أحسِن فيما بَقي يُغفَر لك ما قد مضى:
يقول الحافظ ابن رجب: [لما كان الموت مكروهًا بالطبع لما فيه من الشدة والمشقة العظيمة لم يمت نبي من الأنبياء حتى يُخَيَّر، و لذلك وقع التردد فيه في حق المؤمن كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "يقولُ اللهُ عزَّ و جَلَّ: وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي في قَبْضِ نَفْسِ عَبدي المؤمنِ؛ يَكرَهُ الموتَ وأكرهُ مساءتَهُ، و لا بُدَّ لهُ مِنهُ" [رواه البخاري]
قال أبو إسحاق: قيل لموسى عليه السلام كيف وجدتَ طعم الموت؟ قال: وجدتُه كسَفُّود أُدخل في صوف فاجتُذِب. قال: هذا وقد هوَّنا عليك الموت.
وأول ما أُعلم النبي صلى الله عليه وسلم من انقضاء عمره باقتراب أجله نزول سورة "النصر"، قيل لابن عباس -رضي الله عنهما-: هل كان يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم متى يموت؟ قال: نعم. قيل: ومن أين؟ قال: إنّ الله تعالى جعل علامة موته هذه السورة: â( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) ذلك علامة موته. فإنَّ المراد من هذه السورة: أنك يا محمد إذا فتح الله عليك البلاد، ودخل الناس في دينك الذي دعوتهم إليه أفواجًا؛ فقد اقترب أجَلُك؛ فتهيأ للقائنا بالتحميد والاستغفار.. فإنه قد حصل منك مقصود ما أُمرتَ به من أداء الرسالة والتبليغ، وما عندنا خير لك من الدنيا فاستعد للنقلة إلينا.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لما نزلت هذه السورة نُعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة. وكان صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن كل عام على جبريل مرة فعرضه ذلك العام مرتين، وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان كل عام فاعتكـف في ذلك العـام عشـرين، وأكثر مـن الذكـر والاستغفار..
قالت أم سلمة -رضي الله عنها-: كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: "سبحان الله وبحمده". فذكرتُ ذلك له فقالصلى الله عليه وسلم "إني أُمرتُ بذلك"، وتلا هذه السورة.
وقالت عائشة -رضي الله عنها-: كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل موته: "سبحانَ اللهِ وبحمدِهِ، أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليهِ". فقلتُ لهُ: إنكَ تدعو بدعاءٍ لم تكنْ تدعو به قبلَ اليومِ؟ قالصلى الله عليه وسلم "إنَّ ربي أخبرني أنني سأرى عَلَمًا في أمتي، وإني إذا رأيتُه أنْ أُسَبِّحَ بحمدِهِ وأستغفرَهُ، وقد رأيتُهُ"، ثم تلا هذه السورة.
فهذا كان سيد المحسنين صلى الله عليه وسلم يؤمر بأنْ يختم أعماله بالحسنى، فكيف يكون حال المذنب المسيء المتلوث بالذنوب المحتاج إلى التطهير؟
وفي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعمارُ أمتي بين الستينَ إلى السبعينَ، وأقَلُّهُم مَن يَجُوزُ ذلكَ".
قال سفيان الثوري: مَن بلغ سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليتخذ لنفسه كفنًا.
وقال الفضيل لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنتَ من ستين سنة تسير إلى ربك؛ يوشك أن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال فضيل: مَن علم أنه لله عبد، وأنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف وأنه مسئول، فليُعِد للمسألة جوابًا. فقال له الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة.. تُحسن فيما بقي يغفـر
لك ما مضى؛ فإنك إنْ أسأتَ فيما بقي أُخذتَ بما مضى وما بقي.][لطائف المعارف (بتصرف)]
كيف يَلَذُّ العيشَ مَنْ كان مُوقِنًا بأنَّ المَنَـايَـا بَغتةً ستُعاجِلُـه
وكيف يَلَذُّ العيشَ مَنْ كان مُوقِنًا بأنَّ إلهَ الخَلقِ لا بُدَّ سائلُه
الناس في ذكر الموت ثلاثة:
منهمك في الدنيا، وتائب مبتدئ، وعارف منتبه.
أما المنهمك في الدنيا المحب لشهواتها فقلبه عن ذكر الموت غافل، وإذا ذُكّر به كرهه ونفر منه، وإن ذَكَره فيذكره للتأسف على دنياه ويشتغل بمذمته، وهذا يزيده ذكر الموت من الله بُعدًا.
وأما التائب فإنه يكثر من ذكر الموت لينبعث من قلبه الخوف والخشية فيفي بتمام التوبة، وربما يكره الموت خيفة من أن يختطفه قبل تمام التوبة وقبل إصلاح الزاد. وهو معذور في كراهة الموت فهو كالذي يحب تأخر لقاء الحبيب حتى يستعد للقاء.
وعلامة هذا التائب أن يكون دائم الاستعداد للقاء لا شغل له سواه، وإلا التحق بالمنهمك في الدنيا.
