إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

زادُ المعتَكفِـين: سُننُ الاعنكَـاف وآدابُـهُ للشيخِ - محمَّد المُخْتار الشنقيطيُّ - عضو هيئة كبار ا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • زادُ المعتَكفِـين: سُننُ الاعنكَـاف وآدابُـهُ للشيخِ - محمَّد المُخْتار الشنقيطيُّ - عضو هيئة كبار ا

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

    فقد سُئل الشيخُ حفظه اللهُ وتلاهُ وكفاهُ سؤالاً جاءَ فيه:

    من أراد الاعكتاف فما هي سننه وآدابه ؟

    فكـان أن وفقه الله لهذا الجواب الذي صدَّرهُ بدعابةٍ للطلبة وللسائل:

    -
    هذه حيلة مكيّة لكنّ الحيلة المكيّة في الخير خير - ، على كل حال :

    الاعكتاف من أجل العبادات وأشرف الطاعات شرعه الله في كتابه المبين وبهدي رسوله الأمين فقال-تعالى- : { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد } وقال-تعالى- : { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ } وثبت عن رسول الله أنه اعتكف وأمر أصحابه-رضوان الله عليهم- الذين اعتكفوا العشر الوسطى من رمضان أن يعتكفوا العشر الباقية تحرياً لليلة القدر .

    والأصل عند الأئمة-رحمهم الله- أن الاعكتاف جائز في كل زمان وأنه لايختص برمضان ولكنه في رمضان مؤكد الاستحباب

    والدليل على جوازه في سائر السنة عموم الأدلة في كتاب الله عز وجلَّ الواضحة في الدلالة على أن المساجد محل للمعتكفين لم تخص رمضان عن غيره هذا أصل عند العلماء وشبه إجماع ليس هناك أحد يقول لا يجوز الاعتكاف في غير رمضان هذا الذي حُـفظ عن الأئمة-رحمهم الله- لثبوت النص في كتاب الله عز وجلَّ دون تفريق.

    لكن عند العلماء ما جاء الأصل باستحبابه يقال مثلاً يجوز الاعتكاف لكنه في العشر الأواخر آكد وفي العشر الأواخر أكثر استحباباً هذا الذي نص عليه الأئمة-رحمهم الله- على أنه في العشر الأواخر أكثر استحباباً وأقر النبي عمر في اعتكافه حينما نذر ولم يسأل هل نذرت في رمضان أو غير رمضان وهذا يدل على أن الاعتكاف جائز في سائر السنة " وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينـزل منـزلة العموم في المقال " كما هو مقرر في الأصول ، فالمحفوظ عند العلماء-رحمهم الله- أن الاعتكاف مشروع في كل وقت ولكنه في العشر الأواخر آكد .

    المسألة الثانية : إذا ثبت أنه مشروع والإجماع منعقد على مشرعيته فإنه يشرع في سائر المساجد لكنه إذا نوى أن يعكتف العشر الأواخر فلابد وأن يكون المسجد مسجد جمعة لأنه يجب عليه أن يصلي الجمعة وإذا كانت الجمعة واجبة عليه فلا يمكن أن يشتغل بالنافلة حتى يضيع الفرض ولو أنه خرج للجمعة لبطل اعتكافه ، ومن هنا اشترط العلماء والأئمة-رحمهم الله- في العشر الأواخر إذا نواها كاملة أن يكون في مسجد جمعة .

    المسألة الثالثة : أن الأفضل في الاعتكاف أن يكون في المساجد الثلاثة ؛ لأن النبي قال : لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة وهذا نفيٌ مسلطٌ على حقيقةٍ شرعيةٍ محمول على الكمال لورود الدليل الذي يدل على صرفه عن ظاهره مع أن هذا الحديث فيه ضعف عند طائفة من أئمة الحديث-رحمة الله عليهم- لكن على القول بتحسينه يُـحمل على الكمال (( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة )) محمول على الكمال وهو النفي المسلط الحقيقة الشرعية الذي دل الأصل على صرفه عن ظاهره كقوله لا إيمان لمن لا أمانة له فإنه لا يدل على كفر من خان الأمانة وإنما المراد نفي الكمال .

    المسألة الرابعة : إذا ثبت أن الاعتكاف الأفضل أن يكون في المساجد الثلاثه
    فأفضلها وأعظمها ثواباً وأجراً المسجد الحرام ؛ وذلك لأنه تجتمع فيه فضيلتان ليستا موجودتين في غيره :

    الفضيلة الأولى : الطواف حيث لا يشرع الطواف إلا بالبيت العتيق وهذا العبادة لا تجوز ولا تكون إلا في هذا الموضع أعني المسجد الحرام ، ومن هنا فضل المسجد الحرام لوجود هذه المزية .

    ثانياً : أن فيه مضاعفة الصلاة إلى مائة ألف وهذه مزية يفضل بها على بقية المسجدين مسجد المدينة والمسجد الأقصى فالمدينة بألف والأقصى بخمس مائة على اختلاف في الروايات .

