إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حلم "عمر" !!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حلم "عمر" !!

    من منا يريد عمر بن الخطاب حاكما له ؟؟

    هل سمعتم عن عدل عمر بن الخطاب ؟

    هل سعتم عن ايمان عمر بن الخطاب ؟
    هل تتمنون لبلادكم ان يحكمها من هو خلف لعمر بن الخطاب ؟
    ...كان عمر رضي الله يخاف ان يحاسب علي عدم تمهيد الطرق للحيوانات !
    كان عمر رضي الله عنه لا ينام قبل ان يتفقد الرعية !
    كان العدل يمشي علي رجلين !
    كان الفاروق بين الحق و الباطل !
    كان و اصبح المثال للحاكم الذي ..


    بعد هذا هل يريد منكم احدا حاكما مثل عمر رضي الله عنه
    ؟؟؟

    و لكن هل فكر أحدنا قليلا من كان الشعب الذي حكمه عمر ؟
    كانوا عثمان و علي ..
    كانوا طلحة و ابن العاص ..
    كانوا حذيفة و ابن مسعود ..

    كانوا الذين يقيمون الليل ..
    كانوا من يصومون النهار ..
    كانت الصلاة هي مواقيتهم ..
    كانت الصدقات بنوكهم ..
    كانت الرحمة انفاسهم ..
    كان الاسلام هو اخلاقهم ..

    كانوا حقا يخشون الله و يتقوه !

    فمن منا يخشي الله ؟
    من منا عرف ان السجائر محرمة فتركها ؟
    من منا عرف حكم الاغاني فنبذها ؟
    من منا ترك جسد ابنته او اخته او زوجته يظهر للجميع ؟
    من منا احب في الحرام .. ؟
    من منا ادمن الحرام .. ؟
    من منا سمع النصح ففكر .. ؟
    من منا لديه حكم عقله .. ؟

    من منا بعد هذا يستحق حكم عمر .. ؟
    من منا بعد هذا عمل ليحكمه عمر .. ؟

    قد يقال أن هؤلاء صحابة و نحن من نحن و لكن .....
    أليس سهلا علينا ان نقيم الصلاة ؟
    أليس سهلا ان نؤدي الزكاة ؟
    أليس سهلا يسيرا ان نرحم غيرنا ؟
    أليس سهلا علينا ان نبعد عن الحرمات ؟
    أليس سهلا ان تغطي النساء اجسادها ؟
    أليس سهلا ان نحفظ القران ؟
    أليس سهلا ان نكون مسلمين حقا ؟
    من منا لم يصلي حتي الآن ؟
    من منا صورة البروفايل لديه فاضحة .. ؟
    من منا صورة البروفايل لدية عارية .. ؟

    إن عاجلا او اجلا
    سيتغير الرؤساء و الملوك و يأتي غيرهم ..
    ستتغير الحكومات و ياتي غيرها ..

    ويتبقي الشعب و يبقي الناس ..

    فان كانوا مثل الشعب الذي حكمه عمر ..
    فسيكون لهم كل الحكام مثل عمر ..

    و ان ظلوا كما هم ..
    فليحلموا للابد ان يحكمهم مثل عمر ..


    دعونا نستمع لحكمة عمر في قوله :


    نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فان ابتغينا العزة بغيره ذللنا



    و دعونا نقرا وعد الله لنا حيث يَقُولُ سُبحَانَه :

    ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

    سيينتهي كل ما حولنا قريبا !
    فهل سنعود كما كنا ام اننا سنثور علي انفسنا و نصلحها ..؟
    هل ستكمل الطريق السابق ام ستكون في الخيرات سابق ..؟

    هل ستعمل عقلا استطاع تغيير بلد ..؟
    أم ستطيع شيطانًا يستطيع اهلاك البلد ..؟

    الامر لكم و السؤال ثانية :
    من منا يريد ان يحكمه خليفة عمر ؟؟


    منقول من أحد الصفحات الدينية في Facebook
    أتْمنىّ
    لوْ تكُنْ الحــيــاةً ! حـــكايّـه !
    مْكّتُوبهْ بقـــــلْمّ [ الرَّصـــاصْ]
    لّنمــســحْ كٌلْ ~ماّضّيْ~ لاأ‘إ يّســـتُحــق
    الـذَكِـِـِـِـِـِـِرْ

  • #2
    رد: حلم "عمر" !!

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاكِ الله خيرا أختي الفاضلة
    ما ذُكِرَ في المقال يتعلق بمحاسبة كل منا لذاته فكلنا أصحاب ذنوب
    رحم الله سيدنا عمر رَضِىَ الله عنه
    وأقوي سلاح لدينا الآن إنما هو الدعاء فنسأل الله أن يولِّي علينا خيارنا وأن يصرف عنَّا شرارنا ونسأل الله عزوجل التوفيق والحكمة ..

    تعليق


    • #3
      رد: حلم "عمر" !!

      وجزاكـِ مثله اختى
      أتْمنىّ
      لوْ تكُنْ الحــيــاةً ! حـــكايّـه !
      مْكّتُوبهْ بقـــــلْمّ [ الرَّصـــاصْ]
      لّنمــســحْ كٌلْ ~ماّضّيْ~ لاأ‘إ يّســـتُحــق
      الـذَكِـِـِـِـِـِـِرْ

      تعليق


      • #4
        رد: حلم "عمر" !!

        من فقهه الإداري رضي الله عنه تطبيق مبدأ الشورى :


        كان عمر رضي الله عنه يستشير الرجال، وكان أيضا يستشير النساء، فقد كان يقدم الشفاء بنت عبد الله العدوية في الرأي، فماذا بقى بعد ذلك للمرأة حتى تبحث عنه في غير الإسلام، إذا كان أمير المؤمنين يستشيرها في أمور الدولة، ويرضى عن رأيها، وكان رضي الله عنه يعتبر نفسه أبا العيال فيمشي إلى المغيبات اللواتي غاب أزواجهن، فيقف على أبوابهن ويقول: ألكن حاجة؟ وأيتكن تريد أن تشتري شيئًا؟ فإني أكره أن تخدعن في البيع والشراء، فيرسلن معه بجواريهن، فيدخل السوق، ووراءه من جواري النساء وغلمانهن ما لا يحصى، فيشتري لهن حوائجهن ومن ليس عندها شيء اشترى لها من عنده، وإذا قدم يقول: أزواجكن في سبيل الله، وأنتن في بلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كان عندكن من يقرأ، وإلا فاقربن من الأبواب حتى اقرأ لَكُنَّ... ويقول لهن : هذه دواة وقرطاس فادنين من الأبواب، حتى اكتب لَكُنّ، ويمر إلى المغيبات، فيأخذ كتبهن فيبعث بها إلى أزواجهن.

        من سمات وخصائص الجانب الإداري عند سيدنا عمر بن الخطاب أنه كان دقيق المتابعة للولاة، والمتابعة هي عنصر هام جدا في نجاح أي خطة، وهكذا كان عمر رضي الله عنه.


        نماذج للمتابعة الجيدة :

        " عن السائب بن جبير مولى ابن عباس وكان قد أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما زلت أسمع حديث عمر بن الخطاب أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة وكان يفعل ذلك كثيرا إذ مر بامرأة من نساء العرب مغلقة عليها بابها وهي تقول:
        تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ تَسْرِي كَوَاكِبُهُ وَأَرَّقَنِي أَنْ لَا ضَجِيعٌ أُلَاعِبُهُ
        أُلَاعِبُهُ طَوْرًا وَطَوْرًا كَأَنَّمَا بَدَا قَمَرًا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ حَاجِبُهُ
        يُسَرُّ بِهِ مَنْ كَانَ يَلْهُو بِقُرْبِهِ لَطِيفُ الْحَشَا لَا تَحْتَوِيهِ أَقَارِبُهُ
        فَواللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ لَا شَيْءَ غَيْرَهَ لَنُفِضَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ
        وَلَكِنَّنِي أَخْشَى رَقِيبًا مُوَكَّلًا... بَأَنْفُسِنَا لَا يُفَتِرُّ الدَّهْرُ كَاتِبُهُ
        ثم تنفست الصعداء وقالت: لهان على عمر بن الخطاب وحشتي وغيبة زوجي عني. وعمر واقف يستمع قولها، فقال لها: يرحمك الله، يرحمك الله، ثم وجه إليها بكسوة، ونفقة، وكتب في أن يقدم عليها زوجها. (ذم الهوى جزء 1- صفحة 283)
        إذن فهو رضي الله عنه يسن القوانين بعد التعايش الحقيقي مع المجتمع، ومعرفة مشاكله وهمومه من خلال التعامل مع الواقع مباشرة، وليس عن طريق التقارير التي ترد إليه فحسب، ولو كان فعل ذلك ما لامه أحد لحسن اختياره للولاة، ومع ذلك فهو لم يعتمد على ما يرد إليه من تقارير فحسب، بل كان كما نرى يتابع الأمور بنفسه.

        عمر رضي الله عنه يتابع الأمور بنفسه:
        لم يكن عمر يكتفي بأن يحسن اختيار عماله، بل كان يبذل أقصى الجهد لمتابعتهم بعد أن يتولوا أعمالهم ليطمئن على حسن سيرتهم ومخافة أن تنحرف بهم نفوسهم، وكان شعاره لهم: خير لي أن أعزل كل يوم واليا من أن أبقي ظالمًا ساعة نهار. وقال: أيما عامل لى ظلم أحدا فبلغنى مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته. وقال يوما لمن حوله: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل، أكنت قضيت ما علي؟ فقالوا: نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله، أعمل بما أمرته أم لا؟ وقد سار رضي الله عنه بحزم في رقابته الإدارية لعماله وتابعهم بدقة، وكانت طريقة عمر في الإدارة إطلاق الحرية للعامل في الشئون المحلية، وتقييده في المسائل العامة، ومراقبته في سلوكه وتصرفاته، وكان له جهاز سرى مربوط به لمراقبة أحوال الولاة والرعية، وقد بينت لنا المصادر التاريخية أنه يشبه اليوم (المخابرات) ويمكن هنا أن نقول: إن المخابرات في عهد عمر بن الخطاب كان هدفها الأول والأخير توفير الأمن والحماية للدولة الإسلامية، وليس التجسس على عورات الناس وبث الرعب في نفوسهم كما هو الحاصل في كثير من الأنظمة التي تحكم الناس اليوم، ومن أهدافها أيضا المتابعة الدقيقة للولاة فقد كان علمه بمن نأى عنه من عماله كمن بات معه في مهاد واحد، وعلى وساد واحد، فلم يكن في قطر من الأقطار ولا ناحية من النواحي عامل أو أمير جيش إلا وعليه عين لا يفارقه، فكانت ألفاظ من بالمشرق والمغرب عنده في كل ممس ومصبح، وأنت ترى ذلك في كتبه إلى عماله حتى كان العامل منهم ليتهم أقرب الناس إليه وأخصهم، وكانت وسائل عمر في متابعته لعماله متعددة ومنها:


        طلبه من الولاة دخول المدينة نهارًا:

        كان رضي الله عنه يطلب من ولاته دخول المدينة نهارًا، ولا يدخلوها بالليل حتى يظهر ما يكون قد جاءوا به من أموال ومغانم فيسهل السؤال والحساب.

        طلب الوفود من الولاة :
        كان عمر يطلب من الولاة أن يرسلوا وفدًا من أهل البلاد ليسألهم عن بلادهم، عن الخراج المفروض عليهم ليـتأكد بذلك من عدم ظلمهم، ويطلب شهادتهم فكان يخرج إليه مع خراج الكوفة عشرة من أهلها، ومع خراج البصرة مثلهم، فإذا حضروا أمامه شهدوا بالله أنه مال طيب ما فيه ظلم مسلم ولامعاهد وكان هذا الإجراء كفيلًا بمنع الولاة من ظلم الناس إذ لو حدث هذا لرفعه هؤلاء الموفدون إلى أمير المؤمنين وأخبروه به، كما أن عمر في الغالب كان يقوم بمناقشة هؤلاء الموفدين وسؤالهم عن بلادهم، وعن ولاتهم وسلوكهم معهم.
        رسائل البريد.
        كان عمر رضي الله عنه يرسل البريد إلى الولاة في الأمصار فقد كان يأمر عامل البريد العودة إلى المدينة أن ينادى في الناس من الذي يريد إرسال رسالة إلى أمير المؤمنين؟ حتى يحملها إليه دون تدخل من والى البلد، وكان صاحب البريد نفسه لا يعلم شيئًا من هذه الرسائل، وبالتالي يكون المجال مفتوحًا أمام الناس لرفع أي شكوى أو مظلمة إلى عمر نفسه دون أن يعلم الوالي أو رجاله بذلك، وحينما يصل حامل الرسائل إلى عمر ينثر ما معه من صحف، ويقرأها عمر ويرى ما فيها.
        المفتش (محمد بن مسلمة)
        وكان الفاروق رضي الله عنه يستعين بمحمد بن مسلمة الأنصاري في متابعة الولاة، ومحاسبتهم، والتأكد من الشكاوي التي تأتي ضدهم، فكان موقع محمد بن مسلمة كالمفتش العام في دولة الخلافة.

