إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من هي اول امة سيحاسبها الله جل علاه وما هو علاج الرياء؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من هي اول امة سيحاسبها الله جل علاه وما هو علاج الرياء؟

    : من هى أول أمة سيحاسبها اللـه جل علاه ؟: من هم أول من يقضى اللـه بينهم ؟!ما هو علاج الرياء

    أيها الأحبة الكرام إن ذل القيام بين يدى اللـه فى أرض المحشر لعظيم فالشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل ... تكاد الرؤوس أن تنصهر من حرارتها‍‍... والبشرية كلها من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه الساعة فى صعيد واحد ‍‍.. يكاد الزحام وحده يخنق الأنفاس ، والأعظم من ذلك هول ورهبة جهنم التى قد أُتِىَ بها فى أرض المحشر لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ، إذا رأت جهنم الخلائق ظفرت وزمجرت غضبا منها لغضب اللـه جل وعلا فعند ذلك ... تجثوا جميع الأمم على الركب زعراً وفزعاً منها .
    قال تعالى : { وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الجاثية : 28 ] .
    فى هذه اللحظات الرهيبة المهيبة التى تخلع القلوب من الصدور ينادى اللـه جل جلاله على أمة الحبيب المحبوب محمد صلى الله عليه وسلم من بين سبعين أمة كلها واقفة فى أرض المحشر فى ذل وانكسار للملك الجبار .
    ففى الحديث الصحيح الذى رواه ابن ماجة بسند صحيح من حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ((نحن آخِرُ الأمم وأول الأمم حسـاباً يوم القيامة
    يقال أين الأمة الأمية بنبيها ؟ فنحن الآخرون والأولون)) ([1]) .
    أمة النبى محمد صلى الله عليه وسلم أُمّةُُ مرحومة ينادى عليها اللـه أول الأمم ليرحمها من ذل القيام بين يديه من هذا الموقف الرهيب فى أرض المحشر بل وليكرمها على جميع الأمم .
    ففى الحديث الذى رواه أحمد فى مسنده والحاكم فى مستدركه وصححه الحاكم على شرط الشيخين وأقره الذهبى ورواه الإمام الترمذى وقال حديث حسن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ((أنتم موفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على اللـه جل وعلا)) ([2]) .
    فأمة النبى صلى الله عليه وسلم هى أشرف وأطهر وأكرم أمة على اللـه سبحانه ، ولم لا؟‍‍ ولم لا ؟! والرجل وحده فى أمة النبى محمد صلى الله عليه وسلم قد يزن أمة بأسرها .
    وفى الحديث عن الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم والحديث رواه الإمام أحمد فى مسنده والطبرانى فى الصغير والأوسط وقال الإمام الهيثمى فى مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح من حديث أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن اللـه عز وجل يقول : ((ياعيسى إنى باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا اللـه وشكروا ، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا ، ولا حلم ولا علم ، قال : يارب كيف هذا لهم ولا حلم ولا علم . فقال اللـه جلا وعلا : أعطيتهم من حلمى وعلمى)) ([3]) .
    فأمة النبى صلى الله عليه وسلم تتجلى كرامتها يوم القيامة بين يدى الرب العلى حينما ينادى عليها من بين سبعين أمة فلتتقدم .. لماذا ؟!!
    لتشهد على جميع الأمم لتشهد للأنبياء والمرسلين .
    وفى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ((يدعى نوح يوم القيامة فيقال له : يانوح . فيقول لبيك وسعديك ، فيقول اللـه : هل بلغت قومك ؟! فيقول : نعم .. فيدعى قومه ويقال لهم: هل بلغكم نوح فيقولون : لا ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد ، فيقول اللـه جل وعلا من يشهد لك يانوح ، فيقول نوح : يشهد لى محمد وأمته .. يقول المصطفى فتدعون فتشهدون بأنه بلغ قومه وأشهد عليكم فذلك قول اللـه تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } ))([4]).
    إن أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم أمة مكرمة فمن أثنت عليه خيرا نجى ووجبت له الجنة ومن أثنت عليه الأمة شراً هلك ووجبت له النار .
    ففى صحيح مسلم وسنن أبى داود من حديث أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم مَرَّ بجنازة فَأُثنى عليها خيراً فقال النبى صلى الله عليه وسلم : ((وجبت وجبت وجبت)) . ومر بجنازة ، فَأُثنى عليها شرا فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ((وجبت وجبت وجبت)) ، فقال عمر : فدى لك أبى وأمى مر بجنازة فأُثنى عليها خيراً فقلت وجبت وجبت وجبت ومر بجنازة أخرى فأُثنى عليها شراً فقلت وجبت وجبت وجبت ؟ فقال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : (( من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة , ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار فأنتم شهداء اللـه فى الأرض ، أنتم شهداء اللـه فى الأرض)) ([5]).
    فواللـه لقد وعد اللـه النبى صلى الله عليه وسلم أن يعطيه لأمته حتى يرضى ، ألا إن وعد اللـه صدق ‍‍.
    ففى الصحيحين من حديث عبد اللـه بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم (( قرأ يوماً قول اللـه فى إبراهيم { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ إبراهيم : 36 ] وتلى قول اللـه فى عيسى { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ المائدة : 118 ] . ثم رفع النبى يديه إلى السماء وبكى ، فقال اللـه جل وعلا لجبريل عليه السلام : ياجبريل سل محمداً ما الذى يبكيه وهو أعلم فنزل جبريل للمصطفى .. ما الذى يبكيك يارسول اللـه ؟ قال : أمتى يا جبريل فصعد إلى اللـه وأخبر الحق تبارك وتعالى وهو أعلم . فقال اللـه لجبريل : انزل إلى محمد وقل له إنا سنرضيك فى أمتك ولا نسوؤك)) ([6]) .
    فأمة النبى أمة ميمونة .. أمة مبروكة .. أمة محمودة
    ومما زادنى فخــراً وتيهـا

