سبحان الله كما تدين تدان ..قصص حقيقية من الواقع
طريق المخدرات..
طريق غرق فيه كثير من الشباب ..
إلا من رحم الله ..
يقول الشاب وهو يروي مأساته :
بعد أن أنهيت دراستي الثانويه ..
عملت موظفاً في إحدى الشركات التجاريه ..
وقد فُصلت من العمل لكثرة تغيبي ، وعدم انضباطي..
عملت بعدها أعمالاً مختلفه من بناء ، وتجاره وغيرها ..
حتى استطعت أن أكوّن نفسي ، وأجمع مبلغاً من المال ..
وفي أحد الأيام ..
عرض علي أحد الشباب ..
فكرة السفر إلى إحدى الدول الآسيويه ..
وكان يروي لي مغامراته ومشاهداته ..
كان يجاهر بالمعصيه - والعياذ بالله -..
يقول الشاب : كان صاحبي يحدثني عن المتع المحرمه ..
وكأنه يغريني بالسفر ..
حتى عزمت عليه ..
واستحوذني الشيطان ..
فكان صاحبي أول المرحبين ..
بل تكفل بشراء تذكرة السفر ..
على أن أتكفل أنا هناك ببقية المصاريف ..
وسافرنا ..
هناك رأينا جموعاً من الشباب ..
ليس لهم همّ إلا ..
المتعه المحرمه ..
اليوم ..
الأقصى يشتكي ..
والشباب ..
يغرق في أوحال المعاصي والمنكرات ..
ليس لهم همّ إلا المتعه المحرمه ..
فتعلمت من الشباب ..
- اسمع -..
تعلمت من الشباب ..
التدخين ..
وشرب الخمر ..
ثم الزنا ..
ثم تعاطي المخدرات ..
خضنا في كل الوحول القذره ..
حتى بلغنا الحضيض ..
ثم عدنا..
وبعد فترة ..
جمعنا مبلغاً آخر من المال ..
ثم سافرنا إلى بلد آخر ..
أشد فساداً ..
وجربنا كل شيء ..
وفي إحدى الليالي ..
رفض أحد الشباب إعطائي حقنه المخدرات المعهوده ..
فخرجت من الفندق ، وقابلت مجموعه من المروجين ..
فدعوني إلى مقرهم ..
فذهبت معهم ..
وعرضوا علي أنواعاً كثيره من المخدرات ..
كنت أجهل بعضها ، ومدى تأثيره على الجسم ..
وبعد تعاطي المخدرات ، والمسكرات ..
دعاني أحدهم إلى الغرفة المجاورة ..
لممارسة الزنا ..
بعد أن أمرني بدفع الثمن مقدماً..
وكنت في سكر شديد ..
لا أدري ما أصنع ..
فقبلت العرض ..
ولم أكن أدري أني ..
أمشي برجلي إلى الهاويه ..
ثم بعد أيام ..
عدنا من السفر ..
ومارست حياتي الطبيعيه ..
لكن شبح المخدرات كان يطاردني في كل مكان ..
أصبح شبح المخدرات يطاردني في كل مكان ..
وقد نصحني بعض المخلصين بالتوجه إلى المستشفى لتلقي العلاج ..
فوعدتهم بالذهاب ، ولم أذهب..
توالت السفرات ..
لممارسة تلك الأعمال المشينه..
التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتي البائسه المتدهوره ..
حتى نفذت النقود ..
فاحترفت السرقه من هنا وهناك ..
تعلمت فنون ..
النصب ، والاحتيال ..
حتى أجمع لمتعتي المحرمه ..
وفجأه ..
شعرت بوعكه صحيه ..
فذهبت إلى المركز ..
ذهبت إلى المركز الصحي ..
بحثاً عن العلاج ..
وبعد تحليل عينه من دمي ..
أخبروني بأني ..
حامل لفيروس الإيدز ..
أخبروني أني ..
حامل لفيروس الإيدز ..
فضاقت الدنيا في وجهي ..
يا للهول ..
يا للمصيبه ..
لقد ذهبت تلك اللذات ..
وانقضت تلك المسرات ..
فلم يبق إلا ..
الآلام والحسرات ..
واحسرتاه ..
على أصحاب ..
لم ينفعوني..
واحسرتاه ..
على أحباب ..
لم يشفعولي ..
يا حسرتاه ..
يوم طال السهر ..
ولم أعد زاداً للحفر..
يا حسرتاه ..
على عمر مضى ..
وزمان ولى وانقضى ..
ولم أتقي فيه حرّ لظى ..
يا حسرتاه ..
إذا كُشف الديوان ..
بخطايا اللسان ..
وزلات الجنان ..
وقبيح العصيان ..
يا حسرتاه ..
إذا وُضع الكتاب ..
ونُشر ما فيه من خطأ وصواب ..
وعُرض الشباب ..
يا حسرتاه ..
على صلاة أضعتها ..
وزكاة منعتها ..
وأيام أفطرتها ..
يا حسرتاه ..
على أوقات أهدرتها ..
يا حسرتاه ..
على ذنوب ارتكبتها ..
وفواحش اقترفتها ..
يا حسرتاه ..
يوم ..
لم يلهج لساني بذكره ..
ولم تقم جوارحي بشكره ..
يا حسرتاه ..
يوم يفوز الصالحون بالدرجات ..
يا حسرتاه ..
يوم يهوي الظالمون في الدركات ..
قال سبحانه :
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ }..
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ } ...
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } ..