    إذا ثبت هذا نفهم من هنا أن قوله : لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة على أنه للكمال ؛ لأن في الحديث قرينة الوصف التي تدل على التفضيل فدل على أنه للكمال ولم يأخذ بظاهر هذا الحديث أنه لا اعتكاف إلا مجاهد وهو قول قال عنه بعض العلماء : إنه شاذ .

    المسألة الخامسة : ما هو الاعتكاف ؟

    الاعتكاف من العكوف على الشيء والمراد به لزومه ، ومن هنا قال-تعالى- : { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } أي ملازمون لها ، فالمعتكف هو الملازم لبيت الله عز وجلَّ أعني المسجد بقصد التقرب لله سبحانه وتعالى وطاعته ، فإذاً لابد من أن يلزم المسجد وأن تكون النية إرادة ما عند الله سبحانه وتعالى والتقرب لله-جل وعلا- فلزوم المسجد يقتضي أن لا يخرج منه إلا لضرورة وحاجة مثل أن يقضي حاجته ومثل أن يتعذر أن يجد طعاماً داخل المسجد فيخرج بقدر ما يطعم ثم يعود ، فالأصل يقتضي أنه يلزم المسجد وأجمع العلماء-رحمهم الله- على أن من نـوى الاعتكاف أو نذر الاعتكاف فخرج من المسجد من دون حاجة بطل اعتكافه وعليه أن يعود ويستأنف النية ، ومن هنا لابد وأن يعلم المسلم أن الاعتكاف هو الملازمة للمسجد ، ومن هنا لا يخرج من المسجد إلا من ضرورة وحاجة فلا يخرج لعيادة مريض ولا لتشييع جنازة ولا يخرج لغسل إلا إذا كان واجباً محتّماً عليه كغسل يوم الجمعة على القول بوجوبه أو غسل جنابة إذا أصابته جنابة ، أما إذا لم توجد حاجة فالأصل يقتضي عدم جواز الخروج إذا عُلِم أنه يلازم المسجد ينبغي له أن يعلم أنها ملازمة لذكر الله عز وجلَّ وأن المعتكف الصادق في اعتكافه من ترمّم هدي رسول الله في حفظ وقته وساعاته ولحظاته في ذكر الله سبحانه وتعالى حتى إنه يحتسب عند الله عز وجلَّ النومة ينامها من أجل أن يتقوّى بها على طاعة الله ، هذه العبادة مدرسة من مدارس رمضان وانظر كيف حكمة هذه الشريعة أن جعلت الاعتكاف في ثلث الشهر ولم تجعله في كلّ الشهر ؛ لأن الإسلام من حيث هو دين لا رهبنة فيه وهذا يدل على أن الإنسان إذا تعبد واجتهد في العبادة ينبغي أن يكون بحدود وأن لا يغلو كغلوّ النصارى فيترهبن ويصبح من الرهبان فلا رهبانية في الإسلام ، ومن هنا جاء الاعتكاف مع أن الموسم موسم طاعة شهر رمضان لم يأت عن الرسول الاعتكاف الكامل وقد كان يترك الشيء ويحب أن يفعله لكنه وقع منه اعتكافه-عليه الصلاة والسلام- تحريّاً لليلة القدر .

    والدليل على ذلك : أنه اعتكف العشر الوسطى فلما نزل عليه جبريل أن ليلة القدر في العشر الأواخر وقال كما في الصحيح إنّ الذي تطلبه أمامك أصبح-عليه الصلاة والسلام- يعتكف في العشر الأواخر وأمر أصحابه أن يعتكفوا فيها معه-عليه الصلاة والسلام- .

    والاعتكاف يقصد منه إصابة فضيلة ليلة القدر وهو الاعتكاف المخصوص في رمضان ويتعلم المسلم منه ذكر الله سبحانه وتعالى وطاعته فهذا الجو الإيماني الذي يهيء العبد لمرضاة الله عز وجلَّ ومحبته وبلوغ الدرجات العلى في جنته ودار كرامته..

    كم من معتكف صادق في اعتكافه دخل إلى معتكفه ناقصاً فخرج منه مكمّلاًدخل منه شقيّاً فخرج منه سعيداًدخله مذنباً فخرج منه مغفوراً مرحوماً ودخله بعيداً عن الطاعات فخرج بالباقيات الصالحات ..؟؟؟

    المعتكف الصادق في اعتكافه الذي تعلم من اعتكافه حفظ اللسان وصيانة الجوارح والأركان والإكثار من ذكر الله عز وجلَّ في سائر الأوقات والأزمان ، من الناس من خرج من اعتكافه بختم القرآن كلّ ثلاث ليالٍ ، ومنهم من خرج من اعتكافه بالبكاء عند سماع القرآن ، ومنهم من خرج من اعتكافه بمحبة كلّ خير وكل طاعة وبر
    وهل يراد من العبد إلا ذلك ؟!

