من أسباب المغفِرة في رمضان
ومنها استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا.
لما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تَفُوتُه فيه المغفرة محرومًا غاية الحرمان، متى يُغفر لِمَن لم يُغْفَر له في هذا الشهر؟! متى يُقبل من رُدَّ في ليلة القدر؟! متى يصلح من لا يصلح في رمضان؟! كان المسلمون يقولون عند حضور شهر رمضان: اللهم قد أظلَّنا شهر رمضان وحضر، فسلِّمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد، والقوة والنشاط، وأعِذْنا فيه من الفِتَن، كانوا يدعون الله ستة أشهر: أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبَّله منهم، كان من دعائهم: اللهم سلِّمني إلى رمضان وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً.
(انتهى ملخَّصًا من "وظائف شهر رمضان"؛ للشيخ عبدالرحمن بن قاسم، الملَخَّص من "لطائف المعارف"؛ لابن رجب).
فضل صيام رمضان وقيامه، مع بيان
أحكام مهمة قد تخفى على بعض الناس
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، فهذه نصيحة موجزة تتعلق بفضل صيام رمضان وقيامه، وفضل المسابقة فيه بالأعمال الصالحات، مع بيان أحكام مهمة قد تخفَى على بعض الناس.
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أ نه كان يُبَشِّر أصحابَه بمجيء شهر رمضان، ويخبرهم - عليه الصلاة والسلام - أنه شهر تُفتح فيه أبواب الرحمة وأبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتغلُّ فيه الشياطين، ويقول صلى الله عليه وسلم ((إذا كان أول ليلة من رمضان، فتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وغلِّقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب، وصفِّدت الشياطين، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاءُ من النار وذلك كل ليلة))[2]، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: ((جاءكم شهر رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه، فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقيَّ من حُرم فيه رحمة الله))[3]، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه))[4]، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: ((يقول الله - عز وجل -: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به؛ ترَك شهوته وطعامه وشرابه مِن أجْلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخُلُوفُ فم الصائم أطْيب عند الله من ريح المسْك))[5].
والأحاديث في فضل صيام رمضان وقيامه وفضل الصوم كثيرةٌ، فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذه الفرصة، وهي ما مَنَّ الله به عليه من إدراك شهر رمضان، فيسارع إلى الطاعات، ويحذر السيئات، ويجتهد في أداء ما افترض الله عليه، ولا سيما الصلوات الخمس؛ فإنها عمود الإسلام، وهي أعظم الفرائض بعد الشهادتين، فالواجب على كل مسلم ومسلمة المحافَظةُ عليها، وأداؤها في أوقاتها بخشوع وطمأنينة، ومِن أهم واجباتها في حقِّ الرجال أداؤها في الجماعة في بُيُوت الله التي أذِن الله أن تُرفع، ويُذكر فيها اسمه؛ كما قال - عز وجل -: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِين﴾ [البقرة: 43]، وقال - تعالى -: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِين﴾ [البقرة: 238]، وقال - عز وجل -: ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون﴾ إلى أن قال - عز وجل -: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُون﴾ [المؤمنون: 1- 11].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((العهْدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن ترَكَهَا فقد كفَر))[6].
وأهم الفرائض بعد الصلاة أداء الزكاة؛ كما قال - عز وجل -: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ [البيِّنة: 5]، وقال - تعالى -: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون﴾ [النور: 56]، وقد دل كتاب الله العظيم وسنةُ رسوله الكريم، على أنَّ مَن لَم يُؤَدِّ زكاة ماله يعَذَّب به يوم القيامة.
وأهم الأُمُور بعد الصلاة والزكاة صيامُ رمضان، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت))[7].
ويجب على المسلم أن يصون صيامَه وقيامه عما حرَّم الله عليه من الأقوال والأفعال؛ لأنَّ المقصود بالصيام هو طاعة الله - سبحانه - وتعظيم حرماته، وجهاد النفس على مخالَفة هواها في طاعة مولاها، وتعويدها الصبر عمَّا حرَّم الله، وليس المقصود مجرَّد ترك الطعام والشراب وسائر المفطِّرات؛ ولهذا صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الصيام جنَّة، فإذا كان يومُ صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني صائم))[8]، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))[9].
فعُلِم بهذه النصوص وغيرها أنَّ الواجب على الصائم الحذَر من كلِّ ما حرم الله عليه، والمحافظة على كل ما أوجب عليه، وبذلك يرجى له المغفرة والعتق من النار، وقبول الصيام والقيام.
[1] رواه الطبراني في "الأوسط"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
[2]رواه الترمذي، وقال: حديث غريب، وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والبيهقي، ورواه النسائي والحاكم بنحو هذا اللفظ، وقال: صحيح على شرطهما؛ "الترهيب والترغيب" ج2/ص220.
[3]رواه الطبراني، ورواته ثقات، المصدر السابق، ص222.
[4]رواه البخاري ومسلم.
[5]رواه البخاري ومسلم.
[6]رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، "رياض الصالحين" ص492.
[7]متفق عليه.
[8] متفق عليه.
[9]رواه البخاري.
تعليق