يا رب جئتك الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
يا رب جئتك
قلها أيها الأخ المبارك قوليها أيتها الأخت المباركة ليقولها الصغير والكبير والذكر والأنثى والحاكم والمحكوم كل أحد الأرض اقشعرت والسماء أظلمت وفي البر والبحرفساد ظهر كثرت الفتن وذهبت البركات وقلت الخيرات قست القلوب ضعف الإيمان وقل النصير فتوراً بدء ووهن إلى القلب تسرب فإلى من نشتكي؟ وإلى من نفر ؟ وإلى من نلجأ؟ إليه نشكو وله نفر وما من ملجأ ولا منجا إلا منه وإليه0
كان الأمير " موسى بن سليمان الهاشمي " من أنعم أبناء أبيه عيشاً " ، وأرخاهم بالاً ، يعطى نفسه مرادها من جميع اللذات!!، وكان شاباً جميلاً وسيماً ، مع ثرائه الواسع وغناه الوافر يجرى عليه من ضياعه وعقاراته كل عام قرابة ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف درهم ، وكانت له قبة على موضع عال، يجلس فيها بالعشيات ينظر إلى الناس، وإلى بساتينه وأراضيه، وكانت تلك القبة من العاج مخروطة من أنياب الفيل مضببة بالفضة قد طلى بالذهب وعلق من القبة سلسلة ذهب منظومة بالجواهر واللؤلؤ، تضيء القبة من الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، والعقيق الأصفر، كل حبة كالجوزة، وعلق على الأبواب المشرعة الستور المضربة الموشاة المنسوجة بالذهب، ومعه في القبة ندماؤه واصدقاؤه، والمجامر منصوبة لا ترفع عن البخور، وقد وقف على رأسه الخدم بأيديهم المراوح، ووقف المغنيات والراقصات بحذائه في مجلس خارج القبة يراهن، فإذا نظر عن يمينه رأى نديماً قد اصطفاه،وإن نظر عن يساره رأىأخا وصفياً قد اجتباه، وإن رفع طرفه نظر إلى خدم قيام قد اختارهم ، فإن تكلم سكتوا ، وإن قدم قاموا، هذا دأبه وحاله إلى أن يذهب الليل ويذهب عقله، فيخرج الندماء ويخلو مع الوصفاء والمغنيات، فإذا أصبح اشتغل بالنظر إلى لعابين بين يديه بالنرد والشطرنج ، لا يذكر بين يديه موت ولا سقم ولا مرض، فبينما هو في قبته تلك ذات ليلة وحول الندماء والوصفاء ، وقد مضى بعض الليل، إذ سمع نغمة من حلق ندي شجي، خلاف ما يسمع من مطربيه، فأخذت بمجاميع قلبه، وسلبت فؤاده ، فأشار إلى من حوله: أن اسكتوا، وأخرج رأسه من نافذة يتسمع الصوت الذي وقع بقلبه 0 ثم صاح بغلمانه : اطلبوا صاحب هذا الصوت، فخرج الغلمان يطوفون فإذا هم بشاب نحيل الجسم، شعت الرأس، حافي القدمين قائم في المسجد يناجي ربه ويصلي ويقرأ القرآن ، فأخذوه وأدخلوه على الأمير، وأخبروه أنهم وجدوه في المسجد قائماً يصلي !! فقال الأمير لذلك الشاب : ما كنت تقرأ؟ !! قال : كلام الله !!قال : فأسمعني بتلك النغمة، فقرأ الشاب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم } إن الأبرار لفي نعيم { إلى قوله } يشرب بها المقربون{ ( المطففين :22 – 28) ثم قال له : أيها الأمير المغرور، إنها خلاف مجلسك وفرشك، إنها أرائك مفروشة بفرش مرفوعة } بطائنها من استبرق { ، } على رفرف خضر وعبقري حسان { ، يشرف ولي الله منها على عينين تجريان في جنتين } فيهما من كل فاكهة زوجان {،} لا مقطوعة ولا ممنوعة { ، } في ظلال وعيون ، } أكلها دائم وظلها تلك عقبي الذين اتقوا وعقبي الكافرين النار { ، } لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون { ، } في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر { ، }يود المجرم لو يفتدي من عذاب يؤمئذ ببنيه{ ، وهم في جهد جهيد وعذاب شديد ، ومقت من رب العالمين!!