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ، إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلِيْنَا يُرْجَعُونَ } ..
يقول الشاب :
لقد ذهبت ..
تلك اللذات ..
وانقضت تلك المسرات ..
فلم يبقَ إلا ..
الآلام ، والحسرات ..
لم يبقَ إلا ..
الآثام ، والأوزار ، والتبعات ..
وكل ما أعرفه ..
أنني ..
مصاب بمرض الإيدز ..
وأني ..
أنتظر الموت..
وعلى الرغم من أني ..
أسير إلى الموت سيراً سريعاً فلا بأس ..
فقد أفقت من غفوتي ..
وأفقت من غفلتي ..
وأنصح كل شاب عاقل ..
بالالتزام بتعاليم الدين الحنيف..
تلك التعاليم التي ..
لطالما سمعناها ..
ولم نتبعها ..
إنما اتبعنا ..
النفس ..
والهوى ..
والشيطان ..
وقد خاب من ..
( أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني )..
أقول لأخواني الشباب ..
احذروا ..
المخدرات ..
والفواحش ..
والمنكرات ..
فإنها الهلاك الماحق..
احذروا ..
من رفقة السوء ..
فإنهم جنود إبليس اللعين ..
يقول : أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ..
فلعلكم ..
تقرأون كلماتي هذه ..
وأنا تحت التراب ..
فلعلكم ..
تقرأون كلماتي هذه ..
وأنا تحت التراب ..
فاسألوا الله لي الرحمه ..
لعلكم ..
تقرأون كلماتي ..
وأنا تحت التراب ..
قد فارقت الروح الجسد ..
وصعدت الروح إلى باريها ..
اللهم ..
يا من وسعت رحمته كل شيء ..
ارحم عبدك الضعيف المسكين ..
التائب ..
رأيت جفناً مقروحاً ..
تراه في الأسحار ..
على باب الاعتذار مطروحاً..
سمع قول الإله يوحي فيما يوحي :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
التائب ..
مطعمه يسير ..
وحزنه كثير ..
ومزعجه مثير ..
وكأنه أسير قد رُمي مجروحاً ..
ولسان حاله يردد :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
التائب ..
أنحل بدنه الصيام ..
وأتعب قدمه القيام ..
وحلف بالعزم على هجر المنام ..
فبذل بدناً وروحاً ..
وهو يردد :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
التائب ..
الذل قد علاه ..
والحزن قد وهاه ..
يذم نفسه على هواه ..
وبهذا صار ممدوحاً ..
يردد ويعيد :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
التائب ..
يبكي جنايات الشباب ..
التي بها قد اسوَّد الكتاب ..
فإن من يأتي إلى الباب ..
يجد الباب مفتوحاً ..
يردد ويقول قول الله :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
اللهم ..
إنا نسألك ..
التوبة ، ودوامها ..
ونعوذ بك ..
من المعصية ، وأسبابها..
الورقه الثانية:
هدايتي على يديه ..
يقول الشاب :
لم أكن قد بلغت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أول أبنائي ..
ما زلت أذكر تلك الليله ..
كنت سهراناً مع الشله في إحدى الشالهيات ..
كانت سهرة حمراء بمعنى الكلمه ، كما يقولون ..
أذكر ليلتها أني أضحكتهم كثيراً ..
كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد ..
بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه ..
أجل ..كنت أسخر من هذا وذاك ..
لم يسلم أحد مني حتى شلتي ..
صار بعض أصحابي يتجبني كي يسلم من لساني وتعليقاتي اللاذعه ..
تلك الليله ..
سخرت من ..
رجل أعمى ، رأيته يتسول في السوق ..
والأدهى ..
أني وضعت قدمي أمامه ليتعثر ..
تعثر..
وانطلقت ضحكتي التي دوَّت في السوق ..
عدت إلى بيتي متأخراً ..
وجدت زوجتي في انتظاري ..
كانت في حاله يرثى لها ..
أين كنت يا راشد ؟!.
قلت : في المريخ – ساخراً – عند أصحابي بالطبع ..
كانت في حالة يرثى لها ، قالت والعبرة تخنقها : راشد أنا تعبه جداً ..
الظاهر أنَّ موعد ولادتي صار وشيكاً ..
سقطت دمعه صامته على خدها ..
أحسست أني أهملت زوجتي ..
كان المفروض أن أهتم بها وأقلل من سهراتي خاصة أنها في شهرها التاسع ..
قاست زوجتي الآلام يوماً وليلة في المستشفى ..
حتى رأى طفلي النور..
لم أكن في المستشفى ساعتها ..
تركت رقم هاتف المنزل ، وخرجت ..
اتصلوا بي حتى تعلموني الخبر ..
ففعلوا ..
اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم ..
سالم ..
حين وصلت المستشفى طُلب مني أن أراجع الطبيبه ..
أي طبيبه ؟..
المهم الآن أن أرى ابني سالم ..
لا بدّ من مراجعة الطبيبه قالوا لي : أجابتني موظفه الاستقبال بحزم ..
صُدمت حين عرفت أن ..
ابني به تشوه شديد في عينينه ، ومعاق في بصره ..
تذكرت المتسول ..
قلت : سبحان الله كما تدين تدان ..
لم تحزن زوجتي ..
كانت مؤمنه بقضاء الله راضيه ..
طالما نصحتني ..
طالما طلبت مني أن أكف عن تقليد الآخرين ..
كلا هي لا تسميه ..
تقليداً ..
بل غيبه ..
ومعها كل الحق ..
