الأضحيــــــةحكمتهـــــا أفضل أنواعها شروطها
ذكر أهل العلم في الحدود و التعاريف أن فهم الشيء فرع عن تصوره، و سيرا على ما قرره العلماء ، فسأتكلم في هذا المطلب على التالي:
أولاً : تعريف الأضحية :
الأُضحية بضم الهمزة ويجوز كسرها وجمعها أضاحٍ،
كالضحية جمعها ضحايا([1]).
وهي اسمٌ لما يذبح من الإبل والبقر والغنم يوم النحر وأيام التشريق تقرباً إلى الله تعالى([2]).
ثانياً : سبب تسميتها بالأضحية :
سُميت أضحية لأنها تُذبح في الضُحى([3]) فكأنها اشتقت من اسم الوقت الذي تشرع فيه([4]).
ثالثاً : ما جاء في مشروعيتها:
شُرعت الأضحية في العام الثاني للهجرة النبوية([5]) وقد توارد على إثباتها نصوص الكتاب العزيز و السنة المطهرة و إجماع سلف الأمة .
(أ) فمن الكتاب قوله تعالى : }والبُدنَ جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير…{ [الحج: 36] وقوله تعالى }فصلِ لربك وانَحرْ{ [الكوثر: 2]
(ب) ومن السنة حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: »ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما« رواه البخاري ومسلم([6]) وغيرهما.
(ج) وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون على مشروعيتها([7]).
رابعاً : حُكم الأضحية : ([8])
للعلماء أنظار جلية ، في استنباط الأحكام الشرعية ، من نصوص الكتاب و السنة النبوية و في هذا المسألة اختلف العلماء في حكم الأضحية على قولين:
- فذهب الجمهور من العلماء إلى أنها سُنة مؤكدة. ومن أدلتهم ما جاء في صحيح مسلم من حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها
أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: »إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شَعره وبَشَره شيئاً« ([9]).
وجه الشاهد: أنه علّقه على الإرادة والواجب لا يُعلق على الإرادة([10]).
- وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنها واجبة على الموسر ومن أدلته قوله تعالي }فصل لربك و انحر{[الكوثر:2]. و الأمر عند أئمة الأصول يقتضي الوجوب ، و لقوله صلى الله عليه و آله وسلم : »من وجد سعة فلم يضحِ ، فلا يقربن مصلانا«([11]) ، و غير ذلك من الأدلة ، لم نذكرها خشية الإطالة ، و رجح هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية([12]) وكذا العلامة الشوكاني([13]) و هو مذهب شيخنا القاضي العلامة/
محمد بن إسماعيل العمراني حفظه الله .
حكمتهـــــا
التشديد في تركها للقادر عليها
أفضل أنواعها
و شدد في تركها ،و بين أفضل أنواعها ، و سأجملها لك بصورة موجزة فيما يلي :
أولاً : حكمتها:
1- التقرب إلى الله تعالى بها قال تعالى : }فصلِ لربك وانحر..{ [الكوثر: 2].
2- إحياءً لسُنة إمام الموحدين إبراهيم عليه السلام واقتداء به.
قال تعالى }وفديناه بذبح عظيم{ [الصافات: 107].
3- التوسعة على العيال وإظهار الفرحة والسرور بينهم.
4- إشاعة الرحمة بين الفقراء والمساكين قال تعالى }فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير{ [الحج:28].
5- شكر الله على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام قال تعالى: }كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون{ [الحج:36].*
ثانياً : التشديد في تركها للقادر عليها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم »من وجد سعة فلم يُضح فلا يقربن مصلانا« رواه ابن ماجة ([14]).
ثالثاً : أفضل أنواع الأضحية :
وأفضل أنواع الأضحية الغنم، و قد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قولا و فعلا، أما القول فعن أبي أمامة الباهلي t قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم »خير الأُضحية الكبش« رواه الترمذي([15]).
و أما الفعل فما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: »ضحى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما« رواه البخاري ومسلم([16]) وغيرهما.
- قال الشوكاني في السيل الجرار.. (وملازمته صلى الله عليه وآله وسلم للتضحية بالكبش أو الكبشين مع وجود الإبل في عصره وكثرتها يُدلُ على أفضليتها في الأُضحية). إ.هـ([17]).
ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضحى بكبشين ولا يفعل إلا الأفضل([18]).
قلتُ : وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله. وذهب الجمهور من العلماء إلى أن أفضل الأنواع البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز، حجتهم أن البدنة تجزئ عن سبعة وكذا البقرة وأما الشاة فلا تجزئ إلا عن واحد بالاتفاق فدل على تفضيل البدنة والبقرة([19]).
شــــروطهـــــا
لا تصح، وقد لخصتها من كلامهم على ما يلي:
(1) أن تكون من بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم).
لقوله تعالى : }ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام..{ [الحج:28].
