إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر

    البلاء وتفريج الكروب.

    يقول ابن الجوزي: ” من أراد أن تدوم له السلامة والعافية من غير بلاء فما عرف التكليف ولا أدرك التسليم “.

    ولابد من حصول الألم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت، والحياة مبنية على المشاق وركوب الأخطار ولا يطمع أحد أن يخلص من المحنة والألم، والمرء يتقلب في زمانه في تحول النعم واستقبال المحن، آدم عليه السلام سجدت له الملائكة ثم بعد برهة يُخرج من الجنة.

    وما الابتلاء إلا عكس المقاصد وخلاف الأماني ومنع الملذات، والكل حتماً يتجرع مرارته ولكن ما بين مقل ومستكثر، يبتلى المؤمن ليهذب لا ليعذب، فتن في السراء ومحن في الضراء ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168]
    .

    والمكروه قد يأتي بالمحبوب، والمرغوب قد يأتي بالمكروه، فلا تأمن أن توافيك المضرة من جانب المسرة، ولا تيأس أن تأتيك المسرة من جانب المضرة، قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ[البقرة:216].

    فوطن نفسك على المصائب قبل وقوعها ليهن عليك وقوعها ولا تجزع بالمصاب فللبلايا أمد محدود عند الله، ولا تسخط بالمقال فرب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان، والمؤمن الحازم يثبت للعظائم ولا يتغير فؤاده ولا ينطق بالشكوى لسانه، وخفف المصاب على نفسك بوعد الأجر وتسهيل الأمر لتذهب المحن بلا شكوى.

    وما زال العقلاء يظهرون التجلد عند المصاب لئلا يتحملوا مع النوائب شماتة الأعداء، والمصيبة إن بدت لعدو سرَّ بها وفرح، وكتمان المصائب والأوجاع من شيم النبلاء، فصابر هجير البلاء فما أسرع زواله، وغاية الأمر صبر أيام قلائل، وما هلك الهالكون إلا من نفاذ الجلد، والصابرون مجزيون بخير الثواب ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:96] وأجورهم مضاعفة ﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا[القصص:54] بل وأجورهم مضاعفة بلا حساب والله معهم والنصر والفرج معلق بصبرهم.

    وما منعك ربك أيها المُبتلى إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا امتحنك إلا ليصطفيك، يبتلي بالنعم، وينعم بالبلاء، فلا تضيع زمانك بهمّك بما ضمن لك من الرزق فما دام الأجل باقياً كان الرزق آتياً، قال تعالى: ﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود:6]، وإذا أغلق عليك بحكمته طريقاً من طرقه فتح لك برحمته طريقاً أنفع لك من الابتلاء يرفع شأن الصالحين وبعظم أجرهم.

    يقول سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ قال: { الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة } [رواه البخاري].

    وطريق الابتلاء معبر شاق، تعب فيه آدم، ورمي في النار الخليل، واضجع للذبح إسماعيل، وألقي في بطن الحوت يونس، وقاس الضر أيوب، وبيع بثمن بخس يوسف، وألقي في الجب إفكاً وفي السجن ظلماً، وعالج أنواع الأذى نبينا محمد - -، وأنت على سنة الابتلاء سائر.

    والدنيا لم تصف لأحد ولو نال منها ما عساه أن ينال يقول النبي - -: { من يرد الله به خيراً يصب منه } [رواه البخاري] قال بعض أهل العلم: ” من خلقه الله للجنة لم تزل تأته المكاره “.

    والمصيبة حقاً إنما هي المصيبة في الدين وما سواها من المصائب فهي عافية، فيها رفع الدرجات، وحط السيئات، والمصاب من حُرم الثواب، فلا تأس على ما فاتك من الدنيا فنوازلها أحداث وأحاديثها غموم وطوارقها هموم، الناس معذبون فيها على قدر همهم بها، الفرح بها هو عين المحزون عليه، آلامها متولدة من لذاتها، وأحزانها من أفراحها.

    يقول أبو الدرداء: ” من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها ولا ينال ما عنده إلا بتركها “، فتشاغل بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك من رفع خلل أو اعتذار عن زلل أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب وتلمح سرعة زوال بليتك تهن فلولا كرب الشدة ما رجيت ساعة الراحة، وأجمع اليأس مما في أيدي الناس تكن أغناهم، ولا تقنط فتخذل وتذكر كثرة نعم الله عليك، وادفع الحزن بالرضا بمحتوم القضاء فطول الليل وإن تناهى فالصبح له انفلاج، وآخر الهم أول الفرج، والدهر لا يبقى على حال بل كل أمر بعده أمر وما من شدة إلا ستهون، ولا تيأس وإن تضايقت الكروب فلن يغلب عسر يسرين، واضرع إلى الله يسرع نحوك بالفرج، وما تجرع كأس الصبر معتصم بالله إلا أتاه المخرج.