        موسم الحج..
        كان موسم الحج فرصة لعمر ليستقي أخبار رعيته وولاته، فجعله موسمًا للمراجعة والمحاسبة، واستطلاع آراء الرعية في ولاتهم، فيجتمع فيه أصحاب الشكايات والمظالم، والرقباء الذي كان عمر يبثهم في أرجاء دولته لمراقبة العمال والولاة، ويأتي العمال أنفسهم لتقديم كشف الحساب عن أعمالهم، فكان موسم الحج ( جمعية عمومية ) كأرقى ما تكون الجمعيات العمومية في عصر من العصور.
        جولة تفتيشية حول الأقاليم.
        كان تفكير عمر قبل مقتله أن يجول على الولايات شخصيًا لمراقبة العمال، لتفقد أحوال الرعية، والاطمئنان على أحوال الدولة المترامية الأطراف، وقال: لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولًا، فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني، أما عمالهم فلا يرفعونها إليّ، وأما هم فلا يصلون إليّ، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين، ثم والله لنعم الحول هذا.
        ولم يكتف الفاروق بالمراقبة عن طريق هذه الزيارات، بل عمد إلى طريقة أخرى، وهي إرسال كميات من الأموال إلى الولاة، وإرسال من يراقبهم حتى يعرف كيف تصرفوا فيها.


        سياسة عمر مع الولاة :

        سياسة عمر في عزل الولاة
        سعد بن أبي وقاص
        اجتمع نفر من أهل الكوفة بزعامة الجراح بن سنان الأسدي فشكوا أميرهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين عمر، وذلك في حال اجتماع المجوس في نهاوند لغزو المسلمين، فلم يشغلهم ما داهم المسلمين في ذلك، ولقد كان سعد عادلًا رحيمًا بالرعية، قويًا حازمًا على أهل الباطل والشقاق، عطوفًا على أهل الحق والطاعة، ومع ذلك شكاه هؤلاء القوم ممن لا يطيقون حكم الحق، ويريدون أن يحققوا شيئًا من أهوائهم، وقد وقتوا لشكواهم وقتًا رأوا أنه أدعى لسماع أمير المؤمنين منهم حيث إن المسلمين مُقْبلون على معركة مصيرية تستدعي اتفاق الكلمة.
        وقد استجاب أمير المؤمنين لطلبهم في التحقيق في أمر شكواهم مع علمه بأنهم أهل هوى وشر، فبعث عمر رضي الله عنه محمد بن مسلمة ليتأكد من دعاوي الشاكين، وفي هذا بيان لمنهج الصحابة رضي الله عنه في التحقيق في قضايا الخلاف التي تجري بين المسؤلين ومن تحت ولايتهم.
        وعزل عمر رضي الله عنه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه درءًا للفتن وإماتتها وهي في مهدها قبل أن تستفحل، فتسبب الشقاق والفرقة وربما القتال.
        هذا وقد استبقى عمر سعدًا رضي الله عنه في المدينة وأقر من استخلفه سعد على الكوفة بعده، وصار سعدًا من مستشاري عمر في المدينة، ثم جعله من الستة المرشحين للخلافة حين طعن، ثم أوصى الخليفة من بعده بأن يستعمل سعدًا وقال: فإني لم أعزله عن سوء، وقد خشيت أن يلحقه من ذلك.
        عزل خالد بن الوليد
        وجد أعداء الإسلام في سعة خيالهم وشدة حقدهم مجالًا واسعًا لتصيد الروايات التي تظهر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مظهرمشين، فإذا لم يجدوا شفاء نفوسهم، اختلقوا ما ظنوه يجوز على عقول القارئين، لكي يصبح أساسًا ثابتًا لما يتناقله الرواة، وتسطره كتب المؤلفين، وقد تعرض عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما لمفتريات أعداء الإسلام، الذين حاولوا تشويه صفحات تاريخنا المجيد، ووقفوا كثيرًا عند أسباب عزل عمر لخالد بن الوليد رضي الله عنهما وألصقوا التهم الباطلة بالرجلين العظيمين، وأتوا بروايات لا تقوم على أساس عند المناقشة، ولا تقوم على برهان أمام التحقيق العلمي النزيه.
        عزل عمر رضي الله عنه خالدًا في المرة الأولى عن القيادة العامة، وإمارة الأمراء في الشام، وكانت هذه المرة في السنة الثالثة عشرة من الهجرة غداة تولي عمر الخلافة بعد وفاة أبي بكرالصديق رضي الله عنه.
        وفي " قنسرين " من قرى بلاد شمال الشام جاء العزل الثاني لخالد وذلك في السنة السابعة عشرة من الهجرة، ومجمل أسباب العزل فيما يلي:

        أ- حماية التوحيد:
        ففي قول عمر رضي الله عنه: ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويبتلوا به. يظهر خشية عمر رضي الله عنه من فتنة الناس بخالد، وظنهم أن النصر يسير في ركاب خالد، فيضعف اليقين أن النصر من عند الله، سواء أكان خالدًا على رأس الجيش أم لا.
        وعن ذلك يقول حافظ إبراهيم: في تخوف عمر:
        وَقِيلَ خَالَفْتَ يَا فَارُوقُ صَاحِبَنَا فِيهِ وَقَدْ كَانَ أَعْطَى الْقَوْسَ بَارِيهَا
        فَقَدْ خِفْتَ افْتِتَانَ الْمُسْلِمِينَ بِهِ وَفِتْنَةُ النَّفْسِ أَعْيَتْ مَنْ يُدَاوِيهَا

        ب- اختلاف النظر في صرف المال.
        كان عمر رضي الله عنه يرى أن فترة تأليف القلوب، وإغراء ضعاف العقيدة بالمال والعطاء قد انتهت، وصار الإسلام في غير حاجة إلى هؤلاء، وأنه يجب أن يوكل الناس إلى إيمانهم.
        بينما يرى خالد بن الوليد أن من معه من ذوي البأس والمجاهدين في ميدانه، ممن لم تخلص نياتهم لمحض ثواب الله، أمثال هؤلاء في حاجة إلى من يقوي عزيمتهم، ويثير حماستهم من هذا المال.
        ولا شك أن عمر وخالدًا اجتهدا فيما ذهبا إليه ولكن عمر أدرك أمورًا لم يدركها خالد رضي الله عنهما.

        جـ اختلاف منهج عمر عن منهج خالد في السياسة العامة.
        فقد كان عمر يصر على أن يستأذن الولاة منه في كل صغيرة وكبيرة، بينما يرى خالد أن من حقه أن يعطي الحرية كاملة من غير الرجوع لأحد في الميدان الجهادي، وتطلق يده في كل التصرفات إيمانًا منه بأن الشاهد يرى ما لا يراه الغائب.
        ولعل من الأسباب التي دعت عمر إلى عزل خالد أيضًا، إفساح المجال لطلائع جديدة من القيادات.
        حتى تتوافر في المسلمين نماذج كثيرة أمثال خالد، والمثنى وعمرو بن العاص، ثم ليدرك الناس أن النصر ليس رهنًا برجل واحد مهما كان هذا الرجل.


        شروط عمر في الولاة :

        لم يكن ينظر إلى صلاح الرجل في ذاته، ولكن إلى صلاحه للولاية، لذلك كان يولي أناسًا وأمامه من هو أتقى منهم وأكثر علمًا. وأشد عبادة، وكان يقول: إني لأتحرج أن استعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه. وكان يستعمل رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، ويدع من هو أفضل منهم مثل عثمان بن عفان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، ونظرائهم لقوة أولئك على العمل والبصر به، ولإشراف عمر عليهم وهيبتهم له.
        قال عمر يوما لأصحابه:
        دلوني على رجل استعمله على أمر قد أهمني. قالوا: فلان.
        قال: لا حاجة لنا فيه، قالوا: من تريد؟ قال: أريد رجلًا إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، وإن كان أميرهم كان كأنه رجل منهم.
        قالوا: ما نعرف هذه الصفة إلا في الربيع بن زياد الحارثي.
        قال: صدقتم. فولاه.
        من لا يرحم لا يرحم.
        أمر عمر رضي الله عنه بكتابة عهد لرجل قد ولاه، فبينما الكاتب يكتب جاء صبي فجلس في حجر عمر فلاطفه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين لي عشرة من الأبناء ما دنا أحد منهم مني قال عمر: فما ذنبي إن كان الله عز وجل نزع الرحمة من قلبك، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، ثم قال: مزق الكتاب، فإنه إذا لم يرحم أولاده فكيف يرحم الرعية.

        قواعد عمر في تعينن الولاة وشروطه عليهم :
        1- القوة والأمانة.
        وقد طبق الفاروق رضي الله عنه هذه القاعدة، ورجح الأقوى من الرجال على القوي، فقد عزل عمرُ شرحبيلَ بن حسنة وعيّن بدله معاوية،
        فقال له شرحبيل: أمن سخطة عزلتني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، ولكني أريد رجلًا أقوى من رجل.
        ومن أجمل ما أُثر عن عمر في هذا المعنى قوله: اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة.

        2- مقام العلم في التولية :
        وقد جرى عمر الفاروق رضي الله عنه على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تولية أمراء الجيوش خاصة. قال الطبري: إن أمير المؤمنين كان إذا اجتمع إليه جيش من أهل الإيمان أمّر عليهم رجلًا من أهل الفقه والعلم.
        وكان عمر يستعمل قومًا ويدع أفضل منهم لبصرهم بالعمل، وكان التفضيل هنا إنما يعني أن أولئك الذين تركهم عمر كانوا أفضل دينًا، وأكثر ورعًا، وأكرم أخلاقًا ولكن خبرتهم في تصريف الأمور أقل من غيرهم، فليس من الضروري أن يجتمع الأمران كلاهما معًا، وهذه القاعدة التي وضعها عمر، ما زالت متبعة حتى اليوم في أرقى الدول، ذلك بأن المتدين الورع الخلوق إذا لم تكن له بصيرة في شئون الحكم، قد يكون عرضة لخديعة أصحاب الأهواء المضللين، أما المحنك المجرب، فإنه يعرف من النظرة السريعة، معاني الألفاظ وما وراء الألفاظ من معان، وهذا هو السبب الذي دعا عمر بن الخطاب لاستبعاد رجل لا يعرف الشر، فقد سأل عن رجل أراد أن يوليه عملًا فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنه لا يعرف الشر. فقال عمر لمخاطبه: ويحك ذلك أدنى أن يقع فيه. وهذا لا يعني أن يكون العامل غير متصف بالقوة والأمانة والعلم والكفاية وغيرها من الصفات التي يستلزمها منطق الحكم والإدارة، وإنما يقع التفاضل بين هذه الصفات، ويكون الرجحان لما سماه عمر بن الخطاب: البصر بالعمل.

        3- أهل الوبر وأهل المدر.
        جعل الوالى من القوم.
        من الملاحظ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في كثير من الأحيان يولى بعض الناس على قومهم، إذا رأى في ذلك مصلحة، ورأى الرجل جديرا بالولاية، ومن ذلك توليته جابر بن عبد الله البجلي على قومه بجيلة، حينما وجههم إلى العراق، وكذلك تولية سلمان الفارسى على المدائن، وتولية نافع بن الحارث على مكة، وعثمان بن أبى العاص على الطائف، ولعله كان يرمي من وراء ذلك إلى أهداف معينة يستطيع تحقيقها ذلك الشخص أكثر من غيره.
        فكان عمر ينظر حين يعيّن أحد عماله، إلى بعض الخصائص والطباع والعادات، والأعراف، فلقد عُرف أنه كان ينهي عن استعمال رجل من أهل الوبر على أهل المدر، وأهل الوبر هم ساكنوا الخيام، وأهل المدر هم ساكنوا المدن، وهذه نظرة دقيقة في اختيار الموظفين، فلكل من أهل الوبر والمدر خصائص وأخلاق وعادات وأعراف مختلفة، ومن الطبيعي أن يكون الوالي عارفًا بنفسية الرعية، وليس من العدل أن يتولى أمرها رجل جاهل بها، فقد يرى العرف نكرًا، وقد يرى الطبيعي غريبًا، فيؤدي ذلك إلى غير ما يتوخاه المجتمع من أهداف يسعى إلى تحقيقها.


        4- الرحمة والشفقة على الرعية.
        كان عمر رضي الله عنه يتوخى في ولاته الرحمة والشفقة على الرعية، وكم من مرة أمر قادته في الجهاد ألا يغزو بالمسلمين، ولا ينزلوهم منزل هلكة
        وخطب عمر ولاته فقال: اعلموا أنه لا حلم أحب إلى الله تعالى، ولا أعم من حلم إمام ورفيقه، وأنه ليس أبغض إلى الله ولا أعم من جهل إمام وخرقه، واعلموا أنه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهرانيه يرزق العافية فيمن هو دونه.