فقام الأمير الهاشمي من مجلسه، وعانق الشاب وبكى ، وصاح بندمائه: انصرفوا عني، وخرج إلى صحن داره، وقعد على حصير ، مع ذلك الشاب ينوح ويبكي على شبابه وذنوبه الماضيات، والشاب يعظه وينصحه إلى أن أصبح وقد عاهد إلى الله إلا يعود إلى المعاصي أبداً ، ثم رد المظالم إلى أهلها، وأعتق عبيدة وجواريه وتصدق بالكثير من أمواله، ثم اجتهد في العبادة ، فكان يصوم النهار ويقوم الليل، حتى كان إخوانه الصالحون يعاتبونه ويقولون له: ارفق بنفسك فإن المولى كريم ، يشكر اليسير ، ويثيب على الكثير ، فكان يقول لهم: يا قوم أنا أعرف بنفسي إن جرمي عظيم ،فقد عصيت مولاي بالليل والنهار، وكان يبكي كثيراً ، ثم إنه خرج إلى البيت الحرام حاجاً وكان يدخل الحجر بالليل ينوح على نفسه ويقول : سيدي لم أراقبك في خلواتي، سيدي ذهبت شهواتي وبقيت تبعاتي وحسراتي فالويل لي يوم ألقاك، والويل كل الويل من صحيفتي إذا نشرت مملوءة من فضائحي وخطاياي، بل حل بي الويل من مقتك إياي وتوبيخك لي في إحسانك إلي ومقابلتي نعمتك بالمعاصي، وأنت مطلع على أفعالي، سيدي إني لا أستحق أن أسألك الجنة ، بل أسألك بجودك وكرمك وتفضلك أن تغفر لي وترحمني، فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة.
قال " محمد بن السماك" : فبينا أنا ذات ليلة في الطواف إذ سمعت نغمته وبكاءه، فحركني وأقلقني فاقتربت منه وسألته، فعرفني وحكى لي قصة توبته، ثم أخذني معه إلى غرفته وقال لي: مازلت متشوقاً إلى لقائك حتى تداوي جرحي بمرهم كلامك، فقلت له: اجعل الموت نصب عينيك ، واعلم أن بين يديك عقبة عليها المسلك غداً ، لا يقطعها إلا الورعون عن محارم الله تعالى، فأعد العدة والجواب فإنك قادم لا محالة على أحكم الحاكميين وديان يوم الدين ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وهو (أي الهاشمي) في كل منصت يسمع ثم اطرق شبه المفكر، فقمت من عنده وخرجت فلما أصبح الصباح، تصرفت في حوائجي فدخل على وقت الظهر وأنا في الطواف ، وإذا الناس يتراكضون نحو باب الصفا، فقلت: ما الخبر قالوا : جنازة غريب، فخرجت وصليت على تلك الجنازة وقلقت على صاحبي الهاشمي فذهبت فوري، إلى تلك الدار وسألت عنه فقالوا: أجرك الله، ألم تشهد جنازته، ألست صاحبه البارحة، قلت: نعم قالوا: إنك لم خرجت من عنده لم يزل يقول: فؤادي ، فؤادي ذنبي ذنبي إلى أن مضى عامة الليل وهو يبكي ثم سكن فلما أصبح انبهناه للصلاة فإذا هو فارق الدنيا، ولم يشهد خروج روحه أحد ولم يغمض.
فقلت لهم: وهل عرفتموه؟ قالوا: لا، كان غريباً من الحجاج نزل عندنا، ما رأينا ولا سمعنا بمثله، نهاره صائم لله تعالى وليله قائم يصلي ، ويبكي وينوح على نفسه كأن ذنوب العباد هو المطالب بها. [ من كتاب التوابين لابن قدامه]
لك الحمد حمداً طيباً يملأ السماء
لك الحمد حمداً سرمدياً مباركاً
لك الحمد مقروناً بشكرك دائماً
لك الحمد حمداً طيباً أنت أهله
لك الحمد كم قلدتنا من صنيعة
وأقطارها والأرض والبر والبحرا
يقل مداد البحر عن كتبه حصراً
لك الحمد في الأولى لك الحمد في الأخرى
على كل حال يشمل السر والجهرا
وأبدلتنا بالعسر يا ربنا يسراً
يا رب جئتك سبحانك يا من أتتك الأرض والسماء طائعة وتطامنت الجبال لعظمتك خاشعةً ووكفت العيون عند ذكرك دامعة، ترنم الرعد بتسبيحك لمع البرق بتمجيدك، شدا الطير بذكرك هدل الحمام بشكرك عبادتك شرف والذل لك عزة والافتقار إليك غنى والتمسكن لك قوة محاربتك خذلان والكفر بك لعنه والتنكر لجميلك عذابلك الحمد حمداً سرمدياً مباركاً
لك الحمد مقروناً بشكرك دائماً
لك الحمد حمداً طيباً أنت أهله
لك الحمد كم قلدتنا من صنيعة
وأقطارها والأرض والبر والبحرا
يقل مداد البحر عن كتبه حصراً
لك الحمد في الأولى لك الحمد في الأخرى
على كل حال يشمل السر والجهرا
وأبدلتنا بالعسر يا ربنا يسراً
الله أكبر بكرةً وأصيلاً
الله أكبر كلما هتفت به
