إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

" وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • " وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"

    " وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"
    إن من أعظم الجرم , وإنمن أكبر الخسران أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسراً وأن يبدد المكاسب التي يسرهاالله عز وجل في هذا الشهر الكريم شهر رمضان وأن يرتد بعد الإقبال مدبراً وبعد المسارعة إلىالخيرات مهاجراً وبعد عمران المساجد بالتلاوات والطاعات معرضاً ؛ فإن هذه الأمورلتدل على أن القلوب لم تحيا حياة كاملة بالإيمان ولم تستنر نورها التام بالقرآن , وأنالنفوس لم تذق حلاوة الطاعة ولا المناجاة , وأن الإيمان ما يزال في النفوس ضعيفاً وأنالتعلق بالله عز وجل لا يزال واهناً لأننا أيها الإخوة على مدى شهر كامل دورةتدريبية على الطاعة والمسارعة إلى الخيرات والحرص على الطاعات ودوام الذكر والتلاوة, ومواصلة الدعاء والتضرع والابتهال والمسابقة في الإنفاق والبذل والإحسان ثم ينكسالمرء بعد ذلك على عقبه .
    فاحذر أيها –الكريم- من العودة إلى المعاصي وإلى الغفلة والانتكاسة بعد الهداية , والاعوجاج بعد الاستقامة, يقول تعالى : " وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) سورة المائدة .
    وقال: { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) سورة محمد.
    ويقول : "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا" (النحل /92).
    قال أهل التفسير : المرأة المقصودة في الآية الكريمة هي امرأة عاشت في زمن ما قبل الإسلام (الجاهلية)، واسمها رابطة أو رايطة أو ريطة من بني تميم، وكانت امرأة تلقب بالجعراء أو الجعرانة، وإليها ينتسب الموضع المسمى بالجعرانة بين مكة المكرمة والطائف، وهو ميقات للإحرام.
    وإلى جانب ذلك كانت تسمى بخرقاء مكة، ويضرب بها المثل في الحمق، فما قصة حمقها؟.
    لقد كانت هذه المرأة تجتمع كل يوم، هي ومجموعة من الجواري والعاملات لديها، فتأمرهن بالعمل على غزل ونسج الصوف والشعر ونحوهما، ثم إذا انتصف النهار وانتهين من أداء عملهن في الغزل؛ أمرتهن بنقضه، أي إفساد ما غزلنه وإرجاعه أنكاثاً، بمعنى أنقاضاً أو خيوطاً، وذلك بإعادة تقطيع الغزل إلى قطع صغيرة، ثم تنكث خيوطها المبرومة، فتُخلط بالصوف أو الشعر الجديد وتنشب به، ثم تضرب بالمطارق أو ما شابه، على أن يقمن بغزله مجدداً في اليوم التالي , وهكذا، تجهد هذه المرأة نفسها وعاملاتها بالعمل ثم تفسده بحمقها وخراقتها. تفسير الطبري 17 /283 , تفسير ابن كثير 4/599.
    يقول الشاعر :
    يا شهر مفترض الصوم الذي خلصت* * *فيه الضمائر والإخلاص للعمل
    أرمضت يا رمضان السيئات لنا* * *بشر بنا للتقى علا على نهل
    ولقد قال الله تعالى واصفاً حال بعض الناس في العبادة : " ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) سورة الحج .
    قال السعدي رحمه الله في تفسيره : أي: ومن الناس من هو ضعيف الإيمان، لم يدخل الإيمان قلبه، ولم تخالطه بشاشته، بل دخل فيه، إما خوفا، وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن، { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ } أي: إن استمر رزقه رغدا، ولم يحصل له من المكاره شيء، اطمأن بذلك الخير، لا بإيمانه. فهذا، ربما أن الله يعافيه، ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه، { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } من حصول مكروه، أو زوال محبوب { انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } أي: ارتد عن دينه، { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ } أما في الدنيا، فإنه لا يحصل له بالردة ما أمله الذي جعل الردة رأسا لماله، وعوضا عما يظن إدراكه، فخاب سعيه، ولم يحصل له إلا ما قسم له، وأما الآخرة، فظاهر، حرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، واستحق النار، { ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } أي: الواضح البين.
    فهذا حال المنافق، إن صلحت له دنياه أقام على العبادة، وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت انقلب، ولا يقيم على العبادة إلا لما صَلَح من دنياه. وإذا أصابته شدّة أو فتنة أو اختبار أو ضيق، ترك دينه ورجع إلى الكفر. تفسير السعدي 534 .
    ذكر شيخ الإسلام ابن القيم رحمة اللهعليه : " إن أعظم ما يبتلى به العبد وقوعه في الذنب ، وأعظم من ذلك أن لا يشعر بأثرالذنب فذلك موت القلوب.