        5- لا يولي أحدًا من أقاربه.
        كان عمر رضي الله عنه حريصًا على أن لا يولي أحدًا من أقاربه رغم كفاية بعضهم، وسبقه إلى الإسلام مثل سعيد بن زيد ابن عمه، وعبد الله بن عمر ابنه، وقد سمعه رجل من أصحابه يشكو إعضال أهل الكوفة به في أمر ولاتهم، ويقول عمر: لوددت أني وجدت رجلًا قويًا، أمينًا مسلمًا استعمله عليهم، فقال الرجل: أنا والله أدلك عليه، عبد الله بن عمر، فقال عمر: قاتلك الله، والله ما أردت الله بهذا. ويقول: من استعمل رجلًا لمودة أو قرابة لا يشغله إلا ذلك فقد خان الله ورسوله.


        6- لا يعطي من طلبها.
        كان لا يولي عملًا لرجل يطلبه، وأراد أن يستعمل رجلًا فبدر الرجل بطلب العمل، فقال له: قد كنا أردناك لذلك، ولكن من طلب هذا الأمر لم يعن عليه.
        وقد سار على هذا النهج اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.


        7- منع العمال من مزاولة التجارة، وإحصاء ثرواتهم عند تعيينهم:
        كان عمر رضي الله عنه يمنع عماله وولاته من الدخول في الصفقات العامة سواء أكانوا بائعين أو مشترين، وكان عمر رضي الله عنه يحصي أموال العمال والولاة ليحاسبهم على ما زادوه بعد الولاية مما لا يدخل في عداد الزيادة المعقولة، ومن تعلل منهم بالتجارة لم يقبل منه دعواه وكان يقول لهم: إنما بعثناكم ولاة ولم نبعثكم تجارًا. وروى أن عاملًا لعمر بن الخطاب اسمه الحارث بن كعب بن وهب، ظهر عليه الثراء، فسأله عمر عن مصدر ثرائه فأجاب: خرجت بنفقة معي فاتجرت بها، فقال عمر: أما والله ما بعثناكم لتتّجروا، وأخذ منه ما حصل عليه من ربح.


        8- شروط عمر على عماله..
        كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا استعمل عاملًا كتب عليه كتابًا، وأشهد عليه رهطًا من الأنصار: أن لا يركب برذونًا، ولا يأكل نقيًا، ولا يغلق بابه دون حاجات المسلمين، ثم يقول: اللهم فاشهد.
        وهذه الشروط تعني الالتزام بحياة الزهد، والتواضع للناس، هي خطوة أولى في إصلاح الأمة بحملها على التوسط في المعيشة، واللباس والمركب فهذه الحياة التي تقوم على الاعتدال حتى تستقيم أمورها، وهي خطة حكيمة، فإن عمر لا يستطيع أن يلزم جميع أفراد الأمة بأمر لا يعتبر واجبا في الإسلام، ولكنه يستطيع أن يلزم بذلك الولاة والقادة، وإذا التزموا فإنهم القدوة الأولى في المجتمع وهي خطة ناجحة في إصلاح المجتمع وحمايته من أسباب الانهيار.


        المشورة في اختيار الولاة :
        كان اختيار الولاة يتم بعد مشاورة الخليفة لكبار الصحابة، استشار عمر رضي الله عنه الصحابة فيمن يولى على الكوفة فقال لهم:
        من يعذرني من أهل الكوفة من تجنيهم على أمرائهم إن استعملت عليهم لينًا استضعفوه، وإن استعملت عليهم شديدًا شكوه، ثم قال: يا أيها الناس ماتقولون في رجل ضعيف غير أنه مسلم تقي، وآخر قوي مشدد أيهما الأصلح للإمارة؟ فتكلم المغيرة بن شعبة فقال: يا أمير المؤمنين إن الضعيف المسلم إسلامه لنفسه وضعفه عليك وعلى المسلمين، والقوى المشدد فشداده على نفسه وقوته لك وللمسلمين فأعمل في ذلك رأيك، فقال عمر: صدقت يا مغيرة، ثم ولاه الكوفة وقال له: انظر أن تكون ممن يأمنه الأبرار ويخافه الفجار، فقال المغيرة: أفعل ذلك يا أمير المؤمنين.


        اختبار العمال قبل التولية :
        كان عمر رضي الله عنه يختبرعماله قبل أن يوليهم، وقد يطول هذا الاختبار كما يوضحه الأحنف بن قيس حين قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، فاحتبسني عنده حولًا فقال: يا أحنف قد بلوتك وخبرتك، فرأيت أن علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، وإنا كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم. ثم قال له عمر: أتدرى لم احتبستك؟ وبين له أنه أراد اختباره ثم ولاّه، ومن نصائح عمر للأحنف: يا أحنف، من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شىء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.


        المرسوم الخلافي
        وقد اشتهر عن عمر رضي الله عنه أنه حينما كان حين ينتهي من اختيار الوالى واستشارة المستشارين يكتب للوالى كتابا يسمى عهد التعيين أو الاستعمال عند كثير من المؤرخين ويمكننا أن نسميه مجازًا (المرسوم الخلافى) في تعيين العامل أو الأمير، وقد وردت العديد من نصوص التعيين لعمال عمر، ولكن المؤرخين يكادون يتفقون على أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا استعمل عاملًا كتب له كتابا وأشهد عليه رهطا من المهاجرين والأ نصار، واشترط عليه شروطا في الكتاب، وقد يكون الشخص المرشح للولاية غائبا، فيكتب له عمر عهدا يأمره فيه بالتوجه إلى ولايته، ومثال ذلك كتابه إلى العلاء الحضرمى عامله على البحرين أمره بالتوجه إلى البصرة لولايتها بعد عتبة بن غزوان، وفي حال عزل أمير وتعيين آخر مكانه، فإن الوالى الجديد كان يحمل خطابا يتضمن عزل الأول وتعيينه مكانه، وذلك مثل كتاب عمر مع أبى موسى الأ شعرى حين عزل المغيرة بن شعبة عن ولاية البصرة وعيّن أبا موسى مكانه.


        الاجتهاد والإدارة

        يقول الدكتور أحمد شلبي.
        " وكان الاجتهاد من أبرز الجوانب في حياة عمر خلال حقبة خلافته الحافلة بالأحداث، فحفظ الدين، ورفع راية الجهاد، وفتح البلاد، ونشر العدل بين العباد، وأنشأ أول وزارة مالية في الإسلام، وكون جيشًا نظاميًا للدفاع وحماية الحدود، ونظم المرتبات والأرزاق، ودوّن الدواوين، وعيّن الولاة والعمال والقضاة، وأقر النقود للتداول الحياتي، ورتب البريد، وأنشأ نظام الحسبة، وثبت التأريخ الهجري، وأبقى الأرض المفتوحة دون قسمة، وخطط المدن الإسلامية وبناها، فهو بحق أمير المؤمنين، وباني الدولة الإسلامية ".
        ويقول المستشار علي علي منصور.
        إن رسالة عمر في القضاء إلى أبي موسى الأشعري قبل أربعة عشر قرنًا من الزمن دستور للقضاء والمتقاضين، وهي أكمل ما وصلت إليه قوانين المرافعات الوضعية، وقوانين استقلال القضاة.
        اجتهاد عمر في التشريع
        جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أبي بكر الصديق، وواصلت جيوش المسلمين زحفها، ففتحت بلاد فارس والشام ومصر من بلاد الروم، وكثرت الغنائم وواجه عمر مشكلات جديدة في إرسال الجيوش، وإمدادها وتنظيم الجند وحكم البلاد التي تفتح بحكم الله، وكلما أمعن المسلمون في الغزو وأبعدوا في الأرض كثرت المشكلات التي تواجههم، وقد وُفّق الفاروق لحل هذه المشكلات وتدبير أمور الدولة في حكم الأقطار البعيدة عنه، والقريبة منه توفيقًا كبيرا، وظلت حياة المسلمين مستقيمة في حياة عمر استقامتها في حياة أبي بكر الصديق، فكلاهما ساس الناس كما كان يسوسهم الرسول صلى الله عليه وسلم، والتزم الفاروق بالقرآن الكريم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أبي بكر ومشورة الصحابة في حل ما عرض له من مشكلات التي نشأت عن طريق الفتوح، فكلما طرأت له مشكلة وجد حلها في كتاب الله عز وجل، فإن لم يجد ففي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجد ففي سيرة أبي بكر الصديق، فإن لم يجد دعا أولي الأمر والرأي من المهاجرين والأنصار فشاورهم حتى يجد الحل للمشكلة، أو المشكلات التي عرضت له.
        من يستشعر المسئولية لا ينام

        " عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن له وقت ينام فيه فكان ينعس وهو قاعد فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا تنام؟ فقال: كيف أنام إن نمت بالنهار ضيعت أمور المسلمين وإن نمت بالليل ضيعت حظي من الله عز وجل " (صفة الصفوة جزء 2- صفحة 382).
        أتْمنىّ
        لوْ تكُنْ الحــيــاةً ! حـــكايّـه !
        مْكّتُوبهْ بقـــــلْمّ [ الرَّصـــاصْ]
        لّنمــســحْ كٌلْ ~ماّضّيْ~ لاأ‘إ يّســـتُحــق
        الـذَكِـِـِـِـِـِـِرْ

        تعليق


        • #5
          رد: حلم "عمر" !!

          قصة إسلامه تدل على قوة حزمه :

          ورد في سبب إسلام عمر رضي الله عنه الكثير من الروايات ولكن بالنظر في أسانيدها من الناحية الحديثية نجد أن الكثير منها لا يصح.
          ويروى في إسلام عمر رضي الله عنه أن قريشًا قد اجتمعت، فتشاروت في أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أي رجل يقتل محمدًا؟ فقال عمر بن الخطاب أنا لها. فقالوا: أنت لها يا عمر. فخرج في الهاجرة يريد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكروا له أنهم يجتمعون في دار الأرقم في أسفل الصفا فلقيه نعيم بن عبد الله، فقال: أين تريد يا عمر؟ قال: أريد هنا الصابئ الذي مزق أمر قريش وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها، فأقتله. قال له نعيم: لبئس الممشى مشيك يا عمر، ولقد والله غرتك نفسك، ففرطت، وأردت هلكة بني عدي، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض، وقد قتلت محمدًا؟ فتحاورا حتى علت أصواتهما، فقال عمر: إني لأظنك قد صبوت، ولو أعلم ذلك لبدأت بك، فلما رأى نعيم أنه غير مُنتهٍ قال: إني أخبرك أن أهلك وأهل ختنك قد أسلموا وتركوك، وما أنت عليه من ضلالك. فلما سمع مقالته قال: وأيهم. قال: ختنك وابن عمك وأختك. ويذهب الفاروق لبيت أخته ويطرق الباب.
          فلما دخل قال: ما هذه الهيمنة التي سمعت. قالا له ما سمعت شيئًا. قال: بلى والله، لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدًا على دينه. وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت إليه فاطمة تدافع عن زوجها فضربها فشجها.
          فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه: نعم. قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك. وهنا تقرع كلمة الحق الصادقة من أخته وزوجها قلب عمر في أوج بأسه فتمزق ما عليه من غشاوة، فيلين ويخشع، وفي هذه اللحظة تبرز طبيعة عمر التي تميز بها عن الأشداء من قريش ـ كأبي جهل وأضرابه ـ الذين استبان لهم الحق، فكابروا وعاندوا، وحادوا الله ورسوله، لقد كانت قوة عمر قوة تَفوّق، لا قوة طيش وتهور، فما أن قرعت قلبه كلمات الصدق، وجلجلت في فؤاده مدوية، نهض كالبرق الخاطف من فوق صدر سعيد بن زيد زوج أخته، وندم على ما صنع وارعوى، وتضرع إلى أخته فقال: أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفًا، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان عمر كاتبًا.
          فلما قال ذلك، قالت له أخته: إنا نخشاك عليها.
          قال: لا تخافي. وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها.
          فلما قال ذلك طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخي إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسها إلا الطاهر.
          فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة، وقرأ: [ طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) ] {طه: 1: 5}.
          ويتابع عمر القراءة بقلب واجف، ويتلو بخشوع وتبتل: حتى يصل إلى قوله تعالى: [إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي] {طه: 14}.
          فقال الفاروق: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه، دلوني على محمد. قال عمر رضي الله عنه: دلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم.
          وذهب عمر رضي الله عنه إلى جبل الصفا حيث يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته.
          وهناك ينطق عمر رضي الله عنه بالشهادتين، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد أسلم.
          أتْمنىّ
          لوْ تكُنْ الحــيــاةً ! حـــكايّـه !
          مْكّتُوبهْ بقـــــلْمّ [ الرَّصـــاصْ]
          لّنمــســحْ كٌلْ ~ماّضّيْ~ لاأ‘إ يّســـتُحــق
          الـذَكِـِـِـِـِـِـِرْ

          تعليق


          • #6
            رد: حلم "عمر" !!

