بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلم،
أما بعد..
ففي شهر رمضان تتعلق القلوب بالقرءان؛ تلاوةً و استماعًا، معايشةً و استمتاعًا، في اليقظة وأثناء النوم، في كل ليلة وفي كل يوم؛
و كـلٌّ مِـنـَّــــا يحيــا مـع القــــرءان،
فتعلوا الهمم وتصفوا النفوس وترتقي؛ تتابعًا من أول يوم وليلة من هذا الشهر المبارك إلى آخره،
حيث يوم الجائزة بتوفيق الله لمن شاء لهم بالفوز والنجاح وقبول العمل والفلاح.
جعلنا الله وإياكم منهم برحمته سبحانه، وجعلنا وإياكم من عتقائه من النار بفضله وجوده وكرمه.
ففي شهر القرءان، في لياليه وأيامه؛ تحلوا قرائته أكثر من غيره، ويحلوا الاستماع إليه؛
لكن هناك استماع ، وهناك استماع آخر !!
فأي نوع من الاستماع منهما نحرص عليه؟!
أجاب على هذا شيخنا الكريم الفاضل والمربي لأجيال أفاضل:
الشيخ محمد حسين يعقوب ، حفظه الله وأطال في عمره ، وجزاه الله خير الجزاء..
لن أنقل لكم ما قاله سوى كلمة سمعتها منه وتأثرت بها كثيرا، حيث قال:
لا تستمع إلى النغمة لكن استمع بخشية
ثم أوضــح كلامه -بما معناه-:
لا تستمع إلى القرءان متأثرا بنغمة القارئ، لكن استمع بخشيتك للرحمن،
و تـَـــدَبَّــــــر
آيات الرحمة، وتأمل فيها راجيا ربك أن يشملك برحمته، وآيات البشارة للمؤمنين، واسعد بها راجيًا ربك أن تكون منهم.
ثـــم تَــــدَبَّــــر
آيات الإنذار والوعيد، وارهب منها مستعيذا بالله أن تشملك، وآيات المصير بعذاب جهنم، واستعذ بالله من غضبه ومن عذاب النار.
هذا مفاد ماقاله الشيخ بإيجاز، جزاه الله عنا كل الخير.
فأي نوع من المستمعين للقرءان الكريم نحن؟
وأي حال نحرص أن نكون عليه عند سماع آيات الذكر الحكيم؟!
هل نبحث عن أصحاب الأصوات الندية فقط من مشاهير القُراء؟!!
وهل تقشعر جلودنا، أو تخفق قلوبنا؛ تأثرًا بعذوبة ونداوة صوت القارئ؟!!
أم يكون حالنا كما قال ربنا تبارك وتعالى في سورة الزمر:
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ... الآية} 23
قال الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله في تفسيره (الوسيط):
والخلاصة أن من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين، أنهم يجمعون عند قراءتهم أو سماعهم للقرآن الكريم بين الخوف والرجاء،
الخوف من عذاب الله تعالى والرجاء في رحمته ومغفرته،
إذ أنَّ اقشعرار الجلود كناية عن الخوف الشديد، ولين الجلود والقلوب كناية عن السرور والارتياح. أ.هـ
وقال الإمام بن كثير في تفسيره (نقل بتصرف):
أي هذه صفة الأبرار ، عند سماع كلام الجبار ، المهيمن العزيز الغفار ،
لما يفهمون منه من الوعد والوعيد . والتخويف والتهديد ، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف ،
(ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه ،
فهم مخالفون لغيرهم من الكفار من وجوه :
أحدها: أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات ، وسماع أولئك نغمات لأبيات ، من أصوات القينات .
الثاني: أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ،
بأدب وخشية ، ورجاء ومحبة ، وفهم وعلم ،
كما قال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال: 2
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) الفرقان: 73
أي : لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها ، بل مصغين إليها ، فاهمين بصيرين بمعانيها ;
فلهذا إنما يعملون بها ، ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومتابعة لغيرهم [ أي يرون غيرهم قد سجد فيسجدون تبعا له ]..
الثالث: أنهم يلزمون الأدب عند سماعها ،
كما كان الصحابة رضي الله عنهم عند سماعهم كلام الله من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقشعر جلودهم ،
ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله. أ.هـ
رزقنا الله وإياكم بنعمة الأدب والخشية والرجاء والمحبة عند تلاوة وسماع القرءان،
وفهمه والعلم به كما يحب ربنا ويرضى لعباده المؤمنين.
تعليق