    وكدت بأخمصـى أطـأ الثُّريَّا
    دخولـى تحت قولك ياعبادى

    وأَنْ أرسلت أحمـدَ لــى نبيا
    قال اللـه تعالى { كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت للِنَّاسِ } [ آل عمران :110]

    : من هم أول من يقضى اللـه بينهم يوم القيامة ؟!

    والجواب من رسول اللـه صلى الله عليه وسلم كما فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أول من يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فَأُتِىَ به ، فَعَرَّفَهُ نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت ، فقال : كذبت ، ولكنك قاتلت لأن يقال : جرئ ، فقد قيل ، ثم أُمِرَ به فَسُحِبَ على وجهه ، حتى أُلقِىَ فى النار ، ورجلُُ تَعَلَّمَ العلم وعلَّمه وقرأ القرآن ، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم ، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ، حتى ألقى فى النار . ورجل وسع اللـه عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال : فما عملت فيها ؟ قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال جواد ، فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقى فى النار)) ([7]) .
    أول من يقضى يوم القيامة عليه : رجل استشهد ، رجل سقط شهيداً فى ميدان القتال ، فى ساحة البطولة والوغى فى ميدان تصمت فيه الألسنة الطويلة ، وتخطب فيه الرماح والسيوف على منابر الرقاب ، يقع شهيداً فى ميدان القتال ، هو من أمة النبى صلى الله عليه وسلم و لكنه ما أراد وجه اللـه ولكنه أراد الثناء من العباد !! فكانت النتيجة ! بل قاتلت ليقال جرئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار .
    ((ورجل تعلم العلم وقرأ القرآن)) :
    عالم ملأ المساجد علما وسوَّد صفحات الجرائد والمجلات !! عالم تعلم العلم وعلّم الأنام ولكن أراد الشهرة ، أراد النجومية ، أراد المكانة ، أراد الكرسى الزائل والمنصب الفانى ، أراد الوجاهة !!! ما ابتغى بعلمه وجه الرحمن !! فكانت النتيجة : بل تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار .
    اللـه أكبر !! عالم تُسعَّر به النار ! قارئ تسعر به النار . ولم لا ؟! وهو قد فقد شرط هام مهم من شروط قبول العمل ، وهو الإخلاص .
    وأما الثالث ممن تسعر به النار أيضاً : رجل أتاه اللـه أصناف المال ، مَنَّ اللـه عليه بالأموال فأعطاه وأجزل له العطاء ، ولكن تصدق ليقال جواد ليقال المحسن الكبير !! ليقال المنفق الكبير !! السخى البازل ، وقد قيل ثم أمر به فكانت النتيجة أن سحب على وجهه حتى ألقى فى النار .
    سحبوا جميعاً فكبوا فى جهنم ، لأنهم مراؤون بأعمالهم .
    اعلم أن الرياء لغة مشتق من الرؤية ، والرياء شرعاً مشتق من معناه اللغوى ، فمعنى الرياء اصطلاحا أن يبطن العبد خلاف ما يظهر .
    حَدُّ الرياء : هو إرادة العباد بطاعة رب العباد جل وعلا .
    يامن تعملون ابتغاء مرضاة اللـه ، اسجدوا لله شكراً على هذه النعمة وسلوه التثبيت ، ويامن تعملون العمل لا تبتغوا به مرضاة اللـه ولا تريدون به إلا السمعة والشهرة والمكانة بين الناس ، فاعلموا علم اليقين أن عملكم غير مقبول لأن اللـه لا يقبل إلا العمل الخالص الصواب .
    فقد قال المولى { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [ البينة - 5 ] .
    وقال تعالى { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [ الكهف : 110 ] .
    وفى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ((قال اللـه تعالى : أنا أغنى الأغنياء عن الشرك)) وفى لفظ ابن ماجة ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عَمِلَ عَمَلاً أشرك فيه معى غيرى تركته وشركه)) ([8]) .
    وفى لفظ ((فهو للذى أشرك وأنا منه برئ)) .
