مع إقبال رمضان يتجدد الإيمان في قلب كل مؤمن، كيف لا وقد خَلَى القلب للفكر والذكر بعد غفلة الشهوات، وزحمة أشغال الحياة،
فتجد القلوب في رمضان وقد رَقَّت؛ تؤثر فيها الكلمة وتحركها النصيحة، ويشهد
رمضان لقوافل السائرين إلى الله تعالى والتائبين فيشفع لهم بين يدي رب العالمين.
يسعدنا أن نقدم لكم:
سلسلة يوميات صائم الشيخ نواف السالم
يوميات صائم في شهر رمضان المبارك يسارع ويسابق ليتقرب إلى الله عز وجل؛ ليعيش نفحات نيرات من نفحات الله في شهر الصيام والقرآن والقيام.. ليغتنم كنوز الحسنات في شهر الصيام؟
الصائم والإخلاص
إن للصوم أثرًا عظيمًا في تربية النفوس على فضيلة الإخلاص، وألا يراعى في الأعمال غيرُ وجه الله جل وعلا.ذلكم أن الصائم يصوم إيمانًا واحتسابًا، ويدع شهوته وطعامه وشرابه من أجل الله تعالى، وأيُّ درسٍ في الإخلاص أعظمُ من هذا الدرس!!
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
هكذا يربينا الصوم على فضيلة الإخلاص؛ فالصومُ عبادةٌ خفيةٌ، وسِرٌّ بين العبد وربه؛ ولهذا قال بعض العلماء: الصوم لا يدخله الرياء بمجرد فعله، وإنما يدخله الرياء من جهة الإخبار عنه. بخلاف بقية الأعمال؛ فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها.
الصائم والتوبة
يا باغي الخير أقبل، فالباب غير مقفل، يا من أذنب وعصى، وأخطأ وعتى، تعال فلعل وعسى، يا من بقلبه من الذنوب جروح، تعال فالباب مفتوح، والكرم يغدو ويروح، يا من ركب مطايا الخطايا، تعال إلى ميدان العطايا، يا من اقترفوا فاعترفوا، لن تنسوا {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا}،
يا من بذنب باء، وقد أساء، تذكر: "يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء".
من الذي ما أساء قط، ومن له الحسنى فقط، ومن هو الذي ما سقط، وأين هو الذي ما غلط، يا كثير الأخطاء: أنسيت: كلكم خطّاء.
إذا أذنبت فتب وتندّم، فقد سبقك بالذنب أبوك آدم، ومن يشابه أباه فما ظلم، فلا تقلد أباك في الذنب وتترك المتاب، فإن أباك لما أذنب أناب، بنص الكتاب.
أصبحت وجوه التائبين مسفرة، لما سمعوا نداء: لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفرة، اطرح نفسك على عتبة الباب، ومد يدك وقل: يا وهّاب. أرغم أنفك بالطين وناد: رحمتك أرجو يا رب العالمين.
اسمه التوّاب، ولو لم تذنب لما عرف هذا الوصف في الكتاب، لأن الوصف لابد له من فعل حتى يوصف بالصواب. ما تدري بالذنب، محى العجب، وبالاستغفار حصل الانكسار، لكأس الاستكبار، وصار الانحدار، لجدار الإصرار.
لا تصر، بل اعترف وقر، فإن طعم الدواء مُر، وسوف تجد ما يسر ولا يضر، واحذر الشيطان فإنه يغر.
الاعتراف بالاقتراف، طبيعة الأشراف، قف بالباب، وقل: أذنبنا، وطف بتلك الديار وقل: تبنا، وارفع يديك وقل: أنبنا، {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، سبحان من يغفر الذنب لمن أخطأ، ويقبل التوبة ممن أبطأ.
التوبة تَجُبُّ ما قبلها، وتعم بركتها أهلها. يقول عليه الصلاة والسلام "لتائب من الذنب كمن لا ذنب له" وهذا قول يجب أن نقبله، فهنيئاً لمن تاب وأناب، قبل أن يغلق الباب. التائب سريع الرجعة، غزير الدمعة، منكسر الفؤاد، لرب العباد، دائم الإنصات، كثير الإخبات.
الصائم والصلاة
الصّلاة عمادُ العبوديّة في رمضان
أولاً: الصلاة تجمع أنواعاً من العبادة؛ كالقراءة، والركوع، والسجود، والدعاء، والذل، والخضوع، ومناجاة الرب سبحانه وتعالى، والتكبير، والتسبيح، والصَّلاة على النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلم.
ثانياً: الصّلاة في رمضان هي العبادة التي تحتلُّ مكانةً بارزة، بين أعمال رمضان وعباداته، حيث يحرص المسلمون على إقامتها في المساجد، كما يحرصون على صلاة القيام فيه.
ثالثاً: البُشريات النّبوية الخاصّة بشهر رمضان، وما أُعدّ للصائمين فيه، تعلّقت بالصوم، كما تعلّقت كذلك بالصلاة، وخاصّةً صلاة القيام، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (صحيح البخاري)
(مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا)! (صحيح البخاري)
(تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) (صحيح البخاري)
(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) (صحيح البخاري)
الصائم والصدقة
قال ابن رجب - رحمه الله تعالى - في لطائف المعارف: في تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة :
منها: شرف الزمان، ومضاعفة أجر العمل فيه. وفي الترمذي عن أنس مرفوعاً: «أفضل الصدقة في رمضان».
ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعاتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم.
وفي حديث زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من فطر صائماً فله مثل أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء» [أخرجه الترمذي وغيره].
ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عبادة، بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في ليلة القدر. والله تعالى يرحم من عباده الرحماء، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» [رواه البخاري].
فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، كما في حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها» . قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام» [أخرجه الترمذي
الصائم وصلة الرحم
دعت آيات القرآن الكريم, وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلة الرحم, ورغبت فيها أعظم الترغيب, وكان الترغيب دينياً ودنيوياً, ولا شك أن المجتمع الذي يحرص أفراده على التواصل والتراحم يكون حصناً منيعاً, وقلعـة صامدة, وينشأ عن ذلك أسر متماسكة, وبناء اجتماعي متين
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" [رواه البخاري].
أمور ثلاثة تحقق التعاون والمحبـة بين الناس وهي: إكرام الضيف وصـلة الرحـم والكلمة الطيبة. وقد ربط الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمور بالإيمان فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقطع رحمه, وصلة الرحم علامة على الإيمان.
2- صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"من أحب أن يبسط له في رزقه, وينسأ له في أثره, فليصل رحمه". [رواه البخاري].
- صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه: عن عائشة رضي الله عنها, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله, ومن قطعني قطعه الله". [رواه مسلم].
4- صلة الرحم من أسباب دخول الجنة:
فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام, تدخلوا الجنة بسلام" [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه].
الصلة الحقيقية أن تصل من قطعك:
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الواصل بالمكافئ, ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" [رواه البخاري].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسـول الله إن لي قرابة أصلهـم ويقطعونني, وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ, وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال صلى الله عليه وسلم "إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك". [رواه مسلم].
والمَلّ: الرماد الحار,
لتحميل باقى السلسلة
اللهم بلغنا رمضان
تعليق