لم أكن أهتم بسالم كثيراً ..
اعتبرته غير موجود في المنزل ..
حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصاله لأنام فيها ..
كانت زوجتي تهتم به كثيراً وتحبه ..
لحظه ..
لا تظنوا أني أكرهه ..
أنا لا أكره ، لكني لم أستطع ان أحبه ..
أقامت زوجتي احتفالاً حين خطا خطواته الأولى ..
وحين أكمل الثانيه اكتشفنا أنه أعرج ..
كلما زدت ابتعاداً عنه ..
زادت زوجتي حباً وتعلقاً بسالم ..
حتى بعد أن أنجبت عمراً ، وخالداً ..
مرت السنوات ..
وكنت لاهٍ غافل ..
غرتني الدنيا وما فيها ..
كنت كاللعبه في يد رفقة السوء ..
مع أني كنت أظن أني من يلعب عليهم ..
لم تيأس زوجتي من إصلاحي ..
كانت دائماً تدعو لي بالهدايه ..
لم تغضب من تصرفاتي الطائشه ..
أو إهمالي لسالم ،واهتمامي بباقي أخوته ..
كبر سالم ..
ولم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحد المدارس الخاصه بالمعاقين ..
لم أكن أحس بمرور السنوات ..
أيامي سواء ليلي ونهاري ..
عمل ونوم ..
طعام وسهر ..
حتى ذلك اليوم ..
كان يوم الجمعه ..
استيقظت الساعه الحاديه عشره ظهراً ..
ما يزال الوقت مبكراً أقول ..
لكن لا يهم ..
أخذت دشاً سريعاً ..
لبست ، وتعطرت ، وهممت بالخروج ..
استوقفتني منظره ..
منظر سالم ..
كان يبكي بحرقه ..
إنها المره الأولى التي أرى فيها سالم يبكي مذ كان طفلاً ..
أأخرج ، أم أرى مما يشكو سالم ؟!..
قلت : لا ..كيف أتركه وهو في هذه الحاله ..
أهو الفضول أم الشفقه ..
لا يهم ..
سألته : لماذا تبكي يا سالم ؟..
حين سمع صوتي توقف ..
بدأ يتحسس ما حوله ..
ما به يا ترى ؟!.
اكتشفت أن ابني يهرب مني ..
الآن أحسست به ..
أين كنت منذ عشر سنوات ..
تبعته ..كان قد دخل غرفته ..
رفض أن يخبرني في البدايه سبب بكائه ..
وتحت إصراراي ..
عرفت السبب ..
تأخر عليه شقيقه عمر الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد ..
اليوم الجمعه ..
خاف سالم أن لا يجد مكاناً في الصف الأول ..
نادى والدته لكن لا مجيب حينها..
حينها وضعت يدي على فمه كأني أطلب منه أن يكف عن حديثه وأكملت ..
حينها بكيت يا سالم ..
لا أعلم ما الذي دفعني لأقول له :سالم لا تحزن ..
هل تعلم من سيرافقك اليوم إلى المسجد ؟..
أجاب سالم : أكيد عمر ..ليتني أعلم إلى أين ذهب ..
قلت : لا يا سالم ..
أنا من سيرافقك ..
أنا من سيرافقك ..
استغرب سالم ..
لم يصدق ..
ظنَّ أني أسخر منه ..
عاد إلى بكائه ..
مسحت دموعه بيدي ..
وأمسكت بيده ..
أردت أن أوصله بالسياره ، رفض قائلاً : أبي المسجد قريب ..
أريد أن أخطو إلى المسجد ..
فإني أحتسب كل خطوه أخطوها..
يقول : لا أذكر متى آخر مره دخلت فيها المسجد ..
ولا أذكر آخر مرة التي سجدت فيها لله سجده ..
هي المره الأولى التي أشعر فيها ..
بالخوف والندم..
الندم ..
على ما فرطت طوال السنوات الماضيه ..
مع أنَّ المسجد كان مليئاً بالمصلين ..
إلا أني وجدت لسالم مكاناً في الصف الأول..
استمعنا لخطبة الجمعه معاً ..وصليت بجانبه ..
بعد انتهاء الصلاه ..
طلب مني سالم مصحفاً ..
استغربت..
كيف سيقرأ وهو أعمى ..
هذا ما تردد في نفسي ولم أصرح به خوفاً من جرح مشاعره ..
طلب مني أن أفتح له المصحف على سورة الكهف ..
نفذت ما طلب ..
وضع المصحف أمامه ، وبدأ في قراءة السوره ..
يالله ..
إنه يحفظ صورة الكهف كامله ، وعن ظهر غيب ..
خجلت من نفسي ..
أمسكت مصحفاً ..
أحسست برعشه في أوصالي ..
قرأت ، وقرأت ..
ودعوت الله أن يغفر لي ، ويهديني ..
هذه المره أنا الذي بكى ..
بكيت ..
حزناً ..
وندماً على ما فرطت ..
ولم أشعر إلا بيد حنونه تمسح عني دموعي ..
لقد كان سالم ..
يمسح دموعي ..
ويهدأ من خاطري ..
عدنا إلى المنزل ..
كانت زوجتي قلقه كثيراً على سالم ..
لكن قلقها ..
تحول إلى دموع فرح ..
حين علمت أني ..
صليت الجمعه مع سالم ..
منذ ذلك اليوم ..
لم تفتني صلاة الجماعه في المسجد ..
هجرت رفقاء السوء ..
وأصبحت إلى رفقة خيره عرفتها في المسجد ..