            لماذا زهد عمر رضي الله عنه في الدنيا ؟
            لقد فهم عمر رضي الله عنه من خلال معايشته للقرآن االكريم، ومصاحبته للنبى الأمين صلى الله عليه وسلم ومن تفكره في هذه الحياة بأن الدنيا دار اختبار وابتلاء، وعليه فإنها مزرعة للآخرة، ولذلك تحرر من سيطرة الدنيا بزخارفها، و زينتها، وبريقها، وخضع وانقاد وأسلم نفسه لربه ظاهرا وباطنا، وقد وصل إلى حقائق استقرت في قلبه ساعدته على الزهد في هذه الدنيا ومن هذه الحقائق:
            أ ـ اليقين التام بأننا في هذه الدنيا أشبه بالغرباء، أو عابري سبيل كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ
            (البخاري- كتاب الرقاق- باب قول النبي كن في..- رقم5937)
            ب - وأن هذه الدنيا لا وزن لها ولا قيمة عند رب العزة إلا ما كان منها طاعة لله تبارك وتعالى.
            ففي الترمذي بسنده عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ. وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
            وفي الترمذي بسنده عن أبي هريرة يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ، وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
            جـ - أن عمرها قد قارب على الانتهاء.
            روى مسلم بسنده عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ. قَالَ: وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى.
            د- أن الآخرة هى الباقية، وهى دار القرار، كما قال مؤمن آل فرعون:
            [ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) ] {طه: 39: 40}.
            كانت هذه الحقائق قد استقرت في قلب عمر، فترِفَّع رضي الله عنه عن الدنيا وحطامها وزهد فيها،
            وهذه بعض مواقفه التى تدل على زهده في الدنيا،
            فعن أبي الأشهب قال: مر عمر رضي الله عنه على مزبلة فاحتبس عندها، فكأن أصحابه تأذوا بها، فقال: هذه دنياكم التى تحرصون عليها، وتبكون عليها.
            ولا نستغرب هذا الموقف التربوي العملي فقد ربى على مثله رسول الله أصحابَه
            روى مسلم بسنده عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ، فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ قَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: فَوَاللَّهِ، لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ.
            وعن سالم بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب كان يقول: والله ما نعبأ بلَذَّات العيش أن نأمر بصغار المعزى أن تسمط لنا، ونأمر بلباب الخبز فيخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسعان حتى إذا صار مثل عين اليعقوب، أكلنا هذا وشربنا هذا، ولكنا نريد أن نستبقى طيباتنا، لأنا سمعنا الله يقول:
            [ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا] {الأحقاف: 20}.
            وعن أبي عمران الجوني قال: قال عمر بن الخطاب: لنحن أعلم بلين الطعام من كثير من آكيله، ولكنا ندعه لـ [يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ] {الحج: 2}.
            وقد قال عمر رضي الله عنه: نظرت في هذا الأمر، فوجدت إن أردت الدنيا أضررت بالآخرة، وإن أردت الآخرة أضررت بالدنيا، فإذا كان الأمر هكذا، فأضرّ بالفانية.
            وأبطأ على الناس يوم الجمعة، ثم خرج فاعتذر إليهم في تأخره، وقال: إنما حبسني غسل ثوبى هذا، كان يغسل ولم يكن لى ثوب غيره.
            وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حاجّا من المدينة إلى مكة، إلى أن رجعنا، فما ضرب له فسطاطا، ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة فيستظل تحته.
            هذا هو أمير المؤمنين الذي يسوس رعية من المشرق والمغرب يجلس على التراب وتحت رداء كأنه أدنى الرعية، أو من عامة الناس،
            ودخلت عليه مرة حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد رأت ما هو فيه من شدة العيش والزهد الظاهرعليه، فقالت: إن الله أكثر من الخير، وأوسع عليك من الرزق، فلو أكلت طعاما أطيب من ذلك، ولبست ثيابا ألين من ثوبك؟ قال: سأخصمك إلى نفسك، فذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان يلقى من شدة العيش، فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت معه حتى أبكاها، ثم قال: إنه كان لى صاحبان سلكا طريقا، فإن سلكت طريقا غير طريقهما سلك بي غير طريقهما، إني والله سأصبر على عيشهما الشديد لعلي أن أدرك معهما عيشهما الرَّخِيّ.
            ويبكي الفاروق رضي الله عنه خوفًا من وقوع العداوة والبغضاء بين المسلمين بسبب كثرة الأموال، والذهب والفضة من الغنائم والفيء في بيت المال.
            يقول إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رحمه الله. لما أُتي عمر بن الخطاب بكنوز كسرى قال عبد الله بن الأرقم: ألا تجعلها في بيت المال حتى نقسمها؟ قال: لا والله، لا أظلها سقف بيت حتى أمضيها، فأمر بها فوضعت في صرح المسجد، وباتوا عليها يحرسونها، فلما أصبح أمر بها، فكشف عنها، فرأى ما فيها من البيضاء والحمراء ما كان يتلألأ منه البصر، فبكى عمر.
            فقال له عبد الرحمن بن عوف: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فو الله إن هذا ليوم شكر، ويوم فرح؟ ! فقال عمر: ويحك إن هذا لم يعطه قوم قط إلا ألقي بينهم العداوة والبغضاء.
            قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها.


            زهده رضي الله عنه في المطعم :

            فقد ضرب الفاروق فيه بسهم وافر، وقسط عظيم، حتى عرف بالزهد في المطعم.
            والزهد فى الطعام عند الفاروق لا يعنى تحريم الحلال، فهذا فعل الجهال، وإنما يعنى أن يكون طعامه متوسطًا، فلا يطلب مفقودًا، ولا يَرُدّ موجودًا.
            يقول أبو بكرة الثقفي رضي الله عنه: أُتي عمر بن الخطاب بخبز وزيت فمسح على بطنه، وجعل يأكل، ويقول: على الخبز والزيت.
            بل كان من شدة زهده في الطعام، ينهى عن نخل الدقيق، وفي ذلك يقول يسار بن نمير رحمه الله: والله ما نخلت لعمر دقيق قط إلا وأنا له عاصٍ.
            ويقول مولاه أسلم رحمه الله:
            رأى عمر إنسانا ينخل الدقيق، فقال: أخلطه، إن السمراء لا تنخل.
            وهذا الحرص من الفاروق على الزهد في المطعم إنما جاء بعد عظة مرت عليه في حياة النبى صلى الله عليه وسلم، وقد عاشها عمر بن الخطاب بنفسه.
            يروى النعمان بن بشير رضي الله عنه. يقول: قال عمر بن الخطاب رحمه الله، وذكر ما أصاب الناس من الدنيا:
            لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَظَل اليوم يلتوى، ما عنده ما يملأ بطنه من الدَّقَل.
            وما هو الدقل؟ إنه نوع من التمر الرديء، فيطلق على سيئ التمر، صغير الحب، قليل الحلاوة الدقل.
            فعمر يرى أسوته وقدوته يعاني من شدة العيش، فكيف لا يحرص هو على الزهد في المطعم بعد ذلك؟ !
            فكان عمر رضي الله عنه يقول: إنه لا أجده يحل لى لحل مالكم إلا عما كنت آكلًا من صلب مالى: الخبز والزيت، والخبز والسمن.
            ويحكى عتبة بن فرقد فيقول: قدمت على عمر رضي الله عنه بسلال خبيص عظام... فقال: ما هذه؟ فقلت: طعام أتيتك به، لأنك رجل تقضي من حاجات الناس أول النهار، فأحببت إذا رجعت أن ترجع إلى طعام فتصيب منه فقواك، فكشفت عن سلة منها، فقال: عزمت عليك يا عتبة، إذا رجعت إلا رزقت كل رجل من المسلمين مثل السلة.
            فقلت: والذي يصلحك يا أمير المؤمنين، لو أنفقت مال قيصر كله، وما وسع ذلك، إن النفقة تكثر!
            قال عمر: فلا حاجة لى فيه فيما لا يسع العامة، ثم دعا بقصعة من ثريد، خبزًا خشنًا، ولحما غليظا. وهو يأكل معى أكلا شهيا، فجعلت أهوى الى البضعة البيضاء أحسبها سنامًا، فاذا هى عصبة، والبضعة من اللحم أمضغها، فلا أسيغها، فإذا هو غفل عنى جعلتها بين الخوان والقصعة، ثم دعا بعُسٍّ من نبيذ، قد كاد يكون خلًا، فقال: اشرب، فأخذته، وما أكاد أن أسيغه، ثم أخذه، فشرب، ثم قال: أتسمع يا عتبة، إنا ننحر كل يوم جزورًا فأما ودكها وأطيابها فلمن حضرنا من المسلمين، وأما عنقها فلآل عمر، يأكل هذا اللحم الغليظ، ويشرب هذا النبيذ.
            وما أروعه في عام الرمادة وهو يشارك الناس المحنة زاهدًا في مطعمه يروى أسلم مولاه رحمه الله فيقول: أصاب الناس عام سنة، فغلا فيها السمن، وكان عمر يأكله، فلما قل، قال: لا آكله حتى يأكله الناس. فكان يأكل الزيت فقال: يا أسلم، اكسر عني حره بالنار، فكنت أطبخه له فيأكله فيتقرقر بطنه عنه فيقول: تقرقر، لا والله لا تأكله حتى يأكله الناس.
            أي روعة تلك؟ !
            أمير المؤمنين وحاكم المسلمين، طعامه الخبز والزيت ! !
            يقول أنس بن مالك رضي الله عنه:
            تقرقر بطن عمر بن الخطاب، وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان حرم عليه السمن، فنقر بطنه بإصبعه، وقال:
            تقرقر تقرقرك، إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس.
            هذا هو الفاروق، هذا هو ابن الخطاب الذي يحكم ديار الإسلام من مشرقها إلى مغربها.
            أخذ نفسه وأهله بحال من التقشف، وخشونة العيش حتى ساوى نفسه بفقراء ومساكين المسلمين، وهو أمير المؤمنين.
            ولم تدعه نفسه إلى لذيذ العيش، ونعيم الدنيا، واهتم كثيرا برفع المعاناة عن الرعية ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
            يقول حفص بن أبي العاص رضي الله عنه:
            كان عمر رضي الله عنه يغدينا بالخبز والزيت، والخل، والخبز واللبن والخبز والقديد، وأول ذلك اللحم الغريض، يأكل وكنا نعذر.
            وكان يقول: لا تنخلوا الدقيق فكله طعام، وكان يقول: ما لكم لا تأكلون؟
            فقلت: يا أميرالمؤمين إنا نرجع إلى طعام ألين من طعامك.
            فقال: يا ابن أبى العاص، أما تراني عالمًا أن أرجع إلى دقيق ينخل في خرقة فيخرج كأنه كذا وكذا؟ !
            أما ترانى عالمًا أن أعمد إلى عناق سمينة، نلقى عنها شعرها، فتخرج كأنها كذا وكذا؟ !
            أما تراني عالمآ أن أرجع إلى صاع أو صاعين من زبيب فأجعله في سقاء وأصب عليه من الماء، فيصبح كأنه دم الغزال؟ !
            قال قلت: أحسن ما يبعث العيش يا أمير المؤمنين.
            قال: أجل، والله لولا مخافة أن ينقص من حسناتى يوم القيامة لشاركتكم في لين عيشكم، ولكنى سمعت الله ذكر قومًا، فقال:
            [أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا] {الأحقاف: 20}.