    أن يكون اعتكافه زيادة له في الخير وزيادة له في البر ، وكل معتكف حقيق وواجب عليه أن يقف في آخر يوم من أيام اعتكافه فينظر إلى نفسه وينظر إلى قوله وعمله لكي يسأل ما الذي خرج منه من هذه العبادة فإن وجد أنه خرج بطاعة يحبها ويأنس بها ويشتاق إليها ويرتاح بالجد والاجتهاد فيها فليحمد نعمة الله عز وجلَّ عليه ويسأل الله الثبات ، ومن هنا علينا أن ندرك أن الاعتكاف مدرسة للخير والبر يحبس وليّ الله المؤمن في بيت الله عز وجلَّ الذي ترى عينه فيه الراكع والساجد فينظر إلى هذا ساجداً بين يدي الله وينظر إلى هذا رافعاً كف الضراعة إلى الله وينظر إلى ثالث يتلو كتاب الله وينظر إلى رابع قد أقبل على نفسه يلومها في طاعة الله وجنب الله فعندها يطمئن قلبه وينشرح صدره في رفقة إيمانية ومجالس رمضانية مليئة بذكر الله مليئة بطاعة الله يصبح ويمسي بوجوه مشرقة من طاعة الله سبحانه وتعالى ، كان الصحابة-رضوان الله عليهم- إذا أصبحوا من قيام الليل تلألأت وجوههم { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود } فهذه نعمة من الله عز وجلَّ على المعتكف ، كل معتكف يريد أن يكون موفقاً في اعتكافه فليسأل الله وليدع قبل أن يدخل معتكفه أن يرزقه الله عز وجلَّ التوفيق ، فالتوفيق أساس كل خير وأساس كل بر ومن وفق أصاب الخير ؛ لأن الأمور كلها لا تكون بحول الإنسان وقوّته ، ومن هنا كان يقول : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين
    فإذا دخل الإنسان إلى المسجد مفتقراً إلى رحمة الله ويقول يا رب أسألك التوفيق يا رب اسألك اعتكافاً يرضيك عني وأسألك ساعات ولحظات معمورة بذكرك وشكرك .

    ثانياً : من الأسباب التي تعين على الاجتهاد في الاعتكاف أن يستشعر نعمة الله-U- عليه كم من ميتٍ تمنى هذه العشرة التي هو فيها فحيل بينه وبين ما يشتهي ، وكم من مريضٍ طريح الفراش طريح الفراش يتمنى العافية التي أنت فيها وكم من مشغول في تجارته وأمواله وأولاده شغل عن المكان الذي أنت فيه فاحمد الله عز وجلَّ أن هيأ لك ذلك ويسر لك ذلك فإذا دخلت بهذا الشعور تحس أن الله أنعم عليك وأن الله اختارك من بين الناس عندها تعرف قيمة هذا الاعتكاف .

    ثالثاً : إذا دخلت المعتكف تعلم أنه ليس لك من هذا الاعتكاف إلا ما قضيت في طاعة الله عز وجلَّ فليكن أنسك بالله عز وجلَّ أعظم من أنسك بالناس أي مُعْتَكِف هذا المعتكف الذي ينتقل من فلان إلى فلان أي معتكف هذا المعتكف الذي جعل اعتكافه زيارة الأصحاب والجلوس مع الأحباب والتفكه بالنكت والضحك في بيت الله عز وجلَّ لاهياً عن ذكر الله شاغلاً غيره عن طاعة الله عز وجلَّ أي اعتكاف لو جلس في بيته لكان خيراً له وللناس وخيراً لغيره أن لايشغلهم عن طاعة الله عز وجلَّ ومرضاة الله فعلينا أن نهيء أنفسنا لهذا .

    ومن هنا أنبه على قضية صحبة الأحداث للاعتكاف في الحقيقة هذه الأزمنة إزدحمت المساجد وصعب جداً أن كل شخص يجرّ معه عشرين شاباً أحداثاً يأتي بهم إلى المسجد يعتكفون يضيّقون على من هو أحق وأجدر وأولى وأنا لا أشك - إن شاء الله - أن الإخوة يريدون الخير وأنهم يريدون تعويد هؤلاء الفتية على مرضاة الله ومحبة الله ؛ لكن هذا سلاح ذو حدّين أنا أقول بالأخص في المسجد الحرام لأننا كلنا بدأنا نعاني والناس تشتكي من الضيق والزحام بل رأيت بعيني من هؤلاء الأحداث تصرفات لا تليق قد تؤدي بالأخيار وتسيئ بهم بأمور لا تليق بهم وقد يكون بينهم من هو ليس بالملتزم ذلك الالتزام المستقيم تلك الاستقامة فيجر إلى غيره تبعات لا تحمد عقباها ، ومن هنا أرجو إعادة النظر لو أمكن أمثال هؤلاء أن يسحبوا إلى المساجد الأخر وأن لايعتكف في المسجد الحرام إلا أناس يعقلـون معنى الاعتكاف وأناس فعلاً سبق أنا جئنا بهم فوجدنا فيهم الجد والاجتهاد والانضباط فهؤلاء أولى وأحق ، أما أن يؤتى بهؤلاء الأحداث يشوشون ويضيقون على من هو أولى وأحق فهذا أمر أخشى أن يكون فيه إثم ووزر على الأسباب ؛ لأن الإنسان التي يضر بالناس تعاطيها لاشك أنه يحمل الإسباب المسؤولية فعلى المربين والأساتذة - اسأل الله أن يعظم أجورهم وأن يجزل لهم المثوبة في الدنيا والآخرة - أن يحافظوا على أبناء المسلمين فوالله نغبطهم على هذه النعمة ونغبطهم على هذا الخير وادعوا لإخوانكم واسألوا لهم التوفيق والسداد فأمثال هؤلاء على ثغور الإسلام ؛ لأن شباب المسلمين لو لم يحفظوا لهلكوا فجزاهم الله خيراً إنهم جروا أمثال هؤلاء إلى بيوت الله وعرّفوهم طاعة الله ؛ ولكن ليس كل مجتهد مصيباً ،