ذقت طعم الإيمان ..
عرفت منهم أشياء ألهتني عن الدنيا ..
لم أفوت حلقة ذكر ، أو قيام ..
ختمت القرآن عدة مرات في شهر ..
وأنا نفس الشخص الذي هجره سنوات ..
رطبت لساني بالذكر ..
لعل الله يغفر لي غيبتي ، وسخريتي من الناس ..
أحسست أني أكثر قرباً من أسرتي ..
اختفت نظرات الخوف والشفقه التي كانت تطل من عيون زوجتي ..
الابتسامه ما عادت تفارق وجه ابني سالم ..
من يرى سالم يظنه ملك الدنيا وما فيها ..
حمدت الله كثيراً ..
وصليت له كثيراً على نعمه ..
ذات يوم ..
قررت أنا وأصحابي ..
أن نتجه إلى أحد المناطق البعيده في برامج دعويه مع مؤسسه خيريه ..
ترددت في الذهاب ..
استخرت الله ..
واستشرت زوجتي ..
توقعت أن ترفض ..
لكن حدث العكس ..
فرحت كثيراً ..
بل شجعتني ..
حين أخبرت سالم عزمي على الذهاب ..
أحاط جسمي بذراعيه الصغيرين فرحاً ..
ووالله لو كان طويل القامه مثلي لما توانى عن تقبيل رأسي ..
بعدها توكلت على الله ..
وقدمت طلب إجازه مفتوحه بدون مرتب ..
والحمد لله جاءت الموافقه بسرعه ..أسرع مما تصورت ..
تغيبت عن البيت ثلاثة أشهر ..
كنت خلال تلك الفتره أتصل كلما سنحت لي الفرصه بزوجتي ..
أحدث أبنائي ..لقد اشتقت لهم كثيراً ..
لكني ..
اشتقت أكثر لسالم ..
تمنيت سماع صوته ..
هو الوحيد الذي لم يحدثني منذ سافرت ، إما أن يكون في المدرسه أو المسجد ساعه اتصالي بهم ..
كلما أحدث زوجتي أطلب منها أن تبلغه سلامي ، وتقبله ..
كانت تضحك حين تسمعني أقول مثل هذا الكلام ..
إلا آخر مره هاتفتها فيها ..
لم أسمع ضحكتها المتوقعه ..
تغير صوتها ..
وقالت لي : إن شاء الله ..
أخيراً ..عدت إلى المنزل ..
طرقت الباب ..
تمنيت أن يفتح سالم لي الباب ..
لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعه من عمره ..
حملته بين ذراعي ، وهو يصيح : بابا ..بابا ..
انقبض صدري حين دخلت البيت ..
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
سعدت زوجتي بقدومي ..
لكن هناك شيء قد تغير فيها ..
تأملتها جيداً ..
إنها نظرات الحزن التي ما كانت تفارقها ..
عادت مره ثانيه إلى عينيها ..
سألتها : ما بك !..
قالت : لا شيء ..
هكذا ردت ..
فجأه تذكرت من نسيته للحظات ..
قلت لها : أين سالم ؟!.
خفضت رأسها ولم تجب ..
لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد الذي ما زال يريد في أذني حتى هذه اللحظه..
قال : أبي ..إن سالم راح عند الله في الجنه ..
قال : أبي ..إن سالم راح عند الله في الجنه ..
لم تتمالك زوجتي الموقف ..
أجهشت بالبكاء ، وخرجت من الغرفه ..
عرفت بعدها أن ..
سالماً أصابته حمى قبل موعد مجيئي بأسبوعين ..
أخذته زوجتي إلى المستشفى ..لازمته يومين ..
وبعد ذلك فارقته الحمى ..
حين فارقت روحه الجسد..
أحسست أنَّ ما حدث ..
ابتلاء واختبار من الله سبحانه وتعالى ..
أجل إنه اختبار ..
وأي اختبار ..
صبرت على مصابي ..
وحمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه ..
ما زلت أحس ..
بيده تمسح دموعي ..
وذراعه تحيطني ..
كم حزنت على سالم الأعمى الأعرج ..
لم يكن أعمى ..
لم يكن أعمى ..
أنا من كنت أعمى ..
حين انسقت وراء رفقة السوء ..
ولم يكن سالم أعرج ..
لأنه استطاع ..
أن يسلك طريق الإيمان رغم كل شيء ..
لا زلت أتذكر كلماته وهو يقول : إن الله { ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ } ..
سالم ..
الذي امتنعت يوماً عن حبه ..
اكتشفت أني أحبه أكثر من أخوانه ..
بكيت كثيراً ..
وما زلت حزيناً ..
كيف لا أحزن ..
وقد كانت هدايتي على يديه ..
كيف لا أحزن ..
وقد كانت هدايتي على يديه ..
اللهم ..تقبل سالم في رحمتك ..
اللهم ..إنا نسألك الثبات حتى الممات ..
طريق المخدرات..
طريق غرق فيه كثير من الشباب ..
إلا من رحم الله ..
يقول الشاب وهو يروي مأساته :
بعد أن أنهيت دراستي الثانويه ..
عملت موظفاً في إحدى الشركات التجاريه ..
وقد فُصلت من العمل لكثرة تغيبي ، وعدم انضباطي..
عملت بعدها أعمالاً مختلفه من بناء ، وتجاره وغيرها ..
حتى استطعت أن أكوّن نفسي ، وأجمع مبلغاً من المال ..
وفي أحد الأيام ..
