مواصفات الجليس الصالح
الحمد الله رب العالمين، الملك الحق المبين، منقذ المؤمنين من ظلمات الجهل إلى نور البصيرة واليقين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الإنسان مدني بطبعه يحب المجالسة والمخالطة، ويكره الوحدة والعزلة؛ فلا يمكن أن يعيش لوحده، بل لابد له من جليس يؤنسه؛ ولكن هذا الجليس يختلف ويتنوع؛ فمن الجلساء من تكون مجالسته داء، ومنهم من تكون مجالسته دواء؛ فعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة)1. إذن الجلساء قسمان: جليس صالح، وجليس سوء، فلينظر الإنسان من يجالس، ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)2.
قال النووي -رحمه الله- عند شرحه لحديث الجليس الصالح والجليس السوء: "فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير، وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يكثر فجره وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة"3.
وقال المناوي في شرحه: "والمقصود منه النهي عن مجالسة من تؤذي مجالسته في دين أو دنيا والترغيب في مجالسة من تنفع مجالسته فيهما".
وقد أحسن من قال:
تجنب قرين السوء واصرم حباله *** فإن لم تجد منه محيصا فداره
والزم حبيب الصدق واترك مراءه *** تنل منه صفو الود ما لم تماره
ومن يزرع المعروف مع غير أهله *** يجده وراء البحر أو في قراره
ولله في عـرض السماوات جنة *** ولكنها محفوفة بالمكـاره4.
فعلى الإنسان -ذكراً كان أو أنثى- أن يختار الجليس الصالح الذي يدل على الخير ويحثه عليه، ويبعده عن الشر ويحذره منه؛ فعن ابن عباس-رضي الله عنهما- قيل يا رسول الله: أي جلساؤنا خير؟ قال: (من ذكركم الله رؤيته، وزاد في عملكم منطقه، وذكركم في الآخرة عمله)5.
من مواصفات الجليس الصالح أنه يذكرك إذا نسيت، ويعلمك إذا جهلت، ولا تسمع منه إلا كلاماً طيباً، أو دعاء صالحاً، أو دفاعاً عن عرضك.
فلنعد النظر في صداقاتنا، ولنستعرض أصدقاءنا واحداً بعد الآخر، ولنسأل أنفسنا ما نوع الرابط بيننا؟ أهي المصالح الدنيوية؟ أم هي الشهوات الشيطانية؟ أم هي الأخّوة الإسلامية؟
إن كل أخّوة لغير الله هباء، وفي النهاية هم وعداء؛ فلا شك أنه مرّ بنا قول الحق -عز وجل-: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} سورة الزخرف(67).
فلنراجع صداقاتنا قبل أن نقول يوم القيامة: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا} سورة الفرقان (28) (29).
نراجع أحبابنا وأخلاءنا، فإننا سنحشر معهم يوم القيامة فقد قال حبيبنا-صلى الله عليه وآله وسلم: (المرء مع من أحب)6.
فمن أي الفريقين أحبابنا؟
قرينك في الدنيا وفي الحشر بعدها *** فأنت قرين لي بكل مكان
فإن كنت في دار الشقاء فإنني *** وأنت جميعا في شقاء وهوان7
ومن مواصفات الجليس الصالح: الأمانة والتقوى؛ فعن أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقيٌ)8.
وقال الشاعر:
أُبل الرجـال إذا أردت إخائهم *** وتوسـمنَّ أمورهم وتفقد
فإذا وجدت أخا الأمانة والتقى*** فبه اليدين قرير عـين فأشدد
والله الموفق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تعليق