    ومن هنا ينبغي أن تضبط هذه الأمور بالرجوع إلى العلماء واستشارتهم وانتقاء النوعية التي مثلها أهل أن تعتكف ومثلها أهل أن تدخل هذا البيت المعّظم المشرّف ولا تصدر منهم الأخلاق المؤذية والتشويش على الغير والأفعال التي لا تليق ، هذا الذي أرجو أن يكون من هؤلاء الذين وأرجو من الله-تعالى- أنهم يريدون الخير لهم ولهؤلاء الشباب .

    المسألة السادسة : أيضاً في الاعتكاف هناك أمور ينبغي على المعتكف أن يراعيها من تحري سنة رسول الله ومن أعظمها الاجتهاد في إحياء ليالي العشر فالعشر الأواخر فيها سنة الإحياء ويحي ليلها كاملاً لأنه سنة رسول الله قالت عائشة-رضي الله عنها- : " فإذا دخل العشر شد مئزره وأيقظ أهله وأحيى ليله " فهذه سنة رسول الله وانظر إلى ذلك العبد الموفق السعيد الذي تكون عنده أجمل ساعة وأجل ساعة في اعتكافه حينما يقول الله أكبر فيدخل في صلاته وفي نافلته وعبادته فإذا قال الله أكبر انشرح صدره وخشع قلبه واطمأن فؤاده وأقبل على الله عز وجلَّ بصدق وكمال خشوع وخضوع متخشعاً متذللاً متبذلاً إلى ربه أكره ما عنده أن يأتيه أحد يشغله عن الله سبحانه وتعالى ؛ لكن إذا كان الأمر على العكس فليبكِ على نفسه إذا أحس أنه أثناء الصلوات في ضيق وكرب وأنه-والعياذ بالله- أنه في ساعة من يأتيه من يزوره ويجلس معه فإنه يأنس وينشط فإن لله وإنا إليه راجعون أصيبت مقاتله إذا كان أنسه بغير الله أعظم من أنسه بالله فليبكِ على نفسه المعتكف يحب أن يناجي ربه ، ولذلك كان النبي يحبّ أن تضرب له قبة فلا يرى الناس ولا يرونه الناس وهذا من الأخذ بالأسباب التي تعين على استجماع الفكر والنفس حينما تحبس هذه النفس الآثمة الظالمة ثلاثمائة وستين يوماً في السنة وهي ترتع هذه السويعات فقط قهر وقصر على طاعة الله عز وجلَّ ومحبة الله لكي تتعود الخير وتتعود مرضاة الله عز وجلَّ .

    ومن الناس من تفتح له أبواب الرحمة فلا تغلق عنه أبداً ، ومن الناس من تفتح له أبواب السعادة فلا يشقى بعدها أبداً ولقد رأيت في مسجد النبي في قديم الزمان حينما كنا في الصغر ترى الرجل إذا دخل معتكفه لا تسمع منه إلا قرآناً أو ذكراً أو بكاءً من خشية الله عز وجلَّ يحبس نفسه على طاعة الله-U- حباس الصادق المقبل المنيب المخبت لله-I- وكان الرجل منهم فيما رأيت إذا خرج من معتكفه لا يجاوز بصره موضع قدميه لا يمشي إلا وهو مطأطأ الرأس حتى ينشغل بذكر الله عز وجلَّ فلا يعرف الناس ولا يعرفه الناس هذا فقط من باب الإعانة على الخير وإلا يجوز لك لا نقول : إنه حرام يجوز لك أن تتكلم بقدر فإن رسول الأمة زارته صفية-رضي الله عنها- في معتكفه وقام يَـقْلِـبُها-عليه الصلاة والسلام- ويودعها وهذا يدل على سماحة الشريعة وبعده عن التنطع في العبادة والغلو في الدين ؛ ولكن على المسلم أن يحرص كل الحرص أن يكون ذلك بقدر وأن يكون في حدود معقولة كأن يأتيك أخ في الله تباسطه وتعينه على ذكر الله عز وجلَّ وحبذا أن يكون حديثك معه بما يعين على هذه العبادة الجليلة العظيمة .