    فالرياء هو الشرك الخفى ، الرياء هو الشرك الأصغر ، الرياء هو الذى يحبط الأعمال ويدمرها ولذلك روى الإمام أحمد فى مسنده بسند حسنه شيخنا الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب من حديث أبى سعيد الخدرى قال : خرج علينا رسول اللـه صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال : ((ألا أخبركم بما هو أَخْوَف عليكم عندى من المسيح الدجال ؟ ))فقلنا : بلى يارسول اللـه ! قال : ((الشرك الخفى وأن يقوم الرجل فيصلى فَيُزِيِّنُ صلاته لما يرى من نظر رَجُلٍ)) ([9]) .
    وفى الحديث الذى رواه أحمد وصححه شيخنا الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب من حديث محمود بن لبيد رضى اللـه عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ))قالوا : وما الشرك الأصغر يارسول اللـه ؟‍‍ ‍ قال : ((الرياء . يقول اللـه عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم : اذهبـــوا إلى الذين كنتم تراؤون فى الدنيا فهل تجدون عندهم جزاءً)) ([10]) .
    فالرياء أيها الأحباب خطر عظيم جسيم يدمر الأعمال ويحبطها أسال اللـه العلى العظيم أن يستر علينا وعليكم فى الدنيا والآخرة ، ويرزقنا وإياكم الإخلاص فى القول والعمل ، والسر والعلن ، وأن يجعل سرنا أنقى من علننا وأن يغفر ذنوبنا ، ويصحح نوايانا إنه ولى ذلك والقادر عليه .
    ولذا أحب أن نعرج سوياً على أهم الأدوية لعلاج هذا الداء العضال ألا وهو الشرك الخفى ( الرياء ) فإن الأمر من الأهمية بمكان .
    الدواء الأول : الاستعانة باللـه عز وجل أن يرزقنا الإخلاص فى القول والعمل فى السر والعلن فى الليل والنهار ، ولنا فى خليل اللـه إبراهيم الأسوة الحسنة - إمام الموحدين وقدوة المحققين - يتضرع إلى اللـه رب العالمين أن يجنبه وبنيه الشرك فيقول اللـه تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ } [ إبراهيم : 35] .
    فلا بد أن تسأل اللـه وتستعين به على إخلاص العمل له وحده ، واعلم يقيناً أنه وحده القادر على أن يمنحك الإخلاص لأن الإخلاص لا يضعه اللـه إلا فى قلب من يحب من عباده . وعليك أن تعرف عاقبة الرياء فى الدنيا والآخرة .
    إن المرء المرائى يأتى يوم القيامة فتنشر له صحيفته على مد بصره ، ولكن يومها لا يجد له عند اللـه جزاء ‍‍ ..
    اللـهم سلم سلم !! لقد باء بالخسران الكبير ، ولم لا ؟! وهو منافق ، والمنافقون فى الدرك الأسفل من النار مع فرعون وهامان وقارون .
    لقد أظهر عملاً وقولاً وسمتاً وسلوكاً غير ما يبطنه واللـه تعالى يعلم حقيقته ، قال تعالى : {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
    [ البقرة : 284 ] .
    وقال تعالى : { إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [ الأحزاب : 54 ] .
    وقال تعالى:{ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } [ طه : 7 ]
    فإن كان الرياء فى أصل الدين أن يبطن الكفر ، ويظهر الإيمان فهذا هو أغلظ أبواب الرياء وصاحبه مخلد فى النار ، فقد قال اللـه : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ(204)وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ(205)وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } [ البقرة : 204 - 206 ] .
    وقال تعالى : { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [ المنافقون : 1]
    أما إذا كان استقر فى قلبه أصل الدين وأصل الإيمان وهو يرائى الناس بالأعمال فقط فهذا هو الشرك الأصغر ويخشى على هذا أن يختم له بسوء الخاتمة والعياذ باللـه . فالمرائى لاجزاء له فى الآخرة .
    يامن تعملون العمل لإرضاء الناس . اعلموا أنه مامن أحد يرضى عنه كلُ الناس ،ولم يستطيع مخلوق البتة أن يُرضى كلَّ الناس بل قد لا يستطيع الأب فى مملكته الصغيرة أن يرضى كل أبناءه ، وقد لا يستطيع الشيخُ فى مجلس علم أن يُرضَى كلَّ طلابه ، هذه قاعدة من جهلها فهو جاهل .
    أخى الفاضل أختي الفاضلة اجعل قلبك معلقاً باللـه ، وابتغى بقولك وعملك وجه اللـه ، فلوا اجتمع أهل الأرض بالثناء عليك فلن يقربك ثناءهم زلفى من اللـه إن كنت بعيداً عن اللـه .