            مشاهد من زهد عمر رضي الله عنه

            يقص علينا الربيع بن زياد الحارثي طرفًا من زهد عمر فيقول: إنه وفد على عمر بن الخطاب، فأعجبه هيئته- يعني هيئة الربيع- فشكا عمر وجعًا به من طعام غليظ يأكله، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيب، وملبس لين، ومركب وطيء لأنت.
            وكان عمر متكئًا وبيده جريدة نخل فاستوى جالسًا، فضرب به رأس الربيع بن زياد، وقال له: والله ما أردت بهذا إلا مقاربتي وإن كنت لأحسب فيك خيرًا، ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء؛ إنما مثلنا كمثل قوم سافروا، فدفعوا نفقتهم إلى رجل منهم، فقالوا: أنفق علينا، فهل له أن يستأثر عليهم بشيء؟ قال: لا.
            ويسعى عمر رضي الله عنه جاهدًا في أن تكون أسرته، كحاله تمامًا، فيروى ابنه عبد الله يقول دخل عليّ عمر، وأنا على مائدة، فأوسعت له عن صدر المجلس، فقال: بسم الله، ثم ضرب بيده فلقم لقمة، ثم ثَنّى بأخرى، ثم قال: إني لأجد طعم دسم ما هو بدسم لحم.
            فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، إني خرجت إلى السوق أطلب السمين لأشتريه فوجدته غاليا، فاشتريت بدرهم من المهزول، وحملت عليه بدرهم سمنا، وأردت أن يزاد عيالى عظمًا عظمًا.
            فقال عمر: ما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أكل أحدهما، وتصدق بالآخر.
            فقال عبد الله: عد يا أمير المؤمنين، فلن يجتمعا عندي أبدًا إلا فعلت ذلك.
            قال: ما كنت لأفعل.
            فينكر عمر رضي الله عنه على ابنه أن يجتمع عنده لونين من الدسم على مائدة، ويدعوه إلى التآسى بالنبي صلى الله عليه وسلم، والتصدق بأحدهما.
            فما أروع هذا الحاكم الذي يدعوه زهده إلى الشفقة والرحمة برعيته.
            فأين الآن ذلك الحاكم؟!
            وأين ذلك الإمام الذي يتفانى في مصلحة رعيته؟ !
            لقد كان عمر رضي الله عنه يحب رعيته حبًا جمًا، ويحب ما يصلحها، ويكره ما يفسدها، ولا يرى لنفسه من الحقوق إلا كما لأدناهم.
            وأما زهده في الملبس فلا يختلف عن زهده في المطعم، فهو لا ينشغل بالثياب ولا يبالى أي الثياب ارتدى مع كونه أمير المؤمنين رضي الله عنه.
            يقول أنس بن مالك رضي الله عنه:
            لقد رأيت بين كتفي عمر بن الخطاب أربع رقاع مُلبدة بعضها على بعض في قميص له، وهو يومئذ أمير المؤمنين.
            ويقول أبو عثمان النهدي رحمه الله:
            رأيت عمر بن الخطاب، يرمي الجمرة وعليه إزار مرقوع.
            من زهده رضي الله عنه أنه ما ضرب له في مسيره فسطاط، ولا خباء.
            فهذا عبد الله بن عامر بن ربيعة رحمه الله يقول:
            خرجت مع عمر بن الخطاب حاجًّا من المدينة إلى مكة إلى أن رجعنا، فما ضرب فسطاط ولا خباء حتى رجع، وكان إذا نزل يُلقى له كساء، أو نطع على الشجرة، ويستظل تحته.
            فوطاؤه إذا ركب، هو فراشه إذا نزل.
            ومن زهده رضي الله عنه في المركوب أنه كان لا يحب إلا ركوب ما اعتاد عليه العرب من الدواب، وإن كان غيره أسرع.
            يروي أسلم مولى عمر رحمه الله فيقول:
            لما قدمنا على الشام أناخ بعيره وذهب لحاجته، فألقيت فروتى بين شعبتى الرحل، فلما جاء ركب على الفرو، فلقينا أهل الشام يتلقون عمر فجعلوا ينظرون، فجعلت أشير لهم إليه.
            قال عمر: تطمح أعينهم إلى مراكب من لا خلاق له. يريد مراكب العجم.
            ويقول قيس بن أبى حازم رحمه الله:
            لما قدم عمر الشام استقبله الناس وهو على بعيره، فقالوا: يا أمير المؤمنين، لو ركبت برذونًا يلقاك عظماء الناس ووجوههم.
            قال: فقال عمر: ألا أراكم ههنا، إنما الأمر من ههنا- وأشار بيده إلى السماء- خلوا سبيل جملى.
            ويروى طارق بن شهاب رحمه الله فيقول:
            لما قدم عمر الشام أتته الجنود، وعليها إزار وخفان و عمامة، وهو آخذ برأس بعيره يخوض الماء، فقالوا له:
            يا أمير المؤمنين، تلقاك الجنود وبطارقة الشام، وأنت على هذا الحال؟ !!
            فقال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العز بغيره.
            وهكذا يعلمنا الفاروق رضي الله عنه أن الزهد في الدنيا ليس المراد به إخراجها من اليد بالكلية، وقعود العبد صفرًا منها.
            وإنما المراد إخراجها من القلب بالكلية، فلا يلتفت العبد إليها، ولا يدعها تساكن قلبه، وإن كانت في يده.
            فقد كانت الأموال تأتي إلى بيت المال في خلافة الفاروق، وتصب صبًا، ولا يستطيع المرء لها عدًّا، ومع ذلك لم يأخذ بريقها بأبصار الفاروق رضي الله عنه.
            فليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك، وهى في قلبك، وإنما الزهد أن تخرجها من قلبك، وهى في يدك.
            ومن ثَمَّ نعرف أنه ليس بالضرورى أن يكون الزاهد فقيرًا، أو مسكينا، بل قد يكون غنيًا وصاحب جاه وسلطان؛ لأنه لا منافاة بين كون العبد يملك الشيء في يده، ومع ذلك يزهد فيه.
            وما أروع خطاب المولى عز و جل لعباده المؤمنين:
            [وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ] {القصص: 77}.
            لقد بُسطت الدنيا بين يدي عمر رضي الله عنه وتحت قدميه، وفتحت بلاد الدنيا في عهده، وأقبلت إليه الدنيا راغمة، فما طرف لها بعين، ولا اهتز لها قلبه، بل كان كل سعادته في إعزاز دين الله، وخَضْدِ شوكة المشركين، فكان الزهد صفة بارزة في شخصية الفاروق رضي الله عنه.
            تفضيل أسامة بن زيد على عبد الله بن عمر رضي الله عنهم في العطاء:
            كان عمر رضي الله عنه يقسم المال ويفضل بين الناس على السابقة والنسب ففرض لأسامة بن زيد رضي الله عنه أربعة آلاف، وفرض لعبد الله بن عمر رضي الله عنه ثلاثة آلاف، فقال: يا أبت فرضت لأسامة بن زيد أربعة آلاف، و فرضت لى ثلاثة آلاف؟ فما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لك، وما كان له من الفضل ما لم يكن لى. فقال عمر: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وهو كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك.

            أم سليط أحق به:
            عن ثعلبة بن أبى مالك أنه قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطا بين نساء أهل المدينة، فبقى منها مرط جيد فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين، أعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التى عندك- يريدون أم كلثوم بنت على- فقال عمر: أم سليط أحق به. وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: فإنها كانت تَزْفِر لنا القِرَب يوم أحد.
            .
            هذه بعض المواقف التى تدل على ترفع عمر عن الأموال العامة ومنع أقربائه وأهله من الاستفادة من سلطانه ومكانته، ولو أن عمر أرخى العنان لنفسه أو لأهل بيته لرتعوا ولرتع من بعدهم، وكان مال الله تعالى حبسا على أولياء الأمور
            وكان رضي الله عنه يزهد في الإمارة لأولاده وها هو يقول:
            أعياني أهل الكوفة، إن استعملت عليهم لينًا استضعفوه، وإن استعملت عليهم شديدًا شكوه، ولوددت أني وجدت قويًا أمينًا مسلمًا استعمله عليهم.
            فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أنا والله أدلك على رجل قوي أمين، فأثنى عليه قال: من هو؟ قال: عبد الله بن عمر. قال عمر: قاتلك الله، والله ما أردت اللهَ بها.
            ومن القواعد الطبيعية المؤيدة بالمشاهد أن الحاكم إذا امتدت يده إلى مال الدولة اتسع الفتق على الراتق، واختل بيت المال أو مالية الحكومة، وسرى الخلل إلى جميع فروع المصالح، وجهر المسر بالخيانة، وانحل النظام، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان ذا قناعة وعفة عن مال الناس زاهدا في حقوقهم دعاهم ذلك إلى محبته والرغبة فيه، وإذا كان حاكما حدبوا عليه وأخلصوا في طاعته وكان أكرم عليهم من أنفسهم.
            ومن خلال حياته مع أسرته وأقربائه يظهر لنا معلم من معالم الفاروق في ممارسة منصب الخلافة وهى القدوة الحسنة في حياته الخاصة والعامة، حتي قال في حقه علي بن أبى طالب: عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعوا. وكان لالتزامه بما يدعو إليه، ومحاسبته نفسه وأهل بيته أكثر مما يحاسب به ولاته وعماله الأثر الكبير في زيادة هيبته في النفوس وتصديق الخاصة والعامة له.
            هذا هو عمر الخليفة الراشد الذي بلغ الذروة في القدوة، رباه الإسلام فملأ الإيمان بالله شغاف قلبه، إنه الإيمان العميق، الذي صنع منه قدوة للأجيال، ويبقى الإيمان بالله والتربية على تعاليم هذا الدين سببا عظيما في جعل الحاكم قدوة لكل الرعية، ومثالا يُحتذى للجميع.
            أتْمنىّ
            لوْ تكُنْ الحــيــاةً ! حـــكايّـه !
            مْكّتُوبهْ بقـــــلْمّ [ الرَّصـــاصْ]
            لّنمــســحْ كٌلْ ~ماّضّيْ~ لاأ‘إ يّســـتُحــق
            الـذَكِـِـِـِـِـِـِرْ

            تعليق


            • #7
              رد: حلم "عمر" !!


              مشاهد من ورع عمر رضي الله عنه :

              وعن عبد الرحمن بن نجيح قال: نزلت على عمر رضي الله عنه، فكانت له ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبنا أنكره، فقال: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها، فخليت لك ناقة من مال الله، فقال: ويحك تسقينى نارا، واستحل ذلك اللبن من بعض الناس، فقيل: هو لك حلال يا أمير المؤمنين ولحمها. فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، حيث خشي من عذاب الله جل وعلا لما شرب ذلك اللبن مع أنه لم يتعمد ذلك، ولم تطمئن نفسه إلا بعد أن استحل ذلك من بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم الذين يمثلون المسلمين في ذلك الأمر.
              ذكر الآخرة بما فيها من حساب ونعيم أو شقاء أخذ بمجامع عمر رضي الله عنه وملأ عليه تفكيره، حتى أصبح ذلك موجهًا لسلوكه في هذه الحياة، ولقد كان عمر رضي الله عنه شديد الورع، وقد بلغ به الورع درجة عالية
              لقد مرض يومًا، فوصفوا له العسل كدواء، وكان بيت المال به عسلًا، جاء من بعض البلاد المفتوحة، فلم يتداو عمر بالعسل كما نصحه الأطباء، حتى جمع الناس وصعد المنبر واستاذن الناس:
              إن أذنتم لي، وإلا فهو علي حرم. فبكى الناس إشفاقًا عليه، وأذنوا له جميعًا، ومضى بعضهم يقول لبعض: لله درك يا عمر، لقد أتعبت الخلفاء بعدك.
              عمر مع أسرته
              قال عمر رضي الله عنه: إن الناس ليؤدون إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، وإن الإمام إذا رتع رتعت الرعية. ولذلك كان رضي الله عنه شديدا في محاسبة نفسه وأهله، فقد كان يعلم أن الأبصار مشرئبة نحوه وطامحة إليه، وأنه لا جدوى إن قسا على نفسه، ورتع أهله فحوسب عنهم في الآخرة، ولم ترحمه ألسنة الخلائق في الدنيا، فكان عمر إذا نهى الناس عن شيء تقدم إلى أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإنى والله لا أوتى برجل وقع فيما نهيت الناس عنه إلا أضعفت له العذاب، لمكانه مني، فمن شاء منكم أن يتقدم، ومن شاء منكم أن يتأخر. و كان شديد المراقبة والمتابعة لتصرفات أولاده وأزواجه وأقاربه وهذه بعض المواقف:


              المرافق العامة :

              منع عمر رضي الله عنه أهله من الاستفادة من المرافق العامة التي رصدتها الدولة لفئة من الناس، خوفا من أن يحابى أهله به، قال عبد الله بن عمر: اشتريت إبلًا أنجعتها الحمى فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر السوق فرأى إبلا سمانا فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال، فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخ... بخ... ابن أمير المؤمنين، ما هذه الإبل؟ قال: قلت: إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى، أبتغي ما يبتغي المسلمون. قال: فقال: فيقولون: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين. يا عبد الله بن عمر اغد إلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.
              محاسبته لابنه عبد الله لما اشترى فيء جلولاء:
              قال عبد الله بن عمر: شهدت جلولاء- إحدى المعارك ببلاد فارس- فابتعت من المغنم بأربعين ألفا، فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، أكنت مفتديا به؟ قلت: والله ما من شيء يؤذي بك إلا كنت مفتديا بك منه. قال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه- وأنت كذلك- فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإنى قاسم مسئول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهم، قال: ثم دعا التجار فابتاعوا منه بأربعمائة ألف درهم، فدفع إليّ ثمانين ألفا، وبعث بالباقى إلى سعد بن أبى وقاص ليقسمه.
              خذه يا معيقيب فاجعله في بيت المال
              قال معيقيب: أرسل إليّ عمر رضي الله عنه مع الظهيرة، فإذا هو في بيت يطالب ابنه عاصما... فقال لى: أتدري ما صنع هذا؟ إنه انطلق إلى العراق أخبرهم أنه ابن أمير المؤمنين، فانتفقهم (سألهم النفقة) فأعطوه آنية وفضة ومتاعا، وسيفا مُحلى، فقال عاصم: ما فعلت، إنما قدمت على أناس من قومي، فأعطوني هذا. فقال عمر: خذه يا معيقيب، فاجعله في بيت المال.
              فهذا مثل من التحري في المال يكتسبه الإنسان عن طريق جاهه، ومنصبه، فحيث شعر أمير المؤمنين عمر بأن ابنه عاصما قد اكتسب هذا المال لكونه ابن أمير المؤمنين تحرج في إبقاء ذلك المال عنده لكونه اكتسبه بغير جهده الخاص فدخل ذلك في مجال الشبهات.