    كذلك من الأمور التي ينبغي التنبيه عليها عدم إضاعة الوقت في الخلافات والنقاش في المسائل العلميّة فإن الشيطان إذا يئس من الإنسان في باب الشر جاءه من باب الخير فهذه الخلافات والمناقشات قد توغر الصدور خاصةً وأن طلاب العلم إذا أصبح كل منهم يفضل شيخه وقد يغلو فيه ويظن أنه لا صواب إلا ما قاله ، وعلى هذا إذا جاءك أي شخص وأنت قد قرأت على عالم يوثق بدينه وعلمه بالدليل قل له هذا مبلغ علمي وهذا الذي أخذته عن من رضيته حجة بيني وبين الله فلا تشوش علي إذا أراد مناقشة وأنت ما عندك حصيلة في الأصول قل له يا أخي لو أن هذين الشيخين جالسان هل تستطيع أن تجلس حَكَماً بينهما يعني نتصرف تصرفات لا نعي معناها ولا نعرف آثارها كما أنني ليس من حقي أن أخطأك وأنت تتبع هذا العالم الجليل وهو قول من أقوال السلف ليس من حقك أن تخطأني وأنا على قول إنسان من أهل العلم وله دليله هذا الذي عاشت عليه الأمة وكان عليها سلفها أن المسائل الخلافية الفقهية إذا قال إنسان فيها بالدليل وله سلف لا ينكر عليه ولا يثرب عليه تقول له : يا أخي هذا الذي أنت رضيته فيما بينك وبين الله وهذا الذي أنا رضيته فيما بيني وبين الله لا تعتب علي ولا أعتب عليك أنت لك سلف ولك حجة وأنا لي سلف ولي حجة وينتهي الأمر.

    هكذا كان الصحابة-رضوان الله عليهم- مع وقوع الخلاف بينهم في المسائل ؛ لكن يصلي بعضهم وراء بعض ويترضى بعضهم على بعض ، أما أن يدخل الإنسان في أي مسألة فقهية وهو يحس أنه لا يصيب إلا شيخه وأنه لا مصيب إلا من تلقى عنه العلم فقد حجر واسعاً واعتقد ما لا يجوز اعتقاده فكل يخطيء ويصيب ولكن عليه أن يقول قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري في اعتقادي خطأ يحتمل الصواب وأتعبد الله بهذا ، وكنّا إبّان طلبنا للعلم كان مشايخنا-رحمة الله عليهم- يوصوننا بأن نلزم الدليل ما دام أنهم قالوا بقولهم ولهم حجة ودليل فإننا نلزم ذلك ولا نلتفت إلى تشويش أحد ثم شاء الله سبحانه وتعالى أننا ارتحنا من كثير وكنا نرى بعض زملائنا يختلفون ويتناقشون وإذا بالأمر يستجريهم الشيطان إلى درجة طعن بعضهم في مشائخ بعض وكلام بعضهم في شيخ الآخر حتى-نسأل الله السلامة والعافية- يقع في هذا الإثم العظيم ومن أعظم ما رأيت بلاءً وشقاءً على الإنسان عداوته لأهل العلم
    إذا لم يكن أولياء الله العلماء فلست أدري من هو ولي الله ؟!

    ومن هنا ينبغي الحذر من مثل هذه الآفات أقول هذا ؛ لأنه بلغنى عن بعض طلاب العلم-أصلحهم الله- أنهم يجلسون في المساجد ويتناقشون في بعض المسائل الخلافية في الاعتكاف ويثرب بعضهم على بعض إذا اختلف عالمان قال أحدهما : هذا جائز لكذا ، وقال الآخر : لا يجوز لا تعتب على هذا ولا تعتب على هذا وقد صح عن رسول الله في قصة بني قريظة أن الصحابة اختلفوا في فهم قوله-عليه الصلاة والسلام- : لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة فصلى طائفة في الوقت مراعاة للأصل وعندها حجة وصلت طائفة بعد خروج الوقت مراعاة للمكان على ظاهر اللفظ قال الراوي : " فلم تعنف كلتا الطائفتين " هذه هي السُّنة ، فالذي لا يعنف العلماء والذي لا يعنف طلاب العلم الذين يخالفونه فقد أصاب سنة النبي تعنفه وعنده دليل وعنده حجة لا يجوز هذا ما دام أنه عنده دليل وعنده حجة واضحة وله سلف ، أما إذا كان قولاً شاذاً فهذا أمر آخر لا إشكال في رده وبيان عوره ونقصه وأنه لايجوز للمسلم أن يعمل به وإنما يحكى من باب العلم والتنبيه عليه .