الله أكبر ما تطوف محرمٌ
الله أكبر في السماوات العلى
وله الثناء مرتلاً وجميلاً
مهج العباد وسبحته طويلاً
بالبيت أو لبى له تبتيلاً
والأرض حيث تجاوبت تهليلاً
ابن آدم ، يا مدبرالعمر يا صريع الدهر يا ساكن مساكن الموتى يا مؤمل ما لا يدرك السالك سبيل من قد هلك يا عرض الأسقام يا رهينة الأيام يا رمية المصائب يا عبد الدنيا يا تاجر الغرور يا غريم المنايا يا أسيرالموت يا خليفة الأحزان يا نهب الآفات يا صريع الشهوات يا خليفة الأموات ، يا بن التراب ومأكول التراب غداً ، يارب جئتك منك الفرار وإليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك الله أكبر كلما هتفت به
الله أكبر ما تطوف محرمٌ
الله أكبر في السماوات العلى
وله الثناء مرتلاً وجميلاً
مهج العباد وسبحته طويلاً
بالبيت أو لبى له تبتيلاً
والأرض حيث تجاوبت تهليلاً
إنا محبوه آثرنا الحياة له
إن كان حبي جنوناً بئسما زعموا
قالوا اتخذ لك جاهاً تستعين به
فلا نلام على إحياء تقواه
يارب زدني جنوناً أنت منحاه
قلت أتخذت فكفوا حسبي الله
وصدق الله } ورحمتي وسعت كل شيء{إن كان حبي جنوناً بئسما زعموا
قالوا اتخذ لك جاهاً تستعين به
فلا نلام على إحياء تقواه
يارب زدني جنوناً أنت منحاه
قلت أتخذت فكفوا حسبي الله
يا رب جئتك
قلها أيها الأخ المبارك قوليها أيتها الأخت المباركة ليقولها الصغير والكبير والذكر والأنثى والحاكم والمحكوم كل أحد الأرض اقشعرت والسماء أظلمت وفي البر والبحرفساد ظهر كثرت الفتن وذهبت البركات وقلت الخيرات قست القلوب ضعف الإيمان وقل النصير فتوراً بدء ووهن إلى القلب تسرب فإلى من نشتكي؟ وإلى من نفر ؟ وإلى من نلجأ؟ إليه نشكو وله نفر وما من ملجأ ولا منجا إلا منه وإليه0
بك استجير ومن يجير سواكا
إني ضعيف استعين على قوى
أذنبت يا ربي وآذتني ذنوبٌ
أنا كنت يا ربي أسير غشاوةٍ
واليوم يا ربي مسحت غشاوتي
يا غافر الذنب العظيم وقابلاً
أترده وترد صادق توبتي
يا رب جئتك نادماً أبكي على
أخشى من العرض الرهيب عليك يا
يا ربِ عدت إلى رحابك تائباً
مالي وما للأغنياء وأنت يا
ومالي و ما للأقوياء وأنت يا
مالي وأبواب الملوك وأنت من
إني أويت لكل مأوى في الحياة وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة
وبحثت عن سر السعادة جاهداً
فليرض عني الناس أو فليسخطوا
أدعوك يا ربي لتغفرحوبتي
فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي
فأجرضعيفاً يحتمي بحماكا
ذنبي ومعصيتي ببعض قواكا
مالها من غافر إلا كا
رانت على قلبي فضل سناكا
وبدأت بالقلب البصير أراكا
للتوب قلب تائبٌ ناجاكا
حاشاكا ترفض تائباً حاشاكا
ما قدمتهُ يداي لا أتباكا
ربي وأخشى منك إذ ألقاكا
مستسلماً مستمسكاً بعراكا
رب الغني ولا يحد غناكا
ربي ورب الناس ما أقواكا
خلق الملوك وقسم الأملاكا
فما رأيت أعز من مأواكا
فلم تجد منجى سوى منجاكا
فوجدت هذا السر في تقواكا
أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
وتعينني وتمدني بهداكا
ما خاب يوماً من دعا ورجاكا
هيا أيها التائبون رياح الأسحار تحمل أنيناً وظلمات الليل وضوء النهار ترتفع بأنفاسكم أرفعوا قصص الإعتذار مضمونها يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ليأتي التوقيع عليها لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين وأعلم أنه من صفا صفي له ومن كدَر كُدِر عليه ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله وإنما يكال للعبد كما كال ومن صحت بدايته صحت نهايته ذكر ابن قدامه في كتابه التوابين، قال إني ضعيف استعين على قوى
أذنبت يا ربي وآذتني ذنوبٌ
أنا كنت يا ربي أسير غشاوةٍ
واليوم يا ربي مسحت غشاوتي
يا غافر الذنب العظيم وقابلاً
أترده وترد صادق توبتي
يا رب جئتك نادماً أبكي على
أخشى من العرض الرهيب عليك يا
يا ربِ عدت إلى رحابك تائباً
مالي وما للأغنياء وأنت يا