              عاتكة زوجة عمر والمسك

              قدم على عمر رضي الله عنه مسك وعنبر من البحرين فقال عمر: والله لوددت أني وجدت امرأة حسنة الوزن تزن لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن فهلم أزن لك. قال: لا. قالت: لم؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا- وأدخل أصابعه في صدغيه- وتمسحي به عنقك فأصيب فضلًا على المسلمين. فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه واحتياطه البالغ لأمر دينه، فقد أَبَى على امرأته أن تتولى قسمة ذلك الطيب حتى لا تمسح عنقها منه فيكون قد أصاب شيئا من مال المسلمين، وهذه الدقة المتناهية في ملاحظة الاحتمالات أعطاها الله لأوليائه السابقين إلى الخيرات، وجعلها لهم فرقانا يفرقون به بين الحلال والحرام والحق والباطل، بينما تفوت هذه الملاحظات على الذين لم يشغلوا تفكيرهم بحماية أنفسهم من المخالفات.


              منع جر المنافع بسبب صلة القربى به:

              عن أسلم قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعرى وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل، وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، ها هنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، وأسلفكما، فتبيعان به متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الربح. ففعلا، وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال. فلما قدما على عمر قال: أَكُلَّ الجيش أسلف كما أسلفكما؟ فقالا: لا. فقال عمر: أدّيا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغى لك يا أمير المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضمناه. فقال: أديا المال. فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله. فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا (شركة). فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح المال. قالوا: هو أول قراض في الإسلام.


              أسس عمر رضي الله عنه مبدءا قويما في معيشة الوالي :

              من ورع الفاروق عمر رضي الله عنه أنه أسس مبدءًا قويمًا في معيشة الوالي، وأكله من مال الرعية، وأنه لا يحل له من مال الرعية إلا ما كان آكلًا من صلب ماله.
              فلا يحل للوالي على المسلمين من ماله إلا كسوة الشتاء من الثياب، وكسوة الصيف وقوته وقوت أهله كقوت رجل من المسلمين، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، وما يحج به ويعتمر.
              يقول عاصم بن عمر: لما زوجني عمر رضي الله عنه أنفق علي من مال الله شهرًا، ثم أرسل إليّ يرفأ، فأتيته وهو في مصلاه عند الفجر، أو عند الظهر، فقال: يا يرفأ احبس عنه، ثم دعاني، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
              أما بعد يا بني فو الله ما كنت أرى هذا المال يحل لي من قبل أن أليه إلا بحقه، وما كان قط أحرم عليّ منه إذ وليته، فعاد أمانتي وقد أنفقت عليك شهرًا من مال الله، ولست بزائدك، ولكني معينك بتمر من مالي فبعه.
              ثم قم إلى جانب رجل من تجار قومك، فإذا ابتاع فاستشركه، ثم أنفق على أهلك. قال عاصم بن عمر: فذهبت ففعلت.
              هكذا يعلم الفاروق أولاده وقومه أن مال المسلمين أمانة في عنقه، وإنما الأخذ منه بقدر الحاجة والضرورة.
              ومن جانب آخر نجد للفاروق يبني في أبنائه قواعد الجد والاجتهاد، والاعتماد على النفس، والحرص على السعي وعدم التواكل اعتمادًا على جاه الوالد أو أمواله.
              ويروي عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه فيقول:
              قلت لعمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، إن عندنا حلية من حلي جلولاء، وآنية وفضة، فانظر ما تأمرنا فيها بأمرك.
              قال عمر: إذا رأيتني فارغًا فآذني.
              قال ابن الأرقم: فجئته يومًا، فقلت: يا أمير المؤمنين، إني أراك اليوم فارغًا.
              قال: أجل ابسط لي نطعا، فأمر بذلك المال فأفيض عليه، ثم جاء حتى وقف عليه فقال:
              اللهم إنك ذكرت هذا المال فقلت: [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآَبِ] {آل عمران: 14}.
              اللهم وقلت: [لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ] {الحديد: 23}.
              اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا، اللهم إني أسألك أن نضعه في حقه وأعوذ بك من شره.
              ونمضي مع عفة الفاروق رضي الله عنه، وشدته في مال المسلمين، وحرصه على عدم خوض أسرته في مال الله.


              محاسبة النفس عند الفاروق :

              من أسباب صلاح القلوب، وهداية النفوس: محاسبة النفس على العيوب والذنوب، لتدارك التقصير في عبادة علام الغيوب.
              ولعل آعظم آية قرآنية توضح لنا أهمية محاسبة النفس في حياة المسلمين، قول الحق تبارك وتعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] {الحشر: 18}.
              أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم، وعرضكم على ربكم.
              فالله تعالى عالم بجميع أحوالكم، وأعمالكم، لا تخفى عليه منكم خافية، ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير.
              وقد كان الفاروق رضي الله عنه آية في محاسبة النفس، حتى قال مقالته السابقة: لو مات جمل في عملى ضياعا، خشيت أن يسألني الله عنه.
              بل كان يدعو المؤمنين إلى محاسبة النفس، مذكرًا لهم بيوم القيامة، حيث لا تخفى منهم خافية.
              يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
              حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتجهزوا للعرض الأكبر، [يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ] {الحاقَّة: 18}.
              وكان الفاروق رضي الله عنه يحاسب نفسه على ما يبدر من تقصير منه، ولو كان شيئًا يسيرًا.
              فكل منا في حاجة إلى محاسبة نفسه عن أفعاله وأقواله.
              وكل منا في بحاجة إلى محاسبة نفسه عن قدر شكره لنعمة الإسلام.
              وما أحرى بكل واحد أن يسأل نفسه:
              هل اتقيت الله في مكسبي ومطعمي، ومشربي وملبسي؟
              هل أخلصت لله في السر والعلانية؟
              هل عدلت في الرضا والغضب؟
              هل عفوت عمن ظلمني؟
              هل أعطيت من حرمني؟
              هل وفيت بالعهد لمن عاهدته. وصدقت في الوعد لمن واعدته؟
              هل تذكرت الموت والبلى، واليوم الآخر وشدائده؟
              فالخير كل الخير في محاسبة النفس، والشر كل الشر في الهوى، والسعي خلف النفس الأمّارة بالسوء.
              ذكر خوفه من الله تعالى
              من شمائل الفاروق خوفه الشديد من الله سبحانه وتعالى، ويظهر ذلك الخوف جليًا في أقواله وأفعاله.
              لقد كان الفاروق على جانب كبير من الخوف من الله عز وجل، جلس عنده بعض أصحابه عند موته يثنون عليه بما قدم للإسلام.
              فقال: والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه.
              فهذا الطود الشامخ، والرجل الباهر القوي الأمين، الصلب في دين الله، القانت الزاهد، التقي النقي، لا تفرحه بنفسه بما قدم من أعمال، ولا ييأس من روح الله. أخذ الورع بقوة.
              لقد تربى عمر على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فعلماه ما تعجز عنه كتب التربية والأخلاق قديمها وحديثها، وما يزال كتاب الله بين أيدينا وما تزال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظة لدينا، وفيها علم وتربية وأخلاق بما لا يقاس عليه.


              موقفه من هدية ملكة الروم لزوجته أم كلثوم :

              جاء في تاريخ الطبري (2-601): وقالوا ترك ملك الروم الغزو وكاتب عمر وقاربه... وبعثت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب إلى ملكة الروم بطيب ومشارب وأحفاش من أحفاش النساء، ودسته إلى البريد فأبلغه لها وأخذ منه، وجاءت امرأة هرقل وجمعت نساءها وقالت: هذه هدية امرأة ملك العرب وبنت نبيهم. وكاتبتها وكافأتها وأهدت لها، وفيما أهدت لها عقد فاخر، فلما انتهى به البريد إليه، أمره بإمساكه، ودعا الصلاة جامعة، فاجتمعوا فصلى بهم ركعتين، وقال: إنه لا خير في أمر أبرم عن غير شورى من أموري، قولوا في هدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم، فأهدت لها امرأة ملك الروم. فقال قائلون: هو لها بالذي لها، وليست امرأة الملك بذمة فتصانع به ولا تحت يدك فتتقيك. وقال آخرون: قد كنا نهدي الثياب لنستثيب، ونبعث بها لتباع ولنصيب ثمنا، فقال: ولكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم، والمسلمون عظموها في صدرها. فأمر بردها إلى بيت المال، ورد عليها بقدر نفقتها.
              غششت أباك ونصحت أقرباءك
              جيء إلى عمر رضي الله عنه بمال، فبلغ ذلك حفصة أم المؤمنين، فقالت: يا أمير المؤمنين، حق أقربائك من هذا المال، قد أوصى الله عز وجل بالأقربين من هذا المال فقال:
              يا بنية حق أقربائى في مالي، وأما هذه ففي سداد المسلمين، غششت أباك ونصحت أقرباءك. قُومِى.
              أردت أن ألقى الله ملكًا خائنًا
              قدم صهر عمر عليه فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال، فانتهره عمر وقال: أردت أن ألقى الله ملكا خائنا؟ فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم.

              أتْمنىّ
              لوْ تكُنْ الحــيــاةً ! حـــكايّـه !
              مْكّتُوبهْ بقـــــلْمّ [ الرَّصـــاصْ]
              لّنمــســحْ كٌلْ ~ماّضّيْ~ لاأ‘إ يّســـتُحــق
              الـذَكِـِـِـِـِـِـِرْ

              تعليق


              • #8
                رد: حلم "عمر" !!

                في ظلال رحمة عمر :




                الرعية هم عِبَاد الله، وحق على كل من تولى أمرهم أن يحسن إليهم ويرعى أمورهم ويقضي حوائجهم، وقد قام الفاروق بذلك قيامًا حسنًا، واجتهد في الوصول إلى تلك البغية اجتهادًا شديدًا.
                يروي ابن عباس رضي الله عنهما يقول:
                كان عمر بن الخطاب كلما صلى صلاة جلس للناس، فمن كانت له حاجة نظر فيها، فصلى صلوات لا يجلس فيها، فأتيت الباب فقلت: يا يرفأ، فخرج علينا يرفأ، فقلت: أبأمير المؤمنين شكوى؟
                قال: لا. فبينا أنا كذلك إذ جاء عثمان فدخل يرفأ، ثم خرج علينا فقال:
                قم يا ابن عفان، قم يا ابن عباس. فدخلنا على عمر وبين يديه صبر من مال، على كل صبرة منها كتف.
                فقال: إني نظرت فلم أجد بالمدينة أكثر عشيرة منكما kخذا هذا المال فاقتسماه بين الناس، فإن فضل فضل فردا.
                فأما عثمان فحثا، وأما أنا فجثيت لركبتى فقلت: وإن كان نقصانًا رددت علينا؟
                فقال: شنشنة من أخشن- قال سفيان يعني حجرا من جبل- أما كان هذا عند الله إذ محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون القد؟ !
                قلت: بلى، ولو فتح عليه لصنع غير الذي تصنع. قال: وما كان يصنع؟ قلت: إذًا لأكل وأطعمنا.
                قال: فرأيته نشج حتى اختلفت أضلاعه، وقال: لوددت إني خرجت منه كفافا، لا علي ولا لي.
                وكان الفاروق رضي الله عنه يمر في الطرقات، ويدخل إلى الأسواق ليتعرف على أحوال الرعية، ويختبر آحوالهم و يقضي حوائجهم.
                وفي البخاري بسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَكْثَرْتَ لَهَا. قَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ. (البخاري – 3843)
                فما أروع الفاروق الذي يقدر لغيره فضله وسابقته، ويكرم بذلك أهله وقومه.