    من الأمور التي يوصى بها من يريد الاعتكاف وهي الوصية الأخيرة أن طاعة الله عز وجلَّ تلتمس من حيث بَينَّ في كتابه وسنة رسوله لا اعتكاف بإضاعة الواجبات لا يعتكف المعتكف وعنده حقوق وواجبات تضيع باعتكافه فإن الفريضة مقدمة على النافلة والله-تعالى- يقول في الحديث القدسي : ما تقرّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضته عليه
    وهديه والذي يعنف خالف سنة رسول الله فالذي عنده والد يحتاج إليه أو والدة تحتاج إليه أو والدان يحتاجان إليه عليه أن يلزم رجلهما فـإن الجنة ثم قال : - يا رسول الله - أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد ، قال أحي والداك ؟! قال : نعم . قال ففيهما فجاهد وفي السنن أنه جاءه رجل فقال : - يا رسول الله - أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد وتركت أبوي يبكيان قال أتريد الجنة ؟ قال : نعم . قال ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما وأحسن صحبتهما ولك الجنة هل هناك أفضل من صحبة النبي وصحبته في الجهاد !

    قال أقبلت أبايعك على الهجرة والجهاد فليس هناك أعظم من صحبة النبي ومع هذا يقول له ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما وأحسن صحبتهما ولك الجنة فكل من كان له والدان يحتاجان إليه فليحتسب وأوصي أمثال هؤلاء وكل من شغل بوالد أو والدة أو زوجة مريضة أو ابن مريض أو أحد من قرابته شيخ كبير كأعمامه وأخواله ويحتاج إليه أوصيه أن يلزم هذه المواطن التي فيها رحمة الله وأن ينوي في قرارة قلبه أن لو زال هذا لكان من المعتكفين حتى يبلغه الله أجر الفضيلتين ويكون فائزاً برحمة الله عز وجلَّ هذا بعمله وهذا بنيته فينال بالعمل فضيلة الواجب وينال بالنية فضيلة المندوب والمستحب .


    كذلك الحرص على تفريج الكربات أثناء الاعتكاف هل من الاعتكاف أن الشخص يعتكف فيرى إخوانه الفقراء أو يعلم بأخيه مديون ولا يفرج كربته يعني رمضان مدرسة تذكير بحقوق الإخوان فالمعتكف يتذكر إخوانه فإنه إذا أصبح يدخل المسجد ويخرج على مرأى ومسمع من الفقراء والضعفاء والمساكين والمحتاجين وهو غني ثري قد أنعم الله عز وجلَّ عليه بالنعم والمنن فلم تحدثه نفسه أن يكفكف دمع يتيم أو أرملة أو يجبر كسر مسكين أو محتاج أو يفرج كرب مديون أو ينفس عنه فليبك على نفسه - فنسأل الله أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا - ، فعلى المسلم أن يحرص على هذا وأن يتخذ من اعتكافه زاداً حتى قال بعض العلماء باستحباب تفريج الكربات والتوسعة على المسلمين على الاعتكاف وأنه لو سعى في حاجة المسلم وتفريج كربته وفيه حديث مرفوع فيه ضعف وفيه كلام ولكن من أئمة السلف وأثر عنهم وصح عنهم أنهم قالوا بهذا في تفضيل تفريج الكربات والتوسعة على المسلمين على الاعتكاف لأنه إذا اعتكف كانت منفعته قاصرة وإذا فرج الكربات عن إخوانه المسلمين كانت منفعته متعدّية .

    - نسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وأن يجعل ما تعلمناه وعلمناه خالصاً لوجهه الكريم موجباً لرضوانه العظيم ، اللهم لا تزل بذلك أقدامنا اللهم ثبّت به على الصراط أقدامنا ويمن به كتابنا ويسر به حسابنا وأسعدنا في دنيانا وأخرانا يا حي يا قيوم ، اللهم بارك لنا في شهرنا اللهم بارك لنا في شهرنا واجعلنا ممن صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر اللهم نسألك في هذه الساعة من فواتح الخير وجوامعه وأوله وآخره يا رب العالمين اللهم امنن علينا برحمتك وعمنا بواسع مغفرتك وتب علينا في التائيبن واشملنا برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم لا تجعلنا خزايا ولا مفتونين ولا ضالين ولا مضلين اللهم اجعلنا مرحومين موفقين سعداء وتمم لنا ذلك بحسن الختام والفوز بدار السلام يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم إنا نسألك في هذه الساعة أن تسبغ شآبيب رحماتك على موتى المسلمين اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم اللهم خص بذلك والدينا اللهم خص بذلك والدينا ومشايخنا ومحبّينا ومن له حق علينا اللهم افسح لهم في قبورهم ونور لهم فيها اللهم افسح لهم في قبورهم ونور لهم فيها اللهم افسح لهم في قبورهم ونور لهم فيها واجزهم لقاء ما صنعوا إلينا من الخير والعلم والبر خيراً ما جزيت معلماً عن علمه وصاحب خير عن خيره يا حي يا قيوم ، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم لا تؤخرنا إلى شر اللهم لا تؤخرنا إلى شر وفتنة اللهم لا تؤخرنا إلى شر وفتنة اللهم ثبتنا على الصراط المستقيم وقنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم أغث هذه الأمة وأهله وعجل بتفريج الكربة وزوال النكبة اللهم انصر الإسلام ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين ، اللهم دمر أعداء الدين اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم واقصم ظهورهم اللهم زلزل أقدامهم اللهم زلزل عروشهم وصدع بنيانهم ، اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً إنك أنت السميع العليم ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ووفقهم إلى ما تحبّ وترضى وخذ بنواصيهم لكل برٍ وتقوى ، اللهم انصر بهم دينك وأعل بهم كلمتك وانشر به رحمتك يا أرحم الراحمين ، رّبنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين نستغفر الله ونتوب إليه نستغفر الله ونتوب إليه نستغفر الله ونتوب إليه- .