(2) أن تبلغ السن المعتبرة شرعاً:
- لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: »لا تذبحوا إلا مُسنة فإن تعسر عليكم فاذبحوا جذعةً من الضأن« رواه مسلم ([20]).
- وقال الإمام النووي:(وأجمعت الأمة أنه لا يجزي من الإبل والبقر والمعز إلا الثني ولا من الضأن إلا الجذع ([21]). وقال أيضاً: وقد أجمعت الأمة أنه [أي: حديث جابر] ليس على ظاهره من أنه لا يعدل إلى الجذع إلا بعد تعذر المسنة لأن الجمهور يُجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه وحملوا حديث جابر على الاستحباب والأفضل)([22]).
(3) أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء المذكورة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : »أربع لا تجوز في الضحايا العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكسيرة التي
لا تنُقي« هذه رواية النسائي وابن ماجه، في رواية أبي داود
بلفظ [والكسير]وفي رواية الترمذي والنسائي أيضاً ومالك في الموطأ بلفظ [والعجفاء] التي لا تنقي« الحديث رواه أصحاب السنن
الأربعة والإمام أحمد في مسنده([23]).
معاني الألفاظ: - الكسيرة /هي المنكسرة الرجل التي لا تقدر على المشي.
- العجفاء/ هي المهزولة من الغنم وغيرها.
- التي لا تُنقي/أي التي لا مخ لها لضعفها وهزالها([24]).
قال النووي : (وأجمعوا على أن العيوب المذكورة في حديث البراء لا تُجزي التضحية بها وكذا ما في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل وشبهه). إ.هـ([25]).
(4) أن يكون الذبح في الوقت المخصوص، أوله بعد صلاة
العيد والأفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي الخطبتان لحديث جُندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال شهدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر قال: »من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يذبح فليذبح«. رواه البخاري ومسلم([26]).
- ولحديث البراء رضي الله عنهقال : خطبنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يوم النحر قال : »إنّ أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي
ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد اصاب سنتنا ومن ذبح قبل
أن يصلي فإنما هو لحمٌ عجّله لأهله ليس من النسك في شيء«
رواه البخاري([27]).
- وينتهي الذبح بغروب شمس آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة –لقوله صلى الله عليه وآله وسلم »..وكل أيام التشريق ذبح« رواه أحمد([28]).
([1]) القاموس المحيط للفيروز أبادي ، ص1199.
([2]) فقه السنة السيد سابق 3/274.
([3]) المجموع شرح المهذب للنووي 8 /352.
([4]) فتح الباري شرح صحيح البخاري 10/5.
([5]) الفقه الإسلامي وأدلته د/وهبة الزحيلي، وفقه السنة للسيد سابق ، 3 /274.
([6]) فتح الباري 10/39 برقم 5565، صحيح مسلم بشرح النووي برقم 1966.
([7]) المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة المقدسي 5/157.
([8]) المجموع للنووي 8/صـ354، 355.
([9]) صحيح مسلم بشرح النووي برقم 1977.
([10]) المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة 11/94.
([11]) حسَنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ،2 /82 – برقم 2549.
([12]) مجموع الفتاوى لابن قاسم ، 23 /162.
([13]) في السيل الجرار (وبهذا تعرف أن الحق ما قاله الأقلون من كونها واجبة لكن هذا الوجوب مقيد بالسعة فمن لا سعة له لا أضحية عليه) 3/231، بتحقيق حلاّق.
* منهاج المسلم – للشيخ الجزائري– صـ366، صـ367.بتصرف.
([14])حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/82 برقم 2549.
([15]) حسنه الشيخ الأرناؤوط في حاشية تحقيقه لأحاديث جامع الأصول 3/327 برقم 1639.
([16]) فتح الباري 10/39 برقم 5565، صحيح مسلم بشرح النووي. برقم 5060.
([17]) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار 3/246.
([18]) المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة ، 5/158.
([19]) صحيح مسلم بشرح النووي 13/109.
([20]) صحيح مسلم بشرح النووي 13/109. برقم 1963.
([21]) المجموع 8/366.
([22]) صحيح مسلم بشرح النووي 13/119.
الثني من الإبل : ما أتم خمس سنوات ، ومن البقر ما تم له سنتان ، والمعز : ماتم له سنتان ، والجذع : ما أتم سنة عند جمهور أهل اللغة ، وجوّز الإمام أبو حنيفة وأحمد ما له ستة أشهر.
([23]) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم 1211.
([24]) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4/172، 3/186، 5/111
([25]) صحيح مسلم بشرح النووي 13/122.
([26]) فتح الباري 10/6 برقم 5562، ومسلم بشرح النووي برقم 1960.
([27]) فتح الباري 2/588 برقم 968.
([28]) رواه أحمد في المسند من حديث جبير بن مطعم، وصححه الألباني في الصحيح الجامع برقم 4