والسؤال الآن : ماذا أصنع ؟ ما الذي ينبغي عليَّ القيام به في هذه الأيام والليالي المباركة لعل الله يرزقني هذه المنزلة العظيمة ببلوغ ليلة القدر ؟
والجواب :
عليك – حبيبي في الله – ابتداءً بمراعاة هذه الأمور ليكون العمل أدعى للقبول إن شاء الله تعالى
(1) قال : ] إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى[[ متفق عليه ]، ولهذا يعظم الأجر كلما كثرت النوايا ، ولهذا كانت نية المرء خير من عمله
كان ابن المبارك يقول : رب عمل صغير تعظمه النية ، ورب عمل كبير تصغره النية .
ومن هنا يتبين لك حكمة تأكيد النبي على الاحتساب حال صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر .
ولذلك فسأذكر لك الأعمال التي ينبغي أن تقوم بها في زمان العشر ، وأذكر نفسي وإياك بفضائلها لتحتسب تلك الأجور عند الله تعالى ، ولا ريب أنَّ الاحتساب مدعاة للإخلاص ، والمداومة على " الاحتساب " تجعل حياتك كلها طاعات ، والطاعة طريق موصل إلى محبة الله تعالى ، وحينها لا تسأل عن النعيم .
(2) من علامة الصدق والإخلاص : استفراغ الوسع في الطاعة ، فلا تفتر في هذا الزمان عن طلب رضا الله تعالى بشتى الطاعات ، واكلف من العمل ما تُطيق ، فعلى قدر جدِّك واجتهادك تكونُ منزلتك عند الله تعالى ، فلا تدع بابًا للخير إلا طرقته ، وتنوع الطاعات علاج لطبيعة الملل عند الإنسان .
(3) من أشرف العبادات التي تتقرب إلى الله بها في هذا الوقت " التبتل " أي الانقطاع إلى الله ، قال تعالى : ] وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًارَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [ [ المزمل : 8-9 ] ففرِّغ قلبك له .
لما انقطعت مريم البتول إلى الله آثرها على نساء العالمين ، ولما تبتلت آسية امرأة فرعون لله ، وتركت الجاه والملك ، آثرها الله بالقرب منه في جنته ودار علاه ، فمن انقطع لله أغناه الله عمن سواه ، فشتان بين منقطع لخدمة ربه ، وآخر ينقطع لخدمة النَّاس
فعليك بهذه الأمور : أغلق الهاتف ، وانس همومك ، ودع مشاغلك ، ولهذا كان الاعتكاف لك أفضل ، وإلا فتأدب بآداب المعتكف ، فعليك بالصمت ، فمن صمت نجا ، وأحصِ عدد كلماتك في اليوم والليلة ، واشتغل بالذكر والوصال مع رب العالمين .
(4) عليك بالمجاهدة والمعاناة مع الصبر والاصطبار
قال بعض العلماء : من أراد أن تواتيه نفسه على الخير عفواً فسينتظر طويلاً بل لابد من حمل النفس على الخير قهراً .
(5) هذا زمان السباق ، فلا ترضَ بالخسارة والدون ، بل ادخل السباق بنفسية المتحدي كما قال أبو مسلم الخولاني : " أيظن أصحاب محمد r أنْ يستأثروا به دوننا ، كلا والله لنزاحمهم عليه زحاما حتى يعلموا أنهم قد خلَّفوا وراءهم رجالاً " .
قال وهيب بن الورد : إنْ استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل .
وقال الشيخ شمس الدين التركستاني : ما بلغني عن أحد من النَّاس أنَّه تعبد عبادة إلا تعبدت نظيرها وزدت عليه .
وقال أحدهم : لو أنَّ رجلاً سمع برجل هو أطوع لله منه فمات ذلك الرجل غمَّا ما كان ذلك بكثير
(6) لا تجعل طريقًا للعجز والكسل ، فاستعن بالله ، وأكثر من التعوذ " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل " ، وتخفف من الطعام فإنَّه مدعاة للكسل ، واخرج من نطاق خدمة " الكسل " فابتعد عن رفقة البطالين ، ورافق الصالحين ، فتنشط للطاعة ، واعلم أنَّ العمل يُشفي من العلل .
قال وهب بن منبه : من يتعبد يزدد قوة ومن يتكسل يزدد فترة .
(7) إياك وكثرة النوم فإنه يميت القلب ويثقل البدن ويضيع الوقت ، وأنت في هذا الزمان الشريف تحتاج لحياة القلب لا قسوته ، وخفة البدن ، واغتنام اللحظات .
(8) أحسن الظن بالله ، فإنَّه يمنع الجود سوء الظن بالمعبود ، ولو أحسنت الظن بالله ستحسنُ العمل ، لأنك ستحبه حبًا عميقًا . اللهم نسألك حبَّك ، وحبَّ من يحبك ، وحب كل عمل يقربنا إلى حبِّك .
(9) تعاهد عملك بالإصلاح ، فاجمع بين الكم والكيف .
قال لأم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها- إنَّ لك من الأجر على قَدر نصبك .[ رواه الحاكم وصححه الألباني (1116) في صحيح الترغيب ] فكل ما كثر وشقَّ كان أفضل ، لكن العمل القليل قد يفضل الكثير باعتبار الزمان وباعتبار المكان وباعتبار كيفية الأداء .
قال وهيب بن الورد : لا يكون همُّ أحدكم في كثرة العمل ، ولكن ليكن همُّه في إحكامه وتحسينه ؛ فإنَّ العبد قد يُصلِّي وهو يعصي الله في صلاته ، وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه .
فاجمع بين الأمرين تنال قصب السبق .
(10) من علامات قبول العمل عدم رؤيته ، وأصل الخطايا الرضا عن النفس ، ومن الجهل بالله اشتغال القلب بالعمل دون رحمة الله المسببة له ، قال تعالى : ] قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [[ يونس : 58 ] فلا تركن إلى عمل ، بل انظر إلى وجه القصور فيه ، واستغفر الله على نقصانه ليكون على مظنة القبول . قال تعالى : ] وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [[ المؤمنون : 60 ]
(11) لتكن لك عبادات في السر ، لا يطلع عليها إلا الله ، فهذا أدعى للإخلاص .
قال : صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسا و عشرين
[ رواه أبو يعلى وصححه الألباني (3821) في صحيح الجامع ]
كتبه فضيلة الشيخ
هانـــى حـــلمى
تعليق