    ولو اجتمع أهل الأرض بالذم فيك فلن يبعدك زمهم عن اللـه إن كنت قريباً من اللـه ، فما الذى ينفعك من مدح الآنام وأنت مذموم عند رب الآنام ؟‍‍! وما الذى يضرك من ذم الآنام وثناءهم بالشر وأنت مقرب ممدوح من رب الآنام .
    فلا ترض الناس بسخط اللـه عليك ، بل أطع اللـه فيهم واتق اللـه فيهم فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
    ((من أرضى اللـه بسخط الناس كفاه اللـه الناس ومن أسخط اللـه برضا الناس وكله اللـه إلى الناس)) ([11]) .
    فقد قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّاً } [ مريم : 96 ] .
    وداً : أى محبة فى قلوب عباده المؤمنين المخلصين .
    فإذا رأيت رجلاً يبغض مؤمناً صالحاً فاعلم بأن قلبه قلب خبيث مريض ، والعياذ باللـه فإن المنافق لا يحب مؤمناً على ظهر الأرض لأنه لا يحب إلا منْ على شاكلته ومعدنه .
    ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه قال : قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم (( الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فقهوا والأرواح جنودُُ مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)) ([12]) .
    قال الخطابى رحمه اللـه : فالخَيِّر يحن إلى الأخيار والشرير يحن إلى الأشرار .
    وأحب أن أنوه وأحذر من أمر خطير جداً وهو :
    أن اللـه يعاقب المرائى فى الدنيا بضد قصده ونيته والعاقبة بضد قصد النية ثابت شرعاً وقدراً .
    ففى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (( من سَمّعَ سمع اللـه به ومن يرائى يرائى اللـه به)) ([13]) .
    قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى : قال الخطابى : " من عمل عملاً من أعمال الخير ، والطاعة يبتغى أن يراه الناس وأن يسمعوه ، عاقبه اللـه بضد قصده ونيته ففضحه اللـه جل وعلا وأظهر باطنه " .
    اللـهم استرنا ولا تفضحنا .. اللـهم استرنا ولا تفضحنا .. اللـه استرنا ولا تفضحنا .
    أما أن ذلت قدمه بمعصية فبكى وارتعد قلبه وخاف من اللـه جل وعلا، فهذا هو المؤمن التقى ونرجو اللـه أن يختم لنا وله بخاتمة التوحيد والإيمان.
    فإن اللـه قد ذكر المتقين فى قرآنه وذكر من صفاتهم أنهم قد يقعون فى الفاحشة قال تعالى :{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133)الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134)وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران : 133 - 135 ] .
    وأحب أن أنوه على أمر آخر : إن عمل العبد عملاً يبتغى به وجه اللـه وتضرع فيه إلى اللـه أن يرزقه فيه الإخلاص ثم أثنى الناس عليه خيراً وجعل اللـه له الثناء الحسن على ألسنة الصادقين من عباده ، وجعل اللـه له المكانة الطيبة فى قلوب المخلصين من عباده وأولياءه فاستبشر خيراً .
    ففى صحيح مسلم عن أبى ذر رضى اللـه عنه قلت يارسول اللـه : أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس فقال صلى الله عليه وسلم: ((تلك عاجل بشرى المسلم)) ([14]) .
    واسمع لهذا الحديث الرقراق الرقيق الذى رواه البزار وصححه شيخنا الألبانى فى صحيح الجامع أنه صلى الله عليه وسلم قال : ((مامن عبد إلا وله صيت فى السماء فإن كان صيته فى السماء حسناً وُضع فى الأرض ، وإن كان صيته فى السماء سيئاً وُضع فى الأرض)) ([15]) .
    أى أنه إن كان صيته فى السماء حسناً كان كذلك فى الأرض والعكس ولم لا ؟!! وقد قال النبى كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة : ((أن اللـه إذا أحب عبداً دعا ياجبريل ، فقال: إنى أحب فلاناً فأحبه ، قال : فيحبه جبريل ، ثم ينادى فى السماء فيقول : إن اللـه يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول فى الأرض . وإذا أبغض عبداً دعا جبريل عليه السلام فيقول : إنى أبغض فلاناً فأبغضه ، قال : فيبغضه جبريل ثم ينادى أهل السماء : إن اللـه يبغض فلاناً فأبغضوه ثم توضع له البغضاء فى الأرض)) ([16]) .
    أسأل اللـه أن يسترنا بستره الجميل ويرحمنا إنه على كل شىء قدير .