عرض علي أحد الشباب ..
فكرة السفر إلى إحدى الدول الآسيويه ..
وكان يروي لي مغامراته ومشاهداته ..
كان يجاهر بالمعصيه - والعياذ بالله -..
يقول الشاب : كان صاحبي يحدثني عن المتع المحرمه ..
وكأنه يغريني بالسفر ..
حتى عزمت عليه ..
واستحوذني الشيطان ..
فكان صاحبي أول المرحبين ..
بل تكفل بشراء تذكرة السفر ..
على أن أتكفل أنا هناك ببقية المصاريف ..
وسافرنا ..
هناك رأينا جموعاً من الشباب ..
ليس لهم همّ إلا ..
المتعه المحرمه ..
اليوم ..
الأقصى يشتكي ..
والشباب ..
يغرق في أوحال المعاصي والمنكرات ..
ها هو الأقصى يلوك جراحه
يا ويلنا ماذا أصاب رجالنا
والمسلمون جموعهم آحاد
أوَ ما لنا سعد ولا مقداد
يقول الشاب : رأينا هناك جموعاً من الشباب ..يا ويلنا ماذا أصاب رجالنا
والمسلمون جموعهم آحاد
أوَ ما لنا سعد ولا مقداد
ليس لهم همّ إلا المتعه المحرمه ..
فتعلمت من الشباب ..
- اسمع -..
تعلمت من الشباب ..
التدخين ..
وشرب الخمر ..
ثم الزنا ..
ثم تعاطي المخدرات ..
خضنا في كل الوحول القذره ..
حتى بلغنا الحضيض ..
ثم عدنا..
وبعد فترة ..
جمعنا مبلغاً آخر من المال ..
ثم سافرنا إلى بلد آخر ..
أشد فساداً ..
وجربنا كل شيء ..
وفي إحدى الليالي ..
رفض أحد الشباب إعطائي حقنه المخدرات المعهوده ..
فخرجت من الفندق ، وقابلت مجموعه من المروجين ..
فدعوني إلى مقرهم ..
فذهبت معهم ..
وعرضوا علي أنواعاً كثيره من المخدرات ..
كنت أجهل بعضها ، ومدى تأثيره على الجسم ..
وبعد تعاطي المخدرات ، والمسكرات ..
دعاني أحدهم إلى الغرفة المجاورة ..
لممارسة الزنا ..
بعد أن أمرني بدفع الثمن مقدماً..
وكنت في سكر شديد ..
لا أدري ما أصنع ..
فقبلت العرض ..
ولم أكن أدري أني ..
أمشي برجلي إلى الهاويه ..
ثم بعد أيام ..
عدنا من السفر ..
ومارست حياتي الطبيعيه ..
لكن شبح المخدرات كان يطاردني في كل مكان ..
أصبح شبح المخدرات يطاردني في كل مكان ..
وقد نصحني بعض المخلصين بالتوجه إلى المستشفى لتلقي العلاج ..
فوعدتهم بالذهاب ، ولم أذهب..
توالت السفرات ..
لممارسة تلك الأعمال المشينه..
التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتي البائسه المتدهوره ..
حتى نفذت النقود ..
فاحترفت السرقه من هنا وهناك ..
تعلمت فنون ..
النصب ، والاحتيال ..
حتى أجمع لمتعتي المحرمه ..
وفجأه ..
شعرت بوعكه صحيه ..
فذهبت إلى المركز ..
ذهبت إلى المركز الصحي ..
بحثاً عن العلاج ..
وبعد تحليل عينه من دمي ..
أخبروني بأني ..
حامل لفيروس الإيدز ..
أخبروني أني ..
حامل لفيروس الإيدز ..
فضاقت الدنيا في وجهي ..
يا للهول ..
يا للمصيبه ..
لقد ذهبت تلك اللذات ..
وانقضت تلك المسرات ..
فلم يبق إلا ..
الآلام والحسرات ..
واحسرتاه ..
على أصحاب ..
لم ينفعوني..
واحسرتاه ..
على أحباب ..
لم يشفعولي ..
يا حسرتاه ..
يوم طال السهر ..
ولم أعد زاداً للحفر..
يا حسرتاه ..
على عمر مضى ..
وزمان ولى وانقضى ..
ولم أتقي فيه حرّ لظى ..
يا حسرتاه ..
إذا كُشف الديوان ..
بخطايا اللسان ..
وزلات الجنان ..
وقبيح العصيان ..
يا حسرتاه ..
إذا وُضع الكتاب ..
ونُشر ما فيه من خطأ وصواب ..
وعُرض الشباب ..
يا حسرتاه ..
على صلاة أضعتها ..
وزكاة منعتها ..
وأيام أفطرتها ..
يا حسرتاه ..
على أوقات أهدرتها ..
يا حسرتاه ..
على ذنوب ارتكبتها ..
وفواحش اقترفتها ..
يا حسرتاه ..
يوم ..
لم يلهج لساني بذكره ..
ولم تقم جوارحي بشكره ..
يا حسرتاه ..
يوم يفوز الصالحون بالدرجات ..
يا حسرتاه ..
يوم يهوي الظالمون في الدركات ..
قال سبحانه :
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ }..
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ } ...
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } ..
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ، إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلِيْنَا يُرْجَعُونَ } ..
يقول الشاب :
لقد ذهبت ..
تلك اللذات ..
وانقضت تلك المسرات ..
فلم يبقَ إلا ..
الآلام ، والحسرات ..
لم يبقَ إلا ..