    اللهم صل وسلم وبارك على نبيك وآله وصحبه أجمعين .
    الحمد لله رزقني الله بـ "رقية"
    اللهم اجعلها قرة عين لي ولوالدها واجعلها من عبادك الصالحين واشفها شفاءا لا يغادر سقما

    يارب اهد امتك آية واغفر لها وقها شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وثبتها وقوي ايمانها
    اللهم اشفها شفاءا لا يغادر سقماً

    اللهم طهر قلوبنا واحسن خاتمتنا وامح ذنوبنا
    رباااه اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم


    إلاهي أنت تعلم كيف حالي فهل يا سيدي فرج قريب

  • #2
    رد: زادُ المعتَكفِـين: سُننُ الاعنكَـاف وآدابُـهُ للشيخِ - محمَّد المُخْتار الشنقيطيُّ - عضو هيئة كب

    جزاكم الله خيرا
    ياربى لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك
    "ياالهى اسالك فرجا قريبا وصبرنا جميلا والعافيه من كل بليه والشكرعلى العافيه والغنى عن الناس ولاحول ولاقوة لابالله"
    الوْصُـولْ إلى رِضَــى آلنـَــآس‘أشـْـــــبَه بــِ طــَريق طَويـْل!يـَنْتهْي‘بــِ لـَوحَة آرشـــــــَآدية.مـَـكـُـتــــوب عـَـلـْـيهـَـا عــــُذراً .الطـــَريـْق‘ مــَـسْدُود فَـلاَ تَنْشَغِلْ إلاَ بـِ رِضى الله

    تعليق


    • #3
      رد: زادُ المعتَكفِـين: سُننُ الاعنكَـاف وآدابُـهُ للشيخِ - محمَّد المُخْتار الشنقيطيُّ - عضو هيئة كب

      اظلتكم 10 مباركة ......... عن ال10 الاواخر من رمضان
      نبذة :
      قال ابن رجب – رحمه الله -:

      "المحبون تطول عليهم الليالي فيعدونها عدا لانتظار ليالي العشر في كل عام، فظفروا بها نالوا مطلوبهم وخدموا محبوبهم".

      وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم خير نبراس وهدى عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر )",
      وفي رواية مسلم : عن عائشة رضي الله عنها : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره ". قال ابن حجر – رحمه الله - : " وفي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأخير إشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة ".


      وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم».


      الأعمال الخاصة بالعشر الأواخر من رمضان :


      الساعات الغالية النفيسة التي لا تعود إلا مرة في العام يسارع إليها الموفقون يغتنمون لحظاتها ودقائقها ويتعرضون فيها لنفحات الجواد الكريم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخص العشر الأواخر بأعمال لا يعملها بقية الشهر :


      فمنها : إحياء الليل فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله ففي حديث عائشة قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر – يعني الأخير – شمر وشد المئزر ", ويؤيده ما في صحيح مسلم عن عائشة قالت : " ما أعلمه صلى الله عليه وسلم ليلة حتى الصباح ".


      ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي وقد صح عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه كان يطرق فاطمة وعليا ليلا فيقول لهما : «ألا تقومان فتصليان ».


      وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة ونضح الماء في وجهه وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم : " الصلاة الصلاة ويتلو هذه الآية : {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ} [طه:132]".


      قال سفيان الثوري – رحمه الله - : " أحب إلى إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن طاقوا ذلك ".


      ومنها : اغتساله صلى الله عليه وسلم بين العشاءين لحديث عائشة : " واغتسل بين الأذانين ", والمراد : أذان المغرب والعشاء قال ابن جرير : " كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين ويلبس ثوبين جديدين ويستجمر ويقول : ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة والتي تليها ليلتنا يعني البصريين ".


      أخي المسلم : لقد كان الصالحون إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان تهيأوا لها واستقبلوها بالطهارة ظاهرا و باطنا !


      فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين والغسل والتطيب بالطيب واللباس الحسن كما يشرع ذلك في الجمع والأعياد وكما يشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزين الباطن بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى وتطهيره من أدناس الذنوب.


      ومنها : الاعتكاف ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها : «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى» وفي صحيح بخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين» وإنما كان يعتكف النبي صلى اله عليه وسلم في العشر التي يطلب فيها ليلة القدر قطعا لأشغاله وتفريغا لباله وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه.


      فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه فما بقى له سوى هم سوى الله وما يرضيه عنه وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال

      قال الإمام الزهري – رحمه الله - : " عجبا للمسلمين تركوا الاعتكاف مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل ".


      ليلة القدر


      من أعظم ليال العام فيها يفيض الرب عز وجل على عباده وتنزل عليهم الرحمات في ليلة خير من ألف شهر.

      قال تعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)} [القدر:1-3], وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شهر رمضان : «فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم» وقال مالك: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العكر فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر.


      قال قتادة - رحمه الله - : " إنما هي بركة كلها خير إلى مطلع الفجر ".


      وقال الضحاك - رحمه الله - : " لا يقدر الله في تلك الليلة إلا السلامة وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة ".


      قال الحسن البصري - رحمه الله - : " إذا كان ليلة القدر لم تزل الملائكة تخفق بأجنحتها بالسلام من الله والرحمة من لدن صلاة المغرب إلى طلوع الفجر ".


      أخي المسلم : إنها ليلة نزول الملائكة ,, ليلة الخيرات ,, ليلة النفحات ,, ليلة العتق من النار,, ليلة الرحمة.

      ومن فاتته هذه الليلة فهو محروم حقا, قال صلى الله عليه وسلم : «من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم».


      وليلة القدر أنزل فيها القرآن ووصفها الله عز وجل بأنها ليلة مباركة يكتب فيها الآجال والأرزاق خلال العام : {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان:4] ولها فضل عن غيرها من الليالي فهي خير من ألف شهر في العبادة وتنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والربكة وهي ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير : {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5] وفيها غفران الذنوب لمن قامها إيمانا واحتسابا ,,,


      وأما العمل في ليلة القدر فقد أثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة وقد أمر عائشة بالدعاء فيها أيضا.


      قال سفيان الثوري : " الدعاء في تلك الليلة أحب إلي من الصلاة ". ومراده أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء وأن قرأ ودعا كان حسنا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان ويقرأ قراءة مرتلة لا يمر بآية فيها الرحمة إلا سأل ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها.


      وقد سئلت عائشة – رضي الله عنها – النبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : «قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فأعفو عني» ولعظمة هذه الليلة كان الصالحون يتهيأون لها ويستقبلونها كما الأعياد فقد كان لتميم الداري رضي الله عنه حلة اشتراها بألف درهم كان يلبسها في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر وكان ثابت البناني وحميد الطويل – رحمهما الله – يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيبان ويطيبون المسجد بأنواع الطيب في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر.


      أخي المسلم : عليك بالمبادرة إلى الخيرات والإسراع في عمل الصالحات ولا تفوت هذه الأيام والليال الغالية فإن الوقت كالسيف وتأمل في حال من صلى وصام العام الماضي واليوم رهبن القبر فأسرع إلى طاعة ربك وتذلل بين يديه واسأله العافية في الدنيا والآخرة.


      قال ابن الجوزي : " كم يضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب وهذه الأيام مثل المزرعة فكأنه قيل للإنسان : كلما بذرت حبة أخرجنا لك ألف كر ( مكيال ضخم ) فهل يجوز للعاقل أن يتوقف البذر ويتواني ؟! ".


      أخي المسلم : نداء من الرب عز وجل يحتاج إلى حسن استجابة ومداومة على الخير {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133].

      قال سعيد بن جبير – رحمه الله - :" سارعوا بالأعمال الصالحة {إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} قال : لذنوبكم ".


      كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده وهؤلاء هم الذين {يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}[المؤمنون:60]. روي عن علي رضي الله عنه قال : " كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]".


      عن الحسن قال : " إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا و تخلف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون ".


      جعلنا الله وإيّاكم من المقبولين في هذا الشهر الكريم وغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
      الحمد لله رزقني الله بـ "رقية"
      اللهم اجعلها قرة عين لي ولوالدها واجعلها من عبادك الصالحين واشفها شفاءا لا يغادر سقما

      يارب اهد امتك آية واغفر لها وقها شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وثبتها وقوي ايمانها
      اللهم اشفها شفاءا لا يغادر سقماً

      اللهم طهر قلوبنا واحسن خاتمتنا وامح ذنوبنا
      رباااه اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم


      إلاهي أنت تعلم كيف حالي فهل يا سيدي فرج قريب

      تعليق

      يعمل...
      X