إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شبهات وشكوك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شبهات وشكوك

    شبهات وشكوك

    تعتبر الشبهات والشكوك من الأسباب الخطيرة لضعف الإيمان، بل قد تؤدي إلى اجتثاثه من أصوله؛ إذا لم تعالج مبكراً، ويجب أن يبذل في سبيل هذا العلاج الغالي والرخيص، فالأمر خطير غاية الخطورة، وكل تأخير في هذه المسألة؛ سيكون له عواقب وخيمة، والإنسان المصاب بهذه الوساوس والشكوك يعتبر مريضاً نفسياً، ولذلك ينصح بعض العلماء بأن يذهب إلى طبيب للأمراض النفسية والعصبية.
    وهذه الوساوس والشكوك موجودة لدى قلة من الناس منذ عصر الرسول – صلى الله عليه وسلم – وقد أتى إليه بعض الصحابة يشكون من هذه الوساوس التي شوشت عليهم عقيدتهم، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء ناس من أصحاب النبي عليه الصلاة و السلام، فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه، قالوا: نعم، قال: ذلك صريح الإيمان وفي رواية أخرى: يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال ذلك صريح الإيمان وفي رواية الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة أي كيد الشيطان.
    قال النووي في شرحه على صحيح مسلم صريح الإيمان معناه استعظامكم الكلام به فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به، فضلاً عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققاً، وانتفت عنه الريبة والشكوك.. وقيل معناه أن الشيطان إنما يوسوس لمن يئس من إغوائه، فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء، ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: أي حصول الوسواس مع الكراهة العظيمة له، ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد، والصريح الخالص كاللبن الصريح وإنما صار صريحاً لما كرهوا من تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها، فخلص الإيمان فصار صريحاً
    وقال – صلى الله عليه وسلم –: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله رواه مسلم في كتاب الإيمان.
    وقال أيضاً عليه السلام: يأتي الشيطان أحدكم فيقول من
    خلق كذا وكذا حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله
    ولينته
    متفق عليه.

    قال ابن حجر في شرح هذا الحديث: ليستعذ بالله ولينته عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها
    وقال النووي: معناه الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه، قال المازري رحمه الله، ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها، والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها، والذي يقال في هذا المعني أن الخواطر على قسمين، فأما التي ليست بمستقره ولا اجتلبتها شبهة طرأت، فهي تدفع بالإعراض عنها، وعلى هذا يحمل هذا الحديث، وعلى مثلها يطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمراً طارئاً بغير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ لا أصل له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فأنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في أبطالها والله أعلم
    من خلال استعراض هذه الأحاديث النبوية السابقة وأقوال شراحها يتبين لنا الأمور التالية:
    1- أن هذه الوساوس لا حيلة للإنسان فيها، فهي تخطر على باله رغما عنه.
    2- أنها لا تضره بإذن الله ما دام كارها لها، باذلاً جهده في مدافعتها.
    3- أن هذه الوساوس التي يكرهها الإنسان ويخاف منها لا تدل على ضعف الإيمان، بل هي تدل على قوة الإيمان كما أخبر بذلك الرسول – عليه السلام – فقال ذلك صريح الإيمان، أي خالصه الذي لم تخالطه أي شائبة، أما هذه الخواطر فإنها من الشيطان الذي يئس من إغواء المسلم لقوة إيمانه فلم يجد إلا أن ينكد عليه حياته، وينغص عليه عيشه بهذه الوسوسة، إذن فعلى من يحس بها ألا يستسلم للشيطان بل يجاهده، ويدفع شره بكل الطرق وهو بهذه المجاهدة والمدافعة مثاب إن شاء الله.
    4- عندما يحس الإنسان بشيء من هذه الوساوس يقول : آمنت بالله كما أمر النبي عليه السلام يقول : ذلك بصوت واضح، ويكرره مع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ومع التفكير في عظمة الله سبحانه وتعالى – والتفكير في مخلوقاته الكثيرة مثل الشمس والقمر والليل والنهار والدقة العجيبة في تنظيم هذا الكون.
    5- أن يعرض عن هذه الوساوس، ويحاول أن يتناساها كلياً وذلك بالاشتغال بغيرها من الأمور المفيدة، هذا إذا كانت هذه الوساوس طارئة، أما إذا كانت مستقرة أو بسبب شبهة فهنا لابد من البحث في المسألة، ولابد من الاستدلال والنظر لكي يزيل هذه الشبهة عن نفسه لأنها ستبقى حاجزاً بينه وبين الصفاء الإيماني، والنقاء الروحي والأنس بالله – سبحانه وتعالى – والإقبال على العبادة بشوق وسرور.
    والخطوات العملية لمعالجة هذا الأمر هي:
    أولاً: سؤال العلماء ومناقشتهم في المسألة حتى تزول الشبهة، ولذلك ينبغي لمن يحس بشيء من هذا أن يذهب إلى العلماء ويسألهم ويناقشهم، ويفضل ألا يكون ذلك في مجلس عام، بل على السائل أن يذهب إلى العلماء في منازلهم، ويسافر إليهم إذا كانوا في مدينة غير مدينته، ولا يتهاون في الأمر أبداً، واعتقد أن جميع علمائنا يرحبون بذلك لما فيه من الأجر والثواب.
    ثانياً: الرجوع إلى الكتب المختصة مثل كتب العقائد وكتب الرقائق بصفة عامة وأخص بالذكر هنا كتب الشيخ ابن قيم الجوزية مثل : مدارج السالكين، والفوائد وكتب ابن الجوزي مثل تلبيس إبليس وصيد الخاطر، وكتاب إحياء علوم الدين للغزالي ، ورياض الصالحين للنووي وكتب ابن تيمية مثل الإيمان والفتاوى، وغيرها من كتب أهل العلم الذين تصدوا لهذا الجانب من ترقيق القلوب وتقوية الإيمان، والقراءة في كتب الرقائق تذيب قسوة القلب، وتقوي الإيمان، ، وأنا أعرف شخصاً كان يشكو من هذه الوساوس، وعندما حافظ تماماً على جميع الفرائض، وزاد من النوافل وحافظ على الأذكار وحضور بعض مجالس العلم واستمر أيضاً في قراءة كتب الرقائق، ذهب عنه كل ما كان يشعر به من وساوس، علما أنه كان ينوي الذهاب إلى طبيب أعصاب في مدينة بعيدة حيث نصحه بذلك أحد العلماء الكبار، ولكنه بمجرد أن انتظم في طاعة ربه؛ لم يعد في حاجة إلى ذلك إطلاقاً، فقد عافاه الله مما يجد، وتحسن حاله من جميع النواحي وخاصة الإيمانية والنفسية.
    ثالثاً: اللجوء إلى الله والتضرع إليه بأن يزيل هذه الوساوس من قلبه ويكفيه شرها، في كل حال وفي كل وقت، ويتعين ذلك عندما يشعر بها، حيث يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يقول: آمنت بالله، ثم يدعو بهذا الدعاء النبوي الذي رواه أحمد في مسنده: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق وبرأ وذرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمان.
    وأن صعب عليه حفظه فليقل:
    أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق



يعمل...
X