الآثام ، والأوزار ، والتبعات ..
تفنى اللذاذه ممن ذاق صفوتها
تبقى عواقب سوء في مغبتها
من الحرام، ويبقى الإثم والعار
لا خير في لذة من بعدها النار
هذه حكايتي باختصار ..تبقى عواقب سوء في مغبتها
من الحرام، ويبقى الإثم والعار
لا خير في لذة من بعدها النار
وكل ما أعرفه ..
أنني ..
مصاب بمرض الإيدز ..
وأني ..
أنتظر الموت..
وعلى الرغم من أني ..
أسير إلى الموت سيراً سريعاً فلا بأس ..
فقد أفقت من غفوتي ..
وأفقت من غفلتي ..
وأنصح كل شاب عاقل ..
بالالتزام بتعاليم الدين الحنيف..
تلك التعاليم التي ..
لطالما سمعناها ..
ولم نتبعها ..
إنما اتبعنا ..
النفس ..
والهوى ..
والشيطان ..
وقد خاب من ..
( أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني )..
أقول لأخواني الشباب ..
احذروا ..
المخدرات ..
والفواحش ..
والمنكرات ..
فإنها الهلاك الماحق..
احذروا ..
من رفقة السوء ..
فإنهم جنود إبليس اللعين ..
يقول : أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ..
فلعلكم ..
تقرأون كلماتي هذه ..
وأنا تحت التراب ..
فلعلكم ..
تقرأون كلماتي هذه ..
وأنا تحت التراب ..
فاسألوا الله لي الرحمه ..
لعلكم ..
تقرأون كلماتي ..
وأنا تحت التراب ..
قد فارقت الروح الجسد ..
وصعدت الروح إلى باريها ..
اللهم ..
يا من وسعت رحمته كل شيء ..
ارحم عبدك الضعيف المسكين ..
يا ربي : إن عظمت ذنوبي كثرة
إن كان لا يرجوك إلا محسن
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا
فلقد علمتُ بأنَّ عفوك أعظم
فبمن يلوذ ويستجير المجرم
وجميل عفوك ثم أني مسلم
لو رأيت ..إن كان لا يرجوك إلا محسن
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا
فلقد علمتُ بأنَّ عفوك أعظم
فبمن يلوذ ويستجير المجرم
وجميل عفوك ثم أني مسلم
التائب ..
رأيت جفناً مقروحاً ..
تراه في الأسحار ..
على باب الاعتذار مطروحاً..
سمع قول الإله يوحي فيما يوحي :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
التائب ..
مطعمه يسير ..
وحزنه كثير ..
ومزعجه مثير ..
وكأنه أسير قد رُمي مجروحاً ..
ولسان حاله يردد :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
التائب ..
أنحل بدنه الصيام ..
وأتعب قدمه القيام ..
وحلف بالعزم على هجر المنام ..
فبذل بدناً وروحاً ..
وهو يردد :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
التائب ..
الذل قد علاه ..
والحزن قد وهاه ..
يذم نفسه على هواه ..
وبهذا صار ممدوحاً ..
يردد ويعيد :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
التائب ..
يبكي جنايات الشباب ..
التي بها قد اسوَّد الكتاب ..
فإن من يأتي إلى الباب ..
يجد الباب مفتوحاً ..
يردد ويقول قول الله :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
اللهم ..
إنا نسألك ..
التوبة ، ودوامها ..
ونعوذ بك ..
من المعصية ، وأسبابها..
الورقه الثانية:
هدايتي على يديه ..
يقول الشاب :
لم أكن قد بلغت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أول أبنائي ..
ما زلت أذكر تلك الليله ..
كنت سهراناً مع الشله في إحدى الشالهيات ..
كانت سهرة حمراء بمعنى الكلمه ، كما يقولون ..
أذكر ليلتها أني أضحكتهم كثيراً ..
كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد ..
بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه ..
أجل ..كنت أسخر من هذا وذاك ..
لم يسلم أحد مني حتى شلتي ..
صار بعض أصحابي يتجبني كي يسلم من لساني وتعليقاتي اللاذعه ..
تلك الليله ..
سخرت من ..
رجل أعمى ، رأيته يتسول في السوق ..
والأدهى ..
أني وضعت قدمي أمامه ليتعثر ..
تعثر..
وانطلقت ضحكتي التي دوَّت في السوق ..
عدت إلى بيتي متأخراً ..
وجدت زوجتي في انتظاري ..
كانت في حاله يرثى لها ..
أين كنت يا راشد ؟!.
قلت : في المريخ – ساخراً – عند أصحابي بالطبع ..
كانت في حالة يرثى لها ، قالت والعبرة تخنقها : راشد أنا تعبه جداً ..
الظاهر أنَّ موعد ولادتي صار وشيكاً ..
سقطت دمعه صامته على خدها ..
أحسست أني أهملت زوجتي ..
كان المفروض أن أهتم بها وأقلل من سهراتي خاصة أنها في شهرها التاسع ..
قاست زوجتي الآلام يوماً وليلة في المستشفى ..
حتى رأى طفلي النور..
لم أكن في المستشفى ساعتها ..
تركت رقم هاتف المنزل ، وخرجت ..
اتصلوا بي حتى تعلموني الخبر ..
ففعلوا ..
اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم ..
سالم ..
حين وصلت المستشفى طُلب مني أن أراجع الطبيبه ..
أي طبيبه ؟..
المهم الآن أن أرى ابني سالم ..