وأما العارف فإنه يذكر الموت دائما لأنه موعد لقائه بحبيبه، وهذا في الغالب يستبطئ مجيء الموت ويحب مجيئه ليتخلص من دار العاصين وينتقل إلى جوار رب العالمين.
كان بعض الصالحين ينادي كل ليلة على سور المدينة: الرحيل.. الرحيل.. فلما تُوُفي فقد صوته أمير المدينة، فسأل عنه فقيل: إنه قد مات.. فقال:
بشر. فيا إخوتاه سيروا إلى ربكم سيرًا جميلاً.
يقول الحافظ ابن رجب: [لما كان الموت مكروهًا بالطبع لما فيه من الشدة والمشقة العظيمة لم يمت نبي من الأنبياء حتى يُخَيَّر، و لذلك وقع التردد فيه في حق المؤمن كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "يقولُ اللهُ عزَّ و جَلَّ: وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي في قَبْضِ نَفْسِ عَبدي المؤمنِ؛ يَكرَهُ الموتَ وأكرهُ مساءتَهُ، و لا بُدَّ لهُ مِنهُ" [رواه البخاري]
قال أبو إسحاق: قيل لموسى عليه السلام كيف وجدتَ طعم الموت؟ قال: وجدتُه كسَفُّود أُدخل في صوف فاجتُذِب. قال: هذا وقد هوَّنا عليك الموت.
وأول ما أُعلم النبي صلى الله عليه وسلم من انقضاء عمره باقتراب أجله نزول سورة "النصر"، قيل لابن عباس -رضي الله عنهما-: هل كان يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم متى يموت؟ قال: نعم. قيل: ومن أين؟ قال: إنّ الله تعالى جعل علامة موته هذه السورة: â( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) ذلك علامة موته. فإنَّ المراد من هذه السورة: أنك يا محمد إذا فتح الله عليك البلاد، ودخل الناس في دينك الذي دعوتهم إليه أفواجًا؛ فقد اقترب أجَلُك؛ فتهيأ للقائنا بالتحميد والاستغفار.. فإنه قد حصل منك مقصود ما أُمرتَ به من أداء الرسالة والتبليغ، وما عندنا خير لك من الدنيا فاستعد للنقلة إلينا.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لما نزلت هذه السورة نُعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة. وكان صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن كل عام على جبريل مرة فعرضه ذلك العام مرتين، وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان كل عام فاعتكـف في ذلك العـام عشـرين، وأكثر مـن الذكـر والاستغفار..
قالت أم سلمة -رضي الله عنها-: كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: "سبحان الله وبحمده". فذكرتُ ذلك له فقالصلى الله عليه وسلم "إني أُمرتُ بذلك"، وتلا هذه السورة.
وقالت عائشة -رضي الله عنها-: كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل موته: "سبحانَ اللهِ وبحمدِهِ، أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليهِ". فقلتُ لهُ: إنكَ تدعو بدعاءٍ لم تكنْ تدعو به قبلَ اليومِ؟ قالصلى الله عليه وسلم "إنَّ ربي أخبرني أنني سأرى عَلَمًا في أمتي، وإني إذا رأيتُه أنْ أُسَبِّحَ بحمدِهِ وأستغفرَهُ، وقد رأيتُهُ"، ثم تلا هذه السورة.
فهذا كان سيد المحسنين صلى الله عليه وسلم يؤمر بأنْ يختم أعماله بالحسنى، فكيف يكون حال المذنب المسيء المتلوث بالذنوب المحتاج إلى التطهير؟
وفي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعمارُ أمتي بين الستينَ إلى السبعينَ، وأقَلُّهُم مَن يَجُوزُ ذلكَ".
قال سفيان الثوري: مَن بلغ سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليتخذ لنفسه كفنًا.