                مواقف من رحمته بالرعية وشفقته بهم :

                يقول أسلم مولى الفاروق رحمه الله:
                خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى حرة واقم حتى إذا كان بصرار إذا نار، فقال: يا أسلم، إني لأرى ههنا ركبًا قصر بهم الليل والبرد، انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان، و قدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون.
                فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، وكره أن يقول: يا أصحاب النار.
                فقالت: وعليك السلام، فقال: أَدْنُو؟ فقالت: ادْنُ بخير أو دَعْ.
                قال: فدنا، وقال: ما لكم؟
                قالت: قصر بنا الليل والبرد.
                قال: وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع.
                قال: فأي شىء في هذه القدر؟ قالت: ماء، أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر.
                قال: رحمك الله. وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا؟ !
                قال: فأقبل عليّ، فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلا من دقيق، وكبة شحم، فقال: احمله عليّ.
                فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة، لا أم لك. فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا، فجعل يقول لها: ذري علي وأنا أُحَرِّك لك، وجعل ينفخ تحت القدر، ثم أنزلها فقال: ابغني شيئًا، فأتته بصحفة فأفرغها فيها ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أَسْطَح لهم (أَي أَبْسُطه حتى يَبْرُدَ) فلم يزل حتى شبعوا وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه، فجعلت تقول:
                جزاك الله خيرا، كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين.
                فيقول: قولي خيرًا، إذا جئت أمير المؤمنين، وجدتني هناك- إن شاء الله- ثم تنحى عنها ناحية، ثم استقبلها فربض مربضًا.
                فقلت: إن لك شأنًا غير هذا. فلا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون، ثم ناموا وهدءوا.
                فقال: يا أسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت.
                وفي رواية أخرى:
                يا أسلم، أتدرى لم ربضت حذاءهم؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين،
                قال: رأيتهم يبكون، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي.
                إنه سمو في الإحساس بالأمانة، وارتقاء في الشعور بالمسئولية، وقد صاغ شاعر النيل حافظ إبراهيم قصة المرأة وأبنائها في أبيات رقيقة، فقال:
                وَمَنْ رَآه أَمَامَ الْقِدْرِ مُنْبَطِحًا وَالنَّارُ تَأْخُذْ مِنْهَ وَهْوَ يُذْكِيهَا
                وَقَدْ تَخَلَّلَ فِي أَثْنَاءِ لِحْيَتِهِ مِنْهَا الدُّخَانُ وَفُوهُ غَابَ فِي فِيهَا
                رَأَى هُنَاكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى حَالِ تَرُوعُ لَعَمْرُ اللَّهِ رَائِيهَا
                يَسْتَقْبِلُ النَّارَ خَوْفَ النَّارِ فِيِ غَدِهِ وَالْعَيْنُ مِنْ خَشْيَةٍ سَالَتْ مَآقِيهَا
                أين حكام الشرق والغرب، بل الدنيا بأسرها ليشاهدوا حال الخليفة المسلم في العهد الأول؟
                إنها عظة، ويالها من عظة ! !
                هكذا كان خلفاء المسلمين يعملون على مصالح الرعية، ويعرفون أنهم مسئولون يوم القيامة عن الكبير والصغير. والغني والفقير، والرجال والنساء على حد سواء.
                لقد ارتقى شعور الفاروق في الاهتمام برعيته إلى الدواب، حتى كان يقول: لو مات جمل في عملي ضياعا على شط الفرات، لخشيت أن يسالني الله عنه.


                رحمة عمر بالمشركين :

                شملت رحمة الفاروق المشركين، فها هو الفاروق رضي الله عنه في نصائحه لجنوده أثناء قتالهم لنشر دين الله يقول لهم:
                لا تقتلوا امرأة ولا صبيًا، وأن تقتلوا من جرت عليه المواسي. ويحرص الفاروق كل الحرص على مبدأ احترام العهد، والوفاء بالوعد حرصًا شديدًا، فمن أمن أحدًا فلا يخفر ذمته أحد، بأي صيغة كان عهد الأمان.
                ومبادئ الفاروق في هذا الشأن واضحة جلية.
                إذا قال الرجل للرجل: لا تخف فقد أمنه.
                وإذا قال: مترس، فقد أمنه.
                وإذا قال: لا تذهل، فقد أمنه.
                فبأي لغة كان عهد الأمان استحق صاحبة العهد والأمان.
                إن رحمة عمر شملت الصغار والكبار، الرجال والنساء، الإنسان والحيوان.
                ومن رحمة الفاروق عمر رضي الله عنه
                أنه كان يشترط في ولاته الرحمة والشفقة على الرعية، وكم مرة أمر قادته في الجهاد ألا يغرروا بالمسلمين ولا ينزلوهم منزل هلكة، وكتب عمر لرجل من بني أسلم كتابًا يستعمله به، فدخل الرجل على عمر وبعض أولاد عمر على حجر أبيهم يقبلهم، فقال الرجل: تفعل هذا يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما قبلت ولدًا لي قط، فقال عمر: أنت والله بالناس أقل رحمة، لا تعمل لي عملًا، ورَدَّه عمر فلم يستعمله.
                أتْمنىّ
                لوْ تكُنْ الحــيــاةً ! حـــكايّـه !
                مْكّتُوبهْ بقـــــلْمّ [ الرَّصـــاصْ]
                لّنمــســحْ كٌلْ ~ماّضّيْ~ لاأ‘إ يّســـتُحــق
                الـذَكِـِـِـِـِـِـِرْ

                تعليق


                • #9
                  رد: حلم "عمر" !!

                  قمة العدل في عهده رضي الله عنه :

                  وغزت بعض جيوشه بلاد فارس حتى انتهت إلى نهر ليس عليه جسر فأمر أمير الجيش أحد جنوده أن ينزل في يوم شديد البرد لينظر للجيش مخاضة يعبر منها، فقال الرجل: إني أخاف إن دخلت الماء أن أموت.
                  دخل الرجل الماء وهو يصرخ: يا عمراه يا عمراه، ولم يلبث أن هلك فبلغ ذلك عمر وهو في سوق المدينة، فقال: يا لَبَيَّكَاه يا لَبَّيْكَاه، وبعث إلى أمير ذلك الجيش فنزعه، وقال: لولا أن تكون سنة لقدت منك، لا تعمل لي عملًا أبدًا.
                  يقول فضيل بن زيد الرقاشي رحمه الله وقد كان غزا على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سبع غزوات: بعث عمر جيشًا، فكنت في ذلك قلنا: نرجع فنقيل، ثم نخرج فنفتحها.
                  فلما رجعنا تخلف عبد من عبيد المسلمين، فراطنهم فراطنوه، فكتب لهم كتابًا في صحيفة، ثم شده في سهم فرمى به إليهم، فخرجوا فلما رجعنا من العشي وجدناهم قد خرجوا، قلنا لهم: ما لكم؟
                  قالوا: أمنتمونا. قلنا: ما فعلنا، إنما الذي أمنكم عبد لا يقدر على شيء، فارجعوا حتى نكتب إلى عمر بن الخطاب. فقالوا: ما نعرف عبدكم من حُرِّكم، وما نحن براجعين، إن شئتم فاقتلونا، وإن شئتم ففوا لنا.
                  قال: فكتبنا إلى عمر أن عبد المسلمين من المسلمين، ذمته ذمتهم؟
                  قال: فأجاز عمر أمانه.
                  إن إقامة العدل بين الناس- أفرادا وجماعات ودولًا- ليست من الأ مور التطوعية التى تترك لمزاج الحاكم أو الأمير وهواه، بل إن إقامة العدل بين الناس في الدين الإسلامى تعد من أقدس الواجبات وأهمها، وقد اجتمعت الأمة على وجوب العدل، قال الفخر الرازي: أجمعوا على أن من كان حاكما وجب عليه أن يحكم بالعدل.
                  وهذا الحكم تؤيده النصوص القرآنية والسنة النبوية، فإن من أهداف دولة الإسلام إقامة المجتمع الإسلامي الذي تسود فيه قيم العدل والمساواة، ورفع الظلم ومحاربته بجميع أشكاله وأنواعه، وعليها أن تفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه أن يصل إليه بأيسر السبل وأسرعها دون أن يكلفه ذلك جهدا أو مالا، وعليها أن تمنع أي وسيلة من الوساثل التى من شأنها أن تعيق صاحب الحق من الوصول إليه، وهذا ما فعله الفاروق في دولته، فقد فتح الأبواب على مصاريعها لوصول الرعية إلى حقوقها، وتفقد بنفسه أحوالها، فمنعها من الظلم ومنعه عنها، وأقام العدل بين الولاة والرعية، في أبهى صورة عرفها التاريخ فقد كان يعدل بين المتخاصمين ويحكم بالحق ولا يهمه أن يكون المحكوم عليهم من الأقرباء أو الأعداء أو الأغنياء أو الفقراء، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] {المائدة: 8}.
                  لقد كان الفاروق قدوة في عدله، فأسر القلوب وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوة عملية للإسلام به تفتح قلوب الناس للإيمان، وقد سار على ذات نهج الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاحا منقطع النظير لا تكاد تصدقه العقول حتى اقترن اسمه بالعدل، وبات من الصعب جدا على كل من عرف شيئا يسيرا من سيرته أن يفصل ما بين الاثنين، وقد ساعده على تحقيق ذلك النجاح الكبير عدة أسباب ومجموعة من العوامل منها:
                  1- أن مدة خلافته كانت أطول من مدة خلافة أبي بكر بحيث تجاوزت عشر سنوات في حين اقتصرت خلافة أبي بكر على سنتين وعدة شهور فقط.
                  2- أنه كان شديد التمسك بالحق حتى إنه كان على نفسه وأهله أشد منه على الناس كما رأينا.
                  3- أن فقه القدوم على الله كان قويا عنده لدرجة أنه كان في كل عمل يقوم به يتوخى مرضاة الله قبل مرضاة الناس، ويخشى الله ولا يخشى أحدا من الناس.
                  4- أن سلطان الشرع كان قويا في نفوس الصحابة والتابعين بحيث كانت أعمال عمر تلقى تأييدا وتجاوبا وتعاونا من الجميع.


                  العدل مع الجميع :

                  في موطأ الإمام مالك بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ، فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ. فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلَّا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ، وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ. (كتاب الأقضية- باب الترغيب في القضاء بالحق- حديث رقم 1206)
                  وكان رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه بالمواسم، فإذا اجتمعوا قال:
                  أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فُعل به غير ذلك فليقم، فما قام أحد إلا رجل واحد قام فقال: يا أمير المؤمنين إن عاملك ضربنى مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك. فقال: أنا لا أقيد، وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه قال: فدعنا فلنرضه، قال: دونكم فأرضوه. فاقتدى منه بمائتى دينار كل سوط بدينارين ولو لم يرضوه لأقاده رضي الله عنه.
                  وعن أنس أن رجلا من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال: عذت معاذا. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب، فوالله لقد ضربه، ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه. فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني (كنز العمال جزء 12- صفحة 873).
                  لقد قامت دولة الخلفاء الراشدين على مبدأ العدل وما أجمل ما قاله ابن تيمية: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة... بالعدل تستصلح الرجال وتستغزر الأموال.
                  وأما مبدأ المساواة الذي اعتمده الفاروق في دولته، فيعد أحد المبادئ العامة التي أقرها الإسلام قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] {الحجرات: 13}.
                  إن الناس جميعا في نظر الإسلام سواسية، الحاكم والمحكوم، الرجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود، لقد ألغى الإسلام الفوارق بين الناس بسبب الجنس أواللون أو النسب أو الطبقة، والحكام والمحكومون كلهم في نظر الشرع سواء، وجاءت ممارسة الفاروق لهذا المبدأ خير شاهد،


                  المساواة في عهده رضي الله عنه :

                  هذه بعض المواقف التي جسدت مبدأ المساواة في دولته
                  لم يقتصر مبدأ المساواة في التطبيق عند خلفاء الصدر الأول على المعاملة الواحدة للناس كافة، وإنما تعداه إلى شئون المجتمع الخاصة، ومنها ما يتعلق بالخادم والمخدوم، فعن ابن عباس أنه قال: قدم عمر بن الخطاب حاجًّا، فصنع له صفوان بن أمية طعاما، فجاءوا بجفنة يحملها أربعة، فوضعت بين يدى القوم يأكلون وقام الخدام فقال عمر: أترغبونه عنهم؟ فقال سفيان بن عبد الله: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكنا نستأثر عليهم، فغضب عمر غضبا شديدا، ثم قال: ما لقوم يستأثرون على خدامهم، فعل الله بهم وفعل. ثم قال للخادم: اجلسوا فكلوا، فقعد الخدام يأكلون، ولم يأكل أمير المؤمنين.
                  ومن صور تطبيق المساواة بين الناس ما قام به عمر عندما جاءه مال فجعل يقسمه بين الناس، فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبى وقاص يزاحم الناس، حتى خلص إليه، فعلاه بالدّرّة وقال: إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لن يهابك. فإذا عرفنا أن سعدا كان أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأنه فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد الستة الذين عينهم للشورى؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عنهم، وأنه كان يقال له فارس الإسلام، عرفنا مبلغ التزام عمر بتطبيق المساواة.
                  وكما رأينا أن عمرو بن العاص، أقام حد الخمر على عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، يوم كان عامله على مصر. ومن المألوف أن يقام الحد في الساحة العامة للمدينة، لتتحقق من ذلك العبرة للجمهور، غير أن عمرو بن العاص أقام الحد على ابن الخليفة في البيت، فلما بلغ الخبر عمر كتب إلى عمرو بن العاص: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص بن العاص: عجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك عليّ، وخلاف عهدي. أما إني قد خالفت فيك أصحاب بدر عمن هو خير منك، واخترتك لجدالك عني وإنفاذ مهدي، فأراك تلوثت بما قد تلوثت، فما أراني إلا عازلك فمسيء عزلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك، وقد عرفت أن هذا يخالفني؟ إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك، تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين. ولكن قلت: هو ولد أمير المؤمنين وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق يجب لله عليه، فإذا جاءك كتابي هذا، فابعث به فى عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع. وقد تم إحضاره إلى المدينة وضربه الحد جهرا (روى ذلك ابن سعد، وأشار إليه ابن الزبير، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عمر مطولًا).
                  فهكذا نرى المساواة أمام الشريعة في أسمى درجاتها، فالمتهم هو ابن أمير المؤمنين، ولم يعفه الوالي من العقاب، ولكن الفاروق وجد أن ابنه تمتع ببعض الرعاية، فآلمه ذلك أشد الألم، وعاقب واليه- وهو فاتح مصر- أشد العقاب وأقساه. وأنزل بالابن ما يستحق من العقاب، حرصا على حدود الله، ورغبة في تأديب ابنه وتقويمه.