    وروى عطية عن أبي سعيد الخدري قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده وتشاءم بالإسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني، فقال: إن الإسلام لا يقال، فقال: إني لم أصب في ديني هذا خيرا، أذهب بصري ومالي وولدي، فقال: يا يهودي إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب، قال: ونزلت " ومن الناس من يعبد الله على حرف ".زاد المسير في علم التفسير , لابن الجوزي 5/404.
    فلا تكن كعبد السوء إن أعطي رضي وإن منع قنط وسخط , بل وطن نفسك مع الصادقين المخلصين .
    لله قوم أخلصوا في حبه * * * فرضي بهم واختصهم خدّاما
    قوم إذا جن الظلام عليهم * * *باتوا هنالك سجداً وقياما
    خمص البطون من التعفف ضمرا * * *لا يعرفون سوى الحلال طعاماً
    قال تعالى : " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سورة الأعراف.
    قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد رحمهم الله : نزلت هذه الآية في بلعم بن باعوراء ، وذلك لأن موسى عليه السلام قصد بلده الذي هو فيه ، وغزا أهله وكانوا كفاراً ، فطلبوا منه أن يدعو على موسى عليه السلام وقومه ، وكان مجاب الدعوة ، وعنده اسم الله الأعظم فامتنع منه ، فما زالوا يطلبونه منه حتى دعا عليه فاستجيب له ووقع موسى وبنو إسرائيل في التيه بدعائه ، فقال موسى : يا رب بأي ذنب وقعنا في التيه . فقال : بدعاء بلعم . فقال : كما سمعت دعاءه علي ، فاسمع دعائي عليه ، ثم دعا موسى عليه أن ينزع منه اسم الله الأعظم والإيمان ، فسلخه الله مما كان عليه ونزع منه المعرفة . فخرجت من صدره كحمامة بيضاء فهذه قصته .
    وقال عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم ، وأبو روق : نزلت هذه الآية في أمية بن أبي الصلت ، وكان قد قرأ الكتب ، وعلم أن الله مرسل رسولاً في ذلك الوقت ، ورجا أن يكون هو ، فلما أرسل الله محمداً عليه الصلاة والسلام حسده ، ثم مات كافراً ، ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم . تفسير الرازي 7/279 , تفسير ابن كثير 2/705 .
    روت كتب التفسير أن عمير بن سعد هذا الفتى الصغير الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، عمير بن سعد رضي الله عنه وأرضاه، والذي مات أبوه فتزوجت أمه برجل ثري غني يقال له: الجلاس بن سويد ، ولما كان في السنة التاسعة من الهجرة دعا رسول الله المسلمين أن ينفقوا، وأن يبذلوا لغزوة تبوك، فتسابق المسلمون في الإنفاق، وعاد الفتى الصغير عمير بن سعد ليقص على زوج أمه الجلاس بن سويد ما كان من أخبار المؤمنين الصادقين، وما كان من تخلف المنافقين والمرجفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الجلاس بن سويد كلمة خبيثة خطيرة، قال: يا عمير ! إن كان محمد صادقاً فيما يقول فنحن شر من الحمير، وهنا حلقت عين الفتى المؤمن في وجه هذا الرجل، وقال له: والله! ما كان أحد على ظهر الأرض أحب إلي بعد رسول الله منك، أما وقد قلت هذه المقالة فلقد قلت مقالة إن قلتها فضحتك، وإن أخفيتها أهلكت نفسي وديني، فكن على حذر من أمرك؛ فإني مخبر رسول الله بما قلت، وانطلق الفتى الصادق الذي وعى ما سمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقص عليه ما كان من الجلاس بن سويد ، فأجلسه النبي عنده، وأرسل النبي رجلاً ليأتيه بـ الجلاس ، للتثبت والتبين قبل الحكم، وجاء الجلاس ، فأنكر ما قاله الفتى المؤمن، وقال: والله! يا رسول الله! ما قلت، وإن عميراً قد كذب علي، ولماذا أقول هذا؟! ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الفتى المؤمن وقد احتقن وجهه بالدم واحمر، وانهمرت الدموع على خده وعلى وجنيته، وارتعد وخاف، ماذا يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ووالله! لم يلبثوا إلا يسيراً حتى نزل على رسول الله الوحي في مجلسه هذا، ونزل عليه الوحي الذي يبرئ هذا الفتى الذي رفع أكف الضراعة إلى الله وقال: اللهم أنزل على رسول الله تصديق ما قلت، ونزل قول الله جل وعلا: { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ } [التوبة:74] فصرخ الجلاس بن سويد وقال: صدق عمير يا رسول الله! وأتوب إلى الله يا رسول الله! وهكذا التفت النبي إلى هذا الفتى الصادق الذي بللت وجهه مرة أخرى دموع الفرح بعد دموع الحزن والألم، ومد الحبيب يده إلى أذن عمير بن سعد ففركها بيسر ولين وقال له: ( لقد وفّت أذنك ما سمعت، وبرأك ربك يا عمير )!. تفسير الرازي 7/98 , تفسير ابن كثير 4/79 ,الصفدي : الوافي بالوفيات 137.
    فلا تجعل نفسك في زمرة هؤلاء المنتكسين , الذين بدلوا نعمة الله كفرا , وأحلوا النقم مكان النعم .



يعمل...
X