لا بدّ من مراجعة الطبيبه قالوا لي : أجابتني موظفه الاستقبال بحزم ..
صُدمت حين عرفت أن ..
ابني به تشوه شديد في عينينه ، ومعاق في بصره ..
تذكرت المتسول ..
قلت : سبحان الله كما تدين تدان ..
لم تحزن زوجتي ..
كانت مؤمنه بقضاء الله راضيه ..
طالما نصحتني ..
طالما طلبت مني أن أكف عن تقليد الآخرين ..
كلا هي لا تسميه ..
تقليداً ..
بل غيبه ..
ومعها كل الحق ..
لم أكن أهتم بسالم كثيراً ..
اعتبرته غير موجود في المنزل ..
حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصاله لأنام فيها ..
كانت زوجتي تهتم به كثيراً وتحبه ..
لحظه ..
لا تظنوا أني أكرهه ..
أنا لا أكره ، لكني لم أستطع ان أحبه ..
أقامت زوجتي احتفالاً حين خطا خطواته الأولى ..
وحين أكمل الثانيه اكتشفنا أنه أعرج ..
كلما زدت ابتعاداً عنه ..
زادت زوجتي حباً وتعلقاً بسالم ..
حتى بعد أن أنجبت عمراً ، وخالداً ..
مرت السنوات ..
وكنت لاهٍ غافل ..
غرتني الدنيا وما فيها ..
كنت كاللعبه في يد رفقة السوء ..
مع أني كنت أظن أني من يلعب عليهم ..
لم تيأس زوجتي من إصلاحي ..
كانت دائماً تدعو لي بالهدايه ..
لم تغضب من تصرفاتي الطائشه ..
أو إهمالي لسالم ،واهتمامي بباقي أخوته ..
كبر سالم ..
ولم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحد المدارس الخاصه بالمعاقين ..
لم أكن أحس بمرور السنوات ..
أيامي سواء ليلي ونهاري ..
عمل ونوم ..
طعام وسهر ..
حتى ذلك اليوم ..
كان يوم الجمعه ..
استيقظت الساعه الحاديه عشره ظهراً ..
ما يزال الوقت مبكراً أقول ..
لكن لا يهم ..
أخذت دشاً سريعاً ..
لبست ، وتعطرت ، وهممت بالخروج ..
استوقفتني منظره ..
منظر سالم ..
كان يبكي بحرقه ..
إنها المره الأولى التي أرى فيها سالم يبكي مذ كان طفلاً ..
أأخرج ، أم أرى مما يشكو سالم ؟!..
قلت : لا ..كيف أتركه وهو في هذه الحاله ..
أهو الفضول أم الشفقه ..
لا يهم ..
سألته : لماذا تبكي يا سالم ؟..
حين سمع صوتي توقف ..
بدأ يتحسس ما حوله ..
ما به يا ترى ؟!.
اكتشفت أن ابني يهرب مني ..
الآن أحسست به ..
أين كنت منذ عشر سنوات ..
تبعته ..كان قد دخل غرفته ..
رفض أن يخبرني في البدايه سبب بكائه ..
وتحت إصراراي ..
عرفت السبب ..
تأخر عليه شقيقه عمر الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد ..
اليوم الجمعه ..
خاف سالم أن لا يجد مكاناً في الصف الأول ..
نادى والدته لكن لا مجيب حينها..
حينها وضعت يدي على فمه كأني أطلب منه أن يكف عن حديثه وأكملت ..
حينها بكيت يا سالم ..
لا أعلم ما الذي دفعني لأقول له :سالم لا تحزن ..
هل تعلم من سيرافقك اليوم إلى المسجد ؟..
أجاب سالم : أكيد عمر ..ليتني أعلم إلى أين ذهب ..
قلت : لا يا سالم ..
أنا من سيرافقك ..
أنا من سيرافقك ..
استغرب سالم ..
لم يصدق ..
ظنَّ أني أسخر منه ..
عاد إلى بكائه ..
مسحت دموعه بيدي ..
وأمسكت بيده ..
أردت أن أوصله بالسياره ، رفض قائلاً : أبي المسجد قريب ..
أريد أن أخطو إلى المسجد ..
فإني أحتسب كل خطوه أخطوها..
يقول : لا أذكر متى آخر مره دخلت فيها المسجد ..
ولا أذكر آخر مرة التي سجدت فيها لله سجده ..
هي المره الأولى التي أشعر فيها ..
بالخوف والندم..
الندم ..
على ما فرطت طوال السنوات الماضيه ..
مع أنَّ المسجد كان مليئاً بالمصلين ..
إلا أني وجدت لسالم مكاناً في الصف الأول..
استمعنا لخطبة الجمعه معاً ..وصليت بجانبه ..
بعد انتهاء الصلاه ..
طلب مني سالم مصحفاً ..
استغربت..
كيف سيقرأ وهو أعمى ..
هذا ما تردد في نفسي ولم أصرح به خوفاً من جرح مشاعره ..
طلب مني أن أفتح له المصحف على سورة الكهف ..
نفذت ما طلب ..
وضع المصحف أمامه ، وبدأ في قراءة السوره ..
يالله ..
إنه يحفظ صورة الكهف كامله ، وعن ظهر غيب ..
خجلت من نفسي ..
أمسكت مصحفاً ..
أحسست برعشه في أوصالي ..
قرأت ، وقرأت ..
ودعوت الله أن يغفر لي ، ويهديني ..
هذه المره أنا الذي بكى ..
بكيت ..
حزناً ..
وندماً على ما فرطت ..