                  بين عمر رضي الله عنه وجبلة بن الأيهم :

                  من الأمثلة التاريخية الهامة التى يستدل بها المؤلفون على عدم الهوادة في تطبيق المساواة، ما فعله عمر مع جبلة بن الأيهم وهذه هي القصة:
                  كان جبلة آخر أمراء بني غسان من قبل هرقل وكان الغساسنة يعيشون في الشام تحت إمرة دولة الروم، وكان الروم يحرضونهم دائما على غزو الجزيرة العربية، وخاصة بعد نزول الإسلام. ولما انتشرت الفتوحات الإسلامية، وتوالت انتصارات المسلمين على الروم، أخذت القبائل العربية في الشام تعلن إسلامها فبدا للأمير الغساني أن يدخل الإسلام هو أيضا، فأسلم وأسلم ذووه معه. وكتب إلى الفاروق يستأذنه في القدوم إلى المدينة، ففرح عمر بإسلامه وقدومه، فجاء إلى المدينة وأقام بها زمنا والفاروق يرعاه ويرحب به، ثم بدا له أن يخرج إلى الحج، وفي أثناء طوافه بالبيت الحرام وطئ إزاره رجل من بني فزارة فحله، وغضب الأمير الغساني لذلك- وهو حديث عهد بالإسلام- فلطمه لطمة قاسية هشمت أنفه، فأسرع الفزاري إلى أمير المؤمنين يشكو إليه ما حل به، فأرسل الفاروق إلى جبلة يدعوه إليه، ثم سأله فأقر بما حدث، فقال له عمر: ماذا دعاك يا جبلة لأن تظلم أخاك هذا فتهشم أنفه؟ فأجاب بأنه قد ترفق كثيرا بهذا البدوي وأنه لولا حرمة البيت الحرام لقتله، فقال له عمر: لقد أقررت، فإما أن ترضي الرجل، وإما أن أقتص له منك.
                  وزادت دهشة جبلة بن الأيهم لكل هذا الذي يجري وقال: وكيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك.
                  فقال عمر: إن الإسلام قد سوى بينكما.
                  فقال الأمير الغساني: لقد ظننت يا أمير المؤمنين أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية. فقال الفاروق: دع عنك هذا فإنك إن لم تُرضِ الرجل اقتصصت له منك.
                  فقال جبلة: إذا أتَنَصّر.
                  فقال عمر: إذا تنصرت ضربت عنقك، لأنك أسلمت فإن ارتددت قتلتك.
                  وهنا أدرك جبلة أن الجدال لا فائدة منه، وأن المراوغة مع الفاروق لن تجدي، فطلب من الفاروق أن يمهله ليفكر في الأمر، فأذن له عمر بالانصراف، وفكر جبلة بن الأيهم ووصل إلى قرار، وكان غير موفق في قراره، فقد آثر أن يغادر مكة هو وقومه في جنح الظلام، وفر إلى القسطنطينية، فوصل إليها متنصرا، وندم بعد ذلك على هذا القرار أشد الندم
                  فلما بعث عمر رسولًا إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام أجابه إلى المصالحة على غير الإسلام فلما أراد العود قال له هرقل: أَلَقِيتَ ابن عمك هذا الذي ببلدنا؟ يعني جبلة. قال: ما لقيته. قال: ألقه، ثم ائتني أعطك جوابك.
                  فذهب رسول عمر إلى باب جبلة، فإذا عليه من القهارمة والحجاب والبهجة وكثرة الجمع مثل ما على باب هرقل. قال الرسول: فدخلت عليه فرأيت رجلًا أصهب اللحية ذا سبال، وكان عهدي به أسود اللحية والرأس، فنظرت إليه فأنكرته فإذا هو قد دعا بسحالة الذهب فذرها في لحيته حتى عُدَّ أصهب، وهو قاعد على سرير قوائمه أربعة أسودٍ من ذهب، فلما عرفني رفعني معه على السرير، وجعل يسألني عن المسلمين فذكرت له خيرًا، وقلت له: قد تضاعفوا أضعافًا على ما تعرف. فقال: وكيف تركت عمر بن الخطاب؟ قلت له: بخير. فأغمه ذلك. وانحدرتُ عن السرير فقال: لِمَ تأبى الكرامة التي أكرمناك بها؟ قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا قال: نعم، صلى الله عليه وسلم، ولكن نق قلبك من الدنس ولا تبال على ما قعدت. فلما صلى على النبي صلى الله عليه وسلم طمعت به فقلت: ويحك يا جبلة ألا تسلم وقد عرفت الإسلام وفضله؟ فقال: أَبَعْدَ ما كان مني؟ قلت: نعم، فعل ذلك رجل من بني فزارة أكثر مما فعلت ارتد عن الإسلام وضرب وجوه الإسلام بالسيف، ثم رجع إلى الإسلام، فقُبل ذلك منه، وخلفته بالمدينة مسلمًا. قال: ذرني من هذا إن كنت تضمن لي أن يزوجني عمر ابنته، ويوليني الأمر بعده رجعت إلى الإسلام. فضمنت له التزويج، ولم أضمن الأمر، فأومأ إلى خادم بين يديه فذهب مسرعًا فإذا خدم قد جاءوا يحملون الصناديق فيها الطعام فوضعت ونصبت موائد الذهب وصحاف الفضة، وقال لي: كل. فقبضت يدي وقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في آنية الذهب والفضة. قال: نعم، صلى الله عليه وسلم، ولكن نَقِ قلبك وكل فيما أحببت. فأكل في الذهب والفضة، وأكلت في الخلبخ، فلما رفع بالطعام جيء بطساس الفضة وأباريق الذهب. فقال: اغسل يدك. فأبيت، وغسل في الذهب والفضة، وغسلت في الصفر، ثم أومأ إلى خادم بين يديه، فمر مُسرعًا فسمعت حِسّا، فالتفت فإذا خدم معهم كراسٍ مرصعة بالجوهر، فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره، ثم سمعت حِسًّا، فالتفت فإذا عشر جوارٍ قد أقبلن مضمومات الشعور متكسرات في الحلي عليهن ثياب الديباج، ولم أر قط وجوهًا أحسن منهن، فأقعدهن على الكراسي، ثم سمعت حِسًّا فالتفت فإذا جارية كأنها الشمس حسنًا على رأسها تاج على ذلك التاج طائر لم أر أحسن منه وفي يدها اليمنى جام فيه مسك وعنبر فتيت، وفي يدها اليسرى جام فيه ماء وردٍ، فأومأت إلى الطائر- أو قال: صفرت بالطائر- فوقع في جام الماورد، فاضطرب فيه، ثم أومأت إليه، فوقع في جام المسك والعنبر، فتمرغ فيه، ثم أومأت إليه- أو قال: صفرت به- فطار حتى نزل على صليب في تاج جبلة، فلم يزل يرفرف حتى نفض ما في ريشه عليه، فضحك جبلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه، ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يمينه، فقال لهن: بالله أضحكننا. فاندفعن يغنين بخفق عيدانهن ويقلن:- من الكامل-
                  لله در عصابة نادمتهم... يومًا بجلق في الزمان الأول
                  يسقون من ورد البريص عليهم... بردى يصفق بالرحيق السلسل
                  أولاد جفنة حول قبر أبيهم... قبر ابن مارية الجواد المفضل
                  يغشون حتى ما تهر كلابهم... لا يسألون عن السواد المقبل
                  بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم... شم الأنوف من الطراز الأول
                  قال: فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: أتدري من قائل هذا؟ قلت: لا. قال: قائله حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
                  ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يساره، فقال لهن: أبكيننا. فاندفعن يغنين بخفق عيدانهن ويقلن:- من الخفيف-
                  لمن الدار أقفرت بمعان... بين أعلى اليرموك فالجمان
                  ذاك مغنى لآل جفنة في الدهر محلًا لحادثات الزمان
                  قد أراني هناك دهرًا مكينًا... عند ذي التاج مقعدي ومكاني
                  ودنا الفصح والولائد ينظم... ن سراعًا أكلة المرجان
                  قال: فبكى حتى جعلت الدموع تسيل على لحيته، ثم قال: أتدري من قائل هذه الأبيات؟ قلت: لا. قال: حسان بن ثابت.
                  ثم أنشأ يقول:- من الطويل-
                  تنصرت الأشراف من أجل لطمةٍ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
                  تكنفني منها لجاجٌ ونخوةٌ... وبعت لها العين الصحيحة بالعور
                  فيا ليت أمي لم تلدني وليتني... رجعت إلى القول الذي قاله عمر
                  ويا ليتني أرعى المخاض بقفرةٍ... وكنت أسيرًا في ربيعة أو مضر (الوافي في الوفيات جزء 1- صفحة 1503)
                  ويعود الرسول إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم يرجع إلى جبلة فيجد الناس قد فرغوا من جنازته فيعلم أنه قد كتب عليه الشقاء.
                  وفي هذه القصة نرى حرص الفاروق على مبدأ المساواة أمام الشرع، فالإسلام قد سوى بين الملك والسوقة، ولا بد لهذه المساواة أن تكون واقعا حيا وليس مجرد كلمات توضع على الورق أو شعار تردده الألسنة.
                  لقد طبق عمر رضي الله عنه مبدأ المساواة الذي جاءت به شريعة رب العالمين وجعله واقعا حيا يعيش ويتحرك بين الناس، فلم يتراجع أمام عاطفة الأبوة، ولم ينثن أم ألقاب النبالة، لقد كان ذلك المبدأ العظيم واقعا حيا شعر به كل حاكم ومحكوم، ووجده كل مقهور وكل مظلوم. لقد كان لتطبيق مبدأ المساواة أثره في المجتمع الراشدي فقد أثر الشعور بها على نفوس ذلك الجيل فنبذوا العصبية التقليدية، من الادعاء بالأولوية والزعامة، والأحقية بالكرامة، وأزالت الفوارق الحَسَبية الجاهلية، ولم يطمع شريف في وضيع، ولم ييأس ضعيف من أخذ حقه، فالكل سواء في الحقوق والواجبات، لقد كان مبدأ المساواة في المجتمع الراشدى نورا جديدا أضاء به الإسلام جنبات المجتمع الإسلامي، وكان لهذا المبدأ الأثر القوي في إنشائه.
                  ومن عدله رضي الله عنه عدم تقييده حرية أبي لؤلؤة مع شكه في أمره.
                  ومن عدله رضي الله عنه عدم قتله للهرمزان مع كونه قاتل البراء ومجزأة لأنه أمنه.
                  وحياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تمتلئُ بمثل هذه المواقف التي تدل دلالة واضحة على عدله.
                  أتْمنىّ
                  لوْ تكُنْ الحــيــاةً ! حـــكايّـه !
                  مْكّتُوبهْ بقـــــلْمّ [ الرَّصـــاصْ]
                  لّنمــســحْ كٌلْ ~ماّضّيْ~ لاأ‘إ يّســـتُحــق
                  الـذَكِـِـِـِـِـِـِرْ

                  تعليق


                  • #10
                    رد: حلم "عمر" !!

                    فمن مثل عمر الفاروق رضي الله عنه ؟

                    بالمناسبة وبالنسبة للنصارى الأفاضل فإنهم أيضًا سينعمون بالعدل والإحسان في ظل حكم من اقتدى بعمر ... فلا هدم للكنائس في الإسلام ولا هدم لمعابد اليهود بنص الآية الصريحة :

                    { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40) } سورة الحج .


                    ففي ظل الحكم بشريعة الله الإسلامية سيحتمي نصارى مصر بمسلميها ... فلهم علينا حقوق كما أمرنا الله عز وجل ...
                    أتْمنىّ
                    لوْ تكُنْ الحــيــاةً ! حـــكايّـه !
                    مْكّتُوبهْ بقـــــلْمّ [ الرَّصـــاصْ]
                    لّنمــســحْ كٌلْ ~ماّضّيْ~ لاأ‘إ يّســـتُحــق
                    الـذَكِـِـِـِـِـِـِرْ

                    تعليق


                    • #11
                      رد: حلم "عمر" !!

                      ما شاء الله ....... ماشاء الله ....... ما شاء الله ...... والله العظيم موضوع مسنى جدا وسوف أكمل قراءته إن شاء الله ..... جزاكى الله خيرا حبيبتى وغاليتى ...... بارك ربى فيكى وحفظكى من كل سوء ......
                      إذا خلوت يوماً بريبةٍ والنفس داعية إلى العصيان
                      فقل لها استحِ من نظرِ الإله فإن الذي خلق الظلام يراني
                      إن كنت تعصي الله مع علمك باطلاعه عليك فما أشد وقاحتك وما أقل حياءك
                      " أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ"

                      تعليق

                      يعمل...
                      X