ومالي و ما للأقوياء وأنت يا
مالي وأبواب الملوك وأنت من
إني أويت لكل مأوى في الحياة وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة
وبحثت عن سر السعادة جاهداً
فليرض عني الناس أو فليسخطوا
أدعوك يا ربي لتغفرحوبتي
فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي
فأجرضعيفاً يحتمي بحماكا
ذنبي ومعصيتي ببعض قواكا
مالها من غافر إلا كا
رانت على قلبي فضل سناكا
وبدأت بالقلب البصير أراكا
للتوب قلب تائبٌ ناجاكا
حاشاكا ترفض تائباً حاشاكا
ما قدمتهُ يداي لا أتباكا
ربي وأخشى منك إذ ألقاكا
مستسلماً مستمسكاً بعراكا
رب الغني ولا يحد غناكا
ربي ورب الناس ما أقواكا
خلق الملوك وقسم الأملاكا
فما رأيت أعز من مأواكا
فلم تجد منجى سوى منجاكا
فوجدت هذا السر في تقواكا
أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
وتعينني وتمدني بهداكا
ما خاب يوماً من دعا ورجاكا
كان الأمير " موسى بن سليمان الهاشمي " من أنعم أبناء أبيه عيشاً " ، وأرخاهم بالاً ، يعطى نفسه مرادها من جميع اللذات!!، وكان شاباً جميلاً وسيماً ، مع ثرائه الواسع وغناه الوافر يجرى عليه من ضياعه وعقاراته كل عام قرابة ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف درهم ، وكانت له قبة على موضع عال، يجلس فيها بالعشيات ينظر إلى الناس، وإلى بساتينه وأراضيه، وكانت تلك القبة من العاج مخروطة من أنياب الفيل مضببة بالفضة قد طلى بالذهب وعلق من القبة سلسلة ذهب منظومة بالجواهر واللؤلؤ، تضيء القبة من الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، والعقيق الأصفر، كل حبة كالجوزة، وعلق على الأبواب المشرعة الستور المضربة الموشاة المنسوجة بالذهب، ومعه في القبة ندماؤه واصدقاؤه، والمجامر منصوبة لا ترفع عن البخور، وقد وقف على رأسه الخدم بأيديهم المراوح، ووقف المغنيات والراقصات بحذائه في مجلس خارج القبة يراهن، فإذا نظر عن يمينه رأى نديماً قد اصطفاه،وإن نظر عن يساره رأىأخا وصفياً قد اجتباه، وإن رفع طرفه نظر إلى خدم قيام قد اختارهم ، فإن تكلم سكتوا ، وإن قدم قاموا، هذا دأبه وحاله إلى أن يذهب الليل ويذهب عقله، فيخرج الندماء ويخلو مع الوصفاء والمغنيات، فإذا أصبح اشتغل بالنظر إلى لعابين بين يديه بالنرد والشطرنج ، لا يذكر بين يديه موت ولا سقم ولا مرض، فبينما هو في قبته تلك ذات ليلة وحول الندماء والوصفاء ، وقد مضى بعض الليل، إذ سمع نغمة من حلق ندي شجي، خلاف ما يسمع من مطربيه، فأخذت بمجاميع قلبه، وسلبت فؤاده ، فأشار إلى من حوله: أن اسكتوا، وأخرج رأسه من نافذة يتسمع الصوت الذي وقع بقلبه 0 ثم صاح بغلمانه : اطلبوا صاحب هذا الصوت، فخرج الغلمان يطوفون فإذا هم بشاب نحيل الجسم، شعت الرأس، حافي القدمين قائم في المسجد يناجي ربه ويصلي ويقرأ القرآن ، فأخذوه وأدخلوه على الأمير، وأخبروه أنهم وجدوه في المسجد قائماً يصلي !! فقال الأمير لذلك الشاب : ما كنت تقرأ؟ !! قال : كلام الله !!قال : فأسمعني بتلك النغمة، فقرأ الشاب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم } إن الأبرار لفي نعيم { إلى قوله } يشرب بها المقربون{ ( المطففين :22 – 28) ثم قال له : أيها الأمير المغرور، إنها خلاف مجلسك وفرشك، إنها أرائك مفروشة بفرش مرفوعة } بطائنها من استبرق { ، } على رفرف خضر وعبقري حسان { ، يشرف ولي الله منها على عينين تجريان في جنتين } فيهما من كل فاكهة زوجان {،} لا مقطوعة ولا ممنوعة { ، } في ظلال وعيون ، } أكلها دائم وظلها تلك عقبي الذين اتقوا وعقبي الكافرين النار { ، } لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون { ، } في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر { ، }يود المجرم لو يفتدي من عذاب يؤمئذ ببنيه{ ، وهم في جهد جهيد وعذاب شديد ، ومقت من رب العالمين!!
