فضائل الصحابة الكرام (تابع)
فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم (تابع)
سوف نتعرض في هذه الحلقة والتي بعدها لفضائل مخصوصة لبعض الصحابة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
1- فضائل خديحة رضي الله عنها:
هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي.
أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من النساء، ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة قبلها، وكل أولاده عليه الصلاة والسلام منها إلا إبراهيم رضي الله عنه فإنه من سريته مارية رضي الله عنها، ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم عليها امرأة قط، ولا تسرى إلى أن قضت نحبها.
توفيت رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين.
ومما ورد في فضائلها رضي الله عنها:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة هلكت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن" أخرجه الشيخان.
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب" أخرجه البخاري
4- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء. قالت: فغرت يوماً فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق2، لقد أبدلك الله - عز وجل - بها خيراً منها. قال: "ما أبدلني الله ـ عز وجل ـ خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ـ عز وجل ـ ولدها إذ حرمني أولاد النساء". أخرجه أحمد.
5- عن عائشة رضي الله عنها قالت: "استأذنت هالة بنت خويلد ـ أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال: "اللهم هالة" قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيراً منها". أخرجه البخاري ومسلم.
6- عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة" أخرجه البخاري، وعند مسلم بلفظ: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد" قال أبو كريب وأشار وكيع إلى السماء والأرض".
3- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ قال: "ما أنا بقارئ" قال: "فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: " زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: لخديجة وأخبرها الخبر "لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق..". أخرجه البخاري.
2- فضائل عائشة رضي الله عنها:
هي عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان.
وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية.
ولدت رضي الله عنها بعد المبعث بأربع سنين، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست أو سبع، ودخل بها وهي بنت تسع.
ومما ورد في فضائلها رضي الله عنها:
1- نزول الوحي بتبرئها مما رميت به رضي الله عنه في حادثة الإفك، فنزلت فيها ثمانية عشر آية من سورة النور وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الأِثْمِ} إلى قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "ولما تكلم فيها أهل الإفك بالزور والبهتان غار الله لها فأنزل براءتها في آيات من القرآن تتلى على تعاقب الزمان، وقد أجمع العلماء على تكفير من قذفها بعد براءتها واختلفوا في بقية أمهات المؤمنين هل يكفر من قذفهن أم لا؟ على قولين: وأصحهما أنه يكفر لأن المقذوف زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى إنما غضب لها لأنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي وغيرها منهن سواء".
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أي بنية ألست تحبين ما أحب"، فقالت: بلى قال: "فأحبي هذه" قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبي فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلنا لها: ما نراك أغنيت عنا في شيء فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحابة فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبداً، قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ... فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة قالت: ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها قالت: فلما تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم: "إنها ابنة أبي بكر" أخرجه مسلم.
3- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: "إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا يعمل حتى تستأمري أبويك" قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت: ثم قال: "إن الله ـ جل ثناؤه ـ قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إلى {أَجْراً عَظِيماً}" 3. قالت: فقلت: ففي أي هذا استأمر أبوي؟ فإني أريد الله وروسوله والدار الآخرة قالت: ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت" رواه البخاري.
4- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي فأقول: "إن يك هذا من عند الله يمضه" أخرجه الشيخان.
5- عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان أو حيث ما دار قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأعرض عني فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: "يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها" أخرجه البخاري.
6- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" أخرجه البخاري ومسلم.
7- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت: أي: الناس أحب إليك قال: "عائشة" قلت: فمن الرجال: قال: "أبوها" أخرجه البخاري.
8- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول: "أين أنا غداً؟" حرصاً على بيت عائشة قالت عائشة: فلما كان يومي سكن" أخرجه البخاري.
وعند مسلم عنها رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول: "أين أنا اليوم أين أنا غداً؟" استبطاء ليوم عائشة قالت: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري".
9- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً" أخرجه الترمذي.
10- عن أبي وائل قال: لما بعث علي عماراً والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها" أخرجه البخاري.
أيهما أفضل خديجة رضي الله عنها أو عائشة رضي الله عنها؟
اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال:
1- أن خديجة رضي الله عنها أفضل.
2- أن عائشة رضي الله عنها أفضل.
3- التوقف.
والصحيح هو القول الثالث وهو التوقف كما رجحه شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وابن كثير.
قال ابن القيم: " وسألت شيخنا ابن تيمية فقال: "اختصت كل واحدة منهما بخاصة، فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام، وكانت تسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبته وتسكنه، وتبذل دونه مالها فأدركت غرة الإسلام واحتملت الأذى في الله وفي رسوله، وكان نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها، وعائشة رضي الله عنها تأثيرها في آخر الإسلام، فلها من التفقه في الدين وتبليغه إلى الأمة، وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها هذا معنى كلامه" (جلاء الافهام).
وقال ابن كثير: ""والحق أن كلاً منهما لها من الفضائل ما لو نظر الناظر فيه لبهره وحيره والأحسن التوقف في ذلك إلى الله - عز وجل - ومن ظهر له دليل يقطع به أو يغلب على ظنه في هذا الباب فذاك الذي يجب عليه أن يقول بما عنده من العلم، ومن حصل له توقف في هذه المسألة، أو في غيرها فالطريق الأقوم والمسلك الأسلم أن يقول الله أعلم". (البداية والنهاية).
فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم (تابع)
سوف نتعرض في هذه الحلقة والتي بعدها لفضائل مخصوصة لبعض الصحابة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
1- فضائل خديحة رضي الله عنها:
هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي.
أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من النساء، ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة قبلها، وكل أولاده عليه الصلاة والسلام منها إلا إبراهيم رضي الله عنه فإنه من سريته مارية رضي الله عنها، ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم عليها امرأة قط، ولا تسرى إلى أن قضت نحبها.
توفيت رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين.
ومما ورد في فضائلها رضي الله عنها:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة هلكت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن" أخرجه الشيخان.
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب" أخرجه البخاري
4- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء. قالت: فغرت يوماً فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق2، لقد أبدلك الله - عز وجل - بها خيراً منها. قال: "ما أبدلني الله ـ عز وجل ـ خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ـ عز وجل ـ ولدها إذ حرمني أولاد النساء". أخرجه أحمد.
5- عن عائشة رضي الله عنها قالت: "استأذنت هالة بنت خويلد ـ أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال: "اللهم هالة" قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيراً منها". أخرجه البخاري ومسلم.
6- عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة" أخرجه البخاري، وعند مسلم بلفظ: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد" قال أبو كريب وأشار وكيع إلى السماء والأرض".
3- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ قال: "ما أنا بقارئ" قال: "فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: " زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: لخديجة وأخبرها الخبر "لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق..". أخرجه البخاري.
2- فضائل عائشة رضي الله عنها:
هي عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان.
وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية.
ولدت رضي الله عنها بعد المبعث بأربع سنين، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست أو سبع، ودخل بها وهي بنت تسع.
ومما ورد في فضائلها رضي الله عنها:
1- نزول الوحي بتبرئها مما رميت به رضي الله عنه في حادثة الإفك، فنزلت فيها ثمانية عشر آية من سورة النور وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الأِثْمِ} إلى قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "ولما تكلم فيها أهل الإفك بالزور والبهتان غار الله لها فأنزل براءتها في آيات من القرآن تتلى على تعاقب الزمان، وقد أجمع العلماء على تكفير من قذفها بعد براءتها واختلفوا في بقية أمهات المؤمنين هل يكفر من قذفهن أم لا؟ على قولين: وأصحهما أنه يكفر لأن المقذوف زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى إنما غضب لها لأنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي وغيرها منهن سواء".
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أي بنية ألست تحبين ما أحب"، فقالت: بلى قال: "فأحبي هذه" قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبي فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلنا لها: ما نراك أغنيت عنا في شيء فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحابة فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبداً، قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ... فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة قالت: ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها قالت: فلما تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم: "إنها ابنة أبي بكر" أخرجه مسلم.
3- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: "إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا يعمل حتى تستأمري أبويك" قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت: ثم قال: "إن الله ـ جل ثناؤه ـ قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إلى {أَجْراً عَظِيماً}" 3. قالت: فقلت: ففي أي هذا استأمر أبوي؟ فإني أريد الله وروسوله والدار الآخرة قالت: ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت" رواه البخاري.
4- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي فأقول: "إن يك هذا من عند الله يمضه" أخرجه الشيخان.
5- عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان أو حيث ما دار قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأعرض عني فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: "يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها" أخرجه البخاري.
6- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" أخرجه البخاري ومسلم.
7- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت: أي: الناس أحب إليك قال: "عائشة" قلت: فمن الرجال: قال: "أبوها" أخرجه البخاري.
8- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول: "أين أنا غداً؟" حرصاً على بيت عائشة قالت عائشة: فلما كان يومي سكن" أخرجه البخاري.
وعند مسلم عنها رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول: "أين أنا اليوم أين أنا غداً؟" استبطاء ليوم عائشة قالت: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري".
9- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً" أخرجه الترمذي.
10- عن أبي وائل قال: لما بعث علي عماراً والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها" أخرجه البخاري.
أيهما أفضل خديجة رضي الله عنها أو عائشة رضي الله عنها؟
اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال:
1- أن خديجة رضي الله عنها أفضل.
2- أن عائشة رضي الله عنها أفضل.
3- التوقف.
والصحيح هو القول الثالث وهو التوقف كما رجحه شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وابن كثير.
قال ابن القيم: " وسألت شيخنا ابن تيمية فقال: "اختصت كل واحدة منهما بخاصة، فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام، وكانت تسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبته وتسكنه، وتبذل دونه مالها فأدركت غرة الإسلام واحتملت الأذى في الله وفي رسوله، وكان نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها، وعائشة رضي الله عنها تأثيرها في آخر الإسلام، فلها من التفقه في الدين وتبليغه إلى الأمة، وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها هذا معنى كلامه" (جلاء الافهام).
وقال ابن كثير: ""والحق أن كلاً منهما لها من الفضائل ما لو نظر الناظر فيه لبهره وحيره والأحسن التوقف في ذلك إلى الله - عز وجل - ومن ظهر له دليل يقطع به أو يغلب على ظنه في هذا الباب فذاك الذي يجب عليه أن يقول بما عنده من العلم، ومن حصل له توقف في هذه المسألة، أو في غيرها فالطريق الأقوم والمسلك الأسلم أن يقول الله أعلم". (البداية والنهاية).
تعليق