    يعقوب - عليه السلام - لما فقد ولداً وطال عليه الأمد لم ييأس من الفرج، ولما أُخذ ولده الآخر لم ينقطع أمله من الواحد الأحد، بل قال عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً، وربنا وحده له الحمد وإليه المشتكى فلا ترجو إلا إياه في رفع مصيبتك ودفع بليتك، وإذا تكالبت عليك الأيام وأغلقت في وجهك المسالك والدروب وإذا ليلة اختلط ظلامها وأرخى الليل سربال سترها قلب وجهك في ظلمات الليل في السماء وارفع أكف الضراعة وناد الكريم أن يفرج كربك، ويسهل أمرك وإذا قوى الرجاء وجمع القلب الدعاء لم يرد النداء ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ[النمل:62] وتوكل على القدير والجأ إليه بقلب خاشع ذليل يفتح لك الباب، يقول الفضيل بن عياض: ” لو يئست من الخلق لا تريد منهم شيئاً لأعطاك مولاك كل ما تريد “.

    إبراهيم - عليه السلام - ترك هاجر وابنه إسماعيل بواد لا زرع فيه ولا ماء فإذا هو نبي يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وما ضاع يونس مجرداً في العراء، ومن فوّض أمره إلى مولاه حاز مناه.

    وأكثر من دعاء ذي النون ﴿ لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ[الأنبياء:87]

    يقول العلماء: ” ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه “، يقول ابن القيم: ” وقد جُرب من قال: رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين سبع مرات كشف الله ضره “.

    فألق كنفك بين يدي الله وعلق رجاءك به وسلم الأمر للرحيم واسأله الفرج واقطع العلائق عن الخلائق وتحر أوقات الإجابة كالسجود وآخر الليل، وإياك أن تستطيل زمن البلاء وتضجر من كثرة الدعاء فإنك مبتلى بالبلاء متعبد بالصبر والدعاء، ولا تيأس من روح الله وإن طال البلاء فالفرج قريب، وسل فاتح الأبواب فهو الكريم وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وهو الفعال لما يريد، بلغ زكريا - عليه السلام - من الكبر عتياً ثم وُهب بسيد من فضلاء البشر وأنبيائهم، وإبراهيم بشر بولد وامرأته تقول عن حالها أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً، وإن استبطأت الرزق فأكثر من التوبة والاستغفار فإن الزلل يوجب العقوبة، وإذا لم تر للإجابة أثراً فتفقد أمرك فربما لم تصدق توبتك فصححها ثم أقبل على الدعاء فلا أعظم جوداً ولا أسمح يداً من الجواد، وتفقد ذوي المسكنة فالصدقة ترفع وتدفع البلاء، وإذا كُشفت عنك المحنة فأكثر من الحمد والثناء، واعلم أن الاغترار بالسلامة من أعظم المحن فإن العقوبة قد تتأخر والعاقل من تلمح العواقب فأيقن دوماً بقدر الله وخلقه وتدبيره واصبر على بلائه وحكمه واستسلم لأمره.

    فالزمان لا يثبت على حال والسعيد من لازم التقوى، إن استغنى زانته وإن افتقر أغنته وإن ابتلى جملته، فلازم التقوى في كل حال فإنك لا ترى في الضيق إلا السعة، ولا في المرض إلا العافية، ولا في الفقر إلا الغنى، والمقدور لا حيلة في دفعه، وما لم يُقدر لا حيلة في تحصيله، قال تعالى: ﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[التوبة:51] والرضا والتوكل يكتنفان المقدور، والله هو المتفرد بالاختيار والتدبير، وتدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وهو أرحم به منه بنفسه.

    يقول داود بن سليمان - رحمه الله -” يُستدل على تقوى المؤمن بثلاث: حسن التوكل فيما لم ينل، وحسن الرضا فيما قد نال، وحسن الصبر فيما قد فات “.

    ومن رضي باختيار الله أصاب القدر وهو محمود مشكور ملطوف به، وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به، ومع هذا فلا خروج عما قدر عليك.

    قيل لبعض الحكماء ما الغنى؟ قال: قلة تمنيك ورضاك بما يفكيك.

    وقال شريح - رحمه الله -: ما أصيب عبد بمصيبة إلا كان لها فيها ثلاث نعم: أنها لم تكن في دينه، وأنها لم تكن أعظم مما كانت، وأنها لا بد كائنة وقد كانت.
    منقول

    التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الرحمن .; الساعة 04-10-2013, 07:28 PM. سبب آخر: تنسيق الخط ، بارك الله فيكم ونفع بكم .

    اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

  • #2
    رد: فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر

    وقال شريح - رحمه الله -: ما أصيب عبد بمصيبة إلا كان لها فيها ثلاث نعم: أنها لم تكن في دينه، وأنها لم تكن أعظم مما كانت، وأنها لا بد كائنة وقد كانت.
    جزاكم الله خيرا كثيرا ..
    موضوع رائع اللهم بارك ...
    نسال الله ان يرضنا بقضاءه حلوه ومره وان يقربنا اليه
    " حَسبُنا الله سَيُؤتِينا الله مِن فضْلِه إنّا إلَى الله رَآغِبُونَ"
    يقول عن هذه الآية الشيخ / صآلح المغآمسي ..إنها دُعــآء المُعجِزات، ويقول: والله متى ما دعوت الله بصدق وكنت في مأزق إلا وجاء الفرج من حيث لا أعلم،، وقال ابن باز رحمه الله: مادعوت بهذا الدعاء بعد التشهد الأخير. في أمر عسير إلا تيسّر

    تعليق


    • #3
      رد: فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر

      المشاركة الأصلية بواسطة المشتاقة لله مشاهدة المشاركة


      جزاكم الله خيرا كثيرا ..
      موضوع رائع اللهم بارك ...
      نسال الله ان يرضنا بقضاءه حلوه ومره وان يقربنا اليه
      اللهم امين
      جزاك الله المثل

      اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

      تعليق


      • #4
        رد: فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر

        موضوع رائع جداااا

        جزاكِ الله خيرا

        وبارك الله فيكِ
        وآآآآه يا أبي بكر هل لي من لقياك نصيب
        رضي الله عنك وأرضاك


        تعليق


        • #5
          رد: فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر

          المشاركة الأصلية بواسطة امة الرحمن/فاطمة مشاهدة المشاركة
          موضوع رائع جداااا

          جزاكِ الله خيرا
          وجزاكم الله المثل وبارك فيك

          وبارك الله فيكِ

          اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

          تعليق


          • #6
            رد: فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر

            جـزاكِ الله خيرا واثابكِ الجنـة
            اللهم اجعلنا من عبادك الصابريـن الشاكريـن
            قال رسول الله صل الله عليه وسلم من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة


            تعليق


            • #7
              رد: فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر


              جزاكم الله خيرا

              (( يا بنيّ أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إنّ ذلك من عزم الأمور ))

              *البحث عن المواضيع التي كتبها نوّر حياتك*



              تعليق


              • #8
                رد: فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر

                جزاكم الله خيراورزقكم الله الجنة
                وجعلنا الله من عباده الصابرين الشاكرين

                استغُفِركَ ربّي مِن كُل نية سيئة جَالت في صُدورنا
                ومِن كُل عًمل سئ تَضيقُ به قبورنًا




                تعليق


                • #9
                  رد: فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر

                  جزاك الله كل خير

                  دخول متقطع لظروف الإجازة
                  اللهم احفظ أهلنا في غزة

                  تعليق


                  • #10
                    رد: فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر

                    موضوع رائع ومتميــز
                    راق لي كثيراً
                    جزاكِ الله خيــراً


                    لا تسأل الليل المسافر كم بقي
                    هوّن عليك فلست أول من شقي
                    هوّن عليك فلستَ أول صادقٍ
                    يرميه إحساس الظنون بمأزقِ

                    هوّن عليك وقُل خطيئة مُحسنٍ
                    رام الوفاء, فكان غير مُوفّقِ !

                    تعليق


                    • #11
                      رد: فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر

                      جزاكِ الله خير الجزاء اختنا .

                      جعله الله في ميزان حسناتكِ .

                      يتم نقله لقسم فضفضة الأخوات فهو أنسب هناك .
                      القمم .. لأهل الهمم ، ومن هجر الرقاد سبق العباد

                      ----
                      من نذر نفسه لخدمة دين الله سيعيش متعبًا ولكن سيحيا كبيرًا؛
                      فالحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله .
                      ________

                      خاب وخسر من أبتعد عن خدمة دين الله .






                      تعليق


                      • #12
                        رد: فقه الابتلاء من كتاب صيد الخاطر

                        جميل ربنا يبارك فيكِ
                        ويرزقنا وإياكم الرضا والرضوان
                        "أنت وليي في الدنيا والآخرة "
                        إذا صحَّ مِنـكَ الوِدُّ فالكُلُّ هَيّـنٌ
                        وكُـلُّ الذي فـوقَ التُّرابِ تُرابُ

                        تعليق

                        يعمل...
                        X