فقام الأمير الهاشمي من مجلسه، وعانق الشاب وبكى ، وصاح بندمائه: انصرفوا عني، وخرج إلى صحن داره، وقعد على حصير ، مع ذلك الشاب ينوح ويبكي على شبابه وذنوبه الماضيات، والشاب يعظه وينصحه إلى أن أصبح وقد عاهد إلى الله إلا يعود إلى المعاصي أبداً ، ثم رد المظالم إلى أهلها، وأعتق عبيدة وجواريه وتصدق بالكثير من أمواله، ثم اجتهد في العبادة ، فكان يصوم النهار ويقوم الليل، حتى كان إخوانه الصالحون يعاتبونه ويقولون له: ارفق بنفسك فإن المولى كريم ، يشكر اليسير ، ويثيب على الكثير ، فكان يقول لهم: يا قوم أنا أعرف بنفسي إن جرمي عظيم ،فقد عصيت مولاي بالليل والنهار، وكان يبكي كثيراً ، ثم إنه خرج إلى البيت الحرام حاجاً وكان يدخل الحجر بالليل ينوح على نفسه ويقول : سيدي لم أراقبك في خلواتي، سيدي ذهبت شهواتي وبقيت تبعاتي وحسراتي فالويل لي يوم ألقاك، والويل كل الويل من صحيفتي إذا نشرت مملوءة من فضائحي وخطاياي، بل حل بي الويل من مقتك إياي وتوبيخك لي في إحسانك إلي ومقابلتي نعمتك بالمعاصي، وأنت مطلع على أفعالي، سيدي إني لا أستحق أن أسألك الجنة ، بل أسألك بجودك وكرمك وتفضلك أن تغفر لي وترحمني، فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة.
قال " محمد بن السماك" : فبينا أنا ذات ليلة في الطواف إذ سمعت نغمته وبكاءه، فحركني وأقلقني فاقتربت منه وسألته، فعرفني وحكى لي قصة توبته، ثم أخذني معه إلى غرفته وقال لي: مازلت متشوقاً إلى لقائك حتى تداوي جرحي بمرهم كلامك، فقلت له: اجعل الموت نصب عينيك ، واعلم أن بين يديك عقبة عليها المسلك غداً ، لا يقطعها إلا الورعون عن محارم الله تعالى، فأعد العدة والجواب فإنك قادم لا محالة على أحكم الحاكميين وديان يوم الدين ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وهو (أي الهاشمي) في كل منصت يسمع ثم اطرق شبه المفكر، فقمت من عنده وخرجت فلما أصبح الصباح، تصرفت في حوائجي فدخل على وقت الظهر وأنا في الطواف ، وإذا الناس يتراكضون نحو باب الصفا، فقلت: ما الخبر قالوا : جنازة غريب، فخرجت وصليت على تلك الجنازة وقلقت على صاحبي الهاشمي فذهبت فوري، إلى تلك الدار وسألت عنه فقالوا: أجرك الله، ألم تشهد جنازته، ألست صاحبه البارحة، قلت: نعم قالوا: إنك لم خرجت من عنده لم يزل يقول: فؤادي ، فؤادي ذنبي ذنبي إلى أن مضى عامة الليل وهو يبكي ثم سكن فلما أصبح انبهناه للصلاة فإذا هو فارق الدنيا، ولم يشهد خروج روحه أحد ولم يغمض.
فقلت لهم: وهل عرفتموه؟ قالوا: لا، كان غريباً من الحجاج نزل عندنا، ما رأينا ولا سمعنا بمثله، نهاره صائم لله تعالى وليله قائم يصلي ، ويبكي وينوح على نفسه كأن ذنوب العباد هو المطالب بها. [ من كتاب التوابين لابن قدامه]
تعليق