    ([1]) صححه شيخنا الألبانى فى الصحيحة رقم (2374) وهو فى صحيح الجامع حديث رقم (6749) .

    ([2]) رواه أحمد فى المسند رقم (1900،19908) وقال محققه إسناده صحيح ، ورواه الترمذى رقم (3001) فى تفسير آل عمران وحسنه ، وابن ماجة رقم (4288) فى الزهد ، والدرامى (2760) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبى .

    ([3]) رواه أحمد فى المسند رقم (27416) وقال الهيثمى (10/67) رجاله رجال الصحيح غير الحسن بن سوار وأبى حلبس يزيد بن ميسرة وهما ثقتان .

    ([4]) رواه البخارى (8/130) فى التفسير ، باب قوله تعالى : ] وكذلك جعلناكم أمة وسطاً[ - والترمذى رقم (2965) فى التفسير ، باب ومن سورة البقرة - والطبرى رقم (2165) .

    ([5]) رواه البخارى (3/181) فى الجنائز ، باب ثناء الناس على الميت - ومسلم رقم (949) فى الجنائز ، باب فيمن يثنى عليه خيراً وشراً من الموتى واللفظ له - والترمذى رقم (1058) فى الجنائز ، باب ماجاء فى الثناء على الميت ، والنسائى (4/49، 50) فى الجنائز ، باب الثناء .

    ([6]) رواه مسلم رقم (301) فى الإيمان .

    ([7]) رواه مسلم رقم (1905) فى الإمارة ، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار - والترمذى رقم (3383) فى الزهد ، باب ما جاء فى الرياء والسمعة ، والنسائى (6/23-24) فى الجهاد ، باب من قاتل ليقال : فلان جرئ .

    ([8]) رواه مسلم رقم (2985) فى الزهد ، باب من أشرك فى عمله غير الله .

    ([9]) حسنه شيخنا الألبانى فى صحيح الترغيب رقم (27) وقال رواه ابن ماجة والبيهقى .

    ([10]) رواه أحمد فى المسند رقم (23521) وصححه شيخنا الألبانى فى صحيح الترغيب حديث رقم (29) وقال رواه أحمد بإسناد جيد وابن أبى الدنيا والبيهقى فى(الزهد) وغيره .

    ([11]) قال الشيخ مصطفى العدوى : أخرجه عبد بن حميد فى المنتخب رقم (1522) وإسناده صحيح .

    ([12]) رواه مسلم رقم (2638) فى البر والصلة ، باب الأرواح جنود مجندة ، وأبو داود رقم (4834) فى الأدب ، باب من يؤمر أن يجالس .

    ([13]) رواه البخارى (6499) فى الرقاق ، باب الرياء والسمعة ، ومسلم رقم (2987) فى الزهد باب من أشرك فى عمله غير الله .

    ([14]) رواه مسلم رقم (2642) فى البر والصلة ، باب إذا أثنى على الصالح فهى بشرى ولا تضره .

    ([15]) صححه شيخنا الألبانى فى الصحيحة (2275) وهو فى صحيح الجامع رقم (5732) .

    ([16]) رواه البخارى رقم (7485) فى التوحيد ، باب كلام الرب مع جبريل ونداء اللـه الملائكة ، ومسلم رقم (2637) فى البر والصلة ، باب إذا أحب اللـه عبداً حببه إلى عباده ، والموطأ (2/953) فى الشعر ، والترمذى رقم (3160) فى التفسير ، باب ومن سورة مريم .


يعمل...
X