وقال الفضيل لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنتَ من ستين سنة تسير إلى ربك؛ يوشك أن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال فضيل: مَن علم أنه لله عبد، وأنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف وأنه مسئول، فليُعِد للمسألة جوابًا. فقال له الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة.. تُحسن فيما بقي يغفـر
لك ما مضى؛ فإنك إنْ أسأتَ فيما بقي أُخذتَ بما مضى وما بقي.][لطائف المعارف (بتصرف)]
سفـري بعـيــــدٌ وزادي لنْ يُبَلِّغَـني ولي بقايــا ذنـوبٍ لسـتُ أعـلـمُــهــا
ما أحلمَ اللهَ عني حـيثُ أمهــلني
أنا الذي أغلقَ الأبوابَ مجتهـــدًا
يا زَلَّــةً كُتِـبَتْ في غـفـلــةٍ ذَهبـتْ
دعني أنوحُ على نفسي وأنْدِبُــهـا
دعني أسِحُّ دموعًــا لا انقطاعَ لها
وقُـوَّتي ضَـعُـفـتْ والـمـــوتُ يطلُـبُني
اللهُ يَـعـلــمُـهــــا فـي الـسِّـــر والـعَــلَـنِ
وقـد تمــاديتُ فـي ذنبي ويَـســتُــرُني
على الـمعـاصي وعُـيـنُ اللهِ تنظُرُني
يا حسرةً بَقِيَتْ في القـلـبِ تَحرِقُـني
وأقـطعُ الدَّهـرَ بالتذكيـرِ والـحـزنِ
فهل عـسى عَـبْرَةً مـنـهـا تُـخَـلِّـصُـــني
فيا عباد الله..ما أحلمَ اللهَ عني حـيثُ أمهــلني
أنا الذي أغلقَ الأبوابَ مجتهـــدًا
يا زَلَّــةً كُتِـبَتْ في غـفـلــةٍ ذَهبـتْ
دعني أنوحُ على نفسي وأنْدِبُــهـا
دعني أسِحُّ دموعًــا لا انقطاعَ لها
وقُـوَّتي ضَـعُـفـتْ والـمـــوتُ يطلُـبُني
اللهُ يَـعـلــمُـهــــا فـي الـسِّـــر والـعَــلَـنِ
وقـد تمــاديتُ فـي ذنبي ويَـســتُــرُني
على الـمعـاصي وعُـيـنُ اللهِ تنظُرُني
يا حسرةً بَقِيَتْ في القـلـبِ تَحرِقُـني
وأقـطعُ الدَّهـرَ بالتذكيـرِ والـحـزنِ
فهل عـسى عَـبْرَةً مـنـهـا تُـخَـلِّـصُـــني
كيف يَلَذُّ العيشَ مَنْ كان مُوقِنًا بأنَّ المَنَـايَـا بَغتةً ستُعاجِلُـه
وكيف يَلَذُّ العيشَ مَنْ كان مُوقِنًا بأنَّ إلهَ الخَلقِ لا بُدَّ سائلُه
منهمك في الدنيا، وتائب مبتدئ، وعارف منتبه.
أما المنهمك في الدنيا المحب لشهواتها فقلبه عن ذكر الموت غافل، وإذا ذُكّر به كرهه ونفر منه، وإن ذَكَره فيذكره للتأسف على دنياه ويشتغل بمذمته، وهذا يزيده ذكر الموت من الله بُعدًا.
وأما التائب فإنه يكثر من ذكر الموت لينبعث من قلبه الخوف والخشية فيفي بتمام التوبة، وربما يكره الموت خيفة من أن يختطفه قبل تمام التوبة وقبل إصلاح الزاد. وهو معذور في كراهة الموت فهو كالذي يحب تأخر لقاء الحبيب حتى يستعد للقاء.
وعلامة هذا التائب أن يكون دائم الاستعداد للقاء لا شغل له سواه، وإلا التحق بالمنهمك في الدنيا.
وأما العارف فإنه يذكر الموت دائما لأنه موعد لقائه بحبيبه، وهذا في الغالب يستبطئ مجيء الموت ويحب مجيئه ليتخلص من دار العاصين وينتقل إلى جوار رب العالمين.
كان بعض الصالحين ينادي كل ليلة على سور المدينة: الرحيل.. الرحيل.. فلما تُوُفي فقد صوته أمير المدينة، فسأل عنه فقيل: إنه قد مات.. فقال:
ما زالَ يَلهَجُ بالرحيلِ وذِكـرِه
فأصابَــهُ مُـتَـيَـقِّـظًـــا مُـتَـشَـمِّـــرًا
حتى أنـاخَ ببـابِــهِ الجَمَّـالُ
ذا أُهْـبَــةٍ لم تُـلْهِــهِ الآمـــالُ
كان حامد القصيري يقول: كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له مستعدًّا، وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملاً، وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفًا. فعلام تفرحون؟ وما عسيتم تنتظرون؟ الموت.. فهو أول وارد عليكم من أمر الله بخير أو فأصابَــهُ مُـتَـيَـقِّـظًـــا مُـتَـشَـمِّـــرًا
حتى أنـاخَ ببـابِــهِ الجَمَّـالُ
ذا أُهْـبَــةٍ لم تُـلْهِــهِ الآمـــالُ
بشر. فيا إخوتاه سيروا إلى ربكم سيرًا جميلاً.
يا غافلَ القـلبِ عن ذِكـرِ الـمنيــــاتِ
فاذكر مَحَلَّكَ مِن قبلِ الحُلولِ بِهِ
لا تطمئنَّ إلى الدنيا وزينتِهـا قــــدْ
عمـا قـليـلٍ ستُلـقَى بين أمــواتِ
وتُـبْ إلى اللهِ مِنْ لَهـــــوٍ ولَـذاتِ
آنَ للـمــــوتِ يا ذا اللُبِّ أنْ يأتي
فاذكر مَحَلَّكَ مِن قبلِ الحُلولِ بِهِ
لا تطمئنَّ إلى الدنيا وزينتِهـا قــــدْ
عمـا قـليـلٍ ستُلـقَى بين أمــواتِ
وتُـبْ إلى اللهِ مِنْ لَهـــــوٍ ولَـذاتِ
آنَ للـمــــوتِ يا ذا اللُبِّ أنْ يأتي