ولم أشعر إلا بيد حنونه تمسح عني دموعي ..
لقد كان سالم ..
يمسح دموعي ..
ويهدأ من خاطري ..
عدنا إلى المنزل ..
كانت زوجتي قلقه كثيراً على سالم ..
لكن قلقها ..
تحول إلى دموع فرح ..
حين علمت أني ..
صليت الجمعه مع سالم ..
منذ ذلك اليوم ..
لم تفتني صلاة الجماعه في المسجد ..
هجرت رفقاء السوء ..
وأصبحت إلى رفقة خيره عرفتها في المسجد ..
ذقت طعم الإيمان ..
عرفت منهم أشياء ألهتني عن الدنيا ..
لم أفوت حلقة ذكر ، أو قيام ..
ختمت القرآن عدة مرات في شهر ..
وأنا نفس الشخص الذي هجره سنوات ..
رطبت لساني بالذكر ..
لعل الله يغفر لي غيبتي ، وسخريتي من الناس ..
أحسست أني أكثر قرباً من أسرتي ..
اختفت نظرات الخوف والشفقه التي كانت تطل من عيون زوجتي ..
الابتسامه ما عادت تفارق وجه ابني سالم ..
من يرى سالم يظنه ملك الدنيا وما فيها ..
حمدت الله كثيراً ..
وصليت له كثيراً على نعمه ..
ذات يوم ..
قررت أنا وأصحابي ..
أن نتجه إلى أحد المناطق البعيده في برامج دعويه مع مؤسسه خيريه ..
ترددت في الذهاب ..
استخرت الله ..
واستشرت زوجتي ..
توقعت أن ترفض ..
لكن حدث العكس ..
فرحت كثيراً ..
بل شجعتني ..
حين أخبرت سالم عزمي على الذهاب ..
أحاط جسمي بذراعيه الصغيرين فرحاً ..
ووالله لو كان طويل القامه مثلي لما توانى عن تقبيل رأسي ..
بعدها توكلت على الله ..
وقدمت طلب إجازه مفتوحه بدون مرتب ..
والحمد لله جاءت الموافقه بسرعه ..أسرع مما تصورت ..
تغيبت عن البيت ثلاثة أشهر ..
كنت خلال تلك الفتره أتصل كلما سنحت لي الفرصه بزوجتي ..
أحدث أبنائي ..لقد اشتقت لهم كثيراً ..
لكني ..
اشتقت أكثر لسالم ..
تمنيت سماع صوته ..
هو الوحيد الذي لم يحدثني منذ سافرت ، إما أن يكون في المدرسه أو المسجد ساعه اتصالي بهم ..
كلما أحدث زوجتي أطلب منها أن تبلغه سلامي ، وتقبله ..
كانت تضحك حين تسمعني أقول مثل هذا الكلام ..
إلا آخر مره هاتفتها فيها ..
لم أسمع ضحكتها المتوقعه ..
تغير صوتها ..
وقالت لي : إن شاء الله ..
أخيراً ..عدت إلى المنزل ..
طرقت الباب ..
تمنيت أن يفتح سالم لي الباب ..
لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعه من عمره ..
حملته بين ذراعي ، وهو يصيح : بابا ..بابا ..
انقبض صدري حين دخلت البيت ..
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
سعدت زوجتي بقدومي ..
لكن هناك شيء قد تغير فيها ..
تأملتها جيداً ..
إنها نظرات الحزن التي ما كانت تفارقها ..
عادت مره ثانيه إلى عينيها ..
سألتها : ما بك !..
قالت : لا شيء ..
هكذا ردت ..
فجأه تذكرت من نسيته للحظات ..
قلت لها : أين سالم ؟!.
خفضت رأسها ولم تجب ..
لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد الذي ما زال يريد في أذني حتى هذه اللحظه..
قال : أبي ..إن سالم راح عند الله في الجنه ..
قال : أبي ..إن سالم راح عند الله في الجنه ..
لم تتمالك زوجتي الموقف ..
أجهشت بالبكاء ، وخرجت من الغرفه ..
عرفت بعدها أن ..
سالماً أصابته حمى قبل موعد مجيئي بأسبوعين ..
أخذته زوجتي إلى المستشفى ..لازمته يومين ..
وبعد ذلك فارقته الحمى ..
حين فارقت روحه الجسد..
أحسست أنَّ ما حدث ..
ابتلاء واختبار من الله سبحانه وتعالى ..
أجل إنه اختبار ..
وأي اختبار ..
صبرت على مصابي ..
وحمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه ..
ما زلت أحس ..
بيده تمسح دموعي ..
وذراعه تحيطني ..
كم حزنت على سالم الأعمى الأعرج ..
لم يكن أعمى ..
لم يكن أعمى ..
أنا من كنت أعمى ..
حين انسقت وراء رفقة السوء ..
ولم يكن سالم أعرج ..
لأنه استطاع ..
أن يسلك طريق الإيمان رغم كل شيء ..
لا زلت أتذكر كلماته وهو يقول : إن الله { ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ } ..
سالم ..
الذي امتنعت يوماً عن حبه ..
اكتشفت أني أحبه أكثر من أخوانه ..
بكيت كثيراً ..
وما زلت حزيناً ..
كيف لا أحزن ..
وقد كانت هدايتي على يديه ..
كيف لا أحزن ..
وقد كانت هدايتي على يديه ..
اللهم ..تقبل سالم في رحمتك ..
اللهم ..إنا نسألك الثبات حتى الممات ..
تعليق