أن الميزان واحد وأنه جمع باعتبار الموزون بدليل قوله : ﴿ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ ..
ثم قال رحمه الله : ولكن يتوقف الإنسان هل يكون ميزاناً واحداً لجميع الأمم أو لكل أمة ميزان ..
لأنَّ الأمم كما دلت عليه النصوص تختلف باعتبار أجرها واختلاف أعمارها أيضاً ..
فكانت أمة محمد ..
من أقصر الأمم أعماراً ..
لكنها من أكثرها أجوراً ..
عباد الله ..
هل الميزان حسي أو معنوي ؟..
قال في لمعة الاعتقاد : والميزان الذي توزن به الأعمال حسي حقيقي له كفتان ولسان ..
وقال في الطحاوية : والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان ..
روى أحمد من حديث أبي عبد الرحمن الحبلي قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعونسجلاً ، كل سجل مد البصر ..
ثم يقول الله : أتنكر من هذا شيئاً ؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ ..
فيقول : لا يا رب ..
فيقول : ألك عذر أو حسنة ؟ ..
فيبهت الرجل فيقول : لا يا رب ..
فيقول الله : بلى إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم عليك اليوم ، فتُخرج له بطاقة فيها :
أشهد أنلا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
فيقول : أحضروه ..
فيقول العبد : يا ربوما عسى أن تصنع هذهالبطاقةمع هذه السجلات ؟!.. أو مع هذه الجبال من السيئات ..
فيقال : إنك لا تظلم ..
قال : فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة..
قال : فطاشت السجلات ، وثقلتالبطاقة، فطاشت السجلات ، وثقلتالبطاقة ..
فلا يثقل مع اسم الله شيء ))..
فأكثروا عباد الله ..
أكثروا عباد الله من قول :
لا إله إلا الله بصدق وإخلاص ويقين ..
فإنها من أعظم الحسنات ..
وفي سياق آخر :
توضع الموازين يوم القيامة فيؤتي بالرجل فيوضع في كفة ..
قال : وفي هذا السياق فائدة جليلة وهي أن العامل يوزن مع عمله ويشهد لهذا ما روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة )) ..
(( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح
بعوضة ، وقال : اقراوا إن شئتم : ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾ ))..
فقيمة العبد عند ربه ليس بحسبه ولا بنسبه ..
ولكن ..
بتقواه ..
وإيمانه ..
وحسن خلقه ..
ولقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )) ..
فلا أنساب ولا أحساب ..
ولكن تقوى وأخلاق وإيمان ..
فلا أنساب ولا أحساب ..
ولكن تقوى واخلاق وإيمان ..
بها تثقل الأوزان ..
روى الإمام احمد عن ابن مسعود بسند حسن أنه كان يجني سواك من الأراك وكان دقيق الساقين فجلعت الريح تكفأه فضحك القوم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( ممَ تضحكون ؟!))
قالوا يا نبي الله من دقة ساقيه ، فقال :
(( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد )) ..
(( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد )) ..
وقد جاء مما يثقل الميزان الأخلاق الحسنة والأخلاق الفاضلة ..
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله يبغض الفاحشالبذيء )) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ..
والبذئ : هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الجنة فقال :
(( تقوى الله وحسن الخلق ))..
وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال :
(( الفم والفرج )) )) رواه الترمذي وقال صحيح ..
وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم )) رواه أبو داود ..
فحسنوا أخلاقكم عباد الله ..
حسنوا أخلاقكم عباد الله تثقل موازينكم عند لقاء ربكم ..
فلا تحقرن من الأعمال شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ..
فالابتسامات إذا كانت لله ثقلت في الميزان يوم الندامة والحسرات ..
قال شارح الطحاوية رحمه الله : والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان ..
لكن سؤال آخر :
ما الذي يوزن في الميزان أيضاً ؟..
الجواب ..
هو أن الذي يوزن هو أعمال العباد فهي وإن كانت أعراضاً إلا أن الله عز وجل يقلبها أجساماً فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة ..
قال البغوي رحمه الله : روي نحو هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن (( البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامةغمامتانأو غيايتان ، أوفرقان من طير صواف تظلان صاحبهما ))..
وفي رواية ((يحاجان عن أهلهما يوم القيامة ))..
والغيايتان : ما أظلك من فوقك ..
والفرق : القطعة من الشيء ..
والصواف : المصطفة المتضامة ..
وفي الصحيح (( أن القرآن يأتي صاحبه يوم القيامة في صورة شاب شاحب اللون ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا القرآن .. أنا القرآن ..
أنا الذي أسهرت ليلك ..
وأظمأت نهارك ))..
وفي حديث البراء (( أن العبد المؤمن في قبره يأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح طيب الشمائل ..
فيقول : من أنت فوجهك لا ياتي إلا بالخير !..
فيقول : أبشر بالذي يسرك .. أبشر بالذي يسرك .. أنا عملك الصالح ..
أما العبد الفاجر فيأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الرائحة ..
فيقول : من أنت فوجهك لا يأتي إلا بالشر ..
فيقول : أبشر بالذي يسؤوك أنا عملك السيء ))..
فالأعمال تجسم وتوزن في الميزان ..
وجاءت أدلة تبين أن الذي يوزن صاحب العمل أيضاً كما ذكرنا من خبر ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه ..
قال ابن عثيمين رحمه الله :
والجمع بين هذه النصوص بأن الجميع يوزن ..
وأن الوزن حقيقة بالصحائف ..
وحيث أنها تخف وتثقل بحسب الأعمال المكتوبة ..
فصار الوزن كأنه للأعمال ..
وأما صاحب العمل ..
فالمراد به قدره وحرمته وهذا جمع حسن والله أعلم ..
قال شارح الطحاوية : فثبت وزن الأعمال والعامل ، وصحائف الأعمال ..
وثبت أن الميزان له كفتان والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات ..
فعلينا عباد الله الإيمان بالغيب كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان ..
قال الله : ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ، فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ، وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ ﴾ ..
اعلم بارك الله فيك ..
أن الناس عند الميزان على ثلاثة أحوال ..
منهم من ..
رجحت حسناته على سيئاته مثقال حبة فيدخل الجنة ..
ومنهم من ..
رجحت سيئاته على حسناته مثقال حبة فيدخل النار ..
ومنهم من ..
تستوي حسناته وسيئاته فأولئك أصحاب الأعراف وفيها نظر وأقوال وخلاف ..
أما الكفار ..
فكفرهم أحبط أعمالهم فيدخلون النار من غير حساب ولا ميزان ..
وقيل أن حسناتهم توزن فتخفف عنهم العذاب في النار ..
أما الجنة فمحرمة عليهم كما قال القهار : ﴿ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ ..
وهناك عباد الله ..
من يدخلون الجنة بلا حساب ولا ميزان ..
وهناك عباد الله ..
من يدخلون الجنة بلا حساب ولا ميزان ..
قال صلى الله عليه وسلم :
(( أعطيت من أمتي سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب )) ..
وفي رواية (( فاستزدتربي، فزادني مع كل واحد سبعين ألفا )) ..
اللهم لا تحرمنا فضلك ..
قال أبو حامد رحمه الله : والسبعون ألف الذين يدخلون بلا حساب لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفاً ..
إنما هي براءات مكتوبة إلى الجنة ..
اعلموا عباد الله ..
اعلموا عباد الله ..
ان الميزان إذا نصب للعبد فهو من أعظم الأهوال يوم القيامة ..
لأن العبد إذا نظر إلى الميزان ..
انخلع فؤاده ..
وكثرت خطوبه ..
وعظمت كروبه ..
فلا تهدأ روعة العبد حتى يرى أيثقل ميزانه أم يخف ..
فإن ثقل ميزانه ..
فقد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً ..
وإن خف ميزانه ..
فقد خسر خسراناً مبيناً ولقي من العذاب أمراً